هاتف خفي انبعث في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعره أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذًا على اليمن سنة 10 هـ قال له صلى الله عليه وسلم فيما قال: « يا معاذ، إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري» فبكى معاذ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم»[ رواه البخاري]
وتعد رواية جابر بن عبدالله هي الأكثر تفصيلًا في باب "حجة النبي" وقد نقلها البخاري ومسلم في الصحيحين، ومنها نرى ترتيب المناسك كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومواقف جليلة تخللت حجته
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم «من أتى هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسقْ، رجع كما ولدتْه أمُّه»[ رواه مسلم]
وقد كان خُلُقه القرآن وكان يخدم الحجاج ويعلمهم المناسك بأدبٍ علّمه إياه ربه.
بعد أن شاء الله تطهير الكعبة من الأصنام خرج المسلمون مع نبيهم لمشهد الحج المبارك في 10 هـ، فكانت أول وآخر حجة للنبي، وقد أمر أصحابه بأن يأخذوا عنه المناسك وخطبهم خطبة جامعة تشتمل على قيم الإسلام وتدعوهم لنبذ الجاهلية وحقن الدماء وتعزيز الأخوة وحفظ الدين وتبليغه.
وقد فُرض الحج على المسلمين في العام السادس من الهجرة، وكان المسلمون يحجون مع المشركين، إلى أن نزل قوله ـ تعالى ـ في العام التاسع من الهجرة { يَا أيُّها الذينَ آمنُوا إنَّمَا المشركونَ نَجَسٌ فلا يقربُوا المسجدَ الحرامَ بعدَ عامِهِمْ هذَا وإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فسوفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ منْ فضلِهِ إنْ شاءَ إنَّ اللهَ عليمٌ حكيمٌ} [التوبة: 28]
دعاء ليلة الحج: قضى الحبيب صلى الله عليه وسلم ليلة الحج في ضراعة وخشوع، وظل يردد: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة، لك والملك لا شريك لك لبيك إله الحق» وقد سُمع أيضا يقول: «لبيك إن العيش عيش الآخرة» [حج النبي للطريري]
تَطَيُّب النبي: في يوم السبت تطيب رسول الله كأحسن ما يكون وقد أُوحي إليه كما ذكر لأصحابه في ذي الحُليفة حيث صلى العصر، وقال: «أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» [رواه البخاري]
وقد عاد النبي فاغتسل للإحرام وطيبته السيدة عائشة بالمسك، وارتدى إزاره ورداءه، وصلى ثم أهل بالحج والعمرة، وركب القصواء.
تواضعه في ركوب الناقة: ركب النبي ناقته مع شاب أسود وهو أسامة بن زيد.
متاع النبي: لم يزد متاع النبي عن ما تحمله حقيبة صغيرة لأبي بكر- رضي الله عنه- (جمعتهما الرحلة المباركة في الهجرة من مكة للمدينة فارِّين بدين الله من ظلم الشرك، واليوم تجمعهما الرحلة من المدينة لمكة بعد أن جاء الفتح المبين وسنوات الجهاد) [حج النبي للطريري]
حج النبي صلى الله عليه وسلم قارنًا؛ أي: قرن بين الحج والعمرة، وساق الهدي ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا حين قدم. لكنه طاف طواف الإفاضة مع هذين الطوافين . [فتوي نوع حج النبي لابن تيمية]
إياكم والغلو: اختار النبي حصوات صغيرة لرمي الجمرات، وقد جلبها من بطن الوادي وقد قال: « إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»[ ابن تيمية]
التسامح في المناسك: حين كان الأعراب وسكان الجزيرة يسألون النبي عما يبتدرهم من مشكلات في منى خلال أيام التشريق، كأن يحلق أحدهم ولم يذبح، فكان يجيبهم «لا حرج» [السيوطي والألباني]
سميت تلك الحجة بحجة البلاغ والإسلام والوداع؛ لأن رسول الله كان يقول عقب كل أمر أو نهي في خطبته أَلا هل بلغت؟ فيقول الجمع الحاشد: نعم، فيقول عليه الصلاة والسلام: اللهم فاشهد.
وسميت حجة الوداع؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودع أمته قائلا: «خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ لِعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ » [رواه النسائي]
فقد انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى بعد عودته إلى المدينة بقليل.