كانت غزوة بدر الكبرى تطبيقًا عمليًّا وضحت به مشروعية القتال في الإسلام وهي الدفاع عن النفس ورد الظلم والعدوان، كما كانت الغزوات التي جاءت بعدها في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- دفاعًا عن النفس وردًّا للظلم وتأمينًا لطريق الدعوة حتى تقف في سبيلها الحواجز، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
,
...
غزوة بدر الكبرى 1:
وجاءت بعد ذلك غزوة بدر الكبرى، وهي أول معركة في الإسلام قامت
__________
1 "سيرة ابن هشام" 2/ 257، "طبقات ابن سعد" 1/ 277 ترتيبها، "دلائل النبوة" لأبي نعيم 1/ 469، والمسند 3310، و"مجمع الزوائد" 6/ 69،
"الخصائص" 1/ 501 و"صحيح مسلم" 1779، 1901 و"سنن أبي داود" 2681، و"صحيح البخاري" 3736، 3737 و"سنن الترمذي" 1677، و"دلائل النبوة" للبيهقي 3/ 25، و"تاريخ الطبري" 3/ 31، و"البداية والنهاية" 3/ 256 وغير ذلك مما يطول ذكره.
بين الحق والباطل، وكان سببها أن قافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان كانت قادمة من الشام وفي طريقها إلى مكة، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعترض طريق هذه القافلة ليفجع قريشًا في أموالها كما فجعت قريش المسلمين من قبل في أموالهم وأنفسهم، وخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا1 من أصحابه في اليوم الثامن من رمضان2 ومعهم سبعون بعيرًا وفرسان.
وحينما علم أبو سفيان بخروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فزع كل الفزع، وأرسل إلى قريش يطلب الغوث والنجدة، فثار القرشيون ثورة عصبية، ونفروا سراعًا، وعلى رأسهم سادتهم وكبراؤهم، وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين رجلًا3، ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير، ومضى مشركو قريش في طريقهم لنجدة أبي سفيان وتخليص أموالهم من قبضة المسلمين، وبينما هم في الطريق وصلهم رسول من أبي سفيان يخبرهم بنجاته هو وقافلته، ويطلب إليهم الرجوع، ولكن أبا جهل تحمس للحرب والقتال، وأبى إلا أن يتقدم حتى يصل إلى بدر4، وصاح قائل: والله لا نرجع حتى نصل إلى بدر ونقيم عليها ثلاثًا، ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان5، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها.
وتردد القوم بين اتباع أبي جهل مخافة أن يتهموا بالجبن والخور، وبين
__________
1 أو أكثر من ذلك بقليل، ولعل المرجح أنه خرج معه فيها ثلاثمائة وخمسة، وأربعة عشر لم يحضروها لكن ضرب لهم بسهم المحارب كعثمان بن عفان، وعاصم بن عدي، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة، وخوّات بن جبير وغيرهم، فلذلك اختلف في العدد، مع أنه صح عند مسلم أنه ثلاثمائة وتسعة عشر.
2 أو الثاني عشر، وقد بدأ القتال في السابع عشر من رمضان على المشهور.
3 في "صحيح مسلم" 1763 أنهم ألف.
4 مكان في الجنوب الغربي من المدينة، فيه ماء.
5 المغنيات.
الرجوع إلى مكة ما دامت العير قد نجحت وأموالهم قد سلمت، فلم يرجع إلا بنو زهرة الذين اتبعوا مشورة الأخنس بن شريق، وكان سيدًا مطاعًا فيهم، واتبعت سائر قريش رأي أبي جهل ومضوا في طريقهم حتى وصلوا وادي بدر، ونزلوا بالعدوة القصوى عن المدينة.
