° استشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ غزوة "بدر" أصحابَه في شأنِ الأسرى، فأشار عمرُ - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم، وأشار أبو بكر - رضي الله عنه - بالعفو، وتوسَّطَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فاختار أن يُفْتَدَوْا من أهلهم، وقد بيَّن الله سبحانه لنبيِّه الحُكْمَ في أخذِه أسرى والمعركةُ دائمةٌ مستمرةٌ؛ لأنه لا أسرى إلاَّ بعد أن يَعجِزَ العدوُّ عن القتال، وقد نزل في ذلك قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67 - 68].
° هناك في القضية عَمَلٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولومٌ وتوجيهٌ من الله، ولكنَّ الكاتِبَ يقولُ: إن النبي -بعد تأمُّلٍ وتدبُّرٍ قَرَّر خطأَ الفِداء، وهذا نصُّ كلامِه: "قد أطَلَق كثيرًا من الأسرى، ولم يَعُدْ -أي: لم يَبْقَ- غيرُ قليل، فانقطع يُفكِّر، وخَرَج على أصحابِه يقول: إنه أخطأ هو وأبو بكر حين لم يستمعا لنصيحة عمر، فما كان له أن يتركَ لقريشٍ أَسْرَاها لتستعينَ بهم على حَرْبه مرةً أخرى، ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يُثخِنَ في الأرض" (ص 203 - 204).
وبهذا يتبين أنه يَرى أن هذا ليس وحيًا، ولكنه من تأمُّلاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ القرآنَ من عندِ محمدٍ، لا من عند الله!!.
* إِبطالُ التبنِّي من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟!:
° يَنسِبُ إبطالَ التبنَي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَنسِبُه إلى الله، مع أنه قد حُرِّم التبنِّي بقولِ الله تعالى في نصٍّ قرآني، إذ يقول سبحانه: {مَا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 4 - 5].
* ويقول سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ
رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
° فهو يَذكرُ قصةَ "زيدِ بنِ حارثة" مع زوجِه "زينب بنت جحش"، وشكواه منها، وقولَ النبيِّ له: "أمسِكْ عليك زَوْجَك"، ويُبيِّنُ أن الزوجَينِ أصبحا لا يُطيقانِ الاستمرارَ، ويَذكرُ إشاعةَ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَمعَ في جَمالها، وما كان للنبيِّ أن يتزوَّج زَوْجَةَ متبنَّاه -لأنه ابنه-، ثم يقول: "ولكنَّ محمدًا خَرَج يقول لهم: إنَّ المتبنَّى ليس كالابن تمامًا، فالولدُ شيءٌ آخَر، وإنه إنما تزوَّج لكي يُدرِكوا هذا، ولكيلا يكون على المؤمنين حَرَجٌ في أزواجِ أدعيائهم، فلا حاجةَ له بجمالِ زينب، ولديه عائشةُ وحفصة" (ص 216).
فهو في هذا يدَّعي أن التحريمَ للتبنِّي مِن محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ويدَّعي أنَّ محمدًا تزوَّج "زينبَ" مِن تلقاءِ نفسِه، مع أنه بأمرٍ من الله تعالى في قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا .. } [الأحزاب: 37].
فنراه يَنسِبُ التحريمَ إلى النبيِّ؛ ويَنسِبُ الزواجَ لرأيٍ ارتآه الرسولُ، مع أنه ثابتٌ بالقرآن، ولكنه يَنسِبُ القرآنَ دائمًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإنَّا لَنحمدُ له أنه لم يَسِرْ وراءَ المستشرقين في ادِّعائهم -كما جاء في روايةٍ ضعيفةٍ عن بعض التابعين- أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فُتِن بجمال "زينب" -وكان الطلاقُ لذلك- فله منَّا التقديرُ لهذا!!.
