* فى الصفوة عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيا الارعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة انفرد باخراجه البخارى وقد رواه سعيد بن أبى أحيحة فقال فيه كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط* قال سويد بن سعيد يعنى كل شاة بقيراط* وقال الجريرى القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة وذكر مغلطاى رعيه الغنم فى سيرته فى سنة عشرين وقال كان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط
*
,
ومن حوادث السنة الثانية عشر من مولده عليه السلام ارتحال أبى طالب معه الى الشام* فى حياة الحيوان خرج أبو طالب معه الى الشام وهو ابن اثنتى عشرة سنة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب الى الشام* وقال ابن الاثير فى أسد الغابة انّ أبا طالب سار الى الشام وأخذ معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عمره اثنتى عشرة سنة وقيل تسع سنين والاوّل أكثر* وفى الصفوة قال أهل السير والتواريخ لما أتت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى وشهر وقيل لعشر خلون من ربيع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفيل ارتحل به أبو طالب الى الشام وكذا فى سيرة اليعمرى فيكون خروجه على هذا فى السنة الثالثة عشر وكان أبو طالب لم يرد أن يذهب به معه لكن لما تهيأ للرحيل وأجمع للسيرهب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال يا عم الى من تكلنى لا أب لى ولا أم فرق له أبو طالب فقال والله لأخرجن به معى ولا يفارقنى ولا أفارقه أبدا فخرج به معه وذلك فى المرة الاولى فسار الركب حتى نزلوا قرية من قرى الشام يقال لها كفر ومنها الى بصرى ستة أميال أو ثمانية وكان يسكنها راهب يقال له بحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره راء مقصورة قاله الذهبى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة* وقال السهيلى وقع فى سيرة الزهرى انه كان حبرا من يهودتيما* وفى المسعودى انه كان من عبد القيس واسمه جرجيس ويكون فى صومعة له ولذا اشتهرت تلك القرية بدير بحيرا وكان ذا علم فى النصرانية ولم يزل فى تلك الصومعة راهب من علماء النصارى يصير اليه علمهم عن كتاب يدرسونه فيما يزعمون يتوارثونها كابرا عن كابر فلما نزلوا ببحير انزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا به ولا يكلمهم بحيرا حتى اذا كان ذلك العام ونزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم وانما حمله على دعائهم انه رأى حين طلعوا على تلك الاماكن غمامة تظل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخصت أغصان تلك الشجرة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بالطعام فأرسل اليهم فقال صنعت لكم طعاما يا معشر قريش
وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا يتخلف منكم صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد فانّ هذا شىء تكرموننى به فقال رجل ان لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنك اليوم فقال انى أحببت أن أكرمكم فلكم حق علىّ فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم فى رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ ليس فى القوم أصغر منه فلما نظر بحيرا الى القوم ولم ير الصفة التى يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة فوق الشجرة على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش فلا يتخلفن أحد منكم عن طعامى قالوا ما تخلف أحد الاغلام هو أحدث القوم سنا فى الرحال فقال ادعوه فليحضر طعامى فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد منكم مع انى أراه من أنفسكم فقال القوم هو والله من أوسطنا نسبا وهو ابن أخى هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال والله ان كان من اللؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم احتضنه الحارث وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء فى جسده قد كان يجدها عنده فى صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام اليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا أخبرتنى عما أسألك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسألنى باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما قال بالله الا أخبرتنى عما أسألك عنه قال سلنى عما بدالك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على الصفة التى عنده فقبل موضع الخاتم قالت قريش ان لمحمد عند الراهب لقدرا وجعل أبو طالب يخاف على ابن أخيه لما يرى من الراهب قال الراهب لابى طالب ما هذا الغلام منك قال ابنى قال ما هو ابنك وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال ابن أخى قال فما فعل أبوه قال هلك وأمّه حبلى قال فما فعلت أمّه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم انى قد أدّيت اليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا الى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهى وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم اليه سبيل فصدّقوه وتركوه ورجع أبو طالب الى