وقعت السرية في شوال سنة 7 هجريًا، وذلك بموضع "يمن وجبار" وهي أرض لقبائل غطفان، تقع قريبًا من خيبر ووادي القرى. [طبقات ابن سعد، 2/118].
قادها وحمل لواءها الصحابي بشير بن سعد رضي الله عنه، وقد خرج في نحو ثلاثمائة (300) من أصحابه لملاقاة الغادرين من قبائل غطفان وفزارة وغيرهم من الأعراب المتربصين بدعوة الإسلام بقيادة "عيينة بن حصن الفزاري".
(كانت تلك هي المرة الثانية التي يخرج فيها ابن سعد ضد قبائل الأعراب، وقد تعرض لجرح شديد خلال قيادته لسرية موجهة إلى بني مُرة بفدك خلال شعبان من العام نفسه).
بلغ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أن جمعًا من غطفان قد واعدهم عيينة بن حصن الفزاري ليكون معهم ليزحفوا إلى المسلمين عنوة.
بينما المسلمون يحتفلون بعيد الفطر، جاء حُسيل بن نوبرة الأشجعي ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعًا من غطفان بالجناب(موضع قريب من خيبر)، قد واعدوا عيينة بن حصين (أحد قادة التمرد ضد دعوة الإسلام) أن يزحفوا إلى أطراف المدينة.
وقد كان عُيينة في جماعة من غطفان (قبيلة دأبت على حرب المسلمين)، بعثوا إليه قائلين "سِرْ إلينا حتَّى نزحف إلى محمَّدٍ جميعاً"
أراد النبي كعادته أن يقضي على التمرد في مهده، قبل أن يستفحل، وخاصة أن عُيينة له سوابق مع المسلمين. [المغازي، الواقدي، 2/728]
وقد استشار النبي صاحبيه أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، فأشارا إليه بإرسال بشير بن سعد، ففعل، وجعل "حُسيل" دليلهم.
سار المسلمون بالليل، وكمنوا بالنهار، وكانت تلك عادتهم في السرايا لمباغتة الأعداء.
وصل المسلمون إلى موضع يسمى "سلاح" إلى طرف قرية العشاش من الجنوب. وهي من قرى بلدة خيبر. وهي على ربوة ترتفع عن مجرى السيل.
ولما نزل المسلمون ودنوا من الأعداء(على مقربة من أول حياض رعي الإبل والغنم) علمت القبائل المناوئة بقدوم جيش محمد، فأصابها الخوف وفرت مذعورة نحو أعالي الجبال، بعد نجاحاته السابقة للقضاء على الأعراب واليهود.
غنم المسلمون نعمًا كثيرة، ولكنهم لم يلقوا أحدا من الرعاة في طريقهم، باستثناء رجل كان يتجسس لعيينة زعيم المتمردين، فقتلوه، ثم ناوش بشير جمع يتبعون فزارة فانهزموا، وأسر منهم رجلين، قدم بهما لرسول الله في المدينة، وقد أسلما. [زاد المعاد، ابن القيم، 3/360].
وعن ذلك يقول الشاعر:
بشير بن سعد نجم سعدك زَاهِر && وسهمك لم يبرح معلي مُسَددًا
إِلَى غطفان سرت فِي الْيَوْم طَاعَة && لخير الورى أبشر بِمَا تشْتَهي غَدا [المقتفى من سيرة المصطفى، 1/186].
نفذ عُيينة بجلده هاربًا، بعد أن دخله الرعب من المسلمين، فأسرع على فرس له عتيق يعدو به ، لا يلوي على شئ، حتَّى إنَّ حليفه الحارث بن عوف المري لمَّا استوقفه ليسأله عن شأنه، ردَّ عليه: لا ما أقدرُ! الطلب خلفي! أصحاب محمَّد! وهو يركض".
قال الحارث بن عوف: "أما لك بعد أن تبصر ما أنت عليه؟ إنَّ محمَّداً قد وطئ البلاد وأنت مُوضِعٌ في غير شيء" وقد ذكّره الحارث بما كان لبني النضير والخندق وقريظة وبني قينقاع وخيبر، كانوا أعزّ يهود الحجاز كله، وأهل الحصون المنيعة، ثم كيف نزل بهم الذل وزالت النجدة.
فرد عُيينة: "هو واللهِ ذاك، ولكنَّ نفسي لا تُقِرّني". (كان يتكبر أن يصير تابعًا لمحمد بعد أن كان مُهابًا في قومه، ويظن أن الصحابة سيستخفون به لأنه لم يشهد بدرًا وغيرها"
كان عيينة من صناديد العرب، وأغلظهم قولًا، وكان يقود عشرة آلاف رجل، وقد أسلم عيينة لاحقًا، وقيل قبل الفتح 8 هـ وقيل بعدها، ولكنه ارتدَّ في زمن خلافة أبي بكر الصديق، وطلب الصفح وأعلن توبته فعفا عنه!
فر المجتمعون لغزو المدينة من الأعراب، وقائدهم عيينة، وقُتل رجل منهم.
اغتنم المسلمون سرحهم من إبل وغنم، وأعلوا المهابة للمسلمين ودين الله من جديد في نفوس القبائل.
براعة النبي كقائد عسكري يستأصل الخطر في مهده، وشجاعة رجاله المجاهدين وبأسهم. -
قوة الإيمان؛ فقد خرج الصحابة في شهر العيد، وكانت سراياهم متواصلة لا يكاد يفصل بينها سوى أسابيع. -
انهزام الباطل امام الحق، وقد فرّ عُيينة مذعورا رغم ما يقال عن جبروته، وفر أتباعه، أمام جيش النبي محمد.