* عِبرةُ "أُحُد":
° ذَكر -بعد أنْ قَصَّ أخبارَ موقعةِ "أُحد"- العِبَرَ فيها على أنها من قولِ محمد، مع أنها من قولِ الله تعالى، فهو يقول: " .. وأقبل محمدٌ على الناس يُحدِّثهم عن مِحنةِ "أُحد"، ويَستخلصُ العِبرةَ من أخطائهم، عسى أن تُضيءَ التجربةُ القاسيةُ طريقَ المستقبل".
وإن العِبرةَ في "أُحد" كانت بقولِ الله تعالى في آياتٍ كثيرةٍ من سورة "آل عمران" في مثلِ قولهِ تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} [آل عمران: 152 - 153].
ولكنه دائمًا يَنسِبُ ما جاء في القرآن إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مما يدلُّ على أنه يَرى أن القرآنَ من قولِ النبي، ولم يُذكرْ في الصحيح من السنن أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن العِبَرَ في "أُحد" بغير تلاوةِ القرآن عليهم.
* تقسيم أموال بني النضير:
° يَذكر أن تقسيمَ أموالِ "بني النضير" كان بقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول في ذلك، قال لهم: "إنَّ إخوانَكمُ المهاجرين ليس لهم مالٌ، فإن شِئتُم، قَسَمتُ أموالَ بني النضير وأموالَكم بينَكم جميعًا، وإن شئتُم أمسكتُم أموالَكم وقَسَمتُ هذه فيهم خاصة".
* والحقُّ أنه لا يُوجَدُ ذلك التخييرُ، وأن النصَّ القرآنيَّ في صريحه يُبيِّنُ هذا، فاللهُ سبحانه وتعالى يقول: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8 - 9].
ولكنه -كمنهاجه- يَنسِبُ ما في القرآن دائمًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزاد هنا مسألةَ التخيير التي لا نَعلمُ لها مصدرًا تاريخيًّا .. (ص 255).
* معاني القرآن وأحكامُه يَنسِبُها للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
° وهكذا نَجِدُه يذكرُ كثيرًا من معاني القرآن، ويَنسِبُها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو يذكر سورة "الكافرون": {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} على أنها من كلامِ النبي - صلى الله عليه وسلم - .. (ص 108).
ويَنسِبُ تحريمَ الخمرِ على أنه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُشيرُ إلى تدرُّجِ التحريم في القرآن الكريم .. ويتركُ الآياتِ المختلفةَ الدالةَ على ذلك.
* أين ذِكرُ الله في الكتاب؟!:
° ويقول الشيخ أبو زهرة في تقريره: "هذه أمثلةٌ سُقناها، وإنها لَكثيرةٌ في الكتاب، وهي تدل على أنه يَرى -أي: الكاتِبُ- أن القرآنَ من كلامِ محمدٍ، وفي الحقيقة إنه لم يَذكُرْ -قطُّ- أن الله سبحانه وتعالى مُنزِلُ القرآن، وباعثُ محمدٍ بالرسالة، بل إنَّ ذِكْرَ الله تعالى يَندُرُ في الكتاب، بل
لا تَجِدُ له ذِكرًا قط .. {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ".
* القرآنُ من هَمْهَمةِ الرسول!!:
لم يَذكُرِ "القرآنَ" إلاَّ نادرًا، بل إنك تقرأُ الصفحاتِ الكثيرةَ التي تَبلغُ مئتَينِ أو أكثر، فلا تَجِدُ ذِكْرًا لكلمةِ "القرآن الكريم"، بل لكلمةِ "القرآن" فقط، وأذكرُ آيةً ذَكَر أنها هَمْهَمَةُ نَفْسِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولْنضرِب لذلك مثلاً ..