مكة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه كذا فى المنتقى* وفى المشكاة عن أبى موسى قال خرج أبو طالب الى الشام وخرج معه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم وهبط اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج اليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه رحمة للعالمين فقال له أشياخ قريش ما علمك فقال انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خرّ ساجدا ولا يسجدان الا لنبىّ وانى أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع وصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو فى رعية الابل فقال ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الى فىء شجرة فلما جلس مال فىء الشجرة عليه فقال انظروا الى فىء الشجرة مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا ابو طالب فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوّده الراهب من الكعك والزيت رواه الترمذى* وفى حياة الحيوان قال الحافظ الدمياطى وفى الحديث وهم فى قوله بعث
معه أبو بكر بلالا اذ لم يكونا معه ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين ولم يملك أبو بكر بلالا الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبى* قال ابن حجر رجال هذا الحديث ثقات وليس فيه منكر سوى قوله وبعث معه أبو بكر بلالا فيحمل على انه مدرج فيه مقتطعة من حدى آخر وهما من أحد رواته* وفى المواهب اللدنية قال الذهبى فى تجريد الصحابة انّ بحيرا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به وذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وهذا كما سبق يبتنى على تعريفهم الصحابة بمن رآه صلّى الله عليه وسلم وهل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلك حتى يدخل فيه من رآه قبل النبوّة ومات قبلها على دين الحنيفية وهو محل نظر*
,
وفى رواية عن حليمة أنها قالت لماتم له ثلاث سنين قال لى يوما يا امّه مالى لا أرى أخوىّ بالنهار قلت له يا بنىّ انهما يرعيان غنيمات لنا فى موضع كذا قال فمالى لا أخراج معهما قلت له تحب ذلك قال نعم فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت فى عنقه خيطا فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لى مهلا يا أمه فان معى من يحفظنى قالت ثم دعوت يا بنىّ فقلت لهما أوصيكما بمحمد خيرا لا تفارقاه وليكن نصب أعينكما فخرج مع أخويه فى الغنم حتى وصلا الى مكان الرعى فبينا هو قائم معهما اذ هبط جبريل وميكائيل* وفى المنتقى فبينما هم يترامون بالجلة يعنى البعر انتهى ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج فاستخرجاه من الغنم والصبية وأضجعاه وشقا بطنه وشرحا صدره واستخرجا منه نكتة سوداء فغسلاه بذلك الماء والثلج وحشوا بطنه نورا ومسحا عليه وعاد كما كان قالت فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو وقد علاه النفس وهو يقول يا أمّه أدركى أخى محمدا وما أراك تدركينه قالت فقلت وما ذاك قال أتاه رجلان عليهما ثياب خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه قالت فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحىّ فاذا أنا به صلّى الله عليه وسلم قائما ينظر الى السماء كانّ الشمس تطلع من وجهه فالتزمه أبوه والله لكأنما غمس فى المسك غمسة وقال له أبوه يا بنى مالك قال خير يا أبت أتانى رجلان انقضا علىّ من السماء كما ينقض الطائر فأضجعانى وشقا بطنى وحشوا بشىء كان معهما ما رأيت ألين منه ولا أطيب ريحا ومسحا على بطنى فعدت كما كنت روى أنه بقى أثر الشق ما بين مفرق صدره الى منتهى عانته كأنه الشراك* قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره صلّى الله عليه وسلم دائما* وفى الشفاء ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمّته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من امّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنك فلو وزنته بامّته كلها لوزنها وطارا حتى دخلا فى السماء* وفى رواية قال أحدهما لصاحبه اجعله فى كفة واجعل ألفا من امّته فى كفة فاذا أنا أنظر الى الالف فوقى أشفقت أن يخرّ علىّ بعضهم فقالوا لو أنّ أمّته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا وتركانى* وفى رواية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ملكين جاآنى فى صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشق أحدهما صدرى ومج الآخر بمنقاره فغسله* وفى حياة الحيوان عن أبى ذرّ أنه قال يا رسول الله كيف علمت انك نبىّ وبم علمت حتى استيقنت قال يا أباذرّ أتانى ملكان فوقع أحدهما بالارض وكان الآخر بين السماء والارض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال هو هو قال فوزننى برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزننى بعشرة فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزننى بمائة فرجحتهم ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطنى فأخرج قلبى فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم ثم قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء واغسل قلبه غسل الملا ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطنى وجعل الخاتم بين كتفىّ كما هو الآن ووليا عنى فكأنى أعاين الامر معاينة* وفى الحديث ان خاتم النبوّة لم يكن قبل ذلك انتهى قالت حليمة فحملناه الى خيم لنا فقال الناس اذهبوا به الى كاهن حتى ينظر اليه ويداويه فقال محمد صلّى الله عليه وسلم ما بى شىء مما تذكرون وانى أرى نفسى سليمة وفؤادى صحيحا بحمد الله قال الناس أصابه لمم أو طائف من الجنّ قالت
