وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَ عَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ فِي الْمَرَّةِ الأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ رجلا وأربع نسوة، ثم رجعوا عند ما بَلَغَهُمْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ سُجُودُهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ وَالنَّجْمِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، فَلَقُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَشَدَّ مِمَّا عَهِدُوا، فَهَاجَرُوا ثَانِيَةً، وَكَانُوا ثَلاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَمَّارٌ فَفِيهِ خِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً، إحدى عشرة قرشيات، وسبعا غرباء، وبعثت قريشا فِي شَأْنِهِمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَرَّتَيْنِ: الأُولَى عِنْدَ هِجْرَتِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: عَقِيبَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَسُولا فِي الْمَرَّتَيْنِ، وَمَعَهُ فِي إِحْدَاهُمَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِي الأُخْرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّانِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَظَهَرَ الإِيمَانُ، أَقْبَلَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ آمَنَ مِنْ قَبَائِلِهِمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيُؤْذُونَهُمْ لِيَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ آمَنَ بِهِ: «تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى سيجمعهم» قَالُوا: إِلَى أَيْنَ نَذْهَبُ؟ قَالَ: «إِلَى هَاهُنَا» ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،
فَهَاجَرَ إِلَيْهَا نَاسٌ ذَوُو عَدَدٍ، مِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ، حَتَّى قَدِمُوا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس بن عبد ود أخو سهيل عن عَمْرٍو، وَقِيلَ: هُوَ سُلَيْطُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ هَارِبًا عَنْ أَبِيهِ بِدِينِهِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ مُسْلِمَةٌ مُرَاغِمَةٌ لأَبِيهَا، فَارَّةٌ عَنْهُ بِدِينِهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أم
سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، وَمَعُهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي خَيْثَمَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيَّةُ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو- ولم يذكرها ابن إسحق فهي خامسة لهن- وسهيل بن بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْفِهْرِيُّ، وَعَبْد اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، فَخَرَجُوا مُتَسَلِّلِينَ سِرًّا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشُّعَيْبَةِ، مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَمِنْهُمُ الْمَاشِي، فَوَفَّقَ اللَّهُ لَهُمْ سَفِينَتَيْنِ لِلتُّجَّارِ حَمَلُوهُمْ فِيهِمَا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ مَخْرَجُهُمْ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى جَاءُوا الْبَحْرَ مِنْ حَيْثُ رَكِبُوا، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا مِنْهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ بَنِيهِ مُحَمَّدًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَوْنًا، وَعَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُِحَرَّثٍ الْكِنَانِيِّ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ الْخُزَاعِيَّةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ ابْنَهُ سَعِيدًا، وَابْنَتَهُ أُمَّ خَالِدٍ، واسمها أمة، وعيد اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جحش، وقيس بن عبد الله بن حليف لبني أمية بن أمية بن عبد شمس، معه امرأته ركة بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّة، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الحرث بْنِ أَسَدٍ، وَالأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَكُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ قُصَيٍّ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ، وَيُقَالُ: حُرَيْمِلَةُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدَرِيُّ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عبد الدار العبدري، معه امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الأَسْوَدِ بْنِ جُزَيْمَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ، وَخُزَيْمَةُ بِنْتُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَفِرَاسُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَخُو سَعْدٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عبد عوف، معه امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيَّةُ، وَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، وَأَخُوهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، تَبَنَّاهُ الأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ حَلِيفٌ لَهُ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بن ثعلبة
البهراني، والحرث بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَمَعُهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُوسَى وَزَيْنَبُ وَعَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ عَمُّ طَلْحَةَ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ بْنِ هِلالٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَمُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مُعَتِّبٌ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَعَمَّاهُ قُدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا مَظْعُونٍ، وَحَاطِبٌ وَحَطَّابٌ ابنا الحرث بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَمَعَ حَاطِبٍ زَوْجُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ الْعَامِرِيِّ، وَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا، والحرث ابني حاطب، ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار، وسفيان بن مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجُمَحِيُّ، وَمَعَهُ ابْنَاهُ جَابِرٌ وَجُنَادَةُ، وَأُمُّهُمَا حَسَنَةُ، وَأَخُوهُمَا لأُمِّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَهُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَاعِ الْكِنْدِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ بَنِي الْغَوْثِ بْنِ مُرٍّ أَخِي تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ، وَسَهْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَيْسٌ ابْنَا حُذَافَةَ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْمُهُ:
سَعِيدُ بن عمر، وكان أخا بشر بن الحرث بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ لأُمِّهِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرٍو وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حذيفة السهمي، وأبو قيس بن الحرث بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ، وَإِخْوَتُهُ: الْحَارِثُ وَمَعْمَرٌ وَسَعِيدٌ وَالسَّائِبُ وَبِشْرٌ وَأَخٌ لَهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ مِنْ تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عمرو، ومحمئة بْنُ جَزْءٍ الزُّبْيَدِيُّ حَلِيفُ بَنِي سَهْمٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْد اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ نَضْلَةَ الْعَدَوِيُّ، وعروة بن عبد العزيز بْنِ حُرْثَانَ الْعَدَوِيُّ، وَعَنْ مُصْعَبٍ الزُّبْيَرِيِّ: عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، أَوْ عَمْرُو بْنُ أُثَاثَةَ، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَدَوِيُّ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْعَامِرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ أَسْعَدَ [ (1) ] بْنِ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيَّةُ، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَمَّاهُ سُلَيْطٌ وَالسَّكْرَانُ ابْنَا
__________
[ (1) ] وعند ابن الجوزي والذهبي: بنت السعدي.