لقد ذَكَر أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لبعضِ الناس بالعَودةِ من حيثُ خَرَجوا، وكان ذلك في بعضِ الغزوات، ثم يقول: "فأَذِنَ لمن يريدُ أن يعودَ إلى بيتِه أن يعودَ فهذا خيرٌ من أن يَبقى في الصفوف لِيُشيعَ الانهزامَ، وَيثْبُتَ في الصفوفِ من يَجِدُ في نفسِه القُدرةَ على مواجهةِ الخَطَرِ والرَّغبةَ الصادقةَ في الاستشهاد دفاعًا عما يؤمنُ به، وهَمْهَمَ لنفسِه وهو يتقدَّمُ الصفوف: "عفا اللهُ عنك لِمَا أَذِنْتَ لهم"، ولكنه عاد فرأى الخيرَ في تخليص صفوفِه من العناصر الحائرة، ثم أخذ يتلو عليهم: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 16] " (ص 288).
فهو يذكر الهمهمةَ، ثم يَقرِنُها بآيةٍ على أنها من هَمْهَمَتِه، ثم يتلو آيةً أخرى غيرَ ناسِبِها لله -ولا لأحدٍ-، فهي -بمقتضى منطِقِه- من هَمْهَمتِه أيضًا، ثم يُشيرُ إلى نوع من التشكيك؛ لأنَّ الآيتَينِ يبدو بينهما تعارضٌ، مع أنَّ الآيتَينِ مختلفتانِ من حيثُ موضعِ قولهما، فآية {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} كانت في غزوة "تبوك"، وقوله: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ
يَثْرِبَ} كانت في غزوة "الأحزاب"!!.
وخَتَم الشيخ أبو زهرة - رحمه الله - تقريرَه بطلبِ مَنْعِ تداوُلِ الكتاب؛ لأنه يُسِيءُ إلى الناس في دينهم.
* د. نصر أبو زيد، يقول عن القرآن: "إنه نصٌّ بشريٌّ، ومُنتَجٌ ثقافيٌّ لا قداسةَ له"، ويَرفضُ الاحتكامَ إِلى الشريعة:
° يقول هذا القِزمُ المرتدُّ عن القرآن: "إنه نصٌّ بشريٌّ، ومُنتَجٌ ثقافيٌّ .. لا قداسةَ له! وإن بينَه وبين الشِّعرِ الجاهليِّ -وخاصةً شِعر الصعاليك- شَبَهًا كبيرًا"!، وبنصِّ عباراته -التي لا تحتاجُ إلى تعليق يقول: "مِن الواقع تكوُّنُ النصِّ "القرآن"، ومن لُغتِه وثقافته صِيغَتْ مفاهيمُه، فالواقعُ هو الذي أنتج النصَّ .. الواقعُ أَوَّلاً، والواقعُ ثانيًا، والواقعُ أخيرًا.
لقد تشكَّل القرآنُ مِن خلالِ ثقافةٍ شِفاهيَّةٍ .. وهذه الثقافةُ هي الفاعل، والنصُّ مُنفعِلٌ ومفعول .. فالنصُّ القرآني في حقيقتِه وجَوهرهِ منْتَجٌ ثقافيٌّ، والمقصودُ بذلك أنه تَشَكَّل في الواقع والثقافةِ فترةً تَزيدُ على العشرين عامًا .. فهو "ديالكتيك صاعد"، وليس "ديالكتيكًا هابطًا" ..
والإيمانُ بوجودٍ ميتافيزيقيٍّ سابقٍ للنص يَطمِسُ هذه الحقيقة .. والفِكرُ الرَّجعيُّ في تيارِ الثقافةِ العربية هو الذي يُحَوِّلُ النصَّ من نصٍّ لُغويٍّ إلى شيءٍ له قَداستُه.