فغلبونى على رأيى حتى انطلقت به الى الكاهن فقصصت عليه قصته من أوّلها الى آخرها قال دعينى أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت فقص ابنى محمد قصته من أوّلها الى آخرها فوثب الكاهن قائما على قدميه وضمه الى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلونى معه فانكم ان تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهنّ أحلامكم وليبدلنّ أديانكم وليعونكم الى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت أنت أعته وأجنّ من ابنى ولو علمت ان هذا يكون منك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتيت به منزلى فما بقى يومئذ بيت فى بنى سعد الّا وجد منه ريح المسك وكان ينقض عليه فى كل يوم طيران أبيضان يغيبان فى ثيابه ولا يظهران فلما رأى أبوه ذلك قال لى يا حليمة انا لا نأمن على هذا الغلام وخشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شىء قالت فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا فى جوف الليل ينادى ذهب ربيع الخير وأمان بنى سعد هنيئا لبطحاء مكة اذا كان مثلك فيها يا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك اليها يا خير البشر قالت فلما أصبخت ركبت اتانى ووضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين يدى فلم أكن أقدر مما كنت انادى يمنة ويسرة حتى انتهيت الى الباب الاعظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضى حاجتى وأنزلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فغشيتنى كالسحابة البيضاء وسمعت صوتا شديدا ففرعت وجعلت ألتفت يمنة ويسرة ونظرت فلم أر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فصحت يا معشر قريش الغلام الغلام قالوا وما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبكى وأنادى وا محمداه فبينا أنا كذلك اذا أنا بشيخ كبير قد استقبلنى فقال لى مالك أيتها السعدية قلت ان لى لقصة عجيبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنين لا افارقه ليله ولا نهاره فعيشنى الله به وأنضر وجهى وجئت لأؤدّى الى امّه الامانة ليخرج من عهدى وامانتى فاختلس منى اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض فقال الشيخ لا تبكى أيتها السعدية ادخلى على هبل فتضرّعى اليه فلعله يردّه عليك فانّه القوى على ذلك العالم بأمره فقلت أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة ولد ما نزل باللات والعزى فقال لى أيتها السعدية انى أراك جزعة وأنا ادخل على هبل واذكر أمرك له فقد قطعت اكبادنا ببكائك مالا حد من الناس على هذا صبر قالت فقعدت مكانى متحيرة ودخل الشيخ على هبل وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا وطاف به اسبوعا ثم نادى يا عظيم المنّ يا قويا فى الاموران منتك على قريش كثيرة وهذه السعدية مرضعة محمد تبكى قد قطع بكاؤها الانياط فان رأيت ان تردّه عليها ان شئت* قالت فارتج والله الصنم وتنكس ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا يقول أيها الشيخ أنت فى غرور مالى ولمحمد وانما يكون هلاكنا على يديه وان رب محمد لم يكن ليضيعه بل يحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاكبر الا أن يدخلوا فى دينه قالت فخرج الشيخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة ولركبتيه اصطكاك قال لى يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا قط فاطلبى ابنك انى لأرى ان يكون لهذا الغلام شأن عظيم قالت فقلت لنفسى كم تكتمين امره من عبد المطلب اخبريه الخبر قبل أن يأتيه من غيرك قالت فدخلت على عبد المطلب فلما نظر الىّ قال لى يا حليمة مالى اراك جزعة باكية ولا ارى معك محمدا قالت فقلت يا أبا الحارث جئت بمحمد وهو أسر ما كان فلما صرت على الباب الاعظم من ابواب مكة نزلت لاقضى حاجتى فاختلس منى اختلاسا قبل ان يمس قدمه الارض فقال لى اقعدى يا حليمة ثم علا الصفا فنادى يا آل غالب يعنى آل قريش فاجتمع اليه الرجال فقالوا له قل يا أبا الحارث فقد أجبناك قال لهم ان ابنى محمدا فقد قالوا له فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك قالت فركب عبد المطلب وركب الناس معه فأخذ أعلا مكة وانحدر
بأسفلها فلما لم ير شيئا ترك الناس واتزر بثوب وارتدى بآخر واقبل الى البيت الحرام فطاف به اسبوعا وانشأ يقول
يا رب ردّ راكبى محمدا ... ردّ الىّ واتخذ عندى يدا
انت الذى جعلته لى عضدا ... يا رب ان محمد لم يوجدا
فجمع قومى كلهم تبدّدا