وحينما علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن قريشًا خرجوا بجموعهم ليمنعوا عيرهم جمع أصحابه واستشارهم فتكلم أبو بكر ثم عمر بما يؤيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعضده، ثم تكلم المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
ثم تكلم سعد بن معاذ من الأنصار فقال: لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء. ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
وهنا يجدر بنا أن نقف وقفة إعجاب وتقدير، فإن عظمة الجنود إنما تتركز على أساس من عظمة القائد، ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقود أصحابه إلى ميدان الجهاد مستضيئًا بهدى القرآن وتعاليم الإسلام التي تعد المجاهدين في سبيل الله إحدى الحسنيين، وتبشر الشهداء بالحياة السعيدة الخالدة حيث، يقول الله -عز وجل:
{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1.
ومن أجل ذلك نجحت تلك القيادة الرشيدة وسادت حتى علا لواء الإسلام في كل مكان، وانسابت كلمة الحق بين الأمم تحيي موات الأنفس والأرواح والقلوب، وإن في ذلك لعبرة.
ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في طريقهم وقد أشرق وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمسرة لما رأى من قوة إيمان المسلمين وقال لهم: "سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين2، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم". وهكذا ظلوا سائرين حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا، أي القريبة إلى المدينة، وقد صدق الله وعده، فالتقى المسلمون بإحدى الطائفتين وهي الطائفة القوية ذات الشوكة، مع أنهم كانوا يريدون غير ذات الشوكة، وهي العير، ولكن الله أراد لهم أن يلتقوا بالنفير، وهو الجيش الكبير الذي نفر لإنقاذ العير، وكان ذلك لحكمة جليلة أرادها الله وسجلها في محكم كتابه، حيث قال:
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} 3.
وكان الحباب بن المنذر بن الجموح خبيرًا بهذه الأمكنة التي نزل فيها المسلمون، فلما رأى الموقع الذي استقر فيه المسلمون لم يرق في نظره ولم يطمئن إليه، فقال للرسول -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه
__________
1 سورة آل عمران، الآيتان 169، 170.
2 قافلة أبي سفيان، أو من خرج من مكة لنصرته.
3 سورة الأنفال، الآيتان 7، 8.
الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال محمد -صلى الله عليه وسلم-: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل. فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننزل، ثم نعور1 ما وراءه من الآبار، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون وحينئذٍ فكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاقتنع بهذا الرأي السديد، وأعلن أمام المسلمين أنه قد نزل على رأي الحباب، وأن في ذلك الحكمة والصواب.
وهنا -أيضًا- ينبغي أن نقف وقفة إعجاب وإكبار، فلم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- برأيه ولا راكبًا متن الغرور، بل كان يتشاور مع أصحابه كي يتلمس وجه الخير والرشاد عملًا بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 2. وكان يحترم الرأي الصائب وينفذه ولو تعارض مع رأيه3، فهل يكون في ذلك للناس عبرة وتبصرة؟ إن القادة والرؤساء كثيرًا ما يعميهم التعصب الممقوت والاستبداد بالرأي فينزلقون إلى الشر، ويجرون وراءهم الأمم والشعوب إلى مهاوي الفناء، ولو استطاع هؤلاء القادة والرؤساء السادرون في عماية الكبرياء والأنانية أن ينتفعوا بهذا الدرس العملي من المربي الأول محمد4 -صلى الله عليه وسلم- وبمثله من الدروس التي ألقاها الزعماء والصالحون على الإنسانية، لتغير مجرى التاريخ في كثير من الأزمنة والعصور.
ولما نفذوا رأي الحباب وبنو الحوض، قال سعد بن معاذ: يا نبي الله نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عند ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله
__________
1 نخرب ونتلف ونعكر
2 سورة آل عمران، الآية 159.
3 يعني في الأمور الاجتهادية، والغالب أن ذلك لا يكون من اختلاف التعارض، وإنما التنوع.
4 الرسول الهادي.
وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًّا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك.