والنصُّ القرآنيُّ منظومةٌ من مجموعةٍ من النصوص، وهو يتشابَهُ في تركيبته تلك مع النصِّ الشِّعريِّ، كما هو واضحٌ من "المعلَّقاتِ الجاهلية" مثلاً، والفارقُ بين القرآن وبين المعلَّقة -مِن هذه الزاوية المَحَدَّدة- يتمثَّلُ في
المَدَى الزَّمنِيِّ الذي استغرقه تكوُّنُ النصُّ القرآني .. فهناك عناصرُ تَشَابُهٍ بين النصِّ القرآني ونصوصِ الثقافة عامةً، وبينه وبين النصِّ الشِّعْري بصفةٍ خاصة .. وسياقُ مخاطبةِ النساء في القرآن -المُغايرُ لسياقِ مخاطبةِ الرجال- هو انحيازٌ منه لنصوص الصعاليك"!!.
* النبوَّةُ عند نصر أبو زيد ثمرةٌ لقُوَّةِ "المُخَيِّلة":
° "النبوة" و"الرسالة" و"الوحي" عند هذا الحَدَاثيِّ الماركسيِّ: ظواهرُ إنسانية، وثَمَرَةٌ لقوة "المُخيِّلةِ" الإنسانية، وليس فيها إعجازٌ ولا مفارقةٌ للواقع وقوانينه .. فالأنبياءُ مِثلُ الشعراءِ والمتصوِّفة، مع فارق في درجةِ "المُخيِّلة" فقط لا غير .. وهذا نصُّ عبارته: "إنَّ الأنبياءَ والشعراءَ والعارِفين قادرون -دون غيرِهم- على استخدام فاعليَّةِ "المُخيِّلة" في اليقظة والنومِ على السواء .. ومِن حيثُ قُدرةِ "المخيِّلة" وفاعليَّتها، فالنبيُّ يأتي على رأسِ قمَّةِ الترتيب، يليه الصوفيُّ العارف، ثم يأتي الشاعرُ في نهاية الترتيب.
وتفسيرُ النبوة اعتمادًا على مفهوم "الخيال" معناه أن ذلك الانتقالَ من عالَمِ البَشَر إلى عالَم الملائكة انتقالٌ يَتِمُّ من خلال فاعليةِ "المُخيِّلةِ" الإنسانيةِ التي تكونُ في "الأنبياء" أقوى منها عند سواهم من البشر .. إنها حالةٌ من حالاتِ الفاعليَّةِ الخلاَّقة، فالنبوَّةُ في ظلِّ هذا التصوُّر، لا تكونُ ظاهرة مفارِقةً .. وهذا كلُّه يؤكِّدُ أن ظاهرةَ "الوحي" لم تكن ظاهرةً مفارِقةً للواقع، أو تُمثِّلُ وَثْبًا عليه وتجاوُزًا لقوانينه، بل كانت جُزءً من مفاهيمِ الثقافةِ، ونابعةً من مواضعاتها" (1).
__________
(1) "مفهوم النص" لنصر حامد أبو زيد (ص 56، 38) - طبعة القاهرة سنة 1990 م.
* القرآنُ عنده خطابٌ تاريخي:
° وبعد تحويلِ القرآنِ إلى نصٍّ بشريٍّ .. والوحيِ والنبوَّةِ إلى قوَّةٍ في "المُخيِّلةِ" الإنسانية .. يَذهبُ هذا الحَدَاثيُّ الماركسيُّ إلى تطبيق "التاريخية والتاريخانية" على معاني ومضامينِ وأحكامِ القرآن -كلِّ معانيه ومضامينه وأحكامه- مِن العقائد إلى الأحكام، وحتى القِيَمِ والأخلاقِ والقَصَص الأمرُ الذي يعني نَسْخ كلِّ مضامينِ القرآن وتجاوُزِها .. فيقول: " .. فالقرآنُ خطابٌ تاريخيٌّ، لا يتضمَّنُ معنًى مفارِقًا جوهريًّا ثابتًا .. وليس ثَمَّةَ عناصرُ جوهريةٌ ثابتةٌ في النصوص .. فالقرآنُ قد تَحوَّل من لحظةِ نُزوله مِن كونِه "نصًّا إِلهيًّا" وصار فهمًا "نصًّا إِنسانيًّا"؛ لأنه تحوَّلَ من التنزيل إلى التأويل.