قال فسمعنا مناديا ينادى من جوّ الهواء يا معشر الناس لا تضجوا فان لمحمد ربا لا يضيعه ولا يخذله قال عبد المطلب يا أيها الهاتف من لنا به واين هو قال بوادى تهامة فأقبل عبد المطلب راكبا متسلحا فلما صار فى بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا يسيران فبيناهم كذلك اذا النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة* وفى رواية بينا ابو مسعود الثقفى وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما اذا هما برسول الله صلّى الله عليه وسلم قائما عند شجرة الطلحة وهى الموز يتناول من ورقها فأقبل اليه عمرو وهو لا يعرفه فقال له من انت يا غلام فقال انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى اتى به عبد المطلب* روى عن ابن عباس انه قال لما ردّ الله محمدا على عبد المطلب تصدّق بألف ناقة كوماء وخمسين رطلا من ذهب ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز* وفى هذه السنة الثالثة من مولده عليه السلام ولد أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه بمنى كذا فى زبدة الاعمال وسيجىء فى الخاتمة ذكر خلافته وما وقع فيها وذكر وفاته ان شاء الله تعالى* وفى السنة الرابعة من مولده صلّى الله عليه وسلم ايضا وقع شق الصدر قد ذكر أن شق الصدر كان فى السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم وقيل كان فى الرابعة على ما روى محمد بن سعد قال مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عندهم سنتين حتى فطم فقدموا به على امّه زائرين لها به وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته فقالت آمنة ارجعى بابنى فانى أخاف عليه وباء مكة فو الله ليكونن له شأن فرجعت به حليمة مرّة ثانية ومكث عندهم سنتين بعد الفطام أيضا فلما كان ابن أربع سنين أتاه ملكان فشقا بطنه وذكر قصة ذلك الى آخرها ثم نزلت به حليمة الى آمنة وأخبرتها ثم رجعت به مرّة ثالثة وكان عندها سنة اخرى ونحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيد الا وهى تلخطه ثم رأت غمامة تظلله اذا وقف وقفت واذا سار سارت فأفزعها ذلك أيضا من أمره فقدمت به الى امّه لتردّه وهو ابن خمس سنين كذا فى الصفوة* وفى حياة الحيوان فأقام فى بنى سعد خمس سنين فاضلته فى الناس فالتمسته فلم تجده وذكر نحو ما تقدّم فى الاختلاس منها وفى رواية ان عبد المطلب بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى حاجة ففقد الطريق فقال اللهم أدركنى محمدا القصة كما مرّت* روى أن حليمة قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة بعد تزوّجه خديجة فشكت اليه جدب البلاد وهلاك المواشى فكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة فأعطتها بعيرا وأربعين شاة وانصرفت الى أهلها ثم قدمت عليه بعد الاسلام فأسلمت هى وزوجها وبايعهما* وفى ذخائر العقبى عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة بنت عبد الله أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة اليه يوم حنين فقام اليها وبسط رداءه لها فجلست عليه* وفى المنتقى ورد فى الحديث استأذنت امرأة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمى أمى وعمد الى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه وروى أنها جاءت الى أبى بكر بعده فأكرمها والى عمر فأكرمها وروت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر خرجه أبو عمرو* وفى مزيل الخفاء صحح ابن حبان وغيره حديثا دل على اسلامها وقيل لم يثبت اسلامها* قال الحافظ الدمياطى حليمة لم تعرف لها صحبة واخوته من الرضاعة حمزة وأبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهما مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثويبة جارية أبى لهب بلبن
ابنها مسروح كما تقدّم ومسروح بن ثويبة وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته ورسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية وعبيد الله وأنيسة وحذافة وتعرف بالشيماء أولاد حليمة السعدية ذكر ذلك أبو سعد وغيره* قال الطبرى لم أظفر بذكر ثويبة وابنها ولعلهما لم يسلما فلذلك لم يذكرهما أبو عمرو وكذلك لم يذكر من أولاد حليمة غير الشيماء واسمها حذاقة وانما غلب لقبها فلا تعرف فى قومها الا به وقد ذكر أنها كانت تحضن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مع امّها قال وروى أن خيلا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أغاروا على هوازن فأخذوها فى جملة السبى فقالت لهم أنا اخت صاحبكم فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت له يا محمد أنا اختك وعرفته بعلامة عرفها فرحب بها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وقال صلّى الله عليه وسلم ان أحببت فأقيمى عندى مكرمة محببة وان أحببت أن ترجعى الى قومك وصلتك قالت بل أرجع الى قومى فأسلمت وأعطاها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء كثيرا ذكره أبو عمرو وابن قتيبة كذا فى ذخائر العقبى* ومن وقائع السنة الخامسة من مولده صلّى الله عليه وسلم ما روى عن أبى حازم أنه قال قدم كاهن مكة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن خمس سنين وقدمت به ظئره الى عبد المطلب وكانت تأتيه به كل عام فنظر اليه الكاهن مع عبد المطلب فقال يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبى فانه يفرقكم ويقتلكم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان حذرهم الكاهن*