"ثم سرية" الترتيب ذكرى، لأنها لست بقين من رمضان، وسرية خالد لخمس، وكأنه قدمها للاهتمام، لأنها كانت لقريش "سعد" بسكون العين "ابن زيد الأشهلي إلى مناة" قرأ ابن كثير بالمد والهمزة والعامة بالقصر غير مهموز؛ لأن العرب سمت زيد مناة، وعبد مناة، ولم يسمع فيها المد ووقف عليها بالهاء، وبعضهم بالتاء، وقال بعضهم: ما كتب في المصحف بالتاء، يوقف عليه بالتاء، وما كتب بالهاء، يوقف عليه بالهاء، وأما قوله عز وجل: {الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} =
صنم للأوس والخزرج بالمشلل، في شهر رمضان، حين فتح مكة، فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها، قال السادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة، قال: أنت وذاك.
فأقبل سعد يمشي إليها، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فضربها سعد بن زيد فقتلها، وأقبل إلى الصنم ومعه أصحابه فهدموه وانصرف راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك لست بقين من رمضان.
__________
فالثالثة نعت لمناة، أي الثالثة للصنمين في الذكر، والأخرى نعت للثالثة، وإن كانت العرب لا تقول للثالثة الأخرى، قال الخليل لو فاق رءوس الآي، كقوله: {مَآرِبُ أُخْرَى} ولم يقل أخر، وقيل: في الآية تقديم وتأخير مجازها: أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة، قاله في معالم التنزيل، "صنم للأوس والخزرج" ومن دان بدينهم من أهل يثرب، قاله ابن إسحاق.
زاد ابن سعد وغسان أي صنمهم قبل الهجرة، وكذا قول عائشة، كان الأنصار يهلون لمناة، وقال قتادة صنم لخزاعة، وقال الضحاك لها ولهذيل، وقال ابن زيد لبني كعب "بالمشلل" جبل على ساحل البحر يهبط منه إلى قديد، وقالت عائشة: كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد، ومن الغريب ما وقع في معالم التنزيل عن بعضهم، أن اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها، ولو كانت كذلك لأزالها في جملة ما أزاله من الأصنام، وما بعث إليها "في شهر رمضان حين فتح مكة، فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها، وعليها سادن. "قال السادن: ما تريد؟ قال": أريد, أو مرادي "هدم مناة، قال: أنت وذاك" تهكما لظنه أنه لا يقدر عليها، "فأقبل سعد يمشي إليها، فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس" بمثلثة منتشرة الشعر، "تدعو بالويل وتضرب صدرها", فقال السادن: مناة دونك بعض عصاتك، "فضربها سعد بن زيد فقتلها، وأقبل إلى الصم ومعه أصحابه فهدموه" ولم يجدوا في خزانته شيئا.
"وانصرف راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك لست بقين من رمضان" فكان اللائق تقديمها على العزى، لكنه قدمها عليها تبعا للعيون, وغيرها لتقديمها في الذكر العزيز، وللاهتمام بشأن ذكر هدمها؛ لأنها كانت من أصنام قريش، كما قال أبو سفيان ليلة أسلم: كيف أصنع بالعزى، فقال له عمر: تخرأ عليها كما مر، ثم كون سعد هو المبعوث إليها، هو ما ذكره ابن سعد في طائفة.
وقال ابن إسحاق بعث صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب فهدمها، قال ابن هشام: ويقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه وعن بقية الصحابة والتابعين آمين والحمد لله رب العالمين
ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، قبيلة من عبد القيس، أسفل مكة على ليلة بناحية يلملم، في شوال سنة ثمان. وهو يوم الغميصاء.
بعثه عليه الصلاة والسلام لما رجع من هدم العزى، وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة، وبعث معه ثلاثمائة وخمسين رجلا، داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا، فلما انتهى إليهم قال: ما أنتم قالوا: مسلمين قد صلينا وصدقنا بمحمد، وبنينا المساجد في ساحاتنا.