وهذه التاريخيةُ تنطبقُ على النصوصِ التشريعية، وعلى نصوصِ العقائدِ والقَصَص .. وهي تُحرِّكُّ دلالةَ النصوص، وتَنقُلُها -في الغالبِ- من الحقيقةِ إلى المجاز" (1).
هكذا يتمُّ العَبَث الحَدَاثيُّ بالثوابتِ والمقدَّسات -القرآن .. والنبوة والرسالة .. والوحي- على هذا النحوِ اللامعقول!! (2).
° نصر أبو زيد الذي يُريدُ من الناس أن يتعامَلوا مع القرآن كنصٍّ أدبيٍّ، وليس وحيًا إِلهيًّا بل يقول في آخِرِ كتابه: "وقد آنَ أوانُ المراجعةِ
__________
(1) "نقد الخطاب الديني" لنصر حامد أبو زيد (ص 83، 94، 82 - 84) - طبعة القاهرة 1990 م.
(2) "مستقبلنا بين التجديد الإِسلامي والحداثة الغربية" (ص 30 - 31) للدكتور محمد عمارة.
والانتقالِ إلى مرحلةِ "التحرُّر" لا من سُلطةِ النصوص وحدَها، بل من كلِّ سُلطةٍ تَعُوقُ مسيرةَ الإِنسانِ في عالَمِنا، علينا أن نقومَ بهذا الآنَ وفورًا، قبل أن يَجرِفَنا الطوفان" (1).
* رَفضُ الاحتكامِ إِلى كتابِ الله -عز وجل-:
° ونصر أبو زيد يُريدُ زحزحةَ القرآن عن حياةِ المسلمين، فيقول: "إنَّ الاحتكامَ إلى كتابِ الله -عز وجل- لم يكن موجودًا إلاَّ عندما ظهر الخوارج" (2).
* أحمد عبد المعطي حجازي والتبجُّحُ العِلماني:
بَلَغَ التطرُّفُ بالعِلمانيِّ النَّكِرَةِ القِزْم أحمد عبد المعطي حجازي أنْ طَلَبَ من المسؤولين حِرمانَ الدكتور السيد أحمد فرج من التدريس بالجامعة؛ لأنه أخطرُ على الطُّلاَّبِ من كتابه "أدب نجيب محفوظ" الأهرام 7/ 7/ 1999 م.
° وكان من حيثيَّات هذه الدعوةِ ما قرأه حجازي للدكتور فرج في بعضِ كُتبه من أنَّ "الدين هو الرابطةُ المقدَّمةُ على أيَّةِ رابطةٍ أخرى، "فالدين في نظر السيد فرج ليس مجرد اعتقاد، أو علاقةٍ بين الإنسانِ وخالِقِه، وإنما هو أيضًا قوميَّةُ وجنسية" (3).
__________
(1) "الإمام الشافعي، وتأسيس الأيدلوجية الوسطية" لنصر أبو زيد (ص 110).
(2) المصدر السابق (ص 21).
(3) انظر مقال الدكتور جابر قميحة -مجلة "آفاق عربية"- العدد (610) - 5 من ربيع الآخر 1424 هـ - 5 من يونيه 2003 م.
* فرج فوده الزنديقُ القمِئُ، الرافضُ لتطبيق شرع الله، هو من أكبر شانئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
كيف لا يكونُ ذلك وهو الكارهُ الرافضُ لِمَا جاء به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ويدَّعي تَفوُّقَ القانونِ الوضعيِّ على الشريعة الإِسلامية، وهذا كفرٌ أكبرُ مُخرجٌ من المِلَّة، كما جاء في "شرح الطحاوية في عقيدة أهل السنة والجماعة" التي تلقَّاها علماء الأمة بالقبول.