وقد أثنى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على سعد ودعا له بخير، ولأنه قدر الظروف وعرف أن مكان القائد هو الإشراف والتوجيه فلا ينبغي أن يتعرض للأخطار1، لأن في حياته حياة الأمة وكيانها وكرامتها، ثم بني العريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يكون في مأمن من العدو إذا لم يكن النصر في جانب المسلمين، وهكذا الإخلاص والإيثار: إخلاص الجندي الأمين لقائده الأمين، وإيثار المؤمن لنبيه على نفسه.
وبمثل هذا الإخلاص والإيثار مَنَّ الله على المسلمين، ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وبدلهم من بعد خوفهم أمنًا، وإن في ذلك لعبرة ...
__________
1 ليس مطلقًا، وها هو -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين يأتي المشركين بمفرده على بغلته يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وقد جاء في رواية في المسند ذكرها الحافظ أن كثير في "البداية" 3/ 277 أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه" وهذا وقع عند مسلم من حديث أنس.
,
وقد بدأت المعركة في اليوم السابع عشر من رمضان، وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية، حيث وقف الحق أمام الباطل وجهًا لوجه، والتقى الجمعان فئة قليلة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة كثيرة كافرة تقاتل في سبيل الشيطان ...
فانتصر الحق بفضل الله وعلا لواؤه، ولاذ الباطل بالفرار وقد أفل نجمه وطاش سهمه.
وأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينظم صفوف المقاتلين من المسلمين، ثم أعلن بدء المعركة بهذه الكلمة القوية المؤمنة: "والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة". ولا ريب أن الكلمة المؤمنة إذا صادفت القلوب المؤمنة كانت كالغيث الهتون يصيب الأرض النقية الطيبة فينبت فيها الخير الكثير ... فلم يكد المسلمون المؤمنون يسمعون هذه الكلمة من نبيهم -صلى الله عليه وسلم- حتى نسوا الدنيا بما فيها من سعادة ونعيم، حتى إن أحدهم -وهو عمير بن الحمام- كان يأكل بعض تمرات فألقاها، لأنه آثر عليها تمر الجنة، وكأنما يراه بعينيه ويلمسه بيديه، وينطلق مسرعًا للقتال لكي يحظى بنعمة الاستشهاد في سبيل الله وهو ينشد بقلبه ولسانه:
ركضًا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد1
وظل يقاتلهم ويقتل منهم ما شاء الله أن يقتل حتى قُتل في سبيل الله، فشفى الله صدره بالجهاد وحقق له نعمة الاستشهاد، وهكذا:
تردَّى ثياب الموت حمرًا فما أتى ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ولقد تجلى في هذا اليوم وفي هذه المعركة عدل الله وقصاصه من الظالمين،
__________
1 أسند ذلك ابن جرير وغيره كما في "البداية" 3/ 277.
إذ لمسوا نتيجة ظلمهم وجنوا عاقبة غدرهم وإثمهم:
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} 1.
فهذا أُمية بن خلف الجمحي القرشي رأس الكفر والضلال، وداعية الظلم والظلام، وباعث الشر والفتنة في مكة، والعدو الألد للإسلام منذ ظهوره تسلط بظلمه على بلال بن رباح -وكان مملوكًا له- فكان يخرج به وقت الظهيرة في الرمضاء2 ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى.
فيقابل بلال ذلك الأذى بالصبر الجميل والإيمان العميق، ويتنفس الصعداء من خلال الألم الممض والأسى المرمض، قائلًا: أحد أحد3.
أجل، هذا هو أُمية بن خلف في مكة وقبل يوم بدر ...
ثم ها هو ذا الآن في يوم بدر يتنكر له الزمن وتدور عليه الأيام فماذا عسى أن يكون؟ لقد لمس هو والطغاة عاقبة ظلمهم وبغيهم، ونظروا إلى قوتهم فوجدوها متضائلة متخاذلة. وقد كانت إلى الأمس القريب صائلة وجائلة، واستصرخوا آلهتهم المتعددة فلم تسمع ولم تجب، بينما كان المسلمون ينادون إلههم الواحد فيرونه قريبًا ويجدونه سميعًا مجيبًا.
