ولما نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة صرف اليه سبعة من جنّ نصيبين مدينة بالشام وقد قام فى جوف الليل يصلى وفى الصحيح انّ الذى آذنه صلّى الله عليه وسلم بالجنّ ليلة الجنّ شجرة كذا فى المواهب اللدنية وأقام بنخلة أياما ثم دخل مكة فى جوار مطعم بن عدىّ* وفى أسد الغابة ولما عاد من الطائف أرسل الى مطعم بن عدىّ يطلب منه أن يجيره فأجاره فدخل المسجد معه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يشكرها له وكان دخوله من الطائف لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذى القعدة* وفى هذه السنة جاءت وفود الجنّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* فى حياة الحيوان لما بلغ عمره خمسين سنة وفى سيرة اليعمرى خمسين سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جنّ نصيبين فأسلموا* وفى الاستيعاب كان رجوعه من الطائف الى مكة سنة احدى وخمسين من الفيل وفيها قدم عليه جنّ نصيبين بعد ثلاثة أشهر* وعن ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين الى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء الا شىء حدث فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذى حال بينكم وبين خبر السماء فنهض سبعة نفر من أشراف جنّ نصيبين أو نينوى منهم زوبعة أمير الجنّ فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا الى وادى نخلة فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر* وفى المدارك وهو قائم فى جوف الليل يصلى أو فى صلاة الفجر* وفى أنوار التنزيل روى أنهم وافوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوادى نخلة وهو موضع على ليلة من مكة عند منصرفه من الطائف يقرأ فى تهجده انتهى* فلما سمعوا القرآن استمعوا له وهو يقرأ سورة الجنّ كذا فى سيرة مغلطاى فأولئك حين رجعوا الى قومهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنزل الله على نبيه قل أوحى الىّ أنه استمع نفر من الجنّ كذا فى الصحيحين* وفى المواهب اللدنية قال الحافظ ابن كثير هذا صحيح لكن قوله انّ الجنّ كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر فانّ الجنّ كان استماعهم فى ابتداء الايحاء* وفى أنوار التنزيل فى سورة الاحقاف فى قوله تعالى قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى قيل انما قالوا ذلك
لانهم كانوا يهودا وما سمعوا بأمر عيسى وعن عائشة أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول انّ الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر الامر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه الى الكفار فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخارى* وعن ابن عباس قال كان الجنّ يستمعون الوحى فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا فيكون ما سمعوه حقا ومازادوه باطلا كذا قاله أحمد وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك فلما بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعدا الارمى بشهاب يحرق ما أصاب فشكوا ذلك الى ابليس فقال ما هذا الامن أمر حدث فبعث جنوده فاذاهم بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم يصلى بين جبلى نخلة فأتوه فأخبروه فقال ما هذا الحدث الذى حدث فى الارض كذا فى الصفوة* وفى معالم التنزيل روى أنهم لما رجموا بالشهب بعث ابليس سراياه ليعرف الخبر فكان أوّل بعث بعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجنّ وسادتهم وبعث الى تهامة يقال انهم كانوا من بنى الشيصبان وهم أكثر الجنّ عددا وهم عامّة جنود ابليس فلما رجعوا قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا* واختلفوا فى عدد أولئك النفر فقال ابن عباس كانوا سبعة من جنّ نصيبين فجعلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسلا الى قومهم* وفى العمدة ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين وقال قوم كانوا تسعة وكان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن وفى العمدة أيضا وهم تسعة من جنّ نصيبين استمعوا القرآن وأجابوا دعوة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسماؤهم حسا وبسا وشاصرا وناصرا وأزد وأنين وأحتب وصخب وزوبعة* وفى الصفوة وهذا الحديث أى حديث رجم الشياطين بالشهب يدل على انّ النجوم ولم يرم بها الا لمبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم وقد روى الزهرى أنه كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقد مرّ مثله فى هذا الركن الثانى فى مبعثه صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك عن سعيد ابن جبير ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم وانما كان يتلو فى صلاته فمرّوا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم وقيل بل أمر الله رسوله أن ينذرهم ويقرأ عليهم فصرف اليه نفرا منهم وقال انى أمرت أن أقرأ على الجنّ وكان ذلك بمكة بشعب الحجون الى آخر الحديث المروى عن عبد الله بن مسعود كما سيجىء الآن* وفى المنتقى قال العلماء انّ الجنّ أتوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم مرّتين احداهما بنخلة كما مرّ آنفا والثانية بمكة وهى ما روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر أن ينذر الجنّ ويدعوهم الى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله اليه نفرا من الجنّ من نينوى وجمعوهم له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أمرت أن أقرأ على الجنّ الليلة فأيكم يتبعنى قالها ثلاثا فالصحابة أطرقوا فاتبعه عبد الله بن مسعود وقال عبد الله ولم يحضر معنا أحد فانطلقنا حتى اذا كنا بأعلا مكة دخل النبىّ صلّى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لى خطا وقال لى لا تخرج عنه حتى أعود اليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بينى وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون كقطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع الفجر ثم انطلق الىّ وقال أنمت قلت لا يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حين سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال ولو خرجت لم آمن عليك أن يختطفك بعضهم ثم قال هل رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجالا سودا مستثفرى ثياب بيض فقال أولئك جنّ نصيبين* وفى المدارك كانوا اثنى عشر ألفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك انتهى قال صلّى الله عليه وسلم سألونى المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل عظم حائل وورثة وبعرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس فنهى صلّى الله عليه