عَمْرٍو الْعَامِرِيُّونَ، وَامْرَأَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ الْفِهْرِيُّونَ، وَعَمَّارُ بْنُ ياسر، وفيه خلاف بين أهل السير. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ: إِنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وليس كذلك، ولكنه خرج من طَائِفَةٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَرْضِهِمْ بِالْيَمَنِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَرَكِبُوا الْبَحْرَ، فَرَمَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى قَدِمَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا نَزَلَ هَؤُلاءِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَمِنُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَأَقَامُوا بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، وَطَلَبَتْهُمْ قُرَيْشٌ عِنْدَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ إِسْلامِهِ.
قَرَأْتُ عَلَى الإِمَامِ الزَّاهِدِ أبي إسحق إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيِّ بِالصَّالِحِيَّةِ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ النَّفِيسِ بْنِ بورنداز قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قال: قال أَبُو بَكْرِ بْنُ مَاجَهْ قَالَ: أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ الْحَزَوَّرِيِّ عن محمد بن سلمان لُوَيْنٍ، ثَنَا حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إسحق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ ثَمَانِينَ رَجُلا، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَدَخَلا عَلَيْهِ وَسَجَدَا لَهُ وَابْتَدَرَاهُ، فَقَعَدَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالا: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ، فَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا، قال: وأين هم؟
قالوا: بأرضك، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَاتَّبَعُوهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا تسجد إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ فِينَا رَسُولا، وَأَمَرَنَا أَنْ لا نَسْجُدَ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالَ: كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ وَلَمْ يفرضْهَا [1] وَلَدٌ قَالَ:
فَرَفَعَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، ما
__________
[ (1) ] أي: لم يؤثر فيها.
تزيدون على ما يقولون؟ أشهد أن رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى فِي الإِنْجِيلِ، وَاللَّهِ لَوْلا مَا أَنَا فِيهِ من الملك لأتيته فأكون أن الَّذِي أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ، وَقَالَ: انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الآخَرِينَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِمَا، قَالَ: وَتَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتُهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي هَذَا الْوَجْهِ خَبَرٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عَمْرٌو يُخَاطِبُ عُمَارَةَ:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَامًا يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْبًا غَاوِيًا حَيْثُ يَمَّمَا
قَضَى وَطَرًا مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ولم يذكر ابن إسحق مَعَ عَمْرٍو إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فِي رِوَايَةِ زِيَادٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بكير لعمارة بن الوليد ذكر: فَأَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ، بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فِي أَحْسَنِ جِوَارٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِمُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلاثُونَ رَجُلا، وَمِنَ النِّسَاءِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةُ نَفَرٍ، وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلا، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ- وَقِيلَ:
الْمُحَرَّمُ- سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النَّجَاشِيِّ كِتَابًا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَلَمَّا قريء عَلَيْهِ الْكِتَابُ أَسْلَمَ وَقَالَ: لَوْ قَدَرْتُ أَنْ آتِيَهُ لأَتَيْتُهُ وَكتب إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بنت أبي سفيان ففعل وأصدق عنه تسعمائة دِينَارٍ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى التَّزْوِيجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكتب إِلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ويحملهم ففعل، فجاءوا حتى قدموا المدينة، فيجدون رسول الله صلى الله عليه وسلم في خَيْبَرَ [1] ، فَشَخَصُوا إِلَيْهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم، ففعلوا، وَكَانَ سَبَبُ رَجُوعِ الأَوَّلِينَ الاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ فِيمَا رُوِيَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ يَوْمًا عَلَى الُمْشِرِكيَن:
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى حَتَّى بَلَغَ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [2]
__________
[ (1) ] خيبر: بلدة معروفة على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة الشام، ذات نخيل ومزارع، فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل سنة سبع من الهجرة، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصارهم بضع عشرة ليلة: (انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 103) .
[ (2) ] سورة النجم: الآية 1 ثم الآية 20.
أَلْقَى الشَّيْطَانُ كَلِمَتَيْنِ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ العلى وإن شفاعتهن لترجى، فتلكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا، ثُمَّ مَضَى فَقَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا، فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْقَوْمُ جَمِيعًا، وَرَفَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تُرَابًا إِلَى جَبْهَتِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخَذَ تُرَابًا فَسَجَدَ عليه، ويقال:
كلاهما فعل ذلك، فَرَضَوْا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَكِنَّ آلِهَتَنَا هذه تشفع لنا عنده، فأما إذا جَعَلْتَ لَهَا نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَكَ،
فَكَبُرَ ذَلِكَ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ، حَتَّى جَلَسَ فِي الْبَيْتِ، فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْ» فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً [1]
قَالُوا: فَفَشَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ فِي النَّاسِ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: عَشَائِرُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا، فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا دُونَ مَكَةَ بِسَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ لَقَوْا رُكْبَانًا مِنْ كِنَانَةَ، فَسَأَلُوهُمْ عَنْ قُرْيَشٍ، فَقَالَ الرَّكْبُ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَتَابَعَهُ الْمَلأُ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْهَا فَعَادَ لِشَتْمِ آلِهَتِهِمْ وَعَادُوا لَهُ بِالشَّرِّ، فتركناهم على ذلك، فائتمر الْقَوْمُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ بَلَغْنَا مَكَّةَ، فَنَدْخُلُ فَنَنْظُرُ مَا فِيهِ قُرَيْشٌ وَيُحْدِثُ عَهْدًا مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَدَخَلُوا مَكَّةَ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ منهم إِلَّا بِجِوَارٍ، إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ مَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانُوا خَرَجُوا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ، فَأَقَامُوا شَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَكَانَتِ السَّجْدَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَدِمُوا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ يَعْنِي خَبَرَ هذه السجدة: موسى بن عقبة، وابن إسحق مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبَكَّائِيِّ، وَأَهْلُ الأُصُولِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْحُجَّةِ، وَمَنْ صَحَّحَهُ قَالَ فِيهِ أَقْوَالا:
مِنْهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ ذَلِكَ وَأَشَاعَهُ، وَالرَّسُولُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَهَذَا جَيِّدٌ، لَوْلا أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ: مَا أَتَيْتُكَ بِهَذَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وعنى بها الملائكة أن شفاعتهم ترتجى.
