واتفق في هذه السنة من الحوادث العظيمة الشان الفتح المبين بصلح الحديبية وبيعة الرضوان وذلك ما أخبرنا به شيخنا الامام المسند ذو التصانيف العديدة المفيدة أبو الفتح النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال ما أهلكك قال وقعت على أهلى وأنا صائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال لا قال فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تجد اطعام ستين مسكينا قال لا قال فاجلس قال فبينما نحن على ذلك اذ أتي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر قال أين السائل قال أنا قال خذ هذا فتصدق به قال على أفقر مني فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اطعمه أهلك والعرق الزنبيل أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وأبو عوانة وزاد في مجيئه وهو ينتف شعره ويدق صدره والدارقطني وزاد وهو يدعو ويله ويحثو على رأسه التراب وفيه جواز هذا الفعل لمن وقعت منه معصية ويفرق بين مصيبة الدنيا والدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الاقلاع ورواه أحمد وزاد وفي العرق خمسة عشر صاعا كلهم عن أبي هريرة (الذين يظاهرون) قرأ عاصم يظاهرون بضم التحتية وتخفيف المعجمة بعدها الف وكسر الهاء وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء والهاء وتشديد الظاء والف والباقون كذلك بغير الف (منكرا) ينكره الشرع (وزورا) كذبا (أو شبه عضوا من اعضائها) كيدها وشعرها ومثله الجزء الشائع كنصفها وربعها (لم يطر أنحريمهن) خرج بذلك نحو صهرة الرجل وربيبته ومرضعته لحلهن له قبل ذلك بخلاف مرضعة نحو أبيه (ولم يتبعه بالطلاق) ولا وقع عقبه ما يقطع النكاح (صار عائدا) هذا تفسير الشافعي رحمه الله تعالى العود في الآية وذلك ان تشبيهها يقتضى أن لا يمسكها زوجة فاذا أمسكها زوجة فقد عاد فيما قال وفسره مالك وأحمد بالعزم على الوطء وأبو حنيفة بالوطء وهما قولان في القديم ولزمته الكفارة بالعود وان لم يرد الوطء وليست الكفارة عليه كحرمة خلافا لابى حنيفة حيث يقول بعدم وجوبها بل ان أراد الاستباحة كفر (ولا يحل له وطؤها) ولا الاستمتاع بها بما بين السرة والركبة كالحائض هذا ما قال في المحرر انه الاولى ورجح في المنهاج جواز ما عدا الجماع وهو المحكي عن الأكثرين وظاهر كلام المصنف (العظيمة الشأن) باضافة غير المحضة (الفتح) بالرفع فاعل اتفق (الحديبية) بحاء مضمومة فمهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية ثانية مخففة وقيل مشددة اسم لبئر في طريق جدة سميت بشجرة حدباء هناك قال الفاسي يقال انها المعروفة الآن ببئر شميس وقيل هي على ثمانية عشر ميلا من مكة وقيل احد عشر (وببيعة الرضوان) سميت بذلك لقوله تعالى
المدنى اجازة ومناولة من يده سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بروايته لذلك عن جمال الدين ابراهيم بن محمد اللخمي وبرهان الدين ابراهيم بن محمد بن صديق الدمشقى قال انا المسند المعمر أحمد بن أبي طالب الحجار انا أبو عبد الله الزبيدى انا ابو الوقت عبد الاول الصوفي السجزي انا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودى انا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي قال انا أبو عبد الله الفربري قال انا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخارى قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر أخبرني الزهري قال حدثنا عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم ان خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ الآية (أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري) ورواه أبو داود أيضا (معمر) أبو عروة معمر بن أبي بكر راشد النجدانى الازدى قال ابن الانصارى شهد جنازة الحسن البصري مات باليمن سنة أربع أو ثلاث أو اثنين وخمسين عن ثمان وخمسين سنة وقيل مات سنة خمسين ومائة وقيل فقد هو وسلم بن أبي الذيال فلم ير لهما أثر (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان خروجه يوم الاثنين مستهل ذي القعدة زاد البغوي وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن سبعة نفر وبعث عينا له من خزاعة بخبر عن قريش وهذا العين اسمه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ابن سفيان ذكره ابن