__________
ثم غزوة بواط:
"بفتح الموحدة" عند الأصيلي والمستملي من رواة البخاري والعذري من رواة مسلم، وصدر به في الفتح فتبعه السيوطي والمصنف هنا، قائلين: "وقد تضم" صريح في قلته مع أنه الأعرف، كما قاله في المطالع، واقتصر عليه في المقدمة، والمصنف في الشرح، وصاحب القاموس. "وتخفيف الواو" فألف "وآخره" طاء "مهملة" جبل من جبال جهينة بقرب ينبع لعلى أرعة برد من المدينة. وقال السهيلي: بواط جبلان فرعان لأصل واحد، أحدهما جلسي والآخر غوري.
وفي الجلسي بنو دينار ينسبون إلى دينار مولى عبد الملك بن مروان "غزاها صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول" قاله ابن إسحاق، وقال أبو عمر وتلميذه ابن حزم في ربيع الآخر "على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة، حتى بلغها من ناحية رضوي بفتح الراء وسكون" الضاد "المعجمة مقصور" جبل بالمدينة والنسبة إليه رضوي، قاله الجوهري. وفي السبل: على أربعة برد من الميدنة وبه يفسر قول المجد على أبراد. وفي خلاصة الوفاء: رضوى كسكرى جبل على يوم من ينبغ وأربعة أيام من المدينة ذو شعاب وأودية وبه مياه وأشجار، هذا هو المعروف ومنه يقطع أحجار المنارة، قيل: هو أول تهامة، انتهى. وهو مباين لكلام أولئك بكثير، ويذكر أن رضوى من الجبال التي بني منها البيت، أنه من جبال الجنة.
وفي حديث رضوي رضي الله عنه: وقدس وتزعم الكيسانية أن محمدا ابن الحنفية مقيم به حي يرزق. "في مائتين من أصحابه" المهاجرين وحمل لواءه وكان أبيض سعد بن أبي وقاص، كما في الشامية وغيرها. وفي العيون: سعد بن معاذ، فيما ذكر ابن سعد. وتقدم مناقضة البرهان
يعترض عيرا لقريش فيهم أمية بن خلف الجمحي.
واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.
فرجع ولم يلق كيدا، أي حربا، قال ابن الأثير: والكيد الاحتيال والاجتهاد، وبه سميت الحرب كيدا.
ثم غزوة العشيرة -بالشين المعجمة، والتصغير، آخره هاء. لم يختلف أهل المغازي في ذلك، وفي البخاري..........................................................
__________
له وتأويله ولكن الأقرب أنه ابن أبي واقاص، للتصريح بأن الذين خرجوا من المهاجرين، نعم قيل إنه استخلف ابن معاذ على المدينة، قال شيخنا: فعله التباس للاستخلاف بالحمل.
"يعترض عيرا" لتجار قريش عدتها ألفان وخمسمائة بعير، قاله ابن سعد وشيخه الواقدي. "فيهم أمية بن خلف الجمحي" ومائة رجل من قريش، "واستعمل على المدينة" فيما قال ابن هشام وابن عبد البر ومغلطاي، "السائب بن عثمان بن مظعون" الجمحي أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة وشهد بدرا في قول الجميع إلا ابن الكلبي، فقال: الذي شهدها عمه، ووهمه ابن سعد لمخالفته جميع أهل السير، واستشهد يوم اليمامة. وفي نسخة من سيرة ابن هشام، كما في الفتح: استخلف السائب بن مظعون وجرى عليه السهيلي. انتهى. وهو أخو عثمان شهد بدرا عند ابن إسحاق ولم يذكره موسى بن عقبة فيهم، وربما علم من أنهما نسختان عن ابن هشام سقط انتقد البرهان وتبعه الشامي على السهيلي بأن الذي في الهشامية السائب ابن الأخ لا عمه.
وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ. "فرجع" عليه السلام "ولم يلق كيدا، أي: حربا، قال ابن الأثير" في النهاية أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم بن محمد الشيباني الجزري العالم النبيل أحد الفضلاء صاحب التصانيف الشهيرة، ولد في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ومات بالموصل يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة، "والكيد الاحتيال والاجتهاد وبه سميت الحرب كيدا" مجازا لاقترانها بالاشتهار فيه. وذكر القاموس من معاني الكيد الحرب، فمقتضاه اشتراكه فيه وفي غيره وضعا. وجمع شيخنا بأن القاموس أراد التنبيه على المعاني التي يصدق عليها الكيد أعم من أن يكون حققة أو مجازا، والله أعلم.
ثم غزوة العشيرة:
بالعين المهملة المضمومة "بالشين المعجمة والتصغير آخره هاء" قال السهيلي: واحدة العشيرة مصغر، "لم يختلف أهل المغازي في ذلك" الضبط، قال في المشارق: وهو المعروف. قال الحافظ: وهو الصواب، ووقع في الصحيحين خلافه، فنبه عليه فقال: "وفي البخاري" ومسلم
العشيرة، أو العسيرة بالتصغير، والأولى بالمعجمة بلا هاء، والثانية: بالمهملة وبالهاء -وأما غزوة العسرة- بالمهملة بغيرة تصغير- فهي غزوة تبوك، وستأتي إن شاء الله تعالى.
ونسب هذه إلى المكان الذي وصلوا إليه، وهو موضع لبني مدلج بينبع. وخرج إليها صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى..................................
__________
والترمذي من طريق أبي إسحاق: سألت زيد بن أرقم ... الحديث، وفيه: فأيهم كانت أول؟ قال: "العشيرة أو العسيرة" هكذا ثبت في أصل الحافظ من البخاري، فقال في الفتح: "بالتصغير" فيهما "والأولى بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء" وفي أصل المصنف من البخاري: العسيرة أو العشير؟ فقال: بالتصغير فيهما وبالمهملة مع الهاء في الأولى والمعجمة بلا هاء في الثانية، ولأبي ذر: العسير بالمهملة بلا هاء والعشير بالمعجمة بلا هاء.
وللأصيلي: العشير أو العسير بالمعجمة في الأول والمهملة في الثاني مع حذف الهاء والتصغير في الكل. وفي نسخة عن الأصيلي: العشير بفتح العين وكسر الشين المعجمة بغير هاء، كذا رأيته في الفرع كأصله، انتهى.
وفي مسلم: العسير أو العشير، قال النووي: هكذا في جميع نسخ صحيح مسلم بضم العين، والأول بالسين المهملة والثاني بالمعجمة، انتهى. ورواية الترمذي كرواية مسلم كما أفاده الحافظ، وبهذا كله بأن خطّأ من زغم أنه بالهمز ومنشؤه قراءته العشيراء بالمد، والعسيرة بالواو.
"وأما غزوة السعرة بالمهملة بغير تصغير، فهي غزوة تبوك" قال الله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة} [التوبة: 117] ، "وستأتي إن شاء الله تعالى" سميت بذلك لما كان فيها من المشقة، كما يأتي بيانه. ولما كان يتوهم في هذه على ضبطه الثاني أنها سميت بذلك لما سميت به تبوك، وصغرت دفع هذا الوهم وخصها دون السابقين، فقال: "ونسبت هذه إلى المكان الذي وصلوا إليه، وهو موضع لبني مدلج بينبع" لس بينها وبين البلد إلا الطريق السالك، كما في النور وغيره.
وفي القاموس: موضع ناحية ينبع وفيه ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزرع بطريق حاج مصر، فهو غير مصروف كيشكر. وفي الفتح: يذكر ويؤنث. قال ابن إسحاق: موضع ببطن ينبع.
وفي الروض: معنى العسير أو العسيرة أنه اسم مصغر من العسرى والعسر، إذا صغرت تصغير ترخيم، قيل: عسير وهي بقلة تكون أذنة، أي: عصيفة، ثم تكون سحاء، ثم يقال لها: العسري. "خرج إليها صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى" قاله ابن إسحاق وتبعه ابن حزم وغيره.
