وقعت في رجب لعام تسعة (9) هـ، وذلك بموقع يسمى دومة الجٌندل، على طريق الشام قريبا من تبوك، على مسافة 450 كم من المدينة.
قادها الصحابي خالد بن الوليد، رضي الله عنه، في نحو 420 من الصحابة المسلمين.
(كان خالد بن الوليد قد أسلم قبل فتح مكة، وهو من دهاة الحرب في عصره، وأسماه النبي بسيف الله المسلول على المشركين لانتصاراته وشجاعته في ميدان المعارك، وتولى إمارة عددا من السرايا في حياة النبي، ثم واصل فتوحاته في عهد الخلافة).
مناصرة دومة الجندل وهم من نصارى الشام، للروم (امبراطورية بيزنطة) والمساهمة بحشودهم ضد المسلمين ومن ذلك غزوة تبوك والتي وقعت قبل تلك السرية مباشرة.
كان أكيدر بن عبد الملك، ملكا من نصارى العرب، وهو من قبيلة كندة، وكان يحكم دومة الجندل القريبة من الشام، وأهلها كانوا مثله على النصرانية ، وكان لا يترك فرصة إلا ناصر فيها الروم على المسلمين، وقد خرجت غزوة وسرية في عام خمسة وستة هجريا لدعوتهم غير أنهم آثروا معاداة المسلمين.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سرية بقيادة خالد بن الوليد، إلى ملك دومة الجندل، وقال لخالد وكأنه يرى هذا الملك : "إنك ستجده يصيد البقر".
فخرج إليه خالد في ليلة مقمرة صيفا، فوجد الملك أكيدر قد خرج مع أهل بيته، ومعه أخ له يقال له: حسان، يصطادون البقر -كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوا أخاه.وكانوا قد سمعوا نقرات قرون البقر على الباب فنزلوا فاصطادهم الصحابة.
قدم خالد بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام أو دفع الجزية، فصالحه أكيدر على دفع الجزية، والامتناع عن أي عدوان على المسلمين، فحقن الرسول صلى الله عليه وسلم دمه وأطلق سراحه فعاد لقريته. [السيرة النبوية، لابن هشام،2/527 ]
واتفقت أغلب كتب السيرة أن أكيدر لم يكن قد أسلم بدليل مصالحته على الجزية.
وفى رواية البيهقى أن سرية خالد إلى أكيدر واستسلامه هى التى حملت يحنة صاحب أيلة على المجيء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وعقده معه عقد الذمة.
وكان خالد قد استلب من ملك دومة حلته الحريرية المذهبة، وقدم بها على النبي، فكان الصحابة يلمسونها تعجبا من ملمسها الناعم، فلما عادوا قال لهم النبي: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بن مُعَاذٍ في الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» [رواه مسلم]
وجاء في بعض الروايات أن أكيدر لما أسره الصحابة كان معه ألفا بعير، وأربعمائة درع وأربعمائة رمح. [البيهقي وغيره]
وقال أحد الشعراء الطائيين في ابن الوليد:
تبارك سائق البقرات إني & رأيت الله يهدي كل هاد
فمن يك حائدا عن ذي تبوك & فإنا قد أمرنا بالجهاد
وكتب النبي إلى الأكيدر كتابا بالأمان وجاء في الكتاب :" بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إن له الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور وبعد الخمس لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها وعليكم بذلك العهد والميثاق ولكم بذلك الصدق والوفاء شهد الله ومن حضر من المسلمين" وهذا الكتاب هو ماجعل بعض الرواة يقول بإسلامه .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلا إلى المدينة .
ولكن بعد وفاة النبي توقف الأكيدر وجودي بن ربيعة الغساني عن دفع الجزية وقاتل الأكيدر عياض بن غنم وعزم نصارى العرب على قتال المسلمين، ولكن أكيدر تنحى خشية خالد بن الوليد وتوجه إلى العراق، غير أن خالدا لما علم بنقضه العهد وإحجامه عن الجزية (وقيل ارتداده ايضا في الروايات التي تقول بإسلامه من قبل)، أرسل في طلبه وضرب عنقه. [السيرة الحلبية، 3/226]
كان النبي يأمر خالدا وأصحابه وهم خارجون للسرية:«إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى أَخْذِهِ فَخُذُوهُ وَلا تَقْتُلُوهُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى أَخْذِهِ فَاقْتُلُوهُ»[رواه النسائي، كتاب السير8836، والبيهقي السنن الكبرى وابن عساكر]
فلم يكن النبي يرغب في قتل ملك دومة الجندل رغم ماضي عدائه للمسلمين، فهو يريد إيمان أهل البلاد بالله الواحد، ولا يمانع بإنزال اعزة القوم بمكانتهم السابقة، بشرط الخضوع للإسلام، أو دفع الجزية للمسلمين، وموادعتهم، فقيل أن ملك دومة أراد السجود أمام النبي لما دخل عليه أسيرا، ولكنه رفض، أي النبي، وقبل منه بالصلح ولم يقطع رقبته كعادة الحروب آنذاك.
وقد أهدى أكيدر دومة للنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثوبَّ حريرٍ ، فأعطاه لعلي بن أبي طالب، ورفض أن يرتديها لعدم جواز ارتداء الحرير للرجال، وأمره بتقسيمها بين النساء قائلا: «شققه خُمُرا بين الفواطم»[رواه مسلم 2071]
أسر ملك دومة الجندل، وقتل أخاه، ثم إطلاق سراح الملك، وحصول الكثير من الغنائم، ومصالحة دومة الجندل على الجزية ومنع الاعتداء.
عودة النبي من غزوة تبوك ظافرا بفتح العديد من القرى والبلدان وخضوعها للمسلمين، وكانت تلك بذرة توسع الدولة الإسلامية لخارج الجزيرة العربية، وهو أكبر ما كان يثير الرعب لدى الروم.
-ومن مظاهر عبقرية محمد العسكرية اختياره لقادة السرايا، وكان ابن الوليد أحد الأفذاذ في ميدان القتال والمظفرين فاستحق لقب سيف الله، رضي الله عنه .
-لا أمان لمن لا دين له؛ وقد عاد ملك دومة للغدر بعد وفاة رسول الله.
-اليقظة وطلب الجهاد المتواصل واليقين بنصر الله من أسباب انتشار دين الإسلام.