ونظر أُمية بن خلف في صفوف المسلمين فرأى عبده القديم بلال بن رباح يمرح في ربيع الحرية، ويصول ويجول تحت ظلال العزة الإسلامية.
ونظر بلال بن رباح في صفوف المشركين، فرأى أُمية بن خلف وقد ساقه الله
__________
1 سورة هود، الآية 102.
2 الحر الشديد.
3 وقد مضى.
مع جند الباطل حتى أصبح أمامه وجهًا لوجه، فأدرك تمام الإدراك أن هذا اليوم يوم القصاص، وتذكر تاريخ أُمية الملطخ بالخزي والعار، فثارت نفسه وصاح قائلًا: أُمية بن خلف رأس الكفر والضلال لا نجوت إن نجا ... وحاول أُمية بن خلف أن يتوارى عن الأنظار ويلوذ بالفرار، ولكن القضاء العادل نفذ وحكم الله بأمره، فكان القصاص الرهيب في الدنيا قبل الآخرة، وذهب أُمية بن خلف صريع بغيه وعدوانه، على يدي بلال، ورأى بلال في أُمية ما أطفأ ألمه القديم، وداوى قلبه الكليم، وكان خير عوض عن حقه المهضوم، وإن في ذلك لعبرة.
وعقبة بن أبي معيط عدو الله ورسوله، والنضر بن الحارث عدو الله ورسوله. وأبو جهل عدو الله ورسوله هؤلاء وغيرهم من أئمة الكفر والذين لا أيمان لهم، وقفوا في يوم بدر للقصاص، ورأوا بأعينهم نكال أمرهم وعاقبة بغيهم وظلمهم1، وكانت نهايتهم الأليمة عبرة وعظة سجل التاريخ فيها أن الظلم لا يدوم، وأن موقع البغي وخيم، وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.
__________
1 انظر مراجع غزوة بدر السابقة.
مشهد رهيب:
وهذا ,
أسوأ مصير فيسقط صريعًا في صفوف المشركين.
وحينما انجلت المعركة وتم النصر للمسلمين، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلقى المشركون في القليب، فلما أُخذ عتبة بن ربيعة وسحب إلى القليب، نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وجه أبي حذيفة بن عتبة فوجده قد تغير فقال له: "يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟ ".
فقال: لا، والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي حلمًا ورأيًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر، بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك، فدعا له الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخير وقال له خيرًا.
ولا شك أن هذا الموقف العجيب من الولد نحو أبيه في تلكم المعركة التي قامت بين الحق والباطل، ليأخذ بأيدينا إلى عبرة بالغة ويسلمنا إلى حقيقة رائعة، وهي أن العقيدة إذا امتزجت بالنفوس واطمأنت بها القلوب فلن يخدعها هوًى أو رغبة، ولن تقف في سبيلها أية عاطفة في هذا الوجود.
,
وحينما اشتدت المعركة وثار الغبار وحمي وطيس القتال، ورأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين، لجأ -كعادته- إلى الله ليجعل له من هذا الكرب والضيق فرجًا ومخرجًا، وتوجه إلى ربه بهذا الدعاء:
"اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد ... ".
وما زال ماضيًا في دعائه، ورافعًا يديه إلى السماء طالبًا من الله ألا يردهما خاليتين من رحمته، وأبو بكر -رضي الله عنه- من ورائه يهتف به قائلًا: يا نبي الله، بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك.
وهكذا يظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع ربه منيبًا خاشعًا حتى أخذته سِنة من النعاس، فرأى خلالها نصر الله يضيء ويملأ الآفاق، فاستيقظ وهو فرح مستبشر يتلو قول الله تعالى:
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} 1.
