(والإفك) بكسر الهمزة، وسكون الفاء في اللغة المشهورة، وبفتحهما معا، هو الكذب، ومراده أنّ قصة الإفك على أمنا الصديقة، المبرأة من رب البرية، كان (في قفولهم) بضم القاف أي: رجوعهم من هذه الغزوة.
وحديث الإفك اتفق عليه الشيخان، قال العلّامة الفقيه عماد الدين يحيى بن أبي بكر العامري في «البهجة» :
(وألفاظهم فيه متقاربة، وقد كفاناها أبو عبد الله الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» له، فرواه عنهما من حديث الزّهري عن عروة بن الزّبير، وسعيد بن المسيّب، وعلقمة بن وقاص اللّيثي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، من حديث عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله ممّا قالوا.
قال الزّهري: وكلهم حدّثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى له من بعض، وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدّثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا، قالوا:
قالت عائشة: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا.. أقرع بين أزواجه، فأيّتهنّ خرج سهمها.. خرج بها معه.
قالت: فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت معه بعد أن أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين.. آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت من شأني.. أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار «1» قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه.
قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أنّي فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن- ومنهم من قال:
لم يهبّلن- ولم يغشّهن اللحم، إنّما يأكلن العلقة «2» من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه- ومنهم من قال: خفة الهودج- فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منزلهم، وليس فيه أحد، - ومنهم من قال: فجئت
__________
(1) الجزع: الخرز، وظفار مدينة باليمن قرب صنعاء.
(2) ما فيه بلغة من الطعام إلى وقت الغداء.
منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب- فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إليّ.
فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكواني، قد عرّس من وراء الجيش، فادّلج «1» ، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني- وكان يراني قبل الحجاب- فاستيقظت باسترجاعه «2» حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما يكلمني بكلمة، ولا أكلمه، وما سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرّسين- وفي رواية صالح بن كيسان وغيره:
موغرين في نحر الظهيرة- قالت: فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول.
فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر، ويريبني في وجعي أنّي لا أرى من النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنّما يدخل فيسلم، ثمّ يقول: «كيف تيكم» ثمّ ينصرف، فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى نقهت.
فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع، وهو متبرّزنا، وكنا
__________
(1) ادّلج- بتشديد الدال-: سار من آخر الليل، وأدلج- بالتخفيف-: سار من أوله.
(2) قوله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
لا نخرج إلّا ليلا، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرّز قبل الغائط، وكنا نتأذّى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فأقبلت أنا وأم مسطح- وهي ابنة أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف، وأمّها بنت صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطّلب- حين فرغنا من شأننا نمشي، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها:
بئس ما قلت، أتسبّين رجلا شهد بدرا، فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا على مرضي.
فلمّا رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم، وقال: «كيف تيكم؟» فقلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبويّ، فقلت لأمي: يا أمّتاه؛ ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بنية؛ هوّني على نفسك الشأن، فو الله؛ لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر.. إلّا أكثرن عليها، فقلت:
سبحان الله! ولقد تحدّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع «1» ، ولا أكتحل بنوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب
__________
(1) أي: لا ينقطع.
وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي؛ يستشيرهما في فراق أهله.
قالت: فأمّا أسامة.. فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه من الودّ لهم، فقال أسامة: هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم بهم والله إلّا خيرا، وأمّا عليّ بن أبي طالب.. فقال: يا رسول الله؛ لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «أي بريرة؛ هل رأيت منها شيئا يريبك؟» فقالت له بريرة: لا والذي بعثك بالحق نبيا، إن رأيت منها أمرا أغمصه «1» عليها أكثر من أنّها جارية حديثة السّن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيّ ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «من يعذرني من رجل «2» بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله؛ ما علمت في أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» .
قالت: فقام سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل، فقال:
__________
(1) أي: أعيبه.
(2) أي: من يقوم بعذري إذا كافأته على سوء صنيعه.
يا رسول الله؛ أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس..
ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج.. أمرتنا ففعلنا فيه أمرك.
فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكانت أم حسّان بنت عمه من فخذه، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية- ومنهم من قال: اجتهلته الحمية- فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ذلك.
فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، فتبادر الحيّان: الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفّضهم حتى سكنوا وسكتوا.
قالت: وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثمّ بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتين ويوما، حتى أظن أنّ البكاء فالق كبدي.
قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّم ثمّ جلس، قالت: ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل
قبلها، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء، فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ قال: أمّا بعد يا عائشة:
فإنّه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب إلى الله.. تاب الله عليه.
