أراد محمد بعد أسابيع من عود خالد أن يستردّ هيبة المسلمين في شمال شبه الجزيرة، فبعث عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الشام، ذلك أن أمّا له كانت من قبائل تلك النواحي، فكان من اليسير عليه أن يأتلفهم. فلما كان على ماء بأرض جذّام يقال له السلسل، خاف فبعث إلى النبيّ عليه السلام يستمدّه. فأمدّه بأبي عبيدة بن الجرّاح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر. وخاف محمد أن يختلف عمرو، وهو حديث عهد بالإسلام، مع أبي عبيدة من المهاجرين الأولين؛ فقال لأبي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا. وقال عمرو لأبي عبيدة: إنما جئت مددا لي فأنا على قيادة الجيش. وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا هيّنا عليه أمر الدنيا، فقال لعمرو: لقد قال رسول الله: لا تختلفا، وإنك إن عصيتني أطعتك. وصلى عمرو بالناس، وتقدّم بالجيش فشتّت جموع أهل الشام الذين أرادوا محاربته، وأعاد بذلك هيبة المسلمين في تلك الناحية.
وفي هذه الأثناء كان محمد يفكر في مكة ومالها. لكنه، كما قدّمنا، كان وفيّا بعهد الحديبية، فأقام ينتظر انقضاء السنتين. وجعل أثناء ذلك يبعث السرايا ليسكن بها ثائرة القبائل التي تحدّثها نفوسها بالثورة. على أنه كان في غير حاجة إلى كبير عناء من هذه الناحية؛ فقد بدأت الوفود ترد إليه من مختلف النواحي تعلن إليه طاعتها وإذعانها. وإنه لكذلك إذ حدث ما كان مقدّمة لفتح مكة، ولاستقرار الإسلام بها استقرارا أسبغ عليها إلى أبد الدهر أعظم التقديس.