__________
= "ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة" قال الحافظ: بفتح الجيم، وكسر المعجمة، وسكون التحتية، ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، ووهم الكرماني، فظن أنهم من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف، "قبيلة من عبد القيس". انتهى، فعجب من المصنف كيف جزم بما حكم شيخ الحافظ أنه وهم. وكذا قال إمام المغازي ابن إسحاق الجويني: جذيمة من كنانة، وتبعه الإمام اليعمري وغيره، وتحرفت في بعض النسخ الشامية من بالواو، وكانوا كما قال ابن سعد: أسفل مكة على ليلة بناحية يلملم" الميقات المعروف "في شوال سنة ثمان".
قال الحافظ: قبل الخروج إلى حنين، عند جميع أهل المغازي "وهو يوم الغميصاء" بضم الغين المعجمة، وفتح الميم، وسكون التحتية، فصاد مهملة ممدودة، قال في الروض: وتعرف بغزوة الغميصاء وهو اسم ماء لبني جذيمة، وفي القاموس الغميصاء موضع أوقع فيه خالد بن الوليد ببني جذيمة "بعثه عليه الصلاة والسلام لما رجع من هدم العزى وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة وبعث معه ثلاثمائة وخمسين رجلا" من المهاجرين والأنصار وبني سليم، قاله ابن سعد، وقال ابن إسحاق: حدثني حكيم بن حكيم بن عباد عن أبي جعفر يعني الباقر، قال: بعث صلى الله عليه وسلم خالدا، حين افتتح كة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب سليم بن منصور ومدلج بن مرة، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رأوا القوم أخذو السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، وفي هذا الحديث رد على من زعم أنهم من عبد القيس، "داعيا إلى الإسلام له مقاتلا فلما انتهى إليهم قال: ما أنتم" قال البرهان الظاهر: أنه سألهم عن صفتهم، أي أمسلمون أنتم أم كفار؟ ولذا أتى بما دون من أو استعمل ما في العاقل، وهو شائع كمن لغيره وإن كان الأكثر أن من للعاقل وما لغيره، "قالوا": نحن "مسلمين" فنصب بتقدير فعل أو بتقدير الجار، أي نحن من قوم مسلمين كذا الرواية، بالياء في ابن سعد، كما في العيون وفي الشامي مسلمون بالواو، وهي ظاهرة "قد صلينا وصدقنا بمحمد" برسالته وبما جاء به، "وبنينا المساجد في ساحاتنا،" زاد ابن سعد: وأذنا فيها، قال: فما بال السلاح عليكم، قالوا: بيننا وبين قوم من العرب عداوة، فخفنا أن تكونوا هم. قال: فضعوا السلاح، فوضعوه.
وفي البخاري: لم يحسنوا أن يقولوا فقالوا: صبأنا.
فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضا، وفرقهم في أصحابه، فلما كان السحر، نادى منادي خالد: من كان معه أسير فليقتله، فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم، وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من رجل فقال: "اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد". وبعث عليا فودى لهم قتلاهم.
__________
"وفي البخاري" عن ابن عمر بعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، "فلم يحسنوا أن يقولوا ذلك، فقالوا: صبأنا" لفظ البخاري أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا ... الحديث، وعاد المصنف لرواية ابن سعد دون بيان، فيوهم أنها من جملة عزوه للبخاري، وليس كذلك لكنه اتكل على شهرة ذلك، "فقال لهم: استأسروا فاستأسر القوم"، كذا في نسخ العيون برفع القوم فاعل استأسر اللازم، وفي نسخة فاستأسروا بزيادة واو ونصب القوم، وكأنها تحريف إذ يأباها قوله: "فأمر بعضهم فكتف" بفتح التاء مخففة "بعضا" لأنه بيان لقوله استأسروا "وفرقهم في أصحابه"، وفي البخاري: فجعل خالد يقتل منهم، ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيرا، قال الحافظ: فيجمع بينه وبين كلام ابن سعد هذا، بأنهم أعطوا ما بأيديهم بغير محاربة، "فلما كان السحر، نادى منادي خالد: من كان معه أسير فليقتله،" لفظ الرواية فليذافه، والمذافة الإجهاز "بالسيف، فنقلها بالمعنى لأنه لم يقيد بها، "فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم، أما المهاجرون والأنصار فأرسلوا" أطلقوا "أسراهم" ولم يذكر أسرى بني مدلج لأن هذا كلام ابن سعد، ولم يذكروا في روايته فأما أنهم لم يثبتوا عنده، أو أراد ببني سليم ما يشملهم.
