ثم فتح مكة في رمضان، لنقض قريش العهد، من غير إعلام أحد بذلك (1).
فكتب حاطب (2) كتابا وأرسله مع أم سارة، كنود المزنية (3)، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك، فبعث عليا والزبير، والمقداد (4)،
_________
(1) فقد أخفى عليه الصلاة والسلام أمره، وقال لعائشة رضي الله عنها: جهزيني ولا تعلمي بذلك أحدا. ووضع على الطريق من يراقبها، وكان مما دعا به: اللهم خذ على أبصارهم، فلا يروني إلا بغتة.
(2) هو ابن أبي بلتعة رضي الله عنه، ولم يكن ذلك منه ردة، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام كما في الصحيحين وغيرهما، ولمّا قال سيدنا عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟».
(3) عند الواقدي 2/ 798: امرأة من مزينة من أهل العرج، يقال لها: كنود، وأخرج في رواية أخرى 2/ 799: هي سارة. وفي السيرة 2/ 398: أنها من مزينة، وأنها سارة. وأما (أم سارة) فذكرت في حديث أنس رضي الله عنه: أن أم سارة كانت مولاة لقريش، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الحاجة، ثم إن رجلا بعث معها بكتاب إلى أهل مكة. . أخرجه البيهقي في الدلائل 5/ 60 - 61، وأخرجه ابن منده وأبو نعيم، كما في أسد الغابة 7/ 336، والإصابة 8/ 214.
(4) وفي رواية: بعث عليا وأبا مرثد الغنوي والزبير. وكلاهما في الصحيح، وفي السيرة اقتصر ابن إسحاق على ذكر علي والزبير رضي الله عنهما فقط، وقال-
فاستخرج الكتاب من قرون رأسها (1).
واستخلف ابن أم مكتوم (2).
وخرج من المدينة ومعه عشرة آلاف رجل (3)، وقال الحاكم: اثنا عشر (4). يوم الأربعاء بعد العصر، لعشر مضين من رمضان، فلما بلغ الكديد أفطر (5).
_________
= الحافظ في الفتح 7/ 594: فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له.
(1) يعني من ضفائرها. قال في الإمتاع 1/ 363: ومضت سارة إلى مكة، وكانت مغنية، فأقبلت تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتدت عن الإسلام. ويؤيده قول الحافظ في الإصابة 8/ 214: قد ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهدر دمها، ثم أمنها يوم الفتح. قلت: لكن قال أبو نعيم لا أعلم أحدا ذكرها في الصحابة ونسبها إلى الإسلام غير ابن منده.
(2) هذا قول ابن سعد 2/ 135، وقال ابن إسحاق 2/ 399: واستخلف على المدينة أبا رهم، كلثوم بن حصين الغفاري. وقال الصالحي 5/ 321: هو الصحيح، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) كذا في الصحيح، أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة الفتح في رمضان (4276).
(4) ذكره الحافظ في الفتح عند شرح الحديث السابق من مرسل عروة عن ابن إسحاق وابن عائذ، وقال: وكذا وقع في (الإكليل)، و (شرف المصطفى)، ويجمع بينهما: بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان.
(5) الكديد-كما في نص حديث البخاري السابق-: ماء بين عسفان وقديد. وبين الكديد ومكة مرحلتان، وبينه وبين المدينة عدة أيام. وبنى الفقهاء على إفطار النبي صلى الله عليه وسلم هنا جواز الإفطار في السفر ولو نوى الصيام من الليل، وهذا هو قول الجمهور، أما لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر أثناء النهاء: فالجمهور على منعه من الإفطار، وقال أحمد وإسحاق بالجواز. (فتح الباري عند شرح الحديث (1944) من كتاب الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر.
وبذي الحليفة-ويقال: الجحفة-لقيه عمه العباس ومعه عياله، فأرسلهم إلى المدينة، وانصرف مع النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ولقيه أيضا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، بالأبواء، وقيل: بين السّقيا والعرج. وقال ابن حزم:
بنيق العقاب. فأسلما (2).
فلما نزل مرّ الظهران رقّت نفس العباس لأهل مكة، فخرج ليلا راكبا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم لكي يجد أحدا فيعلم أهل مكة بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم ليستأمنوه، فسمع صوت أبي سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، فأركب أبا سفيان خلفه، وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وانصرف الآخران ليعلما أهل مكة.
ونادى مناديه عليه الصلاة والسلام: من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن إلا المستثنين.
_________
(1) قال ابن هشام 2/ 400: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض فيما ذكر ابن شهاب الزهري. وقال البلاذري 1/ 355: لقيه بذي الحليفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هجرتك يا عم آخر هجرة، كما أن نبوتي آخر نبوة».
