وفى شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغرى الموعد وهى بدر الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادى الاولى الى آخر رجب ثم خرج فى شعبان الى بدر لميعاد أبى سفيان كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت فى هلال ذى القعدة وذلك ان أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أحد نادى يا محمد الموعد بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل ان شئت نلتقى بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر قل نعم ان شاء الله فافترق الناس على ذلك فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مرّ الظهران ويقال عفان ثم ألقى الله الرعب فى قلبه فبدا له فى الرجوع فلقى نعيم بن مسعود الاشجعى وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان يا نعيم انى قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى بموسم بدر الصغرى وان هذا عام جدب ولا يصلحنا لا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لى أن لا أخرج اليها واكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة فلأن يكون الخلف من قبلهم أحبّ الىّ من أن يكون من قبلى فالحق بالمدينة وثبطهم وأعلمهم أنا فى جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى عشرة من الابل أضعها على يد سهيل بن عمرو يضمنها لك وجاء سهيل بن عمرو فقال له نعيم يا أبا يزيد أتضمن لى هذه الفرائض وأنطلق الى محمد وأثبطه قال نعم فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبى سفيان فقال أين تريدون فقالوا واعدنا أبو سفيان لموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها فقال بئس الرأى رأيتم أتوكم فى دياركم وقراركم فلم يفلت منكم الا الشريد فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لا خرجنّ ولو وحدى وفى رواية وان لم يخرج معى أحد فأما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل* واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه على بن أبى طالب فخرج صلّى الله عليه وسلم ومعه ألف وخمسمائة رجل والخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع لهم وتجارات فجعلوا يلقون المشركين ويسألون عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون أن يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى بلغوا بدرا* قال مجاهد وعكرمة فى هذه الغزوة نزلت هذه الآية الذين استجابوا الله والرسول وعند أكثر المفسرين نزلت هذه الآية فى غزوة حمراء الاسد كما مرّ وكانت بدر الصغرى موضع سوق للعرب فى الجاهلية يجتمعون اليها فى كل عام ثمانية أيام لهلال ذى القعدة الى ثمان تخلو منه ثم يتفرّقون الى بلادهم ونزلت النبىّ صلى الله عليه وسلم بدر اليلة هلال ذى القعدة وأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة الى مكة وقال لا يصلحنا الاعام خصب وهذا عام جدب فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا من المشركين وافوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوها وآصابوا بالدرهم درهمين وقد سمع الناس بمسيرهم وذهب صيت جيشهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين فذلك قوله تعالى الذين استجابوا الله والرسول الآية كذا فى معالم التنزيل فقال
صفوان بن أمية لابى سفيان نهيتك أن تعد القوم ولم تسمع كلامى قد اجترؤا علينا ورأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فى الكيد والتهيؤ لغزوة الخندق*
تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة
وفى هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ سلمة هندا وقيل رملة بنت أبى أمية عبد الله بن مخزوم بن يقظة ابن مرّة بن كعب بن لؤى واسم أبى أمية سهيل ويقال له زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله* وقال أبو عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة اثنتين بعد بدر فى شوّال وبنى بها فى شوّال كذا فى السمط الثمين* وفى المواهب اللدنية تزوّجها فى ليال بقين من شوّال من السنة التى مات فيها أبو سلمة* وفى المنتقى أورد تزوّجها فى السنة الرابعة وكانت قبل رسول الله عند أبى سلمة بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الى الحبشة ثم هاجرت الى المدينة كذا فى الوفاء وولدت له سلمة وعمرا وزينب كما سيجىء ومات أبو سلمة بالمدينة فى سنة ثلاث من الهجرة كما هو فى الصفوة فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى سيرة مغلطاى مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادى الآخرة زوجها من النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابنها عمرو وقيل سلمة ويقال تزوّجها سنة اثنتين بعد بدر ويقال قبل بدر روى ان أبا سلمة جاء الى امّ سلمة وقال لقد سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثا أحب الىّ من كذا وكذا سمعته يقول لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك أحتسب مصيبتى هذه اللهم اخلفنى فيها خيرا منها الا أعطاه الله عز وجل ذلك قالت امّ سلمة فلما أصبت يأبى سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتى ولم تطب نفسى أن اقول اللهم اخلفنى فيها خيرا منها ثم قلت من خير من أبى سلمة أليس أليس ثم قلت ذلك قال لما انقضت عدّتها أرسل اليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل اليها عمر ابن الخطاب يخطبها فأبت ثم أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبها فقالت مرحبا برسول الله ان فىّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس لى ههنا أحد من أوليائى فيزوّجنى فغضب عمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أشدّ مما غضب لنفسه حين ردّته فأتاها عمر فقال أنت التى تردّين رسول الله بما تردّينه فقالت يا ابن الخطاب فىّ كذا وكذا فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أما ما ذكرت من غيرتك فأنا أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فالله عز وجلّ سيكفيكهم وأما ما ذكرت انه ليس من اوليائك أحد شاهد فليس من اوليائك أحد شاهد ولا غائب يكرهنى فقالت لابنها سلمة زوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط الثمين أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبها له انتهى فقال رسول الله اما انى لم انقصك عما اعطيت فلانة فقيل لامّ سلمة ما اعطى فلانة قالت أعطا هاجرتين تضع فيهما حاجتها ورحى ووسادة من أدم حشوها ليف ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأقبل يأتيها فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها فى حجرها فلما رأى انصرف ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتيها فوضعتها فى حجرها فأقبل عمار مسرعا بين يدى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها وقال هاتى هذه المشقوحة التى منعت رسول الله فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يرها فى حجرها قال أين زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول الله على أهله وكانت امّ سلمة فى النساء كأنها لم تكن فيهنّ لا تجد ما يجدن من الغيرة* وقال أنس ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّج امّ سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم وروى انه لما تزوّجها رسول الله نقلها الى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فيها شعير ورحى وبرمة فطحنته ثم عصدته فى البرمة وأدمته باهالة وكان ذلك طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطعام آهله ليلة عرسه* وفى القاموس الاهالة الشحم وما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثا ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه فقال ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعة عندك وسبعة عندهنّ وان شئت ثلاثا عندك ودرت قالت ثلاث وروى عن هند بنت الفراسية قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان لعائشة منى شعبة ما نزلها منى أحد فلما تزوّج امّ سلمة سئل فقيل يا رسول الله ما فعلت الشعبة فسكت فعرف ان امّ سلمة قد نزلت عنده وروى عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول الله امّ سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكروا لى من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله اضعاف ما وصفت لى فى الحسن والجمال فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يدا واحدة فقالت لا والله ان هذا الا الغيرة ما هى كما يقولون فتلطفت بها حفصة حتى رأتها فقالت قد رأيتها لا والله ما هى كما تقولين ولا قريب منه وانها لجميلة قالت فرأيتها بعد وكانت كما قالت حفصة ولكنى كنت غيرى وكانت امّ سلمة عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة وتوفيت فى أوّل خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين وقيل سنة تسع وخمسين وقيل ثنتين وستين فى شهر رمضان أو شوّال وقبرت بالبقيع وهى بنت أربع وثمانين سنة وصلّى عليها أبو هريرة قيل كانت الصلاة بوصيتها ودخل قبرها عمرو وسلمة ابنا ابى سلمة وعبد الله بن أبى اسامة وعبد الله بن زمعة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة قيل أوّل من هلك من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زينب بنت جحش هلكت فى خلافة عمرو آخر من هلك منهنّ امّ سلمة هلكت فى زمن يزيد بن معاوية وقيل آخر من هلك منهنّ ميمونة كما سيجىء مروياتها فى الكتب المتداولة ثلثمائة وثمانية وسبعون حديثا منها المتفق عليه ثلاثة عشر وفرد البخارى ثلاثة وفرد مسلم ثلاثة عشروا الباقية فى سائر الكتب*