وفي البخاري حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، وكان تامة ويوم بالتنوين، أي زمن لرواية ابن سعد، فلما كان السحر. وأصاب ابن عمر: هم المهجارون والأنصار، وفيه الخلف على نفي فعل الغير، إذ أوثق بطواعيته، كما في الفتح والمصنف، "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من رجل" انفلت منهم، ذكر ابن هشام في زيادته عن بعض أهل العلم، أنه انفلت رجل من القوم، فأتاه صلى الله عليه وسلم فأخبره، قال: "هل أنكر عليه أحد"، قال: نعم رجل أبيض ربعة، فنبهه خالد فسكت، وأنكر عليه آخر طويل مضطرب فراجعه، فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر: أما الأول فابني عبد الله، وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد" وبقية حديث ابن عمر عند البخاري، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرناه له، فرفع يديه، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". مرتين، "وبعث عليا فودى لهم قتلاهم" ما ذهب منهم وعند ابن إسحاق من مرسل
قال الخطابي: يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام؛ لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة ولم ينقادوا إلى الدين، فقتلهم متأولا، وأنكر صلى الله عليه وسلم العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم: صبأنا.
__________
الباقر، ثم دعا عليا، فقال: "يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك"، فخرج حتى جاءهم ومعه مال بعثه به النبي عليه الصلاة والسلام، فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي: فرغ فرغ هل بقي لكم دم أو مال لم يود لكم، قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم بقية هذا المال، احتياطا لرسول الله بما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع إليه صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "أصبت وأحسنت" ثم استقبل صلى الله عليه وسلم القبلة قائما شاهرا يديه، حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". ثلاث مرات.
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "رأيت كأني لقمت لقمة من حيس، فالتذذت بطعمها، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها، فأدخل علي يده فنزعه ". فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله هذه سرية من سراياك تبعثها، فيأتيك منها بعض ما تحب، ويكون في بعضها اعتراض، فتبعث عليا فيسهله.
"قال الخطابي: يحتمل أن يكون خالد نقم" بفتح القاف وكسرها لغة، كما في المصباح، أي عاب "عليهم العدول عن لفظ الإسلام لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة ولم ينقادوا إلى الدين، فقتلهم متأولا وأنكر عليه صلى الله عليه وسلم العجلة، وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم: صبأنا" فظن أن مرادهم خرجنا إلى الدين الباطل، مع أن مرادهم من دين إلى دين.
قال المصنف: ولم ير عليه قودا؛ لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا انتهى، وقال ابن إسحاق: قال بعض من عذر خالدًا: إنه قال: ما قاتلت حتى أمرني عبد الله بن حذافة السهمي، وقال: إن رسول الله قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعم من الإسلام، قال الحافظ قول ابن عمر راوي الحديث: فلم يحسنوا ... إلخ، يدل على أنه فهم أنهم أرادوا الإسلام حقيقة، ويؤيد فهمه أن قريشا كانوا يقولون لمن أسلم صبا، حتى اشتهرت هذه اللفظة، وصاروا يطلقونها في مقام الذم، ومن ثم لما أسلم ثمامة، وقدم معتمرا قالوا: أصبأت؟ قال: لا, بل أسلمت. فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت، استعملها هؤلاء، وأما خالد، فحمل اللفظة على ظاهرها
....................................
__________
لأن قولهم: صبأنا، أي خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام، وقال الحافظ: فذكره انتهى وأنت خبير بأن هذا كله إنما هو على رواية الصحيح.