وقد ابتدأت معركة بدر صباح يوم الجمعة 17 رمضان، من السنة الثانية للهجرة، وانتهت في مسائه بنصرٍ مبين للمسلمين، وهزيمة ساحقة للمشركين فولوا مدبرين بعد أن قتل منهم سبعون، وأُسر منهم مثل هذا العدد، واستشهد من المسلمين أربعة عشر2، وبقي المسلمون في بدر ثلاثة أيام بعد المعركة، ثم رجعوا بعد ذلك إلى المدينة فرحين بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ...
__________
1 سورة القمر، الآية 45.
2 ستة من المهاجرين، وستة من الخزرج، واثنان من الأوس.
,
وكان يوم بدر يوم السماء نزلت فيه الملائكة إلى الأرض، تُثبت الذين آمنوا وتلقي في قلوب الذين كفروا الرعب، وفي ذلك يقول الله -عز وجل:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَمَا
جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1.
ويقول: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} 2.
وقصة إمداد الله للمسلمين بالملائكة قصة عجيبة، قوامها قدرة الله -عز وجل- الذي جعل الأرض جميعًا قبضته والسموات مطويات بيمينه.
وقد اختلف العلماء في الغرض الذي من أجله أمد الله المسلمين بالملائكة فذهب بعضهم إلى أن الملائكة إنما نزلت للقتال، فهي جيش من السماء، أنزله الله لإضعاف شوكة الشرك والطغيان في الأرض.
ويستدلون على ذلك بما يروى من أن رجلًا من المسلمين كان يطارد رجلًا من المشركين في يوم بدر، فسمع صوت ضربة بالسوط فوقه فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيًا وشق وجهه، فلما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك قال: "ذاك من مدد السماء" 3.
وما يروى عن أبي داود المازني حيث قال: تبعت رجلًا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي4.
وهم يقولون: إن الأمر في قوله تعالى:
__________
1 سورة الأنفال، الآيتان 9، 10.
2 سورة الأنفال، الآية 12.
3 أخرج القصة مسلم 1763، والترمذي 3081 وغيرهما من حديث ابن عباس.
4 أخرجه أحمد في المسند 5/ 450 بسند ضعيف، ولكن يغني عنه ما قبله.
{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} 1.
هذا الأمر أمر للملائكة بالضرب والقتل. ومعنى ذلك أن الله إنما قضى بإنزالهم للضرب والقتال ...
ويذهب البعض الآخر إلى أن الملائكة إنما نزلت لتثبيت قلوب المؤمنين وتقوية الروح المعنوية لديهم، وأنهم لم يشتركوا في القتال، وحجتهم في ذلك أن الملك الواحد يكفي لإهلاك أهل الأرض جميعًا2 ...
هذا الرأي هو الذي تميل إليه النفس، وتؤكده القرائن والدلائل التي لا يتطرق إليها الضعف والوهن3، وذلك لأمور كثيرة:
أولها: أن الملك الواحد يستطيع إهلاك الكفار جميعًا في لحظة واحدة فلماذا ينزل الله ألفًا من الملائكة4؟
وثانيها: أن الله لو قدر للملائكة أن تشترك بالفعل في القتال، لما كان هناك
__________
1 سورة الأنفال، الآية 12.
2 قال القسطلاني في "المواهب اللدنية" 1/ 363.
قال الشيخ تقي الدين السُّبكي: سُئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن جبريل -عليه السلام- قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه.
فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى، والله فاعل الجميع انتهى.
قلت: وهذا كلام صحيح، والله أعلم.
3 نعم هو صحيح بنص القرآن، لكن الآخر صحيح صريح أيضًا، فالواجب الأخذب الأمرين، لا سيما وأنه لا تعارض، والقول بأحدهما فقط فيه إبطال للدليل بغير حجة.
4 وقد تقدم جواب السُّبكي على هذا، من وجه.