° يقول: "أنا أرى أنَّ حَجْمَ الانحلالِ الموجودِ في المجتمع المصري أقلُّ بكثيرٍ اليومَ على مدى التاريخ الإِسلامي كلِّه .. ورأيي أن القانونَ الوضعيَّ يُحقِّقُ صالحَ المجتمعِ في قضايا الزِّنا -مثلاً-، وأكثَرَ مما ستُحقِّقُه الشريعةُ لو طُبِّقَت" (1).
° ويقول في كتابه "الحقيقة الغائبة": "والنتيجةُ ببساطةٍ: أنَّ القانونَ الحاليَّ يُعاقِبُ على جرائمَ يَعْسُرُ على الشريعةِ أن تُعاقِبَ عليها، ويَعكِسُ احتياجَ المجتمعِ المعاصِرِ بأقدَرَ ممَّا تفعلُ الشريعة" (2).
° يقول فرج فودة في كتاب "حوارات حول الشريعة" لأحمد جودة (ص 14 - 15): "ببساطةٍ أنا ضدَّ تطبيقِ الشريعة الإِسلامية فورًا أو خطوةً خطوةً".
__________
(1) "حوار حول قضايا إسلامية" لفرج فودة (ص 178 - 179) نقلاً عن كتاب "مَن قتل فرج فودة" للدكتور عبد الغفار عبد العزيز (ص 32) - دار الإعلام الدولي، وكتاب "أحكام الردَّة والمرتدين" للدكتور محمود مزروعة (ص 316).
(2) "الحقيقة الغائبة" لفرج فودة (ص 121) نقلاً عن "مَن قتل فرج فودة" (ص 32)، و"أحكام الردة والمرتدين" (ص 316).
° ويقول أيضًا في نفس المصدر: "وعمومًا هناك قاعدةٌ إسلاميَّةٌ تقول: "ويجوزُ ارتكابُ معصيةٍ اتقاءَ فتنة"؛ لذلك فأنا أقولُ: إذا كان عَدَمُ تطبيقِ الشريعة معصيةً، فلتكنْ معصيةً نَسْعَدُ بارتكابها اتقاءً لِمَا هو أسوأُ، وهو "الفتنة الطائفيَّة" .. الدولةُ الدينيَّةُ سوف تَقودُ للحُكمِ بالحقِّ الإلهي .. وهو حكمٌ جاهل، وكثيرًا ما أَدَّى لمظالِمَ ومفاسِدَ تقشعرُّ منها الأبدان".
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، واللهِ ما غاب الحقُّ والعدلُ والنورُ والتمكينُ في الأرض إلاَّ بغيابِ الخلافةِ، حتى في أحطِّ عصورها التي حاد فيها الناس كثيرًا عن التطبيق الشامل لشرعِ الله. فليس مَن قَصَدَ الحقَّ فأخطأه كمن تعمَّد قَصْدَ الباطل.
° يقول الكذَّاب الأشِرُ فرج فودة: "ولهذا كلِّه أرفضُ تطبيقَ الشريعة، وصوتي عالٍ جدًّا في هذا الصَّدد".
° ويقول في كتاب "الطائفية إلى أين": "إنَّ الدعوةَ لإِقامةِ دولةٍ دينيةٍ في مصر تمثِّلُ رِدَّة حضاريَّةً شاملةً بكلِّ المقاييس" (1).
° وفي كتاب "حوار حول قضايا إسلامية" (ص 172) يقول: "إنَّ الإِسلامَ دينٌ -وليس دولة-، وإنَّ الدولةَ الإِسلاميةَ- على مَدى التاريخِ الإِسلامي كله -كانت عِبْئًا على الإِسلام وانتقاصًا منه، وليس إضافةً إليه" (2).
° وفي محاورةٍ معه يقول لمن يحاوره: "وأنا شخصيًّا أرفضُ تمامًا
__________
(1) "الطائفية إلى أين" لفرج فودة (ص 20).