-وقيل: الآخرة- على رأس ستة عشرة شهرا من الهجرة، في خمسين ومائة رجل -وقيل في مائتي رجلا- ومعهم ثلاثون بعيرا يعتقبونها، وحمل اللواء -وكان أبيض- حمزة، يريد عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة. فخرج إليها ليغنمها فوجدها قد مضت.
ووادع بني مدلج من كنانة. تتميم.
__________
"وقيل: الآخرة" قاله ابن سعد، أي: المتأخرة وفي نسخة الأخرى: وعبر به لمقابلتها بالأولى، فاندفع اللبس بالواحدة المتناولة للمتقدمة والمتأخرة. وقد ذكر السيوطي في الشماريخ ما حاصله: أنه إذا دلت قرينة على المراد ساغ التعبير بالآخر والأخرى، وفي نسخة: الأول. وقيل: الآخر بتذكيرهما ذهابا إلى معنى الشهر، وإن كان المصباح إنما نقل تأويله إذا وقع في شعره، وإلا فحمادان مؤنثان دون الشهور، ويخرج تذكير الآخر أيضا على مفاد الشماريخ.
"على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة في خمسين ومائة رجل، وقيل:" في "مائتين" حكاهما ابن سعد، وزاد: من قريش من المهاجرين ممن انتدب ولم يكره أحدًا على الخروج، "رجلا" تمييز مائتين وهو شاذ، كقوله:
إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب المسرة والغناء
ولا يقاس عليه عند الجمهور، والقياس في مائتي رجل بالإضافة.
"ومعهم ثلاثون بعيرا يعتقبونها" يركبها بعضهم ثم ينزل فيركب غيره، "وحمل اللواء، وكان أبيض حمزة" أسد الله وأسد رسوله، "يريد عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجار" وكانت قريش جمعت أموالها في تلك العير، ويقال: إن فيها خمسين ألف دينار وألف بعير، ولا يرد على هذا العير الإبل التي تحمل الميرة، لقول المصباح: إنها غلبت على كل قافلة. "فخرج إليها ليغنما فوجدها قد مضت" قبل ذلك بأيام، وهي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام فكان بسببها وقعة بدر الكبرى، كما في العيون وغيرها.
قال أبو عمر: فأقام هناك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة وبه يعلم أن في قول اليعمري: فأقام بها جمادى الأولى ... إلخ، تجوزا بدليل قوله: أولا خرج في أثناء جمادى الأولى. "ووادع" في هذه السفرة "بني مدلج" زاد ابن إسحاق: وحلفاؤهم من بني ضمرة، وتقدم في ودان إنه وادع بن ضمرة فلعلها تأكيد للأولى، أو أن حلفاء بن يمدلج كانوا خارجين عن بني ضمرة لأمر ما، وبسببه حالفوا بني مدلج فكان ابتداء صلح لبني مدلج "من كنانة" هي تجمع بني مدلج وبني ضمرة؛ لأن كلا قبيلة من كنانة. وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان صلى الله عليه وسلم يخرج فيها لتلقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإيابا، وبسبب ذلك كانت
وكانت نسخة الموادعة.................................................................
__________
وقد بدر وكذلك السرايا التي بعثها قبل بدر.
تتميم:
روى ابن إسحاق وأحمد من طريقه، عن عمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى عليا أبا تراب حين نام هو وعمار في نخل لبني مدلج مجتمع، ولصق بهما التراب، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحركنا برجله وقد تتربنا، فيومئذ قال لعلي بن أبي طالب: "ما لك يا أبا تراب"؟، ويعارضه ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا، فقال صلى الله عليه وسلم لإنسان: "انظر أين هو"، فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: "قم أبا تراب". وفي رواية: "اجلس أبا تراب" مرتين، قال سهل: وما كان له اسم أحب إليه منه. وغلط ابن القيم رواية السيرة، وقال: إنما كناه بذلك بعد بدر، وهو أول يوم كناه فيه. وقال السهيلي: ما في الصحيح أصح، إلا أن يكون كناه بها مرة في هذه الغزوة ومرة بعدها في المسجد، ومال الحافظ وصاحب النور إلى ذا الجمع، لكنهما قالا: فإن صح فيكون كناه ... إلخ، إشارة للتوقف فيه، فإن إسناده لا يخلو من مقال.