ومن وجه آخر، فإن هذا فيه رد الأحاديث الصريحة الصحيحة بالهوى والتعنت.
مزية للمسلمين الذين اشتركوا في هذه الغزوة1، ولما كان هناك داع للأخذ بالأسباب العادية في هذا الوجود، حيث يأمر الله المسلمين بإعداد العدة للقضاء على الكفار، فيقول:
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} 2.
وثالثها: أن المعركة حينئذٍ ستكون بين فئتين: فئة قليلة وهم الكفار وفئة كثيرة وهم المسلمون بعد انضمام الملائكة إليهم، إذ يصبحون ألفًا وثلاثمائة. بل إذا نظرنا إلى ما ذكر في سورة آل عمران من أن الملائكة قد زادوا فأصبحوا ثلاثة آلاف، ثم زادوا حتى وصلوا إلى خمسة آلاف حيث يقول سبحانه:
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} 3.
إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن المسلمين مع الملائكة سيزيدون على خمسة آلاف. وحينئذٍ لا ينبغي أن يقال: إن الفئة القليلة هي التي غلبت الفئة الكثيرة4.
__________
بل تبقى لهم المزية، لكونهم أمدوهم كما قال الله تعالى، ولا يمكن أن يقال: إن الفعل للمدد لا للجيش الممدود!
2 سورة الأنفال، الآية 60.
3 سورة آل عمران، الآيتان 124، 125.
4 بل يقال: إن العبرة بالشيء المشاهد.
ثم لو تأمل المتأمل، لعلم أن الملائكة إنما نزلت لتأييد من كُتب لهم النصر، وهم إنما كُتب لهم النصر، وهم قلة بسبب إيمانهم وصدقهم، فصار تأييد الملائكة لهم ومحاربتهم معهم كالأداة للمنتصر. فليفهم.
ورابعها: أن الملائكة لو اشتركت في القتال بهذا العدد الضخم ثم انجلت المعركة عن قتل سبعين من المشركين فحسب، لكان هذا موقفًا مخزيًا لملائكة الله، ولا اعتبر ذلك نصرًا للمشركين، وهزيمة للملائكة والمسلمين1.
وبذلك يتبين لنا أن الملائكة لم تنزل لقتال2، وإنما نزلت لتثبيت القلوب وتقوية الإيمان، ومما يزيد هذا المعنى تأكيدًا وقوة، قول الله تعالى بعد ذلك:
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ} 3.
أي وما جعل الله إمدادكم بالملائكة لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم ستنتصرون، ولتسكن وتطمئن بهذا الإمداد قلوبكم، حيث تدركون أن الله معكم، وأنكم أهل لرضاه، فيزاد إيمانكم وجهادكم. ويكون الأمر في قوله تعالى:
{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
أمرًا موجهًا إلى المؤمنين لا إلى الملائكة4، ويكون المعنى: إذ يوحي ربك
__________
1 سبحان الله!!
فعلى رأي المؤلف، لو بقي واحد من المشركين لكان عيبًا، لأن على الواحد منهم خمسة من الملائكة، وعليه، فما الحيلة في بقاء من كتب الله له أنه سيؤمن بعد بدر.
ومن قال بأن الملائكة نزلت لتبيد جميع الكفار، والملائكة كما قال الله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .
وأنا أرد على المؤلف بجنس سؤاله فأقول:
أما كان يكفي أن ينزل السكينة في قلوب ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا مثلهم من الملائكة، فلا يتمكن من ذلك إلا خمسة آلاف؟!
فيا سبحان الله حين تتيه العقول، ولا تتقيد بالنصوص.
2 بل نزلت له والله بنص الحديث، وظاهر القرآن.
3 سورة الأنفال، الآية 9، وانظر "زاد المسير" 1/ 454 لابن الجوزي، وغيره من التفاسير لتعلم ضعف قول المؤلف.
