وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق من خزاعة مصدّقا وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعوا بدنوه خزج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزر والغنم فرحا بقدومه وتعظيما لامر الله وأمر رسوله فحدّثه الشيطان انهم يريدون قتله فخافهم ورجع من الطريق قبل أن يصل اليهم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم تلقوه بالسلاح وأرادوا قتله* وفى المواهب اللدنية يحولون بينه وبين الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يبعث اليهم من يغزوهم فلما بلغهم خبر رجوع الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمعنا بمجىء رسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه فرجع فخشينا أن يكون ردّه بلوغ كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد فى عسكر خفية وأمره أن يخفى عليهم قدومه وقال له انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل فى الكفار فأتاهم خالد فسمع منهم أذان صلاتى المغرب والعشاء فأخذ صدقاتهم ولم ير منهم الا الطاعة والخير وانصرف خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الاية فقرأ عليهم
صلى الله عليه وسلم القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ الصدقات من أموالهم ويعلمهم شرائع الاسلام ويقرئهم القرآن* وفى الكشاف كان الوليد بن عقبة أخا عثمان لامه وهو الذى ولاه عثمان رضى الله عنه فى خلافته الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل أزيدكم فعزله عثمان رضى الله عنه*
,
وفى شعبان هذه السنة وفى سيرة ابن هشام فى شعبان سنة ست وقعت غزوة المريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة آخره عين مهملة وهو ماء لبنى خزاعة بيته وبين الفرع يومان وبين الفرع والمدينة ثمانية برد كذا فى سيرة مغلطاى وتسمى غزوة بنى المصطلق بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المشالة المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بطن من خزاعة وكانت يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس* وقال موسى بن عقبة سنة أربع انتهى قالوا وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذى فى مغازى موسى بن عقبة من عدّة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابورى والبيهقى فى الدلائل وغيرهم سنة خمس كذا فى المواهب اللدنية* وفى الوفاء ذكر كثير من أهل السير أنّ غزوة المريسيع كانت فى سنة ست ونقل البخارى عن ابن اسحاق انها فى سنة ست وكذا فى الاكتفاء وأسد الغابة لكن الاصح انّ المريسيع والمصطلق واحدة كلاهما فى سنة خمس بعد غزوة دومة الجندل بخمسة أشهر وثلاثة أيام وهى التى قال فيها أهل الافك ما قالوا وسبب هذه الغزوة انّ بنى المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها المريسيع من ناحية قديد الى الساحل وكان سيدهم الحارث بن أبى ضرار دعا قومه ومن قدر عليه على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجابوه وتجمعوا وتهيؤا للحرب والمسير معه فبلغ الخبر رسول الله فأرسل بريدة بن الخصيب الاسلمى ليتحقق ذلك فأتاهم ولقى الحارث وكلمه ورجع الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاخبره بأنهم يريدون الحرب فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس اليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا عشرة منها للمهاجرين وعشرون للانصار وخرجت معه عائشة وأمّ سلمة وخرج معهم جماعة من المنافقين واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وجعل عمر بن الخطاب على مقدمة الجيش وبلغ الحارث ومن معه خبر مسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم وأنه قتل عين الحارث الذى كان يأتى بخبر رسول الله فسىء بذلك هو ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق الاعراب الذين كانوا معه وانتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المريسيع وضربت عليه قبة وتهيؤا للقتال وصف رسول الله أصحابه ودفع راية المهاجرين الى أبى بكر وراية الانصار الى سعد بن عبادة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت كذا فى الاكتفاء فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا على الكفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة وأسر الباقون وسبوا الرجال والنساء والذرارى وأخذوا النعم والشاء ولم يقتل من المسلمين الا رجل واحد وكانت الابل ألفى بعير والشاء خمسة آلاف والسبى مائتى أهل بيت وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائى الى المدينة بشيرا بفتح المريسيع ولما رجع المسلمون بالسبى قدم أهاليهم فافتدوهم كذا ذكره ابن اسحاق والذى فى صحيح البخارى أغار على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وهم على الماء فأصاب يومئذ رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت رجلا من المسلمين من بنى كلب بن عوف بن عامر بن أمية بن
ليث بن بكر يقال له هشام بن ضبابة وهو يرى انه من العدوّ فقتله خطأ كذا فى الاكتفاء* وفى هذه الغزوة وقع التنازع بين جهجاه وسنان بالمريسيع على الماء بعد انقضاء الحرب والفراغ من بنى المصطلق ونزلت سورة المنافقين* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين لقى بنى المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم وقتلهم كما مرّ ازدحم على الماء جهجاه بن سعد الغفارى وهو كان أجير العمر بن الخطاب يقود له فرسه وسنان بن وبر الجهنى حليف عمرو بن عوف من الخزرج* وفى المدارك كان حليفا لابن أبى فاقتتلا فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرين يقال له جعال ولطم وجه سنان فاستغاث سنان يا للانصار يا للخزرج واستغاث جهجاه يالكنانة يالقريش فتسارع اليهما القوم وعمدوا الى السلاح فمشى جماعة من المهاجرين الى سنان فقالوا له اعف عن جهجاه ففعل فسكنت الفتنة وانطفأت نائرة الحرب* وفى القاموس جهجاه ممن خرج على عثمان وكسر عصا النبىّ صلّى الله عليه وسلم بركبته فوقعت الاكلة فيها* وفى الشفاء وأخذ جهجاه الغفارى القضيب من يد عثمان ليكسره على ركبته فصاح الناس فأخذته فيها الأكلة فقطعها فمات قبل الحول قال فسمع عبد الله بن أبى بن سلول التنازع فغضب وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ذو الأذن الواعية وهو غلام حديث السن وقال يعنى ابن أبى أفعلوها قد نافرونا وكاثر ونافى بلادنا وقال ما صحبنا محمدا الا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال سمن كلبك يا كلك اما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها الاذل يعنى بالاعز نفسه وبالأذل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحوّلوا الى غير بلادكم* عبارة الاكتفاء لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال له زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد فى عز من الرحمن وقوّة من المسلمين قال له عبد الله بن أبى اسكت فانما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله فقال اذا ترعد آنف كثيرة يثرب فقال ان