قالت: فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ قطرة، فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال: قال: والله؛ ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمّي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت أمّي: والله؛ ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: إنّي والله لقد علمت أنّكم سمعتم ما تحدّث الناس به، حتى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت:
إنّي بريئة- والله يعلم إنّي لبريئة- لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أنّي منه بريئة- لتصدّقني، فو الله؛ ما أجد لي ولكم مثلا إلّا أبا يوسف إذ قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
قالت: ثمّ تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا والله أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن ما كنت أظن أنّ الله ينزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من
أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى- ومنهم من قال: فلأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري- ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرّئني الله بها، فو الله؛ ما رام «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «2» من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه، فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:
يا عائشة؛ احمدي الله- ومنهم من قال: أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك- فقالت لي أمّي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله، هو الذي أنزل براءتي.
فأنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ. لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ. لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ
__________
(1) رام يريم: فارق، والمصدر الريم.
(2) الجمان- بضم الجيم- مفرده جمانة، وهي تعمل من الفضة كالدرة. اهـ «مختار»
عَظِيمٌ. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.
فلمّا أنزل الله هذا في براءتي.. قال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة؛ لقرابته منه وفقره-: والله؛ لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال أبو بكر: بلى والله، إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وقال: والله؛ إنّي لا أنزعها منه أبدا «1» .
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: «يا زينب؛ ما علمت؟
ما رأيت؟» قالت: يا رسول الله؛ أحمي سمعي، والله؛
__________
(1) بل في «معجم الطبراني الكبير» و «النسائي» : (أنّه أضعف له في النفقة التي كان يعطيه إيّاها قبل القذف) ذكره في «الحلبية» اهـ
ما علمت عليها إلّا خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، قالت: وطفقت أختها حمنة تجاوب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط) اهـ
,
وفي هذا الحديث العظيم فوائد كثيرة:
فيه- وهو المقصود الأعظم-: تبرئة منصب السيدة عائشة رضي الله عنها ممّا رماها به أهل الإفك، قال الإمام النوويّ:
(وهي براءة قطعية بنص القرآن، فلو تشكّك فيها إنسان والعياذ بالله.. صار كافرا بإجماع المسلمين، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (لم تزن امرأة نبيّ قطّ) ففيه منقبة ظاهرة لعائشة، وفضيلة لأبيها وأمها.
وفيه: فضيلة لسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وزينب بنت جحش، وصفوان بن المعطّل، وأم مسطح بن أثاثة.
وفيه: جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة، عن كل واحد منهم قطعة مبهمة، إذا كان كل منهم بصفة العدالة.
وفيه: ثبوت القرعة.
قال العلّامة الحلبي في «سيرته» : (قال السّهيلي: وكان
نزول براءة عائشة رضي الله عنها بعد قدومهم المدينة- أي: من الغزوة المذكورة- لسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين، فمن نسب إليها رضي الله عنها اقتراف الفاحشة كغلاة الرافضة.. كان كافرا؛ لأنّ في ذلك تكذيبا للنصوص القرآنية، ومكذبها كافر) .
,
وفي «روح المعاني» للعلّامة الآلوسي: (أنّه جاء في خبر غريب ذكره ابن النجار في «تاريخ بغداد» بسنده إلى أنس رضي الله عنه: كنت جالسا عند عائشة لأقرّ عينها بالبراءة وهي تبكي وتقول: هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة، وما عرض عليّ طعام ولا شراب، فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة، فرأيت في منامي فتى، فقال: ما لك؟ قلت: حزينة ممّا ذكر الناس، فقال: ادعي بهذه يفرج الله عنك، قلت:
وما هي؟ قال: قولي: يا سابغ النّعم، ويا دافع النّقم، ويا فارج الغمم، ويا كاشف الظّلم، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا أوّل بلا بداية، ويا آخر بلا نهاية؛ اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا. قالت: فقلت ذلك، فانتبهت وأنا ريانة شبعانة وقد أنزل الله فرجي.
قلت: وهو حريّ أن يسمّى دعاء الفرج.
قال بعضهم: برّأ الله تعالى أربعة بأربعة: برّأ يوسف عليه السّلام بشاهد من أهل زليخا، وبرّأ موسى عليه السّلام من قول
اليهود فيه إنّ له أدرة بالحجر الذي فرّ بثوبه، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها، وبرّأ عائشة بهذه الآيات.
لطيفة ذكرها الصلاح الصّفدي قال:
رأيت بخط ابن خلّكان أنّ مسلما ناظر نصرانيا، فقال له النصرانيّ في خلال كلامه، محتقنا في خطابه بقبيح آثامه:
يا مسلم؛ كيف كان وجه زوجة نبيكم معتذرة بضياع عقدها؟
فقال له المسلم: يا نصراني؛ كان وجهها كوجه بنت عمران لمّا أتت بعيسى تحمله من غير زوج، فمهما اعتقدت في دينك من براءة مريم.. اعتقدنا مثله في ديننا من براءة زوج نبينا صلى الله عليه وسلم، فانقطع النصرانيّ ولم يحر جوابا) اهـ، وهو جواب مفحم مسكت، فلله دره من مؤمن محب صادق، أنطقه الله بالصواب على هذا الأسلوب الذي دحر به ذلك النصرانيّ الأثيم، والسيدتان كل منهما مطهّرتان بريئتان مبرّأتان، رضي الله عنهما وأرضاهما، آمين.