إنّ الأفق المتلبّد بالسحب قد يتولّد منه برق يضيء، لقد غبرت على المسلمين في مكة أيام غلاظ، اضطرت بيوتا عديدة أن تفرّ بدينها، وبقي من بقي منهم يكابد العنت من شطط المشركين وكيدهم، إلا أنّ عناصر جديدة دخلت في الإسلام جعلت قريشا تتروّى في أمرها، قبل أن تقدم على إسااتها المبيتة.
أسلم حمزة بن عبد المطلب، عمّ النبي عليه الصلاة والسلام وأخوه من الرضاع، وهو رجل أيّد جلد، قويّ الشكيمة، وسبب إسلامه الغضب لما بلغه من تهجم أبي جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجّما بذيئا، قالت له أمة لعبد الله بن جدعان: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك (محمد) من أبي الحكم بن هشام، فإنه سبه واذاه، ثم انصرف عنه، ولم يكلّمه محمد- وكانت المرأة قد شهدت هذا الحادث من مسكن قريب- فأسرع حمزة محنقا، لا يلوي على شيء، وأقبل على أبي جهل وهو في مجلسه من قومه، ثم ضرب رأسه بالقوس، فشجه شجة منكرة وقال: أتشتمه وأنا على دينه؟!.
وكما يقول البعض: طلبنا العلم للدنيا، فأبى الله إلا أن يكون للدين! كان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل أبى أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره، فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتزّ به المسلمون أيّما اعتزاز ...
أما عمر بن الخطاب فكان أول الفتانين المستهزئين بالإسلام، وكان معروفا بحدة الطبع، وقوة الشكيمة، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى.
روت زوجة عامر بن ربيعة قالت: إنّا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته؛ إذ أقبل عمر- وهو على شركه- حتى وقف عليّ، وكنا نلقى منه البلاء، فقال: أتنطلقون يا أمّ عبد الله؟ قالت: نعم والله لنخرجنّ في أرض الله، فقد اذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجا. قالت: فقال عمر: صحبكم الله، ورأيت له رقة وحزنا ... !! قالت: فلما عاد عامر أخبرته،
وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ... قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت:
نعم. فقال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطّاب!! - لما كان يراه الرجل من شدته وغلظته على المسلمين.
ولكنّ قلب المرأة كان أصدق من رأي الرجل، فإنّ غلظة عمر كانت قشرة خفيفة، تكمن وراءها ينابيع من الرّقة والعطف والسماحة.
والظاهر أنّ عمر كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة: احترامه للتقاليد التي سنّها الاباء والأجداد، واسترساله مع شهوات السّكر واللهو التي ألفها ...
ثم إعجابه بصلابة المسلمين، واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم، ثم الشكوك التي تساوره- كأيّ عاقل- في أنّ ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجلّ وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يثور حتى يخور، ذهب ليقتل محمدا صلى الله عليه وسلم ثم ثنته عن عزمه كلمة. ولما علم بإسلام أخته وزوجها اقتحم عليهما البيت صاخبا متوعّدا، وضرب أخته فشجّها، وأعاده منظر الدم المراق إلى صوابه، فرجحت نواحي البر والخير في نفسه، وتناول ورقة كتبت فيها بعض الايات، وتلاها، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!!.
واستكان عمر للحق، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه.
فلما خلصت نفسه من شوائبها، وتمحّضت للإسلام، كان مددا عظيما لجند الله، فازداد المسلمون به منعة، ووقعت في نفوس الكافرين منه حسرة.
ورأت قريش أنّ أمر الإسلام ينمو ويعلو، وأنّ وسائلها الأولى في محاربته لم تمنع انتشاره، أو تنفّر أنصاره، فأعادت النظر في موقفها كلّه، لترسم خطة جديدة أقسى وأحكم، وأدق وأشمل..
,
إنّ الأفق المتلبّد بالسحب قد يتولّد منه برق يضيء، لقد غبرت على المسلمين في مكة أيام غلاظ، اضطرت بيوتا عديدة أن تفرّ بدينها، وبقي من بقي منهم يكابد العنت من شطط المشركين وكيدهم، إلا أنّ عناصر جديدة دخلت في الإسلام جعلت قريشا تتروّى في أمرها، قبل أن تقدم على إسااتها المبيتة.
أسلم حمزة بن عبد المطلب، عمّ النبي عليه الصلاة والسلام وأخوه من الرضاع، وهو رجل أيّد جلد، قويّ الشكيمة، وسبب إسلامه الغضب لما بلغه من تهجم أبي جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجّما بذيئا، قالت له أمة لعبد الله بن جدعان: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك (محمد) من أبي الحكم بن هشام، فإنه سبه واذاه، ثم انصرف عنه، ولم يكلّمه محمد- وكانت المرأة قد شهدت هذا الحادث من مسكن قريب- فأسرع حمزة محنقا، لا يلوي على شيء، وأقبل على أبي جهل وهو في مجلسه من قومه، ثم ضرب رأسه بالقوس، فشجه شجة منكرة وقال: أتشتمه وأنا على دينه؟!.
وكما يقول البعض: طلبنا العلم للدنيا، فأبى الله إلا أن يكون للدين! كان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل أبى أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره، فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتزّ به المسلمون أيّما اعتزاز ...
أما عمر بن الخطاب فكان أول الفتانين المستهزئين بالإسلام، وكان معروفا بحدة الطبع، وقوة الشكيمة، وطالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى.
روت زوجة عامر بن ربيعة قالت: إنّا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته؛ إذ أقبل عمر- وهو على شركه- حتى وقف عليّ، وكنا نلقى منه البلاء، فقال: أتنطلقون يا أمّ عبد الله؟ قالت: نعم والله لنخرجنّ في أرض الله، فقد اذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجا. قالت: فقال عمر: صحبكم الله، ورأيت له رقة وحزنا ... !! قالت: فلما عاد عامر أخبرته،
وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ... قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت:
نعم. فقال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطّاب!! - لما كان يراه الرجل من شدته وغلظته على المسلمين.
ولكنّ قلب المرأة كان أصدق من رأي الرجل، فإنّ غلظة عمر كانت قشرة خفيفة، تكمن وراءها ينابيع من الرّقة والعطف والسماحة.
والظاهر أنّ عمر كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة: احترامه للتقاليد التي سنّها الاباء والأجداد، واسترساله مع شهوات السّكر واللهو التي ألفها ...
ثم إعجابه بصلابة المسلمين، واحتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم، ثم الشكوك التي تساوره- كأيّ عاقل- في أنّ ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجلّ وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يثور حتى يخور، ذهب ليقتل محمدا صلى الله عليه وسلم ثم ثنته عن عزمه كلمة. ولما علم بإسلام أخته وزوجها اقتحم عليهما البيت صاخبا متوعّدا، وضرب أخته فشجّها، وأعاده منظر الدم المراق إلى صوابه، فرجحت نواحي البر والخير في نفسه، وتناول ورقة كتبت فيها بعض الايات، وتلاها، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!!.
واستكان عمر للحق، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه.
فلما خلصت نفسه من شوائبها، وتمحّضت للإسلام، كان مددا عظيما لجند الله، فازداد المسلمون به منعة، ووقعت في نفوس الكافرين منه حسرة.
ورأت قريش أنّ أمر الإسلام ينمو ويعلو، وأنّ وسائلها الأولى في محاربته لم تمنع انتشاره، أو تنفّر أنصاره، فأعادت النظر في موقفها كلّه، لترسم خطة جديدة أقسى وأحكم، وأدق وأشمل..