(2) أما أبو سفيان بن الحارث: فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وشبيهه في الشكل، وكان رضي الله عنه ممن كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويهجوه، ويؤذي المسلمين. وأما عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة: فهو صهر النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمته عاتكة، وأخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان شديدا على المسلمين، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا). والأسماء التي ذكرها المصنف: قرى ومواضع على الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة. وانظر قول ابن حزم في جوامع السيرة/227/.
,
وهم:
*عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أسلم (1).
*وابن خطل، قتله أبو برزة (2).
*وقينتاه: فرتنى، أسلمت (3).
*وسارة، ويقال: كانت مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم (4).
_________
(1) قال ابن إسحاق 2/ 409: قد كان أسلم، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فارتد مشركا راجعا لقريش، ففر إلى عثمان رضي الله عنه حين الفتح-وكان أخاه من الرضاعة-فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنه. قال ابن هشام: ثم أسلم بعد، وولاه عمر وعثمان رضي الله عنهما. وأضاف السهيلي 4/ 103: وحسن إسلامه، وعرف فضله وجهاده، وكان على ميمنة عمرو حين فتح مصر، وهو الذي فتح أفريقية سنة سبع وعشرين، وغزا الأساود من النوبة، واعتزل الفتنة.
(2) أسلم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقا، وكان معه مولى مسلم يخدمه، فأمره أن يصنع له طعاما، فنام ولم يصنع له شيئا، فعدا عليه ابن خطل فقتله ثم ارتد مشركا. (السيرة 2/ 410). وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه. (جامع الأصول 8/ 373).
(3) وكتبت في بعض المصادر (فرتنا). وكانت قد فرت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها فآمنت (الواقدي 2/ 860).
(4) كذا في الروض 4/ 104: أن القينتين سارة وفرتنى، وأنهما أسلمتا. وقال الواقدي 2/ 860: كانت سارة مولاة عمرو بن هاشم مغنية نوّاحة بمكة، وأنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصلها ثم عادت إلى قريش وهي على دينها، فأمر-
*وأرانب (1)
*وقريبة، قتلت (2).
*وعكرمة بن أبي جهل، أسلم (3).
*والحارث بن نقيد، قتله علي (4).
_________
= رسول الله صلى الله عليه وسلم بها فقتلت يومئذ. ونقله الحافظ عن الحميدي، بينما قال ابن إسحاق 2/ 411: إنه استؤمن لها، فأمنها، وإنها ماتت زمن عمر رضي الله عنه. وفي الفتح 7/ 604: أنها هي التي وجد معها كتاب حاطب.
(1) هي ثانية قينتي ابن خطل عند الواقدي 2/ 860، وأنها قتلت، وكناها الديار بكري 2/ 95: بأم سعد بينما ذكرهما الحافظ على أنهما اثنتان، قتلتا.
(2) سمّى الواقدي قينتي ابن خطل في موضع آخر 2/ 825: قرينا وقريبة. وعند ابن سعد 2/ 136: فرتنا وقريبة. وجرى على هذا ابن سيد الناس 2/ 237. وقال في تاريخ الخميس 2/ 94: فأما قريبة، فقتلت مصلوبة.
(3) أسلمت زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وأخذت له الأمان، فأدركته عند البحر يريد اليمن، فعاد معها وأسلم وحسن إسلامه.
(4) هكذا ورد اسمه (الحرث) الحارث في الجميع، وهو الذي عليه في الزاد 3/ 411، لكن الذي في كتب المغازي والسير والفتح 7/ 604: (الحويرث) -بالتصغير-ابن نقيذ، بالذال المعجمة. وكتبت في الفتح (نقيد) بالدال المهملة وضبطها الحافظ بنون وقاف مصغر. وضبطها الصالحي 5/ 340 هكذا (نقيدر) بضم النون، وفتح القاف، وسكون التحتية، فدال مهملة، فراء مهملة. وفي أصل مغازي الواقدي هامش 2/ 857، والمخطوطة (1)، والزاد: (نفيل) بدلها، والله أعلم. وفي المغازي: كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه. وقال ابن هشام 2/ 410: نخس دابة ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم حين الهجرة فرمى بهما إلى الأرض. وفي الروض 4/ 104: نخس بزينب رضي الله عنها هو وهبار بن الأسود فسقطت عن دابتها وألقت جنينها.
*ومقيس بن صبابة، قتله نميلة الليثي (1).
*وهبّار بن الأسود، أسلم (2).
*وكعب بن زهير، أسلم (3).
*وهند بنت عتبة، أسلمت (4).
_________
(1) في السيرة والروض والخشني: مقيس بن (حبابة) بالحاء المهملة، وهو كذلك في القاموس، مادة (قيس). بينما في الطبقات والبلاذري والطبري والدرر والعيون والفصول والإمتاع: (صبابة) بالصاد المهملة، وهكذا ضبطه الصالحي 5/ 340. وكان أسلم ثم قتل رجلا من الأنصار كان قد قتل أخاه المسلم خطأ في أحد الغزوات، فجاء فأخذ ديته ثم قتله وهرب مرتدا.
