نسبة إلى موقع على ساحل البحر الأحمر مرت عنده قافلة كبيرة لقريش متجهة إلى مكة، وشهدت تأهبًا للقتال بين المسلمين والمشركين.
سيف البحر موقع على البحر من ناحية جهينة بالجزيرة العربية. وجرت وقائع السرية في ٣ من شهر رمضان للعام الأول الهجري، الموافق ٦٢٣ ميلاديا.
كانت التطبيق العملي للإذن الإلهي بالجهاد دفعًا لعدوان المشركين وإعلاء لكلمة الله في هذه السرية وتمكينًا للدعوة من الانتشار، واستعادة لحقوق المسلمين المسلوبة في مكة جورًا على يد قريش بقطع الطرق على تجارتها، وإظهار المنعة والبأس بعد مرحلة الضعف، وكانت الآية الكريمة التي رخصت القتال، قوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩]
أمَّر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على هذه السرية عمه حمزة بن عبد المطلب، وعقد لواؤها الأبيض لأبي مرثد كناز بن حصين الغنوي - رضي الله عنهما-، وكان أول لواء في الإسلام وقد كتبت عليه عبارة التوحيد «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»
بعث الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم ٣٠ رجلًا من المهاجرين؛ لاعتراض عيرًا (قوافل الإبل والبغال التي تحمل الطعام وغيره) لقريش جاءت من الشام، وفيها أبوجهل بن هشام في جماعة تزداد على ١٣٠ رجلًا وقيل ٣٠٠ رجل.
بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عمه حمزة مع عدد من أصحابه المهاجرين، إذ لم يكن الأنصار قد خرجوا قبل ، ولما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفًا للفريقين، فأطاعوه وانصرفوا، ولم يقع بينهم قتال.
ولما عاد حمزة إلى رسول الله الحبيب صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، امتدح فعلة مجدي وقال صلى الله عليه وسلم: «إنه ميمون النقيبة » أي: مبارك النفس وكسا مجموعة قدمت معه إكراما له.[السيرة الحلبية].
في هذه الفترة كانت قريش لا تكف عن التربص بالمسلمين، وقد هددوا رأس الأنصار ابن أبي سلول إن استمر بإيواء المسلمين أن يسبوا النساء ويقاتلوهم بالمدينة، وامتثل الرجل لولا حصافة موقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إذ ذكّر قوم حشدهم ابن سلول بعهد الأخوة بينهم، فانصرفوا عن قائدهم، وظلت التهديدات متلاحقة، ومنها تربص أمية بن خلف للصحابي سعد بن معاذ حين خرج لمكة معتمرًا.
ثم أرسلت قريش للمسلمين تقول لهم: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم، ونبيد خضراءكم في عقر داركم.
وقد تأكد عند رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهرًا، أو في حرس من الصحابة ومنهم سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه-، وكان هذا أغلب حال المسلمين إذ ذاك بحسب كتب السيرة، يبيتون بأسلحتهم خوفًا من بطش قريش.
وكان من الحكمة أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام، واختار لبسط هذه السيطرة خطتين- كما جاء في الرحيق المختوم- الأولى عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل المجاورة كجهينة، ومعاهدته لليهود، والثانية بإرسال السرايا والتي تشبه الدوريات الاستطلاعية؛ لإشعار مشركي يثرب ويهودها، وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء، مصداقًا لقوله تعالى:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ} [الأنفال: ٦٠] وبحسب الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة- هم المنافقون الذين يبطنون البغضاء للإسلام وأهله، ولمن أرادوا استباحة المدينة من قاطعي الطرق بالصحراء.
من المؤسف أن يصور الاستشراق هذه السرايا وكأنها ضرب من قطع الطرق، وهذا أمر منافٍ للحقيقة، فقد صبر المسلمون بالمرحلة الأولى من الدعوة ١٤ عامًا على الإيذاء، وكانت مرحلة إعداد النفس قبل خوض المعارك، حتى تستطيع الثبات، وقال تعالى: {فاصفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٩]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الصحابي خبّاب بن الأرت حين يشكو شدة تعذيب قريش بمكة بمن قبلهم ممن صبروا على الأذى؛ حتى ليوضع المنشار فوق رأس الرجل فيشقه ولا يحيد عن إيمانه، ولكنه أيضا يبشرهم بما فتح الله له مما سيكون بأن الراكب سيسير آمنا ببلاد الإسلام لا يخاف إلا الله بعد التمكين لعباده.