4 في تفسير الآية اختلاف بين المفسرين، من المخاطب بهذه الآية، لكن حتى لو لم يكن المخاطب الملائكة، فإنها لا تمنع من كون الملائكة نزلت قاتلت، فليعلم هذا.
إلى الملائكة أني معكم بمعونتي، فثبتوا أيها الملائكة الذين آمنوا وشجعوهم وأخبروهم بأن الله معهم ... وأنه سيلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ... وإذا كان الأمر كذلك فاضربوا أيها المؤمنون فوق الأعناق، واضربوا منهم كل بنان ...
وبهذا يتبين لا بما لا يقبل الشك والجدال 1 أن الملائكة إنما نزلت لتثبيت قلوب المؤمنين، ولم تشترك في القتال.
__________
1 بل ظهر ضعف قول المؤلف بما لا يقبل الشك والجدال.
موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأسرى:
وقد استشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أتم الله عليهم النعمة بالنصر، في أمر الأسرى من مشركي قريش، وكان عددهم سبعين أسيرًا ... فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله قد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم فهم رءوس الكفر وأئمة الضلالة ... ووافقه على ذلك جماعة من الصحابة ... وقال أبو بكر: يا رسول الله: هؤلاء أهلك وقومك وقد أعطاك الله الظفر والنصر عليهم، وإني أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام فيكونوا لنا عضدًا. ووافق على الرأي كذلك جماعة من الصحابة.
وقد تلطف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع صاحبيه الكريمين أبي بكر وعمر يضرب لهما أمثلة من الملائكة والأنبياء. فأما أبو بكر فمثله في الملائكة كمثل ميكال ينزل برضى الله وعفوه عن عباده، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل، قدمه قومه إلى النار وطرحوه فيها فما زاد على أن قال:
{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.
وكمثل عيسى إذ يقول: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2.
وأما عمر فمثله في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالسخط من الله والنقمة على أعداء الله. ومثله في الأنبياء كمثل نوح إذ يقول:
{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} 3.
وكمثل موسى إذ يقول:
{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} 4.
__________
1 سورة إبراهيم، الآية 26.
2 سورة المائدة، الآية 118.
3 سورة نوح الآيتان 26، 27.
4 سورة يونس، الآية 88.
وأما الحديث في استشارته -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وقول أبي بكر وعمر، فقد جاء بسياقات مختلفة لكن قريبة المعنى، وعن جماعة من الصحابة منهم:
أ- ابن عباس، عند مسلم في صحيحه ص 1383 وغيره.
ب- ابن مسعود عند أحمد 1/ 383، والترمذي 3084، والحاكم 3/ 22 وصححه، والبيهقي في "الدلائل" 3/ 139 وآخرين منهم الطبراني 10258 والموصلي 5187.
ج- أنس عند أحمد كما في "البداية" 3/ 297، وهو في المسند 3/ 243، و"مجمع الزوائد" 6/ 88، وقد وثق الهيثمي رجاله غير علي بن عاصم: قال هو كثير الغلط.
د- ابن عمر، وأبو هريرة، عند ابن مردويه كما في "البداية" 3/ 298، وعند الحاكم عن ابن عمر.
ثم أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- برأي أبي بكر وترك رأي عمر، وقبل الفداء من الأسرى، وقال لأصحابه: "لا يفلتن أحد من أسراكم إلا بفداء". فنزل قوله تعالى:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1.
وكان ذلك عتابًا من الله لرسوله وتبيانًا للمنهج القويم الذي كان يجب أن يسير عليه.
وبعد فقد كانت غزوة بدر درسًا عمليًّا تجلت فيه ثمرة الإيمان فنصر الله المسلمين وهم قلة، لأنهم آمنوا بالله وأخلصوا الإيمان، وخذل المشركين وهم كثرة، لأنهم حادوا عن الحق وابتعدوا عن الإيمان.
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 2.
__________
1 سورة الأنفال، الآيتان 67، 68.
2 سورة الحج، الآية 40.