وأما على ما في ابن سعد قالوا: مسلمين قد صلينا وصدقنا بمحمد، وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها، فلعل خالدا رضي الله عنه تأول أن هذا القول منهم تقية، كما تأول أسامة في السرية المتقدمة، وذكر أهل السير: أن عبد الرحمن بن عوف قال لخالد: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، أخذت بثأر أبيك، قال: كذبت، أنا قتلت قاتل أبي وإنما أخذت بثأر عمك، وكانت بنو جزيمة قتلوا في الجاهلية عوفا والفاكه عم خالد وأخاه الفاكه أيضا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مهلا يا خالد دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل منهم ولا روحته".
وفي مسلم عن أبي سعيد قال: كان بين خالد وبين عبد الرحمن شيء، فسبه خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي".
قال الحافظ: ما حاصله فهذا صريح في أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
رواه الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد: السابقون إلى الإسلام لأن خالدا كان من الصحابة حينئذ، باتفاق. ونهي بعضهم عن سبه من سبقه، يقتضي زجر من لم ير المصطفى ولم يخاطبه بالأولى، فلا حاجة لجواب الكرماني بأن الخطاب لغير الصحابة المفروضين في العقل، تنزيلا لمن سيوجد كالموجود الحاضر. انتهى.
ونقل العلامة السبكي عن التاج بن عطاء الله: أنه صلى الله عليه وسلم كان له تجليات، فرأى في بعضها سائر أمته الآتين بعده فخاطبهم بقوله: "لا تسبوا أصحابي" لطيفة وعبرة.
روى ابن إسحاق عن أبي حدرد قال: كنت يومئذ في خيل خالد، فقال لي فتى من جذيمة قد جمعت يداه إلى عنقه برمة: يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة، فعائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تردني فتصنع بي ما بدا لكم، فقدمته حتى وقف عليهن، فقال: أسلمي يا حبيش قبل نفاد العيش.
أريتك إن طالبتكم فوجدتم ... بحلية أو أدركتم بالخوانق
ألم يك أهلا أن ينول عاشق ... تكلف ادلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذا أتاها هنا ... أثيبي بود قبل إحدى الصعائق
أثيبي بود قبل أن يشحط النوى ... وينأى لأمر بالحبيب المفارق
...........................................
__________
فقالت له امرأة منهن: وأنت نجيت عشرا وتسعا وترا وثمانيا تترا، قال ابن إسحاق: فحدثني أبو فراس الأسلمي عن أشياخ منهم عمن حضرها، قالوا: فقامت إليه المرأة حين ضرب عنقه، فأكبت عليه، فما زالت تقبله حتى ماتت عنده.
وروى النسائي والبيهقي بإسناد صحيح عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل، فقال: إني لست منهم عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها، ثم اصنعوا بي ما بدا لكم، فإذا امرأة طويلة أدماء، فقال لها: أسلمي حبيش قبل نفاد العيش، وذكر البيتين الأولين، وقال بعدهما، قالت: نعم فديتك، فقدموه فضربوا عنقه، فجاءت المرأة، فوقعت عليه، فشهقت شهقة أو شهقتين، ثم ماتت، فلما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم أخبروه، فقال: "أما كان فيكم رجل رحيم".
وأخرجه البيهقي من وجه آخر نحو هذه القصة، وقال في آخرها: فانحدرت إليه من هودجها، فحنت عليه حتى ماتت.
قال السهيلي: وحبيش مرخم حبيشة، وحلية بفتح المهملة، وسكون اللام، فتحتية فتاء تأنيث، والخوانق بفتح المعجمة، ونون وقاف موضعان، والودائق جمع وديقة، وهي شدة الحر في الظهيرة. انتهى.
"غزوة حنين":
ثم غزا صلى الله عليه وسلم حنينا -بالتصغير- وهو واد قرب ذي المجاز، وقيل: ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال، قرب الطائف، وتسمى غزوة هوازن.
__________