كرهت أن يقتله مهاجرى فأمر به أنصاريا* وفى الاكتفاء قال عمر فمر به عباد بن بشر فليقتله فقال كيف يا عمر اذا تحدّث الناس انّ محمدا يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل وذلك فى ساعة لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى عبد الله بن أبى فأتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذى بلغنى فقال عبد الله والذى أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وانّ زيدا لكاذب* وفى الاكتفاء وقد مشى عبد الله بن ابى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بلغه انّ زيدا بلغه ما سمعه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبى فى قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الانصار من أصحابه يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدّق عليه كلام غلام عسى أن يكون الغلام وهم فى حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى الكشاف روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لزيد لعلك غضبت عليه قال لا قال فلعله أخطأ سمعك قال لا قال فلعله شبه عليك قال لا وفشت الملامة فى الانصار لزيد وكذبوه وكان زيد يساير النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يقرب منه بعد ذلك استحياء فلما استقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوّة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله رحت فى ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبى قال وما قال قال زعم انه ان رجع الى المدينة أخرج الاعز منها الاذل فقال أسيد
بن حضير فأنت والله يا رسول الله
تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك وانّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه فانه ليرى أنك قد استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبى ما كان من أبيه فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه بلغنى انك تريد قتل عبد الله بن أبى لما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرنى به فأنا أحمل اليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه منى وانى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أن أنظر الى قاتل عبد الله بن أبى يمشى فى الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر وأدخل النار فقال رسول الله نرفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا* وفى الاكتفاء ثم مشى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ولياتهم حتى أصبح وسار يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل عن الحديث الذى كان بالامس وفى غير الاكتفاء ثم سار رسول الله صلّى الله عليه وسلم رائحا بالناس حتى نزل على ماء فويق النقيع يقال له نقعاء فهاحت ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها وضلت ناقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم القصوى وذلك ليلا فقال رسول الله لا تخافوا انما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفى بالمدينة قيل من هو قال رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين وهو زيد بن اللصيت أحد بنى قينقاع كيف يزعم انه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ألا يخبره الذى يأتيه بالوحى فأتاه جبريل وأخبر بقول المنافق ومكان ناقته وأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما أزعم أنى أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرنى بقول المنافق ومكان ناقتى هى فى الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فاذا هى كما قال فجاؤا بها وآمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قدمات وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين* وفى المنتقى أوردهما فى السنة التاسعة من الهجرة وذكر فقدان الناقة حين توجهه الى تبوك وهبوب الريح بتبوك وسيجىء فى الموطن التاسع* ولما دنوا من المدينة وفى الوفاء ولما كان بينهم وبين المدينة يوم تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول حتى أناخ على مجامع طرق المدينة* فلما جاء عبد الله بن أبى قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال لا والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الاعز ومن الاذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس فانصرف عبد الله حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشكى اليه ما صنع ابنه فأرسل صلّى الله عليه وسلم الى ابنه أن خل عنه فدخل المدينة رواه ابن شيبة* وفى المنتقى فتقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبى حتى وقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تقرّ أنك الذليل وأنّ محمدا العزيز فمرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال دعه فلعمرى لنحسنن صحبته مادام بين أظهرنا* وفى الكشاف ولما أراد عبد الله أن يدخل المدينة اعترضه ابنه حباب وهو عبد الله بن عبد الله غير رسول الله اسمه وقال ان حبابا اسم شيطان وكان مخلصا وقال وراءك والله لا تدخلها حتى تقول رسول الله الاعز وأنا الاذل فلم يزل حبيسا فى يده حتى أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتخلية* وروى أنه قال لئن لم تقرّ لله ورسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك أفاعل أنت قال نعم فلما رأى منه الجدّ قال أشهد أنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا فلما وافى رسول الله المدينة أنزل الله تعالى سورة اذا جاءك المنافقون فى تصديق زيد وتكذيب عبد الله فلما نزل أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال ان الله صدّقك وأوفى بأدنك* وفى الاكتفاء قال هذا
الذى أوفى الله بأذنه* وفى الكشاف فلما نزل لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال وفت أدنك يا غلام ان الله صدّقك
وكذب المنافقين* وفى معالم التنزيل ولما نزلت هذه الآية وبان كذب عبد الله بن أبىّ قيل له يا أبا حباب انه قد نزل فيك آى شداد فاذهب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمر تمونى أن أومن فآمنت وأمر تمونى أن أعطى زكاة مالى فقد أعطيت فما بقى الا أن أسجد لمحمد فأنزل الله واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤسهم الآية ولم يلبث ابن أبى الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات هكذا فى معالم التنزيل والمدارك وأما فى المنتقى فأورد موت عبد الله بن أبى فى السنة التاسعة من الهجرة وسيجىء فى الموطن التاسع وكانت غيبته عليه السلام فى هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما هكذا فى المواهب اللدنية وقدم المدينة لهلال رمضان* وفى هذه السنة قدم مقيس بن حبابة من مكة متظاهرا بالاسلام فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئتك أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر له رسول الله بدية أخيه هشام بن حبابة فأقام عند رسول الله غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم رجع الى مكة مرتدّا*