وفيها غزوة بني قريظة وسببها ان النبى صلى الله عليه وسلم لما أصبح من ليلة منصرف الاحزاب وكان وقت الظهر وضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج اليهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأين فأشار الى بني قريظة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة وقدّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم برايته أمير المؤمنين على ابن أبي طالب ثم سار خلفه قال أنس كأني أنظر الى الغبار ساطعا في زقاق بنى غنم موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى بني قريظة رواه البخاري وأدركتهم صلاة العصر في الطريق فصلاها قوم أخذوا بمفهوم اللفظ وامتنع آخرون فلم يصلوها تفسير لحم (واستشهد يومئذ من المسلمين ستة نفر) وهم أنس بن أويس بن عتيك الانصاري رماه خالد بن الوليد بسهم فقتله وعبد الله بن سهل بن زيد الاوسي والطفيل بن مالك بن النعمان الانصاري السلمي قتله وحشى ابن حرب وعبد الله بن سهل الانصارى حليف لبنى عبد الاشهل وقتادة بن النعمان وقيل استشهد باحد وسعد ابن معاذ مات من الرمية بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال هذا كلام ابن عبد البر (وقتل من المشركين ثلاثة) عمرو بن عبدود ونوفل بن عبد الله كما مر ومنبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة (نوفل) بفتح النون والفاء وسكون الواو بينهما مات نوفل بالمدينة سنة خمس عشرة* وفيها أي في الرابعة أو الخامسة على الخلاف في غزوة الخندق غزوة بنى قريظة وكانت في آخر ذى القعدة (واغتسل) كان اغتساله عند زينب بنت جحش كما في تفسير البغوي ولا يستشكل بما يأتي ان زواج زينب كان في الخامسة اذ قد قيل ان الخندق فيها أيضا بل هو الصواب كما مر وبتقدير انها في الرابعة فقد قيل ان زواج زينب كان في الثالثة (أتاه جبريل) زاد البغوى معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة شهباء عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج (وهو) أى جبريل (ينفض رأسه) أى رأس نفسه وفي تفسير البغوى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن وجه فرسه (والله ما وضعناه) زاد البغوي منذ أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم (أخرج اليهم) فاني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال (لا يصلين أحد العصر) كذا في صحيح البخارى ولمسلم الظهر وجمع النووى بينهما بانه قال العصر لبعضهم والظهر لبعضهم واتفق أهل المغازى على انها العصر (برايته) هى اللواء (ساطعا) مرتفعا (زقاق) بضم الزاي وهو الطريق الضيق (بنى غنم) بفتح المعجمة واسكان النون (موكب) بالرفع على انه خبر
الا في بني قريظة ليلا آخذين بظاهره فلم يعنف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا منهم ولما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بساحتهم واشتدت وطأته أرسلوا اليه أن أرسل الينا ابا لبابة فأرسله اليهم فلما جاءهم تلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم لولاء له منهم فقالوا أترى ان ننزل على حكم محمد فقال نعم وأشار بيده الى حلقه يعني أنّ حكمه القتل ثم ندم ابو لبابة وعلم أنه قد خان الله ورسوله فلم يرجع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم بل راح الى المسجد وربط نفسه بسارية وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خرمغشيا عليه فتاب الله عليه ونزل فيه أولا يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية وآية توبته وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا الآية ولم يطأ بلد بني قريظة بعدها وكان له بها أموال وأشجان وقد كان بنو قريظة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقبل منهم ما قبل من اخوانهم بني النضير فأبى عليهم فحين تبين لهم انه غير قابل منهم وانسدت عليهم أبواب الحيل وانقطع رجاؤهم من كل أمل نزلوا على حكمه فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين مبتدأ محذوف وبالنصب على تقدير أعني (فلم يعنف) أى لم يلم (ولما نزل صلى الله عليه وسلم بساحتهم) كان نزوله على بئر من آبارهم في ناحية من أموالهم كما في تفسير البغوي والساحة من أسماء البقعة (وطأته) أي نزوله وبأسه (أبا لبابة) اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر زاد البغوي نستشيره في أمرنا (أتري) بفتح التاء (ان ننزل على حكم محمد) فى تفسير البغوي في سورة الانفال على حكم سعد بن معاذ (ذواقا) بفتح المعجمة (فتاب الله عليه) زاد البغوي وقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال لا والله لا احل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ثم قال أبو لبابة من تمام توبتى ان أهجر دار قومى التى أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى كله صدقة فقال النبى صلى الله عليه وسلم يجزيك الثلث ان تتصدق به (فائدة) جاء في حديث ذكره السهيلى من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن على بن الحسين ان فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته فقال قد أقسمت ان لا يحلني الا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم ان فاطمة مضغة مني قال السهيلي فهذا حديث يدل على ان من سبها فقد كفر وان من صلى عليها فقد صلى على أبيها انتهى وهذا القول عجيب ولا يؤخذ من هذا الحديث ما ذكره فليتأمل (ولا تخونوا الله) بترك فرائضه (والرسول) بترك سننه (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) قال ابن عباس نزلت في عشرة منهم أبو لبابة وقيل خمسة هو منهم وقيل ثمانية هو منهم وقيل سبعة هو منهم وقيل ان الآية نزلت في تخلفه عن غزوة تبوك (ما قبل من اخوانهم بني النضير) وهو أخذ أموالهم وأجلاؤهم (فجاء حلفاؤهم الاوس شافعين) زاد البغوى فقالوا يا رسول الله انهم موالينا