(2) انظر "أحكام الرِّدَّة والمرتدين" (ص 314 - 315).
الدولةَ الدينيةَ أَيًّا كان شَكْلُها، وبالتحديد في المجتمعِ المِصريِّ .. أرفضُ قيامَ دولةٍ إسلاميةٍ دينية" (1).
* إِباحته للزنا:
° يقول الدكتور عبد الغفَّار عبد العزيز رئيس قسم الدعوة بجامعة الأزهر ورئيس ندوة العلماء في كتابه "مَن قتل فرج فودة؟ " عن فرج فودة: "والغريبُ أنه كان يُفتي بجرأةٍ في كثير من قضايا الدين إلى حَدِّ إباحتِه للزنا في الإِسلام، ويَستدِلُّ على ذلك بقول الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33]، ويرى أن عمليةَ "الإكراه والإجبار" هي الممنوعة، أمَّا إنْ تمَّ ذلك من غيرِ إجبارٍ، فلا شيءَ في ذلك" (2).
° قال الشيخ محمد الغزالي: "فرج فودة -بيقينٍ- كان خَصْمًا للإسلام، وهو لم يكن يُداري هذا .. هو كان صريحًا في خصومتِه للإِسلام كشريعةٍ ونظامٍ ومعاملاتٍ وشؤونٍ سياسيةٍ واقتصادية" (3).
° ويقول الشيخ الغزالي عن فرج فودة: "كيف أُقنعُ رجلاً بأنَّ الإِسلامَ دولةٌ، وهو لا يُؤمنُ بأنه دين؟! إنَّ المقتنعَ بالوحي يَكفي أن أقولَ له: قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، ليقتنعَ بأن القرَآن نَزَل ليحكُمَ .. المشكلةُ أن يقولَ لك امرؤٌ: "أنا مسلم، ولكنِّي أُبيحُ الخمر، وأنا أعرفُ منك بالإِسلام"!!.
__________
(1) "من قتل فرج فودة" (ص 30).
(2) حوار خاص مُسَجَّل معه في 29/ 7/ 89 نقلاً عن "مَن قتل فرج فودة" (ص 28).
(3) صحيفة الوفد الصادرة في يوم الخميس 25 يونيو سنة 1992.
لقد هَزُلَتْ حتى بَدَا مِن هُزالِها ... كُلاها وحتى سامَها كلُّ مُفْلِسِ
ثم يجيءُ بعدئذٍ مَن يَصِفُ مُستبيحَ الخمرِ بأنه "المفكِّرُ الإِسلاميُّ الكبير" .. ما هذا الهَذَر؟ " (1).
° وقد قال الشيخ محمد الغزالي في نفس المقال: "أمَّا رأيي في الدكتور فرج فودة، فهو صورةٌ عربيةٌ للعقيد جون جارانج الزنجي الذي يُحاربُ الإِسلامَ في السودان، ويريدُ وَضْعَ دستورٍ علمانيٍّ لشَمَالِهِ وجَنوبه معًا".
° يقول المجرم فرج فودة: "إنَّ التيارَ الإِسلاميَّ كلَّه خِداعٌ وكَذِبٌ وتلفيقٌ وتزويرٌ للحقائق، تدفعُ للاعتقاد بأنه وراءَ كلِّ خسيسةٍ ونقيصةٍ في العالَم، وحتى لا يكونَ الوصفُ قاصرًا على الزمنِ الحاضر، فإنَّ تاريخَ المسلمين كلَّه ليس إلاَّ امتدادًا للقهر والاستبداد" (2).
* وبَقِيَ الإِسلام وذهب فرج فودة إلى مَزبلةِ التاريخ تُشيِّعُه لعناتُ اللاعنين إلى يوم الدين.