عبد البر وغيره وكان دليله اليها عمرو بن عبد تميم الاسلمى ذكره العسكري وابن شاهين (حتى اذا كانوا ببعض الطريق) هو محل يسمى غدير الاشطاط بمهملتين جمع شط وهو الشام وشط الوادى أيضا جانبه قال السهيلي وبعضهم يقول فيه الاشظاظ بالظاء المعجمة وهو ماء بقرب عسفان وفيه لقيه عتبة الخزاعى واخبره بجمع قريش له فاستشار الناس فقال أبو بكر يا رسول الله انما جئت عامدا هذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله (بالغميم) بفتح المعجمة موضع بقرب الجحفة (طليعة) بفتح المهملة وكسر اللام هي مقدم الجيش (فخذوا) بضم الخاء أمر وفتحها خبر حذفت منه الالف (بقترة) بفتح القاف والفوقية والراء الغبار الاسود (بالثنية) هي الطريق المرتفع في الجبل وهي ثنية المرار طريق بالجبل مشرف على الحديبية (حل حل) بفتح المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة اذا بركت لتسير وهي من أسماء الاصوات (فألحت) بفتح الهمزة واللام والحاء المهملة المشددة أي اصرت (خلأت) بفتح المعجمة واللام اي اعيت حتى مدت خلاءها بالمعجمة والمد وهو للابل كالجران للخيل (القصوى) بفتح
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذي نفسى بيده لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم اياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتي نزل باقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم ان يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينماهم كذلك اذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال اني تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال القاف وصاد مهملة تمد وتقصر اسم ناقته صلى الله عليه وسلم لان طرف اذنها كان مقطوعا والقصو قطع طرف الاذن وقيل لانها كانت لا تسبق كان عندها اقصى الجري (بخلق) أي عادة (حبسها حابس الفيل) زاد ابن اسحاق عن مكة اى حبسها الله عن دخولها كما حبس الفيل عن دخولها وهو فيل ابرهة الذي قصد به البيت ليخربه فحبسه الله عنه (خطة) بضم المعجمة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) أي من ترك القتال في الحرم (الا اعطيتهم اياها) أي اجبتهم اليها (فوثبت) اي قامت بسرعة (ثمد) بفتح المثلثة والميم الحفرة فيها الماء القليل لا مادة له وبذلك سميت ثمود (ويتبرضه الناس) بالموحدة وتشديد الراء وضاد معجمة اي يأخذونه قليلا قليلا وقيل التبرض جمع الماء بالكفين (يلبثه الناس) بضم اوله وسكون اللام من الالباث وبفتح اللام من التلبيث أي لم يتركوه يلبث أي يقيم (نزحوه) بالنون فالمعجمة فالمهملة والنزح أخذ الماء شيئا بعد شيء الى ان لا يبقى منه شىء (وشكى) بضم اوله وللبغوي وشكي الناس (فانتزع) أى اخرج (كنانته) بكسر الكاف ونونين اي جعبته (ثم أمرهم أن يجعلوه فيه) وكان الذى نزل في البئر فجعله فيه ناجية بن اعثم اخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق ابي مروان قال حدثني أربعة عشر رجلا من الصحابة بذلك وقيل هو ناجية بن جندب وقيل البراء ابن عازب وقيل عباد بن خالد حكى ذلك الواقدي ووقع في الاستيعاب خالد بن عبادة (يجيش) بفتح اوله وكسر الجيم آخره معجمة أي يفور (بالري) بكسر الراء وفتحها (صدروا عنه) أي رجعوا بعد ورودهم (بديل) بموحدة ومهملة مصغر (ورقاء) بالقاف والمد ابن عمرو بن ربيعة الخزاعي اسلم بمر الظهران يوم الفتح وقيل قبله وشهد هو وابنه عبد الله حنينا والطائف وتبوك وكان من كبار مسلمة الفتح ومات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه قال في التوشيح سمي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وخارجة بن كريز (عيبة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة هو موضع سرك وامانتك كعيبة الثياب التي يوضع فيها المتاع (من أهل تهامة) قال في التوشيح لبيان الجنس لان خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة وتهامة بكسر المثناة مكة وما حولها أصله من التهم وهو شدة الحرور كود الريح (كعب بن لؤي وعامر بن) لؤى انما اقتصر على ذكرهما لان جميع قريش الذين كانوا بمكة ترجع انسابهم اليهما (أعداد) بفتح الهمزة جمع عد بكسر المهملة وتشديد الدال وهو الماء الذي لا انقطاع له (العوذ) بضم المهملة واسكان الواو ثم معجمة جمع عائذ وهي ذات اللبن من النوق (المطافيل) بفتح الميم والطاء المهملة المخففة أي الامهات التي معها اطفالها معناه انهم خرجوا
صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجيء لقتال أجد ولكنا جئنا معتمرين وان قريشا قد نهكتهم الحرب واضرب بهم فان شاؤا ماددنهم مدة ويخلوا ما بيني وبين الناس فان اظهر فان شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد جموا وان هم أبوا فو الذي نفسي بيده لاقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتى ولينفذن الله أمره قال بديل فسابلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا قال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشىء وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال أى قوم ألستم بالوالد قالوا بلى قال أولست بالولد قالوا بلى قال فهل أنتم تتهموننى قالوا لا قال ألستم تعلمون اني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا على جئتكم باهلي وولدى ومن أطاعني قالوا بلي فقال فان هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آتيه قالوا إئته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم بذوات الالبان من الابل ليتزودوا بالبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه من دخول مكة قال في التوشيح وكني بذلك عن النساء معهن الاطفال أي خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لارادة طول المقام (نهكتهم) بفتح النون وكسر الهاء وفتحها اضعفتهم وأثرت فيهم (ماددتهم) أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك فيها القتال (فان اظهر فان شاؤا) هذا شرط بعد الشرط وتقديره فان ظهر غيرهم على كفاهم المؤنة وان اظهر انا على غيرهم فان شاؤا اطاعونى والا فلا تنقضي مدة الصلح الا وقد (جموا) بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي استراحوا وقووا (على أمري هذا) يريد الاسلام (حتى) اقتل و (تنفرد سالفتي) بمهملة وكسر اللام بعدها فاء أي صفحة عنقي وكني بذلك عن القتل لان القتيل تنفرد مقدمة عنقه (ولينفذن) بضم أوله وفتح النون وكسر الفاء المشددة وسكون النون مع التخفيف أي ليمضين الله أمره في نصر دينه (فقال سفاؤهم) أى ذوو العقول السخيفة منهم قال في التوشيح سمى منهم الحكم بن أبي العاص وعكرمة بن أبي جهل (هات) بكسر التاء كما مر (عروة بن مسعود) الثقفي هو الذي قتله قومه حين اسلم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال ان مثله في قومه كمثل صاحب يس وسيذكر المصنف ذلك فيما بعد (الستم بالوالد والست بالولد) هذا هو الصواب لان أم عروة سبيعة بنت عبد شمس منهم ووقع لابي ذر في صحيح البخارى الستم بالولد والست بالوالد وهو خطأ (استنفرت) أى دعوت لنصركم (عكاظ) فيه الصرف وتركه كما مر (بلحوا) بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم حاء مهملة مضمومة أى امتنعوا علي وتباعدوا بي والتبلح التمنع من الاجابة (عرض عليكم) للكشميهنى في صحيح البخارى لكم (خطة) بضم المعجمة أى خصلة كما مر (رشد) أى خير وصلاح وانصاف (آتيه) باثبات الياء على الرفع وحذفها
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت ان استأصلت قومك هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أهله قبلك وان تكن الأخرى فانى والله لأرى وجوها وانى لأرى أشوابا من الناس خليقا ان يفرا ويدعوك فقال له أبو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لاجبتك قال وجعل يكلم النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبى صلى الله عليه وآله وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده الى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عيله وآله وسلم فرفع رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر الست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال على الجزم جوابا للامر (نحوا) أى قريبا (أستأصلت قومك) أى قطعتهم من أصلهم أراد ان قتلتهم من أصلهم هل لك اسوة في ذلك بأحد قبلك (اجتاح) بجيم وآخره مهملة أهلك (أهله) بالكلية (وان تكن الاخرى) أى وان تكن الغلبة لهم عليه والجزاء محذوف أي فلا آمنهم أن يفعلوا بك فعلا لم يفعله قبلهم أحد من قتل ومثلة ونحوهما وذلك لاني لا أرى لك منعة انما أرى (اشوابا) بتقديم المعجمة هم