(فصل) وأما عدله صلى الله عليه وسلم وأمانته وعفته وصدق لهجته فكان صلى الله عليه وسلم آمن الناس واعدل الناس واعف الناس واصدقهم لهجة منذ كان اعترف به محادوه وعداه وكانوا يسمونه الأمين ولذلك رضوه حكما بينهم في وضع الحجر الاسود وفي سؤال هرقل لابى سفيان هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال قال لا وقال ابو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وفي وصف على له أصدق الناس لهجة وأليتهم عريكة.
وكان صلى الله عليه وسلم أعف الناس لم تمس يده يد امرأة قط لا يملك رقها أو نكاحها أو تكون استئنافا ومحبة للمشاهدة حيث استدل بذلك نمروذ في قوله رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وقيل المراد ليطمئن قلبى بالخلة وقيل باجابة دعائي انتهى قال البغوى قيل لما نزلت هذه الآية يعنى قوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ الآية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لابراهيم (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) وهو اثنتي عشرة سنة (لاجبت الداعي) الذى أرسله الملك ليأتي بيوسف فقال ارجع الى ربك ولم يبادر بالخروج مع طول مدة حبسه وحاصل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وصف يوسف بقوة الصبر وذلك منه أيضا على سبيل التواضع
(فصل) في عدله وأمانته (آمن الناس) بمد الهمزة وفتح الميم (وأصدقهم لهجة) قال الجوهري اللهجة اللسان قال وقد يحرك فيقال فلان فصيح اللهجة بفتح الهاء واللهجة بسكونها (محادّوه) بالحاء والدال المشددة المهملتين أي مخالفوه (وعداه) بكسر المهملة وضمها والقصر أى أعداءه (يسمونه الامين) بالنصب (رضوه) بضم المعجمة وأصله رضوء فاستثقلت الكسرة مع الياء (وقال أبو جهل) فيما حكاه ناجية بن كعب (انا لا نكذبك) فانك نشأت فينا صغيرا الى أن كبرت وبلغت أشدك فلم نجرب عليك قط كذبا قال البغوي قال السدي التقى الاخنس بن شريق وابو جهل بن هشام فقال الاخنس لابي جهل يا أبا جهل اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فانه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري فقال أبو جهل والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فانزل الله عز وجل قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ انك كاذب (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) قرأ نافع والكسائي من الاكذاب وهو أن يتخذ الشخص كاذبا وقرأ غيرهم من التكذيب وهو النسبة الى الكذب يعنى انهم لا يكذبونك في السر لانهم قد عرفوا صدقك فيما مضى (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (بِآياتِ اللَّهِ) ومنها ان جعلك نبيا (يَجْحَدُونَ) ظاهرا مع اعترافهم اذ هذا حقيقة الجحد (عريكة) بالمهملة
ذارحم محرم وفي وصف عائشة له ما خير بين أمرين الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه. قال المبرد قسم كسرى أيامه فقال يصلح يوم الريح للنوم ويوم الغيم للصيد ويوم المطر للشرب واللهو ويوم الشمس للحوائج قال ابن خالويه ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم جزأ نهاره ثلاثة اجزاء جزأ لله وجزأ لاهله وجزأ لنفسه ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول ابلغونى حاجة من لا يستطيع ابلاغى فانه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.
[