لما فُتحَت خيبر تحرك الحقد الدفين في قلوب اليهود، وتواطؤوا فيما بينهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والتخلص منه، كعادتهم في قتل الأنبياء غدرًا عبر تاريخهم الأسود.
ورشَّحوا لذلك امرأة منهم، هي زينب بنت الحارث زوجة سلَّام بن مشكم اليهودي [الطبقات الكبرى]،قامت تلك اليهودية بشوي شاة، وقد سألت عن أحب عضو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السُّم، ثم سَّمت سائر الشاة.
ثم جاءت بها وقدَّمتها للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الهدية، لا صدقة، لتتأكد من عدم رفض النبي صلى الله عليه وسلم لها، لكونه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة.
فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه بعض أصحابه، تناول الذراع، فأخذ منها مُضغة، فلم يُسغْها فتوقف عن الأكل وتركها، لكن بشر بن البراء بن معرور الأنصاري ظل يأكل، وهنا حدثت المعجزة الإلهية.
فقد أخبرت الشاةُ الرسول صلى الله عليه وسلم أنها مسمومة[السيرة النبوية لابن هشام]، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم على الفور آمرًا أصحابه: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ؛ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِى أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ»(رواه أبوداود).
أما بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فإنه مات على الفور من أثر السم، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: «اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُود»، فجُمِعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟» فقالوا: نعم، فسألهم: «هَلْ جَعَلْتُمْ في هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا؟»، فقالوا: نعم، فقال: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟»، فقالوا: «أردنا إن كنتَ كذَّابا نستريح منك، وإن كنتَ نبيًّا لم يضرك»!![صحيح البخاري].
أما المرأة اليهودية التي وضعت السم للرسول فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فبعد أن رأى أن يعفو عنها رغم ما فعلت في حقه، إلا أنه أمر بعد ذلك بقتلها قصاصًا لموت بشر بن البراء بن معرور الذي مات جرَّاء ما أكل من السم[سنن أبي داود].
وفي رواية عَنْ أَنسِ بن مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَن النبي صلى الله عليه وسلم سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ الله لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ»، قَالَ أنس: «فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ [لَهَوَات: جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، كأنه بقي للسم أثر في فم النبي صلى الله عليه وسلم] رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم»[صحيح البخاري].