__________
[ (1) ] سورة الأسراء: الآية 73 ثم الآية 75.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا حَاكِيًا عَنِ الْكَفَرَةِ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَهَا مُتَعَجِّبًا مِنْ كُفْرِهِمْ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا خُيِّلْتُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهِ.
قُلْتُ: بَلَغَنِي عَنِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ الدِّمْيَاطِيُّ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ. وَالَّذِي عِنْدِي فِي هذا الخبر أن جَارٍ مَجْرَى مَا يُذْكَرُ مِنْ أَخْبَارِ هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ. وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّرَخُّص فِي الرَّقَائِقِ وَمَا لا حُكْمَ فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْمَغَازِي، وَمَا يُجْرَى مَجْرَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا مَنْ لا يُقْبَلُ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الأَحْكَامِ بِهَا، وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَيَنْبَغِي بِهَذَا الاعْتِبَارِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِسَنَدٍ لا مَطْعَنَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ فَيَرْجِعُ إلى تأويله.
ذكر إِسْلامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ الْمَزِّيِّ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو حَفْصِ بْنُ طَبَرْزَدَ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ غَالِبٍ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِكِيُّ القاضي، ثنا الحسين بن إسحق، ثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الفروي، ثنا عبد الملك بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنِ الزَّنْجِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» [1] .
وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفَرَّاءِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أَنَا الشَّيْخَانِ الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْحُسَيْنِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُنِّ الأَسَدِيُّ قَالا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بن أبي نصر التيمي قَالَ: أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، ثَنَا سُفْيَانُ الطَّائِيُّ قَالَ:
قرأت على إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ قَالَ: ذَكَرَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلامِي؟ قُلْنَا:
نَعَمْ: قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ بِالْهَاجِرَةِ فِي بعض طرق مكة إذا لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لِي: أين تذهب يا ابن الْخَطَّابِ؟ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ هَكَذَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ فِي بَيْتِكَ، قَالَ:
قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ صَبَتْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال (11/ 32768، 32774 و 12/ 35881) .
يَجْمَعُ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِهِ قُوَّةٍ فَيَكُونَانِ مَعَهُ وَيُصِيبَانِ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: وَقَدْ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَكَانَ الْقَوْمُ جلوسا يقرؤون صَحِيفَةً مَعَهُمْ، قَالَ:
فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي تَبَادَرُوا وَاخْتَفَوْا وَتَرَكُوا أَوْ نَسُوا الصَّحِيفَةَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَفَتَحَتْ لِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكِ قَدْ صَبَوْتِ؟
قَالَ: فَأَرْفَعُ شَيْئًا فِي يَدِي فَأَضْرِبُهَا بِهِ، قَالَ: فَسَالَ الدَّمُ، قَالَ: فَلَمَّا رأت المرأة الدم بكت ثم قالت: يا ابن الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا بِكِتَابٍ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فقلت: ما هذا الكتاب أعطينه؟ فَقَالَتْ: لا أُعْطِيكَهُ، لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ، أَنْتَ لا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلا تَطْهُرُ وَهَذَا لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهِ، فَإِذَا فِيهِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَلَمَّا مَرَرْتُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذُعِرْتُ وَرَمَيْتُ الصَّحِيفَةَ مِنْ يَدِي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَإِذَا فِيهَا: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [1] قَالَ: فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِالاسْمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُعِرْتُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيَّ نَفْسِي حَتَّى بَلَغْتُ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [2] قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَخَرَجَ الْقَوْمُ يَتَبَادَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِبْشَارًا بِمَا سَمِعُوا مِنِّي، وَحَمِدُوا لله عز وجل، ثم
قالوا: يا ابن الْخَطَّابِ: أَبْشِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَوْمَ الاثْنَيْنِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ إِمَّا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَإِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» [3] وَأَنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَأَبْشِرْ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ عَرَفُوا مِنِّي الصِّدْقَ قُلْتُ لَهُمْ، أَخْبِرُونِي بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفَلِ الصَّفَا، وَصَفُوهُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَعَرَفُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَعْلَمُوا إِسْلامِي، قَالَ: فَمَا اجْتَرَأَ أجد أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحُوا لَهُ فَإِنْ يرد الله به خيرا
__________
[ (1) ] سورة الحشر: الآية 1- سورة الحديد الآية: 1- سورة الصف الآية 1.
[ (2) ] سورة الحديد: الآيات 7 و 8.
[ (3) ] انظر كنز العمال (12/ 40، 35) .
