"ثم سرية" إطلاقها على الواحد تجوز لأن فيه خلافا، مر أقله خمسة "عمير بن عدي" بن حرشة الأنصاري، ثم "الخطمي" بفتح المعجمة وسكون الطاء المهملة وميم، نسبة إلى جده خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس الأعمى إمام بني خطمة، وقيل: إنه أول من أسلم منهم، وكان يدعى القارئ صحابي شهير كان صلى الله عليه وسلم يزوره، روى عنه ابن عدي وسماه ابن دريد غشمير بمعجمتين قبل الميم، وقال: إنه فعليل من الغشمرة وهي أخذ الشيء بالغلبة، قال الذهبي: وقيل غشمين بنون آخره. قال في الإصابة: صحفه ابن دريد ثم تكلف توجيهه، وإنما هو عمير لا شك فيه ولا ريب. انتهى.
"وكانت لخمس ليال بقين من" شهر "رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة" كذا قاله ابن سعد، وهو منابذ لما مر أن فراغه من بدر كان آخر يوم من رمضان وأول يوم من شوال، نعم هو يأتي على ما مر عن الإمتاع، أنه دخل المدينة ثاني عشر رمضان، وقد ذكره ابن إسحاق بعد قتل أبي عفك وتبعه أبو الربيع، وبعضهم ذكرها بعد قرقرة الكدر، "إلى عصماء" بفتح العين وسكون الصاد المهملتين والمد "بنت مروان" اليهودية "زوج" بلا هاء أفصح من زوجة، أي: امرأة يزيد بن زيد" بن حصن الأنصاري "الخطمي" الصحابي شهد أحدا وهو والد عبد الله الصحابي وجد عدي بن ثابت لأمه، وقول الاستيعاب في ترجمة عمير بن عدي قتل أخته لشتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت تعيب الإسلام، وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءها ليلا، وكان أعمى، فدخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه، فحبسها بيده، ونحى الصبي عنها، ووضع سيفه على صدرها، حتى أنقذه من ظهرها. وصلى الصبح معه صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأخبره بذلك، فقال: "لا ينتطح فيها عنزان"، أي لا يعارض فيها معارض ولا يسأل عنها فإنها هدر.
__________
قال في الإصابة: وهم وخلط قصة بقصة، فإن قاتل أخته عمير بن أمية كما رواه الطبراني وغيره، ولم يقف البرهان على هذا فتوقف في كلام أبي عمر بأنها يهودية وعمير أنصاري، انتهى.
ولا يعارض كونها يهودية نسبة من نسبها إلى بني أمية بن زيد وهو في الأنصار لجواز أنها منهم بالحلف، أو لكون زوجها منهم، أو نحو ذلك.
"و" سبب ذلك أنها "كانت تعيب الإسلام" بفتح فكسر من عاب يستعمل لازما ومتعديا أو بضم ففتح وشد التحتية من عيبه إذا نسبه العيب أو أحدث فيه عيبا، "وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم" عطف لازم على ملزوم؛ لأن سب الإسلام يلزمه إيذاؤه أو أعم على أخص؛ لأن عيب الإسلام يكون بذكر خلل في الدين وإيذاء المصطفى يكون به وبغيره، وكانت تحرض عليه وتقول الشعر ونافقت لما قتل أبو عفك، وذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في بدر قالت في الإسلام وأهله أبياتا، فسمعها عمير بن عدي فنذر إذا رد الله رسوله من بدر سالما ليقتلنها، "فجاءها" لما قدم صلى الله عليه وسلم وسل سيفه ودخل عليها "ليلا، وكان أعمى" وسماه المصطفى البصير "فدخل عليها بيتها وحولها نفر" بفتحتين، والمراد هنا جماعة "من ولدها نيام" لا بقيد كونهم رجالا ولا ذكورا، لقوله: "منهم من ترضعه" إذ الرضيع لا يتبادر من الرجل وإن أطلق عليه على أحد قولين اللمس لا بقيد كونه باليد فيكون تأسيسا، "ونحى" أبعد"الصبي" الذي ترضعه "عنها" مخافة أن يصيبه شيء فيهلك، "ووضع سيفه على صدرها حتى أنقذه" أي: أخرجه "من ظهرها، ثم" رجع فأتى المسجد و"صلى الصبح معه صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأخبره بذلك" لما قال له، كما رواه ابن سعد: "أقتلت ابنة مروان"؟ قال: نعم، فهل علي في ذلك من شيء؟ "فقال: "لا ينتطح فيها عنزان"، فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم "أي: لا يعارض فيها معارض" ليأخذ بثأرها "ولا يسأل عنها" يطلب بدمها "فإنها هدر" وفي النور: أي أن قتلها هين لا يكون فيه طلب ثأر ولا اختلاف، انتهى.
وقد تحقق ذلك، فذكر ابن إسحاق وغيره: أن عميرا رجع إلى قومه بعد قتلها فوجد بنيها
قالوا: وهذا من الكلام المفرد الموجز البليغ، الذي لم يسبق إليه عليه الصلاة والسلام، وسيأتي لذلك نظائر إن شاء الله تعالى.
وفي أول شوال صلى صلاة الفطر.
__________
وهم خمسة رجال في جماعة يدفنوها، فقال: أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فوالذي نفسي بيده، لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم، فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان يستخفي بإسلامه فيهم من أسلم، وأسلم يومئذ رجال لما رأوا من عز الإسلام، ولكن يعارضه ما وقع في مصنف حماد بن سلمة أنها كانت يهودية وكانت تطرح المحايض في مسجد بني خطمة، فأهدر صلى لله عليه وسلم دمها ولم ينتطح فيها عنزان، فإن المسجد صريح في ظهور الإسلام قبل ذلك، إلا أن يقال ظهر كل الظهور. وإن المعنى كان الضعيف الذي لم يقدر على الإسلام يستخفي بإسلامه، وأثنى صلى الله عليه وسلم على عمير بعد قتله عصماء، فأقبل على الناس، وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله، فلينظر إلى عمير بن عدي"، فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذ الأعمى الذي يرى. وفي رواية: بات في طاعة الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "مه يا عمر، فإنه بصير"، وسماه البصير لما رأى من كمال إيمانه وقوة قلبه في الله حتى قتلها وهدد بنيها وقومها مواجها لهم مع عجزه الظاهر، وكونه قاتلها هو المشهور. وفي الروض: أن زوجها قتلها. وفي رواية أنه عليه السلام، قال: "ألا رجل يكفينا هذه"؟ فقال رجل من قومها: أنا، فأتاها وكانت تبيع التمر، قال: أعندك أجود من هذا التمر؟ قالت: نعم، فدخلت البيت وانكبت لتأخذ شيئا فالتف يمينا وشمالا فلم ير أحدا فضرب رأسها حتى قتلها.
"قالوا" ليس للتبري بل للإشارة إلى شهرته حتى كأنه إجماع "وهذا من الكلام المفرد الموجز البليغ الذي لم يسبق إليه عليه الصلاة والسلام، وسيأتي لذلك نظائر إن شاء الله تعالى" في المقصد الثالث، وذكر صاحب النور هنا جملة منها: "وفي أول شوال صلى صلاة الفطر" وهذا مع ما مر يعطي أنه صلاها ببدر، وذكر ابن سعد بأسانيد الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى وحملت العنزة بين يديه وغرزت في المصلى وصلى إليها صلاة الفطر، والله أعلم.
"غزوة بني سليم وهي قرقرة الكدر":
وفي أول شوال أيضا -وقيل بعد بدر بسبعة أيام،
__________