وسلم أن يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولاروثة الا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت يا رسول الله سمعت لغطا شديدا قال ان الجنّ تدارأت فى قتيل قتل بينهم فتحا كموا الىّ فقضيت بينهم بالحق ثم تبرّز رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أتانى فقال هل معك ماء فقلت يا رسول الله ليس معى الا أداوة فيها شىء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ فقال تمرة طيبة وماء طهور كذا فى المنتقى وفى كتاب الغزى بأعلا مكة مسجد يقال له مسجد الجنّ ومسجد البيعة أيضا يقال ان الجنّ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك وفى مقابل مسجد الجنّ مسجد يقال له مسجد الشجرة يقال ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا شجرة كانت فى ذلك المسجد فأقبلت تخط الارض حتى وقفت بين يديه ثم أمرها فرجعت
* تزوّجه صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة
وفى شوّال هذه السنة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة فى أسد الغابة لابن الاثير تزوّج صلّى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة قال الزهرى تزوّجها قبل عائشة وهو بمكة وبنى بها بمكة أيضا وقال غيره تزوّج عائشة قبل سودة وانما ابتنى بسودة قبل عائشة لصغر عائشة وتزوّج عائشة بمكة وبنى بها بالمدينة سنة اثنتين* وفى المواهب اللدنية تزوّج سودة بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة هذا قول قتادة وأبى عبيدة ولم يذكر ابن قتيبة غيره ويقال تزوّجها بعد عائشة ويجمع بين القولين بأنه صلّى الله عليه وسلم عقد على عائشة قبل سودة ودخل بسودة قبل عائشة والتزويج يطلق على كل واحد من العقد والدخول وان كان المتبادر الى الفهم من التزويج العقد دون الدخول وفى سيرة اليعمرى تزوّج عائشة بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهى بنت ست أو سبع وللبخارى توفيت خديجة قبل مخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهى بنت ست ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين روى أنه لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت يا رسول الله الا تزوّج قال من قالت ان شئت بكرا وان شئت ثيبا قال فمن البكر قالت ابنة أحب خلق الله اليك بنت أبى بكر قال ومن الثيب قالت سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال فاذهبى فاذكريهما علىّ فدخلت بيت أبى بكر وقالت يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قالت انتظرى أبا بكر حتى يأتى فجاء أبو بكر فقالت ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قال وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قال وهل تصلح له انما هى ابنة أخيه فرجعت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك قال ارجعى اليه فقولى له أنا أخوك وأنت أخى فى الاسلام وابنتك تصلح لى فرجعت فذكرت ذلك له فقال انتظرى قالت أمّ رومان ان مطعم بن عدى قد كان ذكرها على ابنه فو الله ما وعد وعدا قط فاخلفه قط تعنى أبا بكر فدخل أبو بكر على مطعم بن عدى وعنده امرأته أمّ الفتى فقالت يا ابن أبى قحافة لعلك مصبئ صاحبنا تدخله فى دينك الذى أنت عليه ان تزوّج ابنه ابنتك فقال أبو بكر لمطعم بن عدى أقول هذه تقول قال انها تقول ذلك فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان فى نفسه من عدته التى وعده فرجع فقال لخولة ادعى لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعته فزوّجها اياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين كما مرّ ثم خرجت خولة فدخلت على سودة بنت زمعة فقالت ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطبك عليه قالت وددت أن يكون ذلك ادخلى على أبى واذكرى ذلك له وكان شيخا كبيرا وقد تخلف عن الحج فدخلت عليه فذكرت له ذلك قال كفؤ كريم فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزوّجها اياه فجاء أخوها عبد الله بن زمعة من الحج فجعل
يحثى فى رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمرى انى سفيه يوم أحثى فى رأسى التراب أن تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة كذا فى المنتقى* روى ان سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس كانت قد أسلمت بمكة فى أوائل البعثة وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم زوجة ابن عمها سكران بن عمرو بن عبد شمس وولدت له ابنا اسمه عبد الرحمن قتل فى حرب جلولا وهو اسم قرية من قرى فارس وتلك الحرب وقعت هناك وسكران عدّ من الصحابة وكانت سودة هاجرت مع زوجها سكران الى الحبشة وبعد مدّة عادت الى مكة ورأت فى المنام ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاها ووضع رجله على رقبتها فلما انتبهت أخبرت زوجها قال ان صدقت فانا أموت ويتزوّجك محمد ثم رأت فى المنام انها اتكأت ووقع عليها القمر من السماء فأخبرت بها زوجها قال ان كنت صدقت فأنا أموت قريبا وتتزوجين زوجا آخر فمرض فى ذلك اليوم ومات بعد أيام ثم تزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى السنة العاشرة من النبوّة بعد وفاة خديجة مرويات سودة فى الكتب المتداولة خمس أحاديث واحد منها فى البخارى والباقية مروية فى السنن الاربع وتوفيت فى آخر خلافة عمر وقيل فى زمان معاوية والاوّل أشهر*