ـ[بعضُ زُعماءِ وحُكَّامِ المسلمين القائلين بفَصْلِ السياسة عن الدين:]ـ
منذ أن نَعِقَ "كمال أتاتورك" بالعِلمانية، وفَصَلَ الدينَ عن الدولة في تركيا الحديثة -بعد أنْ ألغى الخلافةَ ونَصَبَ المشانق لعلماء الإِسلام وكادَ للإِسلام وأهله-، تابَعَه على قوله هذا بعضُ زعماءِ وحُكَّامِ المسلمين، وأظهر البعضُ مَدْحَه وإعجابَه بأتاتورك، ولم يَستطعِ البعضُ أن يُعلِن ..
__________
(1) جريدة "الشعب" 30/ 6/ 92 مقالة للشيخ الغزالي بعنوان "هذا ديننا".
(2) "من قتل فرج فودة" (ص 105).
ولكنْ لسانُ حاله -كلُّ حاله- يقول: "كلُّنا أتاتورك" .. واللهُ عَزَّ وَجَلَّ هو المطَّلعُ على خفايا الصدور، {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13]، وكلٌّ منهم سيخلو بربِّه يومَ القيامة، ليس بينَه وبينَه تَرجُمان .. يسأله عمَّا فَعَل بالإِسلام وشرعه:
* مصطفى النَّحاس، زعيم "الوفد":
° قال في تصريح له: "أنا معجَبٌ -بلا تحفُّظ- بكمال أتاتورك، ليس فقط بناحيتِه العسكريَّة، ولكن بعبقريَّته الخالصة، وفَهْمه لمعنى الدولة الحديثة".
° ورَدَّ عليه الشيخ الغيُور حسن البنا - رحمه الله -: "هذا التصريحُ ليس تصريحًا أجوف، وليس تصريحًا يَصدُرُ هكذا عن مُجاملةٍ أو عن غيرِ رَوِيَّةٍ سابقة، وفِكرةٍ مستقرَّةٍ تُريدُ أن تَبرُزَ إلى الوجودِ في الوقت المناسب، حتى تتهيَّأ لها الظروف؛ وإنْ سَبَق اللسانُ فأظهَرَ مكنونَ الضمير.
فأنتم تُسَجِّلون في هذا التصريح أنَّ هناك شيئًا اسمُه "الدولة الحديثة"، وهي التي فَهِمَها كمال أتاتورك، وشَكَّل على غِرارِها "تركية"، وتُصرِّحون في كلامكم كذلك أنَّ هذه الدولة هي التي تستطيعُ وحدَها في الأحوالِ العالمية أن تعيشَ وأن تنمو.
ومعلومٌ أن أتاتورك في دولته الحديثة قد تجرَّد من كلِّ المظاهر الإِسلامية، فكأنَّكم في هذا تُعلِنون -في صراحةٍ - أن مصرَ لا تستطيعُ أنْ تعيشَ وأن تنموَ في الأحوالِ العالَميةِ الحاضرةِ إلاَّ إذا تجرَّدت في الأخرى من كلِّ مظاهِرِ الإِسلام -كما فَعَلت "تركية"-.
وكأنَّ هذا هو عنوانُ مِنهاجِكم ومِحورُ الإِصلاح الذي تريدونه لهذا الوطنِ بعدَ الانتهاء من قضاياه الخارجية، ولستَ رجلاً من آحاد الناس، بل أنت زعيمٌ يؤولُ إليه الحُكْمُ، وتُلقَى إليه مقاليدُ الأمة.
هذا التصريحُ دليلٌ ماديٌّ بين يَدَيِ الذين يَرَوْن أن "الوفد" يَعملُ على سياسةٍ إنْ لم تكن تناوِيءُ الإِسلامَ، فهي -على الأقلِّ- لا تستمدُّ منه، ولا تُعنَى بشأنه، ويَسُرُّها أن تتخلَّص مِن تِباعتِه" (1).
* الرئيس السادات:
° نشرت جريدة "الأخبار" أولَ مارس 1979 م في مَطلعها العنوان الكبير "