كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يوصي بالجار ويحث على مراعاته وأوجب له حقوقًا، وقد أكثر جبريل عليه السلام من التأكيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق الجار، وما ذاك إلا لعِظَم حقه.
ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على الإحسان للجار المسلم فقط، بل إن وصيته صلى الله عليه وسلم بالجار جامعة للمسلم وغير المسلم، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، فعن عبد الله بن عمرو: «أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً، فقال: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:ما زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حتى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (رواه أبو داود) ومن حقوق الجار التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (رواه البخاري).
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار والإحسان إليه حتى وصل الأمر إلى ربط ذلك بالإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: «.. وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ...» (متفق عليه).
بل أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أنه من معايير الخيرية، فقال: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» (رواه ابن حبان).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وَأَحْسِنْ إلى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا»(رواه الترمذي).
صِفِ المجتمعات التي تسير على هديه صلى الله عليه وسلم مع الجيران من حيث الترابط والتعاون والتنمية
فعن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ؟» (رواه البخاري في الأدب المفرد).
فعن أَنَسٍ -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حتى يُحِبَّ لِجَارِهِ -أو قال لِأَخِيهِ- ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه مسلم).
يحكي لنا عن ذلك أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» (رواه مسلم).
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إيذاء الجار، بل ونفى الإيمان عمن يؤذي جاره، حتى أقسم صلى الله عليه وسلم بالله تأكيدًا على ذلك فقال: «والله لَا يُؤْمِنُ، والله لَا يُؤْمِنُ، والله لَا يُؤْمِنُ. قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: الذي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه» [بوائقه: شروره] (رواه البخاري).
بل إن الأعمال الصالحة ولو كثرت لا تنفع صاحبها إذا كان يؤذي جاره، يحكي لنا أبو هريرة -رضي الله عنه- عن ذلك فيقول: «قال رَجُلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فُلانَةَ يَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَها بِلِسَانِهَا، قال: «هِيَ فِي النَّارِ» قال: يا رَسُولَ اللَّهِ فإن فُلانَةَ يذكر من قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وإنها تَصَدَّقُ وَلا تؤذي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قال: «هي في الْجَنَّةِ» (رواه أحمد).
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» (رواه البخاري).
[فِرْسِن الشاة: عظم قليل اللحم، كالحافر أو طرف رجل الدابة من يدها، ،والمراد ولو شيئا قليلا].
ربطَ النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالإحسان إلى الجار، ونفاه عمن يؤذي جاره، وضح العلاقة بين الإيمان وحسن الجوار.
وذات يوم «جَاءَ رَجُلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ»، فقال: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا»، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ في الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ في الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ الناس يَسْأَلُونَهُ، فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ الناس يَلْعَنُونَهُ، فَعَلَ الله بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إليه جَارُهُ»، فقال له: «ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شيئًا تَكْرَهُهُ!» (رواه أبو داود).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ..» (رواه البخاري).
رغم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالجار إلا أن كثيرًا من المجتمعات مفككة لا يعرف الناس جيرانهم، فكيف حصل ذلك في تقديرك؟ وما السبيل إلى معالجته؟
حث النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم الجار بالمنفعة على من سواه ومن ذلك أن رجلًا قال: يا سعد بن أبي وقاص، ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ في دَارِكَ، فقال سَعْدٌ: والله ما أَبْتَاعُهُمَا، فقيل له: والله لَتَبْتَاعَنَّهُمَا، فقال سَعْدٌ: والله لَا أَزِيدُكَ على أَرْبَعَةِ آلَافٍ مقسطة، فقال الرجل: لقد أُعْطِيتُ بها خمسمائة دِينَارٍ، وَلَوْلَا أَنِّي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» [القرب والمجاورة] ما أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وأنا أُعْطَى بها خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ» (رواه البخاري).
وذات يوم سألت السيدة عائشة -رضي الله عنها- النبي صلى الله عليه وسلم عن أولى الجيران بالمعروف والصلة فقالت: «يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا؟» قال: «إلى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» (رواه البخاري).
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم: «ما تَقُولُونَ في الزِّنَا؟» قالوا: «حَرَّمَهُ الله وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: «لأَنْ يزني الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عليه من أَنْ يزني بِامْرَأَةِ جَارِهِ». فقال: «ما تَقُولُونَ في السَّرِقَةِ؟» قالوا: «حَرَّمَهَا الله وَرَسُولُهُ فهي حَرَامٌ»، قال: «لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ من عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عليه من أَنْ يَسْرِقَ من جَارِهِ» (رواه أحمد).
كيف يمكن وصل الجار والإحسان إليه في المجتمعات الحديثة المفككة؟
ذات يوم مرض يهودي جار للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاده [زاره] النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عن ذلك أنس -رضي الله عنه-فيقول: «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبي صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ»، فقال له: «أَسْلِمْ فَنَظَرَ إلى أبيه وهو عِنْدَهُ»، فقال له: «أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم»، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَنْقَذَهُ من النَّارِ» (رواه البخاري).
ما دلالة إحسان النبي صلى الله عليه وسلم إلى جيرانه غير المسلمين؟
1. احترِمْ جارَك وَأحْسِنْ معاملتَه وقم بحقوقه واجعل قدوتك في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. احرِصْ على زيارة جارك وصِلَتِه، خاصةً عند مرضه أو فرحه، فهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3. صِلْ جارك بطعامٍ مما تصنع على سبيل الهدية، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
4. إذا أردتَ فعل إحسان أو معروف، فقَدِّمْ جارك أولًا إذا كان له حاجة فيه.
5. إيَّاكَ وإيذاءَ جارك أو مضايقته أو حتى كَفَّ المعروف عنه؛ فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد الحذر.
6. اقتدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين من الجيران، فلكَ فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.