ثم جاءت مرحلة الإذن بالقتال من غير إلزام، ودفاعًا عن النفس، فبدأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإرْسال السرايا والخروج للغزوات، وخرجت السرايا الأولى متعاقبة في شهر رمضان وشوال وذي القعدة، وبعدَها بدأتِ الغزوات في السَّنة الثانية من الهجرة، فكانت أوَّلُ غزواته غزوةَ وَدَّان وغزوة العشيرة، ثم فرض القتال على المسلمين، لمن اعتدى عليهم، أو وقف في طريق دعوتهم؛ قال الله عزَّ وجلَّ :{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: ١٩٠]
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا.. لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة.. فتحت بالسيف بعد الفتح بالفم
وبالفعل؛ أَصْدَر رسول الله ميثاقًا أخلاقيًا إسلاميًا للحرب، سبق القوانين والتشريعات الدولية، وكان إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سارية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين، ثم قال صلى الله عليه وسلم «اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك إليها، فاقبل منهم...» إلى آخر الحديث ويشتمل على دعوة العدو للإسلام، أو أن يكونوا كالأعراب ليس لهم في الغنيمة إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، أو أن يدفعوا جزية فيصبحوا من أهل الذمة .
والإسلام لم ينتشر بحد السيف، كما يدعي المستشرقون، بل الآية القرآنية صريحة{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] وقد كان هدف الحرب تحرير الإنسان ومنحه الحق في اختيار العقيدة التي يرتضيها، ويؤكد على ذلك المفكر العالمي توماس كارليل بكتابه [الأبطال] : من آمنوا بمحمد كانوا يتعرضون للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها، وقد آمنوا طائعين مصدقين [وهو ما يشير إليه المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون] في حديثه عن انتشار دعوة الإسلام بالهند والصين وهي أراض لم تصلها الفتوحات العسكرية قط.
كما جعل الإسلام الحرب هي الوسيلة الأخيرة لفض النزاع إذا اقتضت الضرورة ذلك،قال الله عزَّ وجلَّ:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: ٦١] وقوله:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٨] والهدن التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وأهل الحرب من أعدائهم إلى مدة معلومة، ومعاهداته مع القبائل ومنها بنو ضمرة في العام الثاني من الهجرة، ووفاؤه حتى بمن توعده من المشركين من قبل، ومنهم عثمان بن طلحة الذي أعاد إليه مفتاح الكعبة، وقوله صلى الله عليه وسلم< له : «اليوم يوم بر ووفاء، خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم»
وقد خص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فئات بعينها أثناء الحرب بوجوب تجنبها، وذلك لضعفها، ومنهم : النساء والأطفال، والرهبان، وكبار السن، والرسل والسفراء، وكل من لم يشترك بالقتال من عمال وفلاحين ونحوهم.
وكان السائد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو العفو عن الأسرى ثم الفداء، أما القتل فلم يفعله النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا مع مجرمي الحرب، مع عدم التشويه أو التعذيب البدني والنهي عن إكراه الأسير على الإدلاء بالمعلومات.
أحدثت سرية حمزة بن عبد المطلب رعبًا في نفوس قريش، وأصبحت علامة خطر على سيادتهم وتجارتهم، ودفعة بحماسة المسلمين وجرأتهم على عدوهم، وعن جبير بن مطعم «أن أبا جهل قال حين قدم من مكة منكسرًا من أثر السرية: يا معشر قريش ، إن محمدا قد نزل يثرب ، وأرسل طلائعه ، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا، فاحذروا أن تمروا طريقه وأن تقاربوه فإنه كالأسد الضاري» ولما بلغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما دار بينهم قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لأقتلنهم ولأصلبنهم ولأهدينهم، وهم كارهون، إني رحمة بعثني الله - عز وجل - ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه، لي خمسة أسماء، أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على يدي، وأنا العاقب»
وتُظهر سرية حمزة بن عبد المطلب، امتثال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه عز وجل، في وقت الصبر زمن الدعوة، والقتال بعد نزول الآية القرآنية بترخيص قتال المعتدين، ويقظته كقائد للجيش بإرسال السرايا المتعاقبة وبعضها لا يفرق بينه سوى أيام، وحماسته الشديدة التي سرت بجسد المسلمين، وميله للمواءمات حتى مع غير المسلمين طالما ستحقق منفعة لدولة الإسلام، ويبدو ذلك من المعاهدات مع القبائل المسالمة وأهل الذمة.
كما تظهر حكمته صلى الله عليه وسلم في عدم الدفع بالأنصار في السرايا الأولى؛ لانشغالهم بضيافة المسلمين؛ وكي تتهيأ نفوسهم تلقائيًا لهذا الأمر الجديد عليهم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يختار أعز صحابته لمواقع الخطر، وليس العكس، وكان يشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم ويشارك بشجاعة محاربٍ وحكمة نبي بالغزوات المهمة لقتال أعداء الله .
"الطبقات الكبير" لابن سعد- مجلد ذكر مغازي الرسول وسراياه، "السيرة النبوية" لابن هشام، "صحيح البخاري"- كتاب المغازي، "السيرة الحلبية" لعلي بن برهان الدين الحلبي، "البداية والنهاية" لابن كثير – الجزء الثالث، "الرحيق المختوم" لصفي الدين المباركفوري، "غزوات الرسول وسراياه" لعلي الصلابي، "فقه السيرة" لمحمد الغزالي، "غزوات وسرايا الرسول" لمحمد هشام شربيني، "أخلاقيات وسلوكيات الحرب عند رسول الله- دراسة مقارنة مع القانون الدولي لدحض افتراءات المستشرقين" لوليد نور.