فيهم كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني قينقاع* وكان الاوس والخزرج متغايرين لا تصنع احداهما شيأ الا صنعت الاخرى مثلها من ذلك لما قتلت الاوس كعب بن الاشرف بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت الخزرج قتل أبى رافع فقتلوه فلما شفعت الاوس في بني قريظة قال لهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلا قال فذلك الى سعد بن معاذ وقد كان سعد جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيمة فى جانب مسجده ليعوده من قريب فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا به وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فقال لهم قد أنى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فحينئذ أيس قومه من بنى قريظة ونعوهم الى أهليهم قبل أن يحكم* ولما أقبل النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن عنده قوموا الى سيدكم وقيل اراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل فحكم سعد بقتل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري والنساء فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد حكمت بحكم الله وربما قال بحكم الملك فحبسهم النبي صلى الله عليه وسلم في بيت واحد وخدّ لهم أخاديد في موضع سوق المدينة وخرج بهم ارسالا تضرب أعناقهم ثم يلقون في الاخاديد دون الخزرج وقد فعلت في موالى الخزرج بالامس ما قد فعلت (كما صنعت الخزرج في حلفائهم من بني قينقاع) فوهبهم لعبد الله بن أبي (فى خيمة) زاد البغوى لامرأة من المسلمين يقال لها رفيدة كانت تداوى الجرحي وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين (فاحتملوه على حمار) ووطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما (أحسن في مواليك) زاد البغوي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ولاك لتحسن فيهم (فقوموا الي سيدكم) فيه استحباب القيام لاهل الفضل وتلقيهم اذا أقبلوا (فقيل أراد بها الانصار خاصة وقيل عم الكل) حكاه القاضي عياض زاد البغوي بعد ذلك فقالوا يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيها ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هنا في الناحية التى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم (لقد حكمت بحكم الله) زاد البغوي من فوق سبعة أرقعة والارقعة جمع رقيع بالقاف وهو من أسماء السماء سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم قال السهيلي وفي غير رواية البكائى انه عليه الصلاة والسلام قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرا (بحكم الملك) بكسر اللام وهو الله سبحانه وضبطه بعضهم في صحيح البخارى بالكسر والفتح قال القاضى فان صح الفتح فالمراد به جبريل وتقديره بالحكم الذى جاء به الملك عن الله (في بيت واحد) لبنت الحارث امرأة من بني النجار واسمها كبشة بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس التى كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز (ارسالا) أفواجا (تضرب أعناقهم) وكان
وترك منهم من لم ينبت فممن ترك لعدم الانبات عطية القرظي جد محمد بن كعب القرظى المفسر الذي قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم في حقه يخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن درسا لم يدرسه احد قبله ولا يدرسه أحد بعده وحين كانوا يخرج بهم للقتل قالوا لكعب بن أسد أين يذهب بنا فقال أفي كل موطن لا تعقلون اما ترون الداعي لا ينزع وان من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل ولما خرجوا بحيى بن أخطب نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذله الله يخذل ففي ذلك قال جبل بن جوال التغلبي:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وكان عدد من قتل منهم ستمائة أو سبعمائة وقيل بين الثمان المائة والتسع المائة وكان مدة حصارهم خمسا وعشرين ليلة او احدى وعشرين ليلة ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم متولى ذلك علي والزبير رضى الله عنهما (وترك منهم من لم ينبت) وكان متولى كشف عوراتهم ليعرف ذلك مسلم بن بجرة الانصارى ذكر ذلك ابن شاهين (فممن ترك لعدم الانبات عطية القرظي) كما رواه ابن حبان والحاكم والترمذى وقال حسن صحيح عن عطية قال كنت من سبي بنى قريظة وكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت واستدل به الفقهاء على ان نبات شعر العانة الخشن دليل البلوغ في الكفار وانه يجوز كشف العورة للحاجة وهو (جد محمد بن كعب المفسر) الثقة الحجة سمع من علي وابن مسعود ومات سنة سبع عشرة أو ست عشرة ومائة (لا ينزع) أى لا ينتهي (حيى بن أخطب) زاد البغوي عليه حلة فقاحية قد شققها عليه بقدر الانملة من كل موضع لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل والفقاحية منسوبة الى الفقاح بتقديم الفاء المضمومة على القاف وآخره مهملة قال السهيلي وهو الزهر إذا انشقت أكمته وانصرفت براغيمه ونصفت أخفيته فيقال له حينئذ فقح وهو فقاح (جبل) بالجيم والموحدة المفتوحتين قال في القاموس صحابي (ابن جوال) بفتح الجيم والواو المشددة بن صفوان بن بلال الشاعر كان يهوديا فأسلم وكانت مقالته قبل ان يسلم (لعمرك) وحياتك (من يخذل الله) قيده السهيلي بنصب الهاء من اسم الله واستدل له بخبر ذكره في الروض (لجاهد) هي لام القسم (وقلقل) بالقافين حرك وفي البغوي انه قال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وقتل يومئذ الزبير بالتكبير ابن باطيا والد عبد الرحمن ابن الزبير الصحابي بعد ان استوهبه ثابت بن قيس بن شماس من النبي صلى الله عليه وسلم واستوهب منه أهله وماله أيضا ليد كانت له عنده من يوم وقعة بعاث ثم سأل عن جماعة من بني قريظة منهم كعب بن أسد ما فعلوا فأخبر بأنهم قتلوا فقال لثابت فاني أسألك بيدى عندك الا ما ألحقتنى بالقوم فو الله ما في العيش بعد
أموالهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما واخرج منها الخمس وكان نساؤهم وذراريهم سبعمائة وخمسين وقيل تسعمائة وبعث النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم الى نجد ليشتري له بها خيل وسلاح
[