السنة الرابعة للهجرة، وقد جرت وقائعها بين المدينة ومكة المكرمة.
عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، وكان أحد المقاتلين العرب الشجعان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في مواجهة معاوية بن أبي سفيان أحد أهم رؤوس الشرك بقريش.
انتقامًا من الغدر بالصحابة القرَّاء ممن خرجوا لتعليم نجد الإسلام، فغدرت بهم قريش، وقتلت منهم وصلبت خبيب بن عدي، كما تآمرت قريش لقتل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
أرسل أبوسفيان في رجاله باحثًا عمن يقتل محمدا، فجاءه أعرابي يقول عن نفسه أنه أجمع الرجال قلبًا وأشدهم بطشًا وأسرعهم عدوًا، وأن معه خنجرًا كجناح النسر حادا، وهو عارف بالطريق، وبالفعل أعطاه أبوسفيان البعير والنفقة، وأمره بالتكتم على أمره، فلما أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في مسجد بني عبد الأشهل، فعقل راحلته ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم أنه يريد شرًا، وقد جذبه أسيد بن حضير فأخذ يخنقه بيده، حتى طلب العفو من الرسول صلى الله عليه وسلم إن أخبرهم بالحق، ولما أعلمهم بنية أبي سفيان عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم الأعرابي، واعترف بأنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذهب عقله وضعفت نفسه وعلم أنه نبي الحق، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم.
عندئذ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان بمكة، وكان ذلك بعد واقعتين مُحزنتين بسريتي الرجيع وبئر معونة، قُتل فيها الصحابة غدرًا، وتم صلب الصحابي خبيب بن عدي بأمر من أبي سفيان.
ولما وصل عمرو الضمري مكة، طاف بالبيت ليلًا، فعرفه معاوية بن أبي سفيان، واشتدت قريش في طلبه وكانوا يخافونه لأنه كان فاتكًا في الجاهلية وقالوا: لم يأت عمرو بخير، وقد هرب عمرو وصاحبه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم للمهمة فصعدا لشعاب جبل، ودخلوا كهفًا، ولقي عمرو رجلًا من قريش فقتله، ثم جاءهم رجل من قريش يقود فرسًا وهما بالغار، فخرج له عمرو بالخنجر الذي أعده لأبي سفيان، فضربه على يده، وصاح الرجل صيحة جمعت من مكة الرجال، وقد وجدوه برمقه الأخير، وقد علموا منه أن من ضربه هو عمرو بن أمية، فاشتدوا بطلبه مجددا، فخرج عمرو وصاحبه ليلًا من مكة يريدان المدينة، فمرا بالحرس الذين يحرسون خشبة خبيب بن عدي ، فقال أحدهم: لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي، يقول عمرو: فلما حاذيت الخشبة شددت عليها، فحملتها واشتديت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا، فألقيت الخشبة فغيبه الله عنهم، وهي الرواية المنقولة بالسيرة النبوية لابن هشام.ولما قدم المدينة أخبرا النبي صلى الله عليه وسلم بما كان من أمرهما فتبسم.
مقتل رجل وإصابة آخر من كفار قريش، وزيادة رهبة المشركين للمسلمين.
الله يؤيد رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وقد أعلمه بنية الأعرابي الذي أسلم لما رأى نبي الحق.
"السيرة الحلبية" المنشورة إليكترونيا، "السيرة النبوية" لابن هشام،