يهده [1] » وقال: فَفَتَحُوا لِي وَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدَيَّ حَتَّى دَنَوْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«أَرْسِلُوهُ» قَالَ: فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيصِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أسلم يا ابن الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ»
قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِطُرُقِ مَكَّةَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ اسْتَخْفَى، ثُمَّ خَرَجْتُ فَكُنْتُ لا أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلا إِذَا أَسْلَمَ ضُرِبَ إِلَّا رَأَيْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لا أُحِبُّ أَنْ لا يُصِيبَنِي مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ:
فَذَهَبْتُ إِلَى خَالِي وَكَانَ شَرِيفًا فِيهِمْ فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقُلْتُ لَهُ: أَشَعَرْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ:
نَعَمْ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي وَتَرَكَنِي، قال: قلت: ما هذا بشيء؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَجُلا مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ شَعَرْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ فَقَالَ: أَوَ فَعَلْتَ، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَلا تَفْعَلْ، قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: تُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلامُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ وَاجْتَمَعُوا أَتَيْتَ فُلانًا لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ السِّرَّ فَاصْغَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ، فَإِنَّهُ سَوْفَ يُظْهِرُ عَلَيْكَ ذلك ويصيح ويعلنه، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ، جِئْتُ إِلَى الرَّجُلِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَصَبَوْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِأَعْلاهُ قَالَ: أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ؟ قَالَ: فَمَا زَالَ النَّاسُ يَضْرِبُونِي وَضَرَبْتُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ خَالِي: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَقِيلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَقَامَ عَلَيَّ فِي الْحَجَرِ فَأَشَارَ بِكُمِّهِ فَقَالَ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي، قَالَ: فَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنِّي، قَالَ: وَكُنْتُ لا أَشَاءُ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ وَأَنَا لا أُضْرَبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي مِثْلَ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَأَمْهَلْتُ، حَتَّى إِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحَجَرِ وَصَلْتُ إلى خالي فقلت: اسمع، فقال: ما أَسْمَعُ، قَالَ: قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: فقال: لا تفعل يا ابن أختي، قال: قلت: بلى
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال (12/ 35740) .
هُوَ ذَاكَ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ.
وروينا هذا الخبر من طريق ابن إسحق وَفِيهِ قَالَ: وَكَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا سَعِيدٌ وَهُمْ مُسْتَخْفُونَ بِإِسْلامِهِمْ مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ قَدْ أَسْلَمَ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يَقْصِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَأَنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَأَنَّ خَبَّابًا كَانَ فِي بَيْتِ أُخْتِهِ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ سُورَةُ طَه [1] وَأَنَّ الَّذِي أَذِنَ فِي دُخُولِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالرَّجُلُ الَّذِي صَرَّحَ بِإِسْلامِ عمر عند ما قَالَهُ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ذُو الْقَلْبَيْنِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [2] عَلَى أَحَدِ الأَقْوَالِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جميل بن معمر
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وفيها: فأتيته بصحفة فِيهَا طه فَقَرَأَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا بَلَغَ: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى [3] قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
وَفِيهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَفْتِحُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائْذَنُوا لَهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ وَإِلَّا كُفِيتُمُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ» قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي ابْنَ عَائِذٍ، وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ: «إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا وَإِلَّا كُفِيتُمُوهُ حَمْزَة»
وَفِي الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ عُمَرُ: فَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذْ جَاءَهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ عَلَيْهِ حُلَّةٌ وَقَمِيصٌ مُكَفَّفٌ بِالْحَرِيرِ، فقال: مالك يا ابن الخطاب؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إِذَا أَسْلَمْتُ، قَالَ الْعَاصُ: لا سَبِيلَ إِلَيْكَ، فَمَا عَدَا أَنْ قَالَهَا الْعَاصُ فَأمنت عَلَيْهِ، قال عبد الله بن عمر: فخرج عمرو العاص، فإذا
__________
[ (1) ] السورة رقم 20.
[ (2) ] سورة الأحزاب: الآية 4.
[ (3) ] سورة طه: الآية 16.
الْوَادِي قَدْ سَالَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ، قَالَ: لا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنْجَرَ الحافظ فيما رأيته عنده بِإِسْنَادِهِ إِلَى شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ، فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، فَقَرَأَ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ [1] قَالَ: قُلْتُ:
كَاهِنٌ عَلِمَ مَا فِي نَفْسِي، فَقَرَأَ: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [2] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَوَقَعَ الإِسْلامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ. وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُ هَذَا فِي خَبَرِ إِسْلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو الْعِزِّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِما وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ الأَوَّلُ: أَنَا أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، وَقَالَ الثَّانِي: أَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْخُرَيْفِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونٍ قَالَ: أَنَا مُعَافَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ طَرَّازٍ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ (يَعْنِي الْبَغَوِيَّ) ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ.
__________
[ (1) ] سورة الحاقة: الآية 40 و 41.
[ (2) ] سورة الحاقة: الآية 42.