(2) تقدم ذكره في التعليق (4) ص 310، وفي الواقدي 2/ 857: أنه هرب يوم الفتح، ثم جاء المدينة فأسلم.
(3) هو ابن زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المعروف، ولم تذكره المصادر من جملة الستة الذين أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح، لكن عزاه الحافظ في الفتح إلى الحاكم، وإلى ابن أبي عاصم كما في الإصابة 5/ 593. وكان أخوه بجير أسلم فقال كعب أبيات يعيب بها على بجير إسلامه، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه، وقيل غير ذلك. فبعث إليه أخوه أن يأتي مسلما تائبا، فجاء مستجيرا بأبي بكر رضي الله عنه وأعلن إسلامه وبايع، وقال قصيدته المشهورة: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول. . . . . . . . . . . . . . وفيها: إن الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول فكساه الرسول صلى الله عليه وسلم بردته، لذلك لقبت هذه القصيدة بالبردة ونهج عليها الشعراء بعده، وذكر ابن إسحاق 2/ 501: أن إسلامه وقدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الانصراف عن الطائف.
(4) زوجة أبي سفيان بن حرب، وأم معاوية رضي الله عنهم، جاءت مسلمة مع نسوة من قريش، فبايعهن صلى الله عليه وسلم دون مصافحة.
*ووحشي بن حرب، أسلم (1).
,
واختلف في فتح مكة:
فالشافعي: يرى أنها ليست عنوة، فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها (2).
وأبو حنيفة وغيره: خالفوا ذلك (3).
وقيل: أعلاها فتح صلحا، وأسفلها عنوة (4).
,
وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وحوله
_________
(1) بعد أن هرب إلى الطائف، وهو قاتل سيدنا حمزة رضي الله عنه، فلما أسلم قبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامه، وقال له: غيّب عني وجهك.
(2) الأحكام السلطانية للماوردي/286/، ومعرفة السنن والآثار 4/ 423 - 428 للبيهقي، وانظر فيه مناظرة الإمام الشافعي لإسحاق بن راهويه بحضور الإمام أحمد رحمهم الله جميعا. وكذلك نقله ابن عبد البر في الدرر عن الإمام الشافعي وغيره، وقال: وهو الأصح، والله أعلم. وانظر القرى لقاصد أم القرى /259/.
(3) قال الماوردي في الأحكام السلطانية/286/: ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه صلى الله عليه وسلم دخلها عنوة. وفي شرح معاني الآثار للطحاوي 3/ 311: وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، رحمهم الله، وانظر الإمتاع 1/ 400.
(4) نسب الحافظ هذا القول إلى الماوردي، والحاكم في الإكليل، وللتوسع في هذه المسألة انظر شرح معاني الآثار 3/ 311، والروض الأنف 4/ 102، وزاد المعاد 3/ 429، والفتح 7/ 605 و 3/ 526.
ثلاثمائة وستون صنما، فكلما مر بصنم أشار إليه بقضيبه قائلا: {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً}، فيقع الصنم لوجهه (1).
,
قال البخاري، [وكذا ابن إسحاق] (2): وأقام بها خمس عشرة ليلة، وفي رواية: تسع عشرة (3).
وفي أبي داود: سبع عشرة (4).
_________
(1) انظر البخاري، كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح (4278)، ومسلم في الجهاد، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (1781). وأما الإشارة إلى الصنم ووقوعه لوجهه: فقد صححه ابن حبان بلفظ: فيسقط الصنم ولا يمسه. (الموارد 1702)، وعزاه الحافظ في الفتح عند شرحه للحديث السابق إلى الفاكهي أيضا، وأخرجه أبو نعيم (446)، والبيهقي 5/ 72 في دلائلهما، كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه أبو نعيم (447)، وابن إسحاق 2/ 417 عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الحافظ: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تدفع عن نفسها شيئا.
(2) من (3) فقط، وأورد صاحب العقد وصاحب المواهب العبارة بدون هذه الزيادة.
(3) رواية البخاري: (تسع عشرة)، كتاب المغازي، باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (4298) و (4299). ورواية ابن إسحاق: (خمس عشرة)، السيرة 2/ 437، وأخرجها عنه أبو داود في الصلاة، باب متى يتم المسافر (1231)، وابن ماجه (1076)، وأخرجها النسائي من غير طريق ابن إسحاق 3/ 121، وردّ الحافظ في الفتح أول كتاب تقصير الصلاة، تضعيف النووي لها، لكن في كلام البيهقي 3/ 151 من السنن الكبرى أنها معلولة.
(4) رقم (1230) من نفس الكتاب والباب السابقين.
وفي الترمذي: ثماني عشرة (1).
وفي الإكليل: أصحها بضع عشرة (2).
يصلي ركعتين (3).
وبث السرايا خارج الحرم، فكانوا يغنمون (4).