الاخلاط من أنواع شتى وللكشميهني في صحيح البخاري أوباشا وهم الاخلاط من السفلة والرعاع فهم أخص من الاشواب (خليقا) بفتح المعجمة وكسر اللام وبالقاف أي حقيقا ويراد فهما حري وجدير وقمن (ويدعوك) أى يتركوك (فقال أبو بكر الصديق) غضبا وحمية للمسلمين حيث نسبهم الى الفرار (أمصص) بهمزة وصل ومهملتين الاولى مفتوحة وخطأ ابن التين الفاسي في ضمها (بظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة القطعة التي تبقى بعد الختان في فرج المرأة وقيل ما تقطعه الخافضة (اللات) اسم صنم كانوا يعبدونه وكان هذا شتما قبيحا عند العرب يدور على ألسنتهم (انحن نفر عنه وندعه) استفهام انكار وتعظيم لذلك (يد) أى نعمة (لم اجزك) لم اكافك بها (لاجبتك) أي ولكن سأجعل صبرى على ما اسمعتني من القبيح مكافأة ليدك (والمغيرة) بضم الميم وحكي كسرها (ابن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عبد الله اسلم عام الخندق وشهد الحديبية ومات بالكوفة وهو أميرها سنة خمسين وهو ابن اخي عروة بن مسعود (بنعل السيف) بالنون المهملة وهو ما يكون أسفل القراب من فضة وغيرها (أي غدر) بوزن عمر معدول عن غادر وهو بناء للمبالغة في الوصف بالغدر (الست اسعى في غدرتك) أي في دفع شرها ولابن اسحاق وهل غسلت سوءتك الا بالامس (وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية) الى آخره كان ذلك ان المغيرة توجه مع نفر من بني مالك من ثقيف ايضا الى المقوقس فاعطاهم ولم يعط المغيرة فلما رجعوا جلسوا في موضع فشربوا وسكروا وامتنع المغيرة من الشرب معهم فقام المغيرة بعد ان ناموا
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الاسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء ثم ان عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعينيه قال فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقنتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ما يحدون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ما رأيت ملكا قط يعظمه اصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا امره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده وما يحدون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعونى آتيه فقالوا أئته فلما أشرف على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى فقتلهم كلهم وأخذ ما معهم وكانوا ثلاثة عشر رجلا فتحمل عروة ثلاث عشرة دية ذكر ذلك الواقدي وروى عبد الرزاق عن معمر قال سمعت انه لم ينج منهم الا الشريد بن سويد فلذلك سمى الشريد وكان قبل ذلك اسمه مالك (أما الاسلام فاقبل) مضارع أى أقبله (فلست منه في شيء) أى لا أتعرض له لكونه أخذ غدرا (يرمق) بضم الميم يلحظ (نخامة) هي البصقة من أقصى الحلق (الا وقعت في كف رجل منهم) أى لمبادرتهم الى تلقفها فيه التبرك ببصاق أهل الفضل ومسارعة الى الخيرات (أمره) أي الشيء الذي أمرهم بفعله أولا (كادوا) قربوا (على وضوئه) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به يعنى لمسابقتهم الى احضاره أو لمزاحمتهم على فضل وضوئه للتبرك به (يحدون) بضم أوله وكسر المهملة أي ما يدعون النظر اليه ولا يملؤن أعينهم منه هيبة واجلالا (ان رأيت) أي ما رأيت (رجل من بني كنانة) لم يسم وما في فتح البارى عن الزبير بن بكار وتبعه في التوشيح انه الحليس بمهملتين مصغر ابن وهم فالحليس انما أرسل بعد الرجل الذي من بني كنانة كما في تفسير البغوي وغيره وفيه ان الحليس كان سيد الاحابيش يومئذ وانه لما جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من قوم يتألهون وقال في الرجل من بني كنانة هذا من قوم يعظمون البدن وفيه ان الحليس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى قد رأيت مالا يحل صده الهدى في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس انما أنت رجل اعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك فقال يا معشر قريش ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم ان تصدوا عن البيت الحرام من جاء معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وأصحابه وبين ما جاء له أولا نفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له كف عنا
الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع الى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آتيه فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرنى أيوب عن عكرمة انه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل الله لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه وجاء سهيل بن عمرو فقال هات اكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبى صلى الله عليه وسلم الكاتب قال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله ما تكتبها الا بسم الله الرحمن الرحيم قال النبي صلى الله عليه وسلم أكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سهيل والله لو كنا نعلم انك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله اني لرسول الله وان كذبتمونى أكتب محمد بن عبد الله قال الزهري يا حليس حتى نأخذ لانفسنا ما نرضي به (فابعثوها) أى انثروها دفعة واحدة (مكرز) بكسر الميم مع كسر الراء وفتحها وسكون الكاف آخره زاى (فاجر) هو المائل عن الحق المكذب به وكل انتصاب في شر فجور (سهيل) بضم السين (ابن عمرو) بن عبد شمس بن عبدود العامري أخو السكران بن عمرو زوج سودة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر أسلم سهيل يوم الفتح واستشهد يوم اليرموك وقتل يوم الظفر وقيل مات في طاعون عمواس (قد سهل عليكم من أمركم) فيه التفاؤل بالاسم الحسن (الكاتب) هو كما في صحيح مسلم وتفسير البغوى وغيره فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب (اكتب باسمك اللهم) هى كلمة كانت تقولها قريش وذكر المسعودى ان أوّل من قالها أمية بن أبي الصلت تعلما من رجل من الجن في خبر طويل (قاضي) فاعل من قضيت الشيء اذا فصلت الحكم فيه (ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك) ولابن اسحاق من طريق البراء ما منعناك شيئا (اكتب محمد بن عبد الله) ولابن اسحاق ثم قال لعلي امح رسول الله قال لا أمحوك أبدا قال فأرنى اياه فمحاه النبى صلى الله عليه وسلم بيده وكذا رواه مسلم من طريق البراء كما ذكره المصنف فيما بعد وفي رواية لابن اسحاق أيضا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ولمسلم كتب ابن عبد الله قال في الديباج قيل معناه أمر
وذلك لقوله لا يسألونى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم إياها فقال له النبى صلى الله عليه وسلم على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل والله لا تتحدث العرب انا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام القابل فقال سهيل وعلى أنه لا يأتيك رجل منا وان كان على دينك الا رددته الينا فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فبينماهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أوّل ما أقاضيك عليه ان ترده الىّ فقال النبى صلى الله عليه وسلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله اذا لا أصالحك على شيء أبدا قال النبي صلى الله عليه وسلم فأجزه لي قال ما أنا بمجيز ذلك لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجزناه لك قال ابو جندل أي معشر المسلمين أرد الى المشركين وقد أتيت مسلما الا ترون ما قد لقيت وقد كان عذب عذابا شديدا في بالكتابة وقيل هو على ظاهره قلت لا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم انا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الحديث اذ لا يبعد ان تجرى يد القدرة يده الكريمة بما شاء الله من غير قصد الى الكتابة ويكون ذلك معجزة اذ هو خرق عادة في حقه وقد قال تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما ينبغى له ومع ذلك كان ربما جري على لسانه اللفظ متزنا نحو (أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب) فائدة قال الجوزي في بعض مصنفاته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولو أراد لقدر ولكن أخذ القلم وأراد ان يكتب باسم الله فوقع ظل يده على اسم الله تبارك وتعالى فقال لا أكتب حتى لا يقع ظل يدي على اسم الله فقال الله تعالى يا محمد لاحترامك اسمى رفعت ظلك عن الارض حتى غلب نورك نور الشمس مكافأة لما فعلت (على أن تخلوا بيننا وبين البيت) وذكر بعده ان اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض كما في كتب السير (يتحدث) بالفوقية والتحتية (ضغطة) بضم الضاد وسكون الغين المعجمة ثم طاء مهملة أي قهرا (سبحان الله) تعجبا من فعله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن اسحاق أتكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم فابعده الله ومن جاء منهم الينا سيجعل الله له فرجا ومخرجا (أبو جندل) اسمه العاص وقيل عبد الله وجندل بالجيم والنون بوزن جعفر (يرسف) بفتح أوله وضم السين المهملة وفاء أي يمشى مشيا بطيئا بسبب القيد (بعد) بالضم (اذا لا أصالحك) بالفتح (فاجزه) بالجيم والزاي أمر من الاجازة أي اجعله لى جائزا وروي بالراء بدل الزاى أى اجعله في جوارى وحمايتى (بلي فافعل) كذا للكشميهني في البخاري ولغيره بل (أرد إلى المشركين الى آخره) زاد ابن اسحاق وغيره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل احتسب فان الله تعالى جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وانا لا نغدر فوثب عمر يمشى الى جنب أبي جندل ويقول اصبر فانما هم المشركون ودم أحدهم دم كلب ويدني
الله فقال عمر بن الخطاب فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبى الله حقا قال بلى قال ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال انى رسول الله ولست اعصيه وهو ناصري قلت اوليس كنت تحدثنا انا سنأتي البيت ونطوف به قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال فأتيت ابا بكر فقلت يا ابا بكر اليس هذا نبى الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا اذا قال يا ايها الرجل انه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فو الله انه على الحق قلت أليس كان يحدثنا انا سنأتى البيت فنطوف به قال بلى قال فأخبرك انك تأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوف به قال الزهري قال عمر فعملت لذلك أعمالا كثيرة فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال قائم السيف منه أراده ان يأخذه ويضرب به أباه فضن الرجل بأبيه (الست نبي الله حقا) زاد البغوي قال عمر ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ (الدنية) بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية أى القضية الدنية التى لا يرضى بها (أو ليس) بفتح الواو (بغرزه) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها زاي وهو للابل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بامره وترك مخالفته كالمتمسك بركاب الفارس لا يفارقه (فائدة) في مواطأة جواب سيدنا أبي بكر رضى الله عنه جواب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر عظيم هو أن مقام الصديقين أقرب المقامات الى النبوة فما يفضيه الله الى الانبياء من بحر الاسرار يستاثر الصديقون بالعزيز منه قال العلماء هذا من أوضح الادلة على ان أهل الالهام يخطؤن ويصيبون فلا بد من عرض ما وقع في قلوبهم على الكتاب والسنة كما يخطيء أهل الاجتهاد ويصيبون هذا سيدنا أمير المؤمنين عمر أخطأ في أماكن كهذا الموطن وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشهود له بقوله صلى الله عليه وسلم ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك وبقوله لقد كان فيمن قبلكم من الامم محدثون أى ملهمون فان يك في أمتى فانه عمر رواهما الشيخان وفي رواية لقد كان فيمن قبلكم رجال يتكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان يك في أمتي أحد فعمر ولهذا يوافق الوحى كثيرا قال عمر فعجبت من مطابقة كلام أبي بكر لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلى أن مقام الهام الصديقة فوق مقام أهل الالهام (فعملت لذلك أعمالا) أى صالحة من صدقة وصوم وصلاة وعتق ليكفر عنى جراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح في رواية ابن اسحاق والواقدى لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا (فلما فرغ من قضية الكتاب) أشهد عليه رجال من المسلمين ورجال من المشركين كما في سيرة ابن اسحاق منهم أبو بكر وعمر وعلى وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي
فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت له ام سلمة يا نبي الله اتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا بحالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ الآية حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر امرأتين كانتا في الشرك فتزوج احداهما معاوية ابن أبى سفيان والاخرى صفوان بن أمية ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وقاص ومحمود بن مسلمة وعبد الله بن سهل ومكرز بن حفص وهو مشرك (فو الله ما قام منهم رجل) واحد سبب ذلك انهم رجوا ان يحدث الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك أمر اخلاف ما اشار به فيتم له النسك فلما رأوا انه نحر وحلق علموا ان لا غاية وراء ذلك تنتظر فبادروا الي الاتباع (فذكر لها ما لقي من الناس) فيه مشاورة النساء وقبول قولهن اذا أصبن (فقالت أم سلمة يا نبي الله الى آخره) قال الزركشي قال الامام في النهاية ما أشارت امرأة بصواب الا أم سلمة في هذه القصة (ودعا حالقه فحلقه) هو خراش بالمعجمة أوله وآخره بن أمية بن ربيعة الكليبي بضم الكاف قال ابن عبد البر منسوب الى كليب بن حبيبة وفي صحيح البخاري وغيره حلق النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم وفي طبقات ابن سعد من حديث أبي سعيد ان الصحابة حلقوا الا ابا قتادة وعثمان رضي الله عنهم (يقتل بعضا غما) اي ازدحاما (ثم جاء) في أثناء المدة (نسوة) سمي منهم اميمة بنت بشر وأم الحكم بنت أبي سفيان وسروع بنت عقبة وعبدة بنت عبد العزى وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وسبيعة بالتصغير بنت الحارث الاسلمية وكان مجيئها عقب الفراغ من الكتاب قال البغوي فاقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وقال مقاتل هو صيفى بن الراهب في طلبها وكان كافرا فقال يا محمد ارجع على امرأتى فانك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد (فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) من دار الكفر الى دار الاسلام (فامتحنوهن) أي استحلفوهن ما خرجن لبغض زوج ولا عشقا لرجل من المسلمين ولا رغبة عن أرض الى أرض ولا بحدث احدثنه ولا لالتماس دنيا ولا خرجن الا رغبة في الاسلام وحبا لله ولرسوله قاله ابن عباس (فطلق عمر يومئذ امرأتين) احداهما قريبة بضم القاف بنت أبي أمية بن المغيرة وهى التي تزوجها معاوية والاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله بن عمر وهي التي تزوجها صفوان وفي تفسير البغوي في سورة الممتحنة وبعض روايات البخاري ان الذي تزوجها أبو جهم فلعل أحدهما تزوجها ثم طلقها فتزوجها الآخر (ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة) وذلك في المحرم واتفق له في رجوعه انه سحر في بئر ذى أروان وهى بئر في بنى
فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذى جعلت لنا فدفعه الى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من ثمر لهم فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله انه لجيد فقد جربت به ثم جربت به قال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى الى النبى صلى الله عليه وسلم قال قتل والله صاحبي واني لمقتول فجاء ابو بصير فقال يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك فقد رددتني اليهم ثم أنجانى الله منهم قال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف انه سيرده اليهم فخرج حتى أتى سيف البحر وينفلت منهم ابو جندل فلحق بأبى بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم الا لحق زريق سحره لبيد بن الاعصم اليهودي ذكر ذلك ابن سعد بسند مرسل وقصة السحر مشهورة في الصحيحين وغيرهما (أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر المهملة اسمه عبيد وقيل عتبة بن أسد بن حارثة قال ابن عبد البر قرشي وقيل ثقفي وقيل زهري حليف لهم (رجلين) هما جحيش بن جابر من بني عامر بن لؤي سماه موسى بن عقبة وغيره وهو المقتول كما جزم به البلاذري وابن سعد لكن قالا خنيس بن جابر والآخر مولى له اسمه كريز وهو الذي رجع الى المدينة وقيل اسمه مرثد بن حمران والذى كتب فيه أزهر بن عبد عوف والاخنس بن شريق كما رواه بن سعد وغيره (العهد) بالرفع والنصب (الذى جعلت لنا) زاد البغوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح في ديننا الغدر وان الله جاعل لك ولمن معك من المؤمنين المستضعفين فرجا ومخرجا (فاستله) أى اخرجه من غمده (فأمكنه منه) كذا للكشميهني وتفرد به (برد) بفتح الراء جمدت حواسه كناية عن الموت لان الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون (ذعرا) بضم المعجمة أى خوفا (فجاء أبو بصير) زاد البغوي متوشحا السيف (ويل امه) بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة كلمة تقال للمدح ولا يقصد معنى ما فيها من الذم (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة منصوب على التمييز وأصله من سعر الحرب يسعرها كأنه يصفه بالاقدام في الحرب والتسعير لنارها (لو كان له أحد) ان ينصره ويعضده (سيف البحر) بكسر المهملة وسكون التحتية وفاء ساحله وكان نزوله بمكان يسمى العيص قريب من بلاد بنى تميم وروى معمر عن الزهرى أن أبا بصير كان يصلي باصحابه هناك حتى جاءهم أبو جندل فقدموه لانه قرشى (وينفلت) عبر بصيغة المستقبل اشارة الى ارادة مشاهدة الحال وفي تفسير البغوى وغيره
بابي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش الى الشام الا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش الى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما ارسل اليهم فمن أتى منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم اليهم فأنزل الله عز وجل وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ حتى بلغ حمية الجاهلية وكانت حميتهم انهم لم يقروا انه نبي الله ولم يقروا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وحالوا بينه وبين البيت انتهى ما رواه البخاري عن المسور بن مخرمة ومرار بن الحكم من طريق شيخه ومولاه عبد الله بن محمد المسندي ورواه عنهما من طرق أخر وهذه أتمها وأوعبها وصرح في طريق يحيى بن بكير بأنهما أخبرا بذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* وروي مسلم أطرافا منه وصرح بسبب نزول الآية السابقة وهو ما روي عن أنس ان ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فأخذهم سلما فاستحياهم فأنزل الله تعالى فانفلت بصيغة الماضى (عصابة) جماعة وفي مغازي عروة انهم بلغوا سبعين وفي الروض الانف فلم يزل اصحابه يعنى أبا بصير يكثرون حتى بلغوا ثلثمائة (بعير) أى بخبر عير بكسر المهملة أى قافلة (فأرسلت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السهيلى فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم كتابا فورد وأبو بصير في الموت فأعطى الكتاب فجعل يقرأه ويسر به حتى قبض والكتاب على صدره فبني عليه هناك مسجد (لما) بفتح اللام وتخفيف الميم (المسندى) بضم الميم وفتح النون وبالنسبة قال في القاموس نسب كذلك لتتبعه المسانيد دون المراسيل (وروي مسلم اطرافا منه) جمع طرف وفيه انهم جاؤا وعلى البئر خمسون شاة لا ترويها فقعد صلى الله عليه وسلم ملاصقا الركية فاما دعا واما بصق فيها فجاشت فسقينا واستقينا ولا ينافيه ما مر انه انتزع سهما من كنانته فغرزه ولا ما في رواية للبخارى عن البراء انه دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها الى آخره لامكان انه فعل ذلك كله في مرة أو مرات (ان ثمانين رجلا) وله من طريق سلمة وجاء عمير عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس محفف في سبعين من المشركين وللبغوى عن عبد الله بن مغفل فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبى الله فأخذ الله بأبصارهم فقمنا اليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا اللهم لا فخلي سبيلهم فأنزل الله الآية (التنعيم) هو المعروف الآن بمسجد عائشة بينه وبين مكة ثلاثة أميال وقيل أربعة سمي بذلك لان على يمينه جبلا يقال له نعيم وعن يساره آخر يقال له ناعم والوادى نعمان (غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر المعجمة وتشديد الراء أي غفلته (فأخذهم سلما) بفتح المهملة واللام وبسكون اللام مع كسر العين وفتحها أى بغير
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الآية وفيه من رواية سلمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه وصرح فيه من رواية البراء بن عازب ان كاتب الكتاب على بن أبى طالب رضي الله عنه وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئله ان يمحو اسم الرحمن الرحيم واسم الرسالة حين ابوا منها فاستعظم ذلك وحلف ان لا يمحوها فمحاها النبى صلى الله عليه وآله وسلم بيده
[