,
وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ، فَكَانَ عَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ فِي الْمَرَّةِ الأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ رجلا وأربع نسوة، ثم رجعوا عند ما بَلَغَهُمْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ سُجُودُهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ وَالنَّجْمِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، فَلَقُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَشَدَّ مِمَّا عَهِدُوا، فَهَاجَرُوا ثَانِيَةً، وَكَانُوا ثَلاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَمَّارٌ فَفِيهِ خِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً، إحدى عشرة قرشيات، وسبعا غرباء، وبعثت قريشا فِي شَأْنِهِمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَرَّتَيْنِ: الأُولَى عِنْدَ هِجْرَتِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ: عَقِيبَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَسُولا فِي الْمَرَّتَيْنِ، وَمَعَهُ فِي إِحْدَاهُمَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِي الأُخْرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّانِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَظَهَرَ الإِيمَانُ، أَقْبَلَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ آمَنَ مِنْ قَبَائِلِهِمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيُؤْذُونَهُمْ لِيَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ آمَنَ بِهِ: «تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى سيجمعهم» قَالُوا: إِلَى أَيْنَ نَذْهَبُ؟ قَالَ: «إِلَى هَاهُنَا» ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،
فَهَاجَرَ إِلَيْهَا نَاسٌ ذَوُو عَدَدٍ، مِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ، حَتَّى قَدِمُوا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس بن عبد ود أخو سهيل عن عَمْرٍو، وَقِيلَ: هُوَ سُلَيْطُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ هَارِبًا عَنْ أَبِيهِ بِدِينِهِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ مُسْلِمَةٌ مُرَاغِمَةٌ لأَبِيهَا، فَارَّةٌ عَنْهُ بِدِينِهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أم
سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، وَمَعُهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي خَيْثَمَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيَّةُ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو- ولم يذكرها ابن إسحق فهي خامسة لهن- وسهيل بن بَيْضَاءَ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ الْفِهْرِيُّ، وَعَبْد اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، فَخَرَجُوا مُتَسَلِّلِينَ سِرًّا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشُّعَيْبَةِ، مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَمِنْهُمُ الْمَاشِي، فَوَفَّقَ اللَّهُ لَهُمْ سَفِينَتَيْنِ لِلتُّجَّارِ حَمَلُوهُمْ فِيهِمَا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ مَخْرَجُهُمْ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى جَاءُوا الْبَحْرَ مِنْ حَيْثُ رَكِبُوا، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا مِنْهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ بَنِيهِ مُحَمَّدًا وَعَبْدَ اللَّهِ وَعَوْنًا، وَعَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُِحَرَّثٍ الْكِنَانِيِّ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ الْخُزَاعِيَّةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ ابْنَهُ سَعِيدًا، وَابْنَتَهُ أُمَّ خَالِدٍ، واسمها أمة، وعيد اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جحش، وقيس بن عبد الله بن حليف لبني أمية بن أمية بن عبد شمس، معه امرأته ركة بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّة، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الحرث بْنِ أَسَدٍ، وَالأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَكُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ قُصَيٍّ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ، وَيُقَالُ: حُرَيْمِلَةُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدَرِيُّ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عبد الدار العبدري، معه امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الأَسْوَدِ بْنِ جُزَيْمَةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ، وَخُزَيْمَةُ بِنْتُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَفِرَاسُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَخُو سَعْدٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عبد عوف، معه امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيَّةُ، وَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُطَّلِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، وَأَخُوهُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، تَبَنَّاهُ الأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ حَلِيفٌ لَهُ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بن ثعلبة
البهراني، والحرث بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، وَمَعُهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّةُ، فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُوسَى وَزَيْنَبُ وَعَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ عَمُّ طَلْحَةَ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهَبَّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ بْنِ هِلالٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَمُعَتِّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مُعَتِّبٌ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَعَمَّاهُ قُدَامَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا مَظْعُونٍ، وَحَاطِبٌ وَحَطَّابٌ ابنا الحرث بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، وَمَعَ حَاطِبٍ زَوْجُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ الْعَامِرِيِّ، وَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا، والحرث ابني حاطب، ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار، وسفيان بن مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجُمَحِيُّ، وَمَعَهُ ابْنَاهُ جَابِرٌ وَجُنَادَةُ، وَأُمُّهُمَا حَسَنَةُ، وَأَخُوهُمَا لأُمِّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَهُوَ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَاعِ الْكِنْدِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ بَنِي الْغَوْثِ بْنِ مُرٍّ أَخِي تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ، وَسَهْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَيْسٌ ابْنَا حُذَافَةَ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْمُهُ:
سَعِيدُ بن عمر، وكان أخا بشر بن الحرث بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ لأُمِّهِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرٍو وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حذيفة السهمي، وأبو قيس بن الحرث بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ، وَإِخْوَتُهُ: الْحَارِثُ وَمَعْمَرٌ وَسَعِيدٌ وَالسَّائِبُ وَبِشْرٌ وَأَخٌ لَهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ مِنْ تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عمرو، ومحمئة بْنُ جَزْءٍ الزُّبْيَدِيُّ حَلِيفُ بَنِي سَهْمٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ، وَيُقَالُ: ابْنُ عَبْد اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ نَضْلَةَ الْعَدَوِيُّ، وعروة بن عبد العزيز بْنِ حُرْثَانَ الْعَدَوِيُّ، وَعَنْ مُصْعَبٍ الزُّبْيَرِيِّ: عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، أَوْ عَمْرُو بْنُ أُثَاثَةَ، وَعَدِيُّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَدَوِيُّ، وَابْنُهُ النُّعْمَانُ وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْعَامِرِيُّ، وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ أَسْعَدَ [ (1) ] بْنِ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيَّةُ، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَمَّاهُ سُلَيْطٌ وَالسَّكْرَانُ ابْنَا
__________
[ (1) ] وعند ابن الجوزي والذهبي: بنت السعدي.