قيل: ولهذا اختص علي بقولهم كرم الله وجهه دون غيره من الصحابة والآل، وقيل: لأنه لم يسجد لصنم قط وقيل غير ذلك.
وروى الطبراني عن ابن عباس، وابن عساكر عن جابر: أنه صلى الله عليه وسلم لما آخى بين أصحابه ولم يؤاخ بين علي وبين أحد غضب فذهب إلى المسجد، فذكر نحو حديث الصحيح. قال الحافظ: ويمتنع الجمع بينهما؛ لأن المؤاخاة كانت أول ما قدم المدينة ودخول علي على فاطمة بعد ذلك بمدة. وما في الصحيح أصح، انتهى. ولم يظهر من تعليله امتناع الجم، فإنه ممكن بمثل ما جمعوا به بين الحديثين قبله، فيكون كناه ثلاث مرات، أولها: يوم المؤاخاة في المسجد. وثانيها: في هذه الغزوة في نخل بني مدلج. وثالثها: بعد بدر في المسجد لما غاضب الزهراء وإنما يمتنع لو قال في رواية الصحيح: إنه أول يوم كناه فيه، كما ادعى ابن القيم.
"وكانت نسخة الموادعة" بينه صلى الله عليه وسلم وبين بني ضمرة الواقعة في غزوة ودان، وذكر ههنا وإن كان الأولى تقديمها، ثم كان فعل السهيلي وأتباعه لأنه أراد ذكر الغزوات الثلاث على حدة ولم يخش لبس أنها لبني مدلج لتصريح الكتاب أنها لبني ضمرة، ولذا أسقط أولا قول ابن إسحاق
فيما ذكره غير ابن إسحاق.
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رامهم أن لا يحاربوا في دين الله ما بل بحر صوفة، وأن النبي إذا دعاهم لنصر أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله ورسوله.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا سلم بن عبد الأسد.
__________
وحلفاؤهم من بني ضمرة، "فيما ذكر غير ابن إسحاق" كما أفاده السهيلي في الروض:
"بسم الله الرحم الرحيم" فيه ندب افتتاح الكتب بالبسملة فقط، وقد جمعت كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فوجدت مفتتحة بها دون حمدلة وغيرها، "هذا كتاب من محمد رسول الله صلى لبني ضمرة بأنهم" بالباء الموحدة، كما هو المنقول في الروض وغيره، ويقع في نسخ: فإنهم، بالفاء وفي توجيهها عسر.
"آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصر على من رامهم" أي: قصدهم بسوء بشرط "أن لا يحابوا" أي: يخالفوا "في دين الله" بإرادتهم إبطال ما جاء به الشرع أو المعنى على من قصدهم، يريد منهم: أن لا يحاربوا في نصرة دين الله "ما بل بحر صوفة" كناية عن تأييد مناصرتهم؛ إذ معلوم أن ماء البحر لا ينقطع، "وأن النبي" صلى الله عليه وسلم "إذا دعاهم لنصر أجابوه، عليهم بذلك ذمة الله" بكسر الذال المعجمة، أي: عهده "و" عهد "رسوله" وفسرها الشامي بأمانة، والأول أولى، وفي مقدمة الفتح: ذمة الله، أي: ضمانه، وقيل: الذمام الأمان، زاد في الروض: ولهم النصر على من بر منهم واتقى، وعلى بمعنى اللام، أي: لمن بر منهم واتقى النصر منا على عدوهم.
"قال ابن هشام" عبد الملك، ,واستعمل" صلى الله عليه وسلم "على المدينة" في خروجه للعشيرة "أبا سلمة" عبد الله "بن عبد الأسد" بسين ودال مهملتين المخزومي البدري أحد السابقين.
غزوة بدر الأولى:
"ثم