أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع اللقاء الأربعين من سيرة سيد الأولين والآخرين محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن غزوة الأحزاب (الخندق).
عباد الله! غزوة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل كانت معركة أعصاب، فقتلى الفريقين من المؤمنين والكافرين يعدون على الأصابع ومع ذلك فهي من أحسم المعارك في تاريخ الإِسلام. فالأحزابُ الذين اجتمعوا على حرب الإِسلام والمسلمين في تلك الغزوة هم:
- المشركون من أهل مكة.
- المشركون من قبائل العرب جميعاً.
- اليهود من خارج المدينة (يهود خيبر).
- اليهود من داخل المدينة (يهود بني قريظة).
- المنافقون.
اجتمعوا وتحزبوا لاستئصال المسلمين من المدينة.
عباد الله! وحديثنا عن غزوة الأحزاب سيكون حول العناصر التالية:
العنصر الأول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}.
العنصر الثاني: الرسول- صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - في المدينة يستعدون لملاقاة الأعداء.
العنصر الثالث: مواقف المؤمنين ومواقف المنافقين
العنصرالرابع: شدةٌ وكربٌ وبلاءٌ يعقبها نصرٌ وفرجٌ.
العنصر الخامس: الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من غزوة الأحزاب.
العنصر الأول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}:
أعداء الإِسلام قديماً وحديثاً يمكرون بالإِسلام والمسلمين بالليل والنهار، كما قال تعالى في كتابه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)}،
وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}.
وقال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}.
وقال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)} [النمل: 50 - 52]
أمة الإِسلام! أين عادٌ الذين مكروا بنبيهم؟ أين ثمود الذين مكروا بنبيهم؟ أين قوم نوح الذين مكروا بنبيهم؟! أين فرعون الذي مكر بموسى؟ أين هم؟ ذهبوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
عباد الله! وأساتذة المكر والغدر والخيانة ونقض العهود وإشعال الحروب هم اليهود- عليهم لعنة الله-
قال تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)} [الأنفال: 56]، وقال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)} [البقرة: 100]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} [المائدة: 64].
عباد الله! فها هم اليهود قديماً، خرج وفدٌ منهم من خيبر إلى كفار مكة يحرِّضونهم ويؤلبونهم على غزو رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، بل وشهدوا لهم بأن الشرك الذي هم عليه خيرٌ من الإِسلام الذي جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وشهدوا لهم أيضاً بأنهم أهدى من محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وفيهم قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)} [النساء: 51].
فأجابهم أبو سفيان لذلك، ثم انطلقوا إلى القبائل المجاورة ودعوهم إلى ما دعوا قريشاً إليه، فأجابتهم القبائل العربية أيضاً، وتواعدوا على المسير إلى المدينة، واجتمع بهذا التحريض -من اليهود- جيش قوامُهُ نحو عشرة آلاف مقاتل وذلك لاستئصال المسلمين في المدينة.
,
أولاً: الكفر ملةٌ واحدة هدفهم واحد وهو: دمروا الإِسلام أبيدوا أهله.
عباد الله! الكفر ملةٌ واحدة في كل بلاد الدنيا هدفهم: دمروا الإِسلام أبيدوا أهله، ويفعل الكفر ذلك تحت ستار (مكافحة الإرهاب).
وهدف الكفار من القضاء على الإِسلام والمسلمين هو السيطرة على خيرات المسلمين، وهذا يا عباد الله يظهر لنا من غزوة الأحزاب فقد جاءوا من كل مكان للقضاء على الإِسلام والمسلمين والسيطرة على خيرات المسلمين في المدينة، ولتأمين طرق التجارة بين مكة والشام.
عباد الله! والتاريخ يُعيد نفسه فما من عام يمر علينا إلا ونسمع ونرى ملة الكفر يجتمعون لحرب المسلمين تحت شعارات كاذبة، لينهبوا خيرات بلاد المسلمين وليأمنوا مصالحهم في تلك البلاد ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا بذلك فيقول:
__________
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4114)، ومسلم (رقم 2724).
"يوشك أن تداعى عليكم الأمم" -أي: يدعو بعضها بعضاً، فتجيب- "كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: أو من قلة نحن يومئذ؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السَّيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهنَ.
قالوا: يا رسول الله! وما الوهنُ؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا وكراهية الموت" (1).
عباد الله! وهذا الحديث يُشَخّص لنا حال الأمة الإِسلامية إذا ضعفت وتفرقت مع أعدائها، ففي هذا الحديث:
أولاً: أن أعداء الإِسلام يرصدون حالة أمة الإِسلام؛ فإن رأوا أن الوهن دبّ إليها، والمرض نخر جسمها، وثبوا عليها ليقضوا على ما تبقى منها.
ثانياً: أن أمم الكفر تدعو بعضها بعضاً لتجتمع للتآمر على الإِسلام وأهله.
ثالثاً: أن ديار المسلمين منبع خيرات وبركات، تحاول أمم الكفر الاستيلاء عليها ولذلك شبهها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالقصعة المملوءة بالطيب من الطعام، التي أغرت الأكلة فتواثبوا عليها، كل يريد نصيب الأسد.
رابعاً: أن أمم الكفر لم تعد تهابُ المسلمين لأنهم فقدوا مهابتهم بين الأمم، بعد أن بعدوا عن دينهم.
خامساً: عناصر قوة الأمة الإِسلامية ليس في عددِها وعُدتِها، بل في عقيدتها ومنهجها.
__________
(1) صحيح: انظر "صحيح الجامع" "صحيح أبي داود".
ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - للسائل: "بل أنتم يومئذ كثير". وتأمل درس حنين قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}.
وانظروا إلى يوم بدر كيف نصر الله المسلمين وهم قلة
وانظروا إلى غزوة الأحزاب كيف نصر الله عباده بجند من عنده
سادساً: أن الأمة الإِسلامية إذا تركت دينها أصبحت لا وزن ولا قيمة لها بين الأمم، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
ثانياَّ: من الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من غزوة الأحزاب (إن تنصروا الله ينصركم).
عباد الله! الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - في غزوة الأحزاب أخذوا بكل أسباب النصر، مع توكلهم على الله واعتقادهم أن النصر من عند الله، ولذلك توجهوا جميعاً إلى الله -عز وجل- بالدعاء فاستجاب الله لهم، ونصرهم بنصر من عنده على عدوهم.
عباد الله! وكان من نتائج غزوة الأحزاب.
أولاً: فرق الله شمل الأحزاب واليهود بعد أن اجتمعوا لحرب المسلمين.
ثانياً: أرسل الله على المشركين ريحاً شديدة باردة تقلع خيامهم وتطفئ نارهم.
ثالثا: أرسل الله على المشركين جنداً من الملائكة، يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)}.
رابعاً: رجع الكفار عن المدينة يحملون غيظهم في صدورهم، قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ}.
خامساً: فشل الكفار في تحقيق أهدافهم {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}.
سادساً: كفى الله المؤمنين القتال: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}.
عباد الله! ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
هذا الذي نعرفه في الجمعة القادمة -إن شاء الله تعالى-
اللهم انصر الإِسلام وأعز المسلمين.