عَمْرٍو الْعَامِرِيُّونَ، وَامْرَأَتُهُ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ الْفِهْرِيُّونَ، وَعَمَّارُ بْنُ ياسر، وفيه خلاف بين أهل السير. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ: إِنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وليس كذلك، ولكنه خرج من طَائِفَةٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَرْضِهِمْ بِالْيَمَنِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَرَكِبُوا الْبَحْرَ، فَرَمَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى قَدِمَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا نَزَلَ هَؤُلاءِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَمِنُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَأَقَامُوا بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، وَطَلَبَتْهُمْ قُرَيْشٌ عِنْدَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ إِسْلامِهِ.
قَرَأْتُ عَلَى الإِمَامِ الزَّاهِدِ أبي إسحق إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيِّ بِالصَّالِحِيَّةِ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ النَّفِيسِ بْنِ بورنداز قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قال: قال أَبُو بَكْرِ بْنُ مَاجَهْ قَالَ: أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ الْحَزَوَّرِيِّ عن محمد بن سلمان لُوَيْنٍ، ثَنَا حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إسحق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ ثَمَانِينَ رَجُلا، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَدَخَلا عَلَيْهِ وَسَجَدَا لَهُ وَابْتَدَرَاهُ، فَقَعَدَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالا: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ، فَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا، قال: وأين هم؟
قالوا: بأرضك، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَاتَّبَعُوهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا تسجد إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ فِينَا رَسُولا، وَأَمَرَنَا أَنْ لا نَسْجُدَ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالَ: كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَرٌ وَلَمْ يفرضْهَا [1] وَلَدٌ قَالَ:
فَرَفَعَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، ما
__________
[ (1) ] أي: لم يؤثر فيها.
تزيدون على ما يقولون؟ أشهد أن رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى فِي الإِنْجِيلِ، وَاللَّهِ لَوْلا مَا أَنَا فِيهِ من الملك لأتيته فأكون أن الَّذِي أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ، وَقَالَ: انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الآخَرِينَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِمَا، قَالَ: وَتَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتُهُ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي هَذَا الْوَجْهِ خَبَرٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عَمْرٌو يُخَاطِبُ عُمَارَةَ:
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَتْرُكْ طَعَامًا يُحِبُّهُ ... وَلَمْ يَنْهَ قَلْبًا غَاوِيًا حَيْثُ يَمَّمَا
قَضَى وَطَرًا مِنْهُ وَغَادَرَ سُبَّةً ... إِذَا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ولم يذكر ابن إسحق مَعَ عَمْرٍو إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ فِي رِوَايَةِ زِيَادٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بكير لعمارة بن الوليد ذكر: فَأَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ، بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فِي أَحْسَنِ جِوَارٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِمُهَاجِرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلاثُونَ رَجُلا، وَمِنَ النِّسَاءِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةُ نَفَرٍ، وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلا، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ- وَقِيلَ:
الْمُحَرَّمُ- سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النَّجَاشِيِّ كِتَابًا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَلَمَّا قريء عَلَيْهِ الْكِتَابُ أَسْلَمَ وَقَالَ: لَوْ قَدَرْتُ أَنْ آتِيَهُ لأَتَيْتُهُ وَكتب إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بنت أبي سفيان ففعل وأصدق عنه تسعمائة دِينَارٍ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى التَّزْوِيجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَكتب إِلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ويحملهم ففعل، فجاءوا حتى قدموا المدينة، فيجدون رسول الله صلى الله عليه وسلم في خَيْبَرَ [1] ، فَشَخَصُوا إِلَيْهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم، ففعلوا، وَكَانَ سَبَبُ رَجُوعِ الأَوَّلِينَ الاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ فِيمَا رُوِيَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ يَوْمًا عَلَى الُمْشِرِكيَن:
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى حَتَّى بَلَغَ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [2]
__________
[ (1) ] خيبر: بلدة معروفة على نحو أربع مراحل من المدينة إلى جهة الشام، ذات نخيل ومزارع، فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل سنة سبع من الهجرة، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصارهم بضع عشرة ليلة: (انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 103) .
[ (2) ] سورة النجم: الآية 1 ثم الآية 20.
أَلْقَى الشَّيْطَانُ كَلِمَتَيْنِ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ العلى وإن شفاعتهن لترجى، فتلكم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا، ثُمَّ مَضَى فَقَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا، فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْقَوْمُ جَمِيعًا، وَرَفَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تُرَابًا إِلَى جَبْهَتِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخَذَ تُرَابًا فَسَجَدَ عليه، ويقال:
كلاهما فعل ذلك، فَرَضَوْا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَكِنَّ آلِهَتَنَا هذه تشفع لنا عنده، فأما إذا جَعَلْتَ لَهَا نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَكَ،
فَكَبُرَ ذَلِكَ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ، حَتَّى جَلَسَ فِي الْبَيْتِ، فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْ» فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً [1]
قَالُوا: فَفَشَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ فِي النَّاسِ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: عَشَائِرُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا، فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا دُونَ مَكَةَ بِسَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ لَقَوْا رُكْبَانًا مِنْ كِنَانَةَ، فَسَأَلُوهُمْ عَنْ قُرْيَشٍ، فَقَالَ الرَّكْبُ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَتَابَعَهُ الْمَلأُ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْهَا فَعَادَ لِشَتْمِ آلِهَتِهِمْ وَعَادُوا لَهُ بِالشَّرِّ، فتركناهم على ذلك، فائتمر الْقَوْمُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ بَلَغْنَا مَكَّةَ، فَنَدْخُلُ فَنَنْظُرُ مَا فِيهِ قُرَيْشٌ وَيُحْدِثُ عَهْدًا مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ، فَدَخَلُوا مَكَّةَ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ منهم إِلَّا بِجِوَارٍ، إِلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ مَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانُوا خَرَجُوا فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ، فَأَقَامُوا شَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَكَانَتِ السَّجْدَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَدِمُوا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ يَعْنِي خَبَرَ هذه السجدة: موسى بن عقبة، وابن إسحق مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبَكَّائِيِّ، وَأَهْلُ الأُصُولِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْحُجَّةِ، وَمَنْ صَحَّحَهُ قَالَ فِيهِ أَقْوَالا:
مِنْهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ ذَلِكَ وَأَشَاعَهُ، وَالرَّسُولُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَهَذَا جَيِّدٌ، لَوْلا أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ: مَا أَتَيْتُكَ بِهَذَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وعنى بها الملائكة أن شفاعتهم ترتجى.
