كانت حرب الفجار بالنسبة إلى قريش دفاعا عن قداسة الأشهر الحرم، ومكانة أرض الحرم؛ وهذه الشعائر بقية ممّا احترمه العرب من دين إبراهيم، وكان احترامها مصدر نفع كبير لهم، وضمانا لانتظام مصالحهم، وهدوء عداوتهم؛ كان الرجل يلقى قاتل أبيه خلالها فيحجزه عن إدراك ثأره شعوره بهذه الحرمات، وقد جاء الإسلام بعد فأقرّ هذه المكانة الموروثة عن ديانة إبراهيم:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ...
[التوبة: 36] .
ولكنّ أهل الجاهلية ما لبثوا أن ابتلوا بمن استباحها، فظلموا أنفسهم بالقتال فيها، وكانت حرب الفجار من اثار هذه الاستباحة الجائرة، وليس هنا تفصيل خبرها وقد ظلت أربعة أعوام كان عمر (محمد) صلى الله عليه وسلم في أثنائها بين الخمسة عشر، والتسعة عشر، قيل: قاتل فيها بنفسه. وقيل: بل أعان المقاتلين ...