__________
[ (1) ] سورة الأسراء: الآية 73 ثم الآية 75.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا حَاكِيًا عَنِ الْكَفَرَةِ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَهَا مُتَعَجِّبًا مِنْ كُفْرِهِمْ، قَالَ: وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا خُيِّلْتُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهِ.
قُلْتُ: بَلَغَنِي عَنِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ الدِّمْيَاطِيُّ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ. وَالَّذِي عِنْدِي فِي هذا الخبر أن جَارٍ مَجْرَى مَا يُذْكَرُ مِنْ أَخْبَارِ هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ. وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّرَخُّص فِي الرَّقَائِقِ وَمَا لا حُكْمَ فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْمَغَازِي، وَمَا يُجْرَى مَجْرَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا مَنْ لا يُقْبَلُ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الأَحْكَامِ بِهَا، وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَيَنْبَغِي بِهَذَا الاعْتِبَارِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِسَنَدٍ لا مَطْعَنَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ فَيَرْجِعُ إلى تأويله.
ذكر إِسْلامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ الْمَزِّيِّ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو حَفْصِ بْنُ طَبَرْزَدَ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ غَالِبٍ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِكِيُّ القاضي، ثنا الحسين بن إسحق، ثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الفروي، ثنا عبد الملك بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنِ الزَّنْجِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» [1] .
وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفَرَّاءِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ صَصْرَى التَّغْلِبِيُّ فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أَنَا الشَّيْخَانِ الشَّرِيفُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بْنُ حَيْدَرَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْحُسَيْنِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُنِّ الأَسَدِيُّ قَالا: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بن أبي نصر التيمي قَالَ: أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، ثَنَا سُفْيَانُ الطَّائِيُّ قَالَ:
قرأت على إسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ قَالَ: ذَكَرَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلامِي؟ قُلْنَا:
نَعَمْ: قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ شَدِيدِ الْحَرِّ بِالْهَاجِرَةِ فِي بعض طرق مكة إذا لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لِي: أين تذهب يا ابن الْخَطَّابِ؟ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ هَكَذَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ فِي بَيْتِكَ، قَالَ:
قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ قَدْ صَبَتْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْضَبًا وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال (11/ 32768، 32774 و 12/ 35881) .
يَجْمَعُ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ إِذَا أَسْلَمَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِهِ قُوَّةٍ فَيَكُونَانِ مَعَهُ وَيُصِيبَانِ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: وَقَدْ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَكَانَ الْقَوْمُ جلوسا يقرؤون صَحِيفَةً مَعَهُمْ، قَالَ:
فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي تَبَادَرُوا وَاخْتَفَوْا وَتَرَكُوا أَوْ نَسُوا الصَّحِيفَةَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَفَتَحَتْ لِي، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكِ قَدْ صَبَوْتِ؟
قَالَ: فَأَرْفَعُ شَيْئًا فِي يَدِي فَأَضْرِبُهَا بِهِ، قَالَ: فَسَالَ الدَّمُ، قَالَ: فَلَمَّا رأت المرأة الدم بكت ثم قالت: يا ابن الْخَطَّابِ مَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا بِكِتَابٍ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فقلت: ما هذا الكتاب أعطينه؟ فَقَالَتْ: لا أُعْطِيكَهُ، لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ، أَنْتَ لا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلا تَطْهُرُ وَهَذَا لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهِ، فَإِذَا فِيهِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَلَمَّا مَرَرْتُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذُعِرْتُ وَرَمَيْتُ الصَّحِيفَةَ مِنْ يَدِي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَإِذَا فِيهَا: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [1] قَالَ: فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِالاسْمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُعِرْتُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيَّ نَفْسِي حَتَّى بَلَغْتُ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [2] قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَخَرَجَ الْقَوْمُ يَتَبَادَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِبْشَارًا بِمَا سَمِعُوا مِنِّي، وَحَمِدُوا لله عز وجل، ثم
قالوا: يا ابن الْخَطَّابِ: أَبْشِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَوْمَ الاثْنَيْنِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ إِمَّا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَإِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» [3] وَأَنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ فَأَبْشِرْ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ عَرَفُوا مِنِّي الصِّدْقَ قُلْتُ لَهُمْ، أَخْبِرُونِي بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفَلِ الصَّفَا، وَصَفُوهُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَعَرَفُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَعْلَمُوا إِسْلامِي، قَالَ: فَمَا اجْتَرَأَ أجد أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحُوا لَهُ فَإِنْ يرد الله به خيرا
__________
[ (1) ] سورة الحشر: الآية 1- سورة الحديد الآية: 1- سورة الصف الآية 1.
[ (2) ] سورة الحديد: الآيات 7 و 8.
[ (3) ] انظر كنز العمال (12/ 40، 35) .
يهده [1] » وقال: فَفَتَحُوا لِي وَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدَيَّ حَتَّى دَنَوْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«أَرْسِلُوهُ» قَالَ: فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيصِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أسلم يا ابن الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ»
قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ بِطُرُقِ مَكَّةَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ اسْتَخْفَى، ثُمَّ خَرَجْتُ فَكُنْتُ لا أَشَاءُ أَنْ أَرَى رَجُلا إِذَا أَسْلَمَ ضُرِبَ إِلَّا رَأَيْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: لا أُحِبُّ أَنْ لا يُصِيبَنِي مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ:
فَذَهَبْتُ إِلَى خَالِي وَكَانَ شَرِيفًا فِيهِمْ فَقَرَعْتُ الْبَابَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقُلْتُ لَهُ: أَشَعَرْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ:
نَعَمْ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي وَتَرَكَنِي، قال: قلت: ما هذا بشيء؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَجُلا مِنْ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ شَعَرْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ فَقَالَ: أَوَ فَعَلْتَ، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَلا تَفْعَلْ، قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: تُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلامُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ وَاجْتَمَعُوا أَتَيْتَ فُلانًا لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ يَكْتُمُ السِّرَّ فَاصْغَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ، فَإِنَّهُ سَوْفَ يُظْهِرُ عَلَيْكَ ذلك ويصيح ويعلنه، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ، جِئْتُ إِلَى الرَّجُلِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ: أَعَلِمْتَ إِنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَصَبَوْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِأَعْلاهُ قَالَ: أَلَا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ؟ قَالَ: فَمَا زَالَ النَّاسُ يَضْرِبُونِي وَضَرَبْتُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ خَالِي: مَا هَذَا؟ قَالَ: فَقِيلَ: ابْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَقَامَ عَلَيَّ فِي الْحَجَرِ فَأَشَارَ بِكُمِّهِ فَقَالَ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي، قَالَ: فَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنِّي، قَالَ: وَكُنْتُ لا أَشَاءُ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ وَأَنَا لا أُضْرَبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُصِيبَنِي مِثْلَ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَأَمْهَلْتُ، حَتَّى إِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحَجَرِ وَصَلْتُ إلى خالي فقلت: اسمع، فقال: ما أَسْمَعُ، قَالَ: قُلْتُ: جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ، قَالَ: فقال: لا تفعل يا ابن أختي، قال: قلت: بلى
__________
[ (1) ] انظر كنز العمال (12/ 35740) .
هُوَ ذَاكَ، فَقَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَضْرِبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ.
وروينا هذا الخبر من طريق ابن إسحق وَفِيهِ قَالَ: وَكَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا سَعِيدٌ وَهُمْ مُسْتَخْفُونَ بِإِسْلامِهِمْ مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ قَدْ أَسْلَمَ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يَقْصِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَأَنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَأَنَّ خَبَّابًا كَانَ فِي بَيْتِ أُخْتِهِ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ سُورَةُ طَه [1] وَأَنَّ الَّذِي أَذِنَ فِي دُخُولِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالرَّجُلُ الَّذِي صَرَّحَ بِإِسْلامِ عمر عند ما قَالَهُ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ذُو الْقَلْبَيْنِ، وَفِيهِ نَزَلَتْ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [2] عَلَى أَحَدِ الأَقْوَالِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جميل بن معمر
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وفيها: فأتيته بصحفة فِيهَا طه فَقَرَأَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا بَلَغَ: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى [3] قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
وَفِيهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَفْتِحُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائْذَنُوا لَهُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ وَإِلَّا كُفِيتُمُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ» قَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْنِي ابْنَ عَائِذٍ، وَهَذَا وَهْمٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ: «إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا وَإِلَّا كُفِيتُمُوهُ حَمْزَة»
وَفِي الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ عُمَرُ: فَحَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذْ جَاءَهُ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ عَلَيْهِ حُلَّةٌ وَقَمِيصٌ مُكَفَّفٌ بِالْحَرِيرِ، فقال: مالك يا ابن الخطاب؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إِذَا أَسْلَمْتُ، قَالَ الْعَاصُ: لا سَبِيلَ إِلَيْكَ، فَمَا عَدَا أَنْ قَالَهَا الْعَاصُ فَأمنت عَلَيْهِ، قال عبد الله بن عمر: فخرج عمرو العاص، فإذا
__________
[ (1) ] السورة رقم 20.
[ (2) ] سورة الأحزاب: الآية 4.
[ (3) ] سورة طه: الآية 16.
الْوَادِي قَدْ سَالَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَ قَوْمِهِ، قَالَ: لا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنْجَرَ الحافظ فيما رأيته عنده بِإِسْنَادِهِ إِلَى شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ، فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، فَقَرَأَ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ [1] قَالَ: قُلْتُ:
كَاهِنٌ عَلِمَ مَا فِي نَفْسِي، فَقَرَأَ: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [2] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَوَقَعَ الإِسْلامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ. وَقَدْ ذُكِرَ غَيْرُ هَذَا فِي خَبَرِ إِسْلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو الْعِزِّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِما وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ، قَالَ الأَوَّلُ: أَنَا أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، وَقَالَ الثَّانِي: أَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْخُرَيْفِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونٍ قَالَ: أَنَا مُعَافَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ طَرَّازٍ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ (يَعْنِي الْبَغَوِيَّ) ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَ أَهْلُ السَّمَاءِ بِإِسْلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ.
__________
[ (1) ] سورة الحاقة: الآية 40 و 41.
[ (2) ] سورة الحاقة: الآية 42.