ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة جلدَة تجْلِس بِفنَاء الْقبَّة تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا يشرونه مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا من ذَلِك شَيْئا وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ (مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد) قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم
قَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ أَن أَحْلَبَهَا قَالَت نعم بِأبي وَأمي أَنْت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فأحلبها فَدَعَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وذرت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ ثَجًّا ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب إِنَاء حَتَّى ملأَهُ ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وبايعها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَال يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
(هما نزل بِالْهدى واهتدت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد)
(فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسوود)
(لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)
(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح صرة الشَّاة مُزْبِد)
غَار ثَوْر
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من مَكَّة مُهَاجرا استخفى هُوَ وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل من جبالها يُقَال لَهُ ثَوْر قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَنَظَرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وَهُوَ على رؤوسنا فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ (يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) وَلما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب أكْرمهم بذلك فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون جَاءَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْفَصْل الرَّابِع فِي غَزَوَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وجمله الْمَشْهُور مِنْهَا اثْنَان وَعِشْرُونَ غزَاة
الأولى غَزْوَة ودان حَتَّى بلغ الْأَبْوَاء لسنة من الْهِجْرَة وشهرين وَعشرَة أَيَّام
الثَّانِيَة غزا عيرًا لقريش فِيهَا أُميَّة بن خلف بعد ذَلِك بِشَهْر وَثَلَاثَة أَيَّام
الثَّالِثَة خرج فِي طلب كرز بن
جَابر وَكَانَ أغار على سرح الْمَدِينَة بعد ذَلِك بِعشْرين يَوْمًا
الرَّابِعَة غَزْوَة بدر لسنة من الْهِجْرَة وَثَمَانِية أشهر وَسبع عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأَصْحَابه يَوْمئِذٍ ثَلَاث مائَة وَبضْعَة عشر رجلا وَالْمُشْرِكُونَ بَين التسع مئة وَالْألف وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْفرْقَان فرق الله فِيهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَفِيه أمده الله تَعَالَى بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسومين
الْخَامِسَة غَزْوَة بنى قينقاع
السَّادِسَة غَزْوَة السويق فِي طلب أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب
السَّابِعَة غَزْوَة بني سليم بالكدر
الثَّامِنَة غَزْوَة ذِي أَمر وَهِي غطفان وَيُقَال إنمار وَهَذِه الْأَرْبَع فِي بَقِيَّة
السّنة الثَّانِيَة
التَّاسِعَة غَزْوَة أحد فِي الثَّالِثَة وفيهَا كَانَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويساره يقاتلان
الْعَاشِرَة غَزْوَة بني النَّضِير لسبعة أشهر خلت مِنْهَا وَعشرَة أَيَّام
الْحَادِيَة عشر غَزْوَة ذَات الرّقاع بعد ذَلِك بشهرين وَعشْرين يَوْمًا وفيهَا صلى صَلَاة الْخَوْف
الثَّانِيَة عشر غَزْوَة دومة الجندل بعد ذَلِك بشهرين وَأَرْبَعَة أَيَّام
الثَّالِثَة عشر غَزْوَة بني المصطلق 00000
من خُزَاعَة بعد ذَلِك بِخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام وَهِي الَّتِي قَالَ فِيهَا أهل الْإِفْك مَا قَالُوا
الرَّابِعَة عشر غَزْوَة الخَنْدَق لأَرْبَع سِنِين وَعشرَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام
الْخَامِسَة عشر غَزْوَة بني قُرَيْظَة بعد ذَلِك بِسِتَّة عشر يَوْمًا
السَّادِسَة عشر غَزْوَة بني لحيان بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أشهر
السَّابِعَة عشر غَزْوَة الغابة فِي سنة سِتّ وفيهَا اعْتَمر عمْرَة الْحُدَيْبِيَة
الثَّامِنَة عشر غَزْوَة خَيْبَر لثَلَاثَة أشهر خلت من السَّابِعَة وَأحد عشر يَوْمًا
وَبعدهَا بِسِتَّة أشهر اعْتَمر عمْرَة الْقَضِيَّة
التَّاسِعَة عشر فتح مَكَّة لسبع سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا
الْعشْرُونَ غَزْوَة حنين بعد ذَلِك بِيَوْم وفيهَا أنزل الله الْمَلَائِكَة لنصرة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ غَزْوَة الطَّائِف فِي تِلْكَ السّنة وفيهَا حج بِالنَّاسِ عتاب ابْن أسيد
الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ غَزْوَة تَبُوك لسِتَّة أشهر خلت من التَّاسِعَة وَخَمْسَة أَيَّام
وَفِي هَذِه السّنة حج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بِالنَّاسِ وَعَن زيد بن أَرقم قَالَ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع عشرَة غَزْوَة وسبقني بغزاتين قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَبُو معشر ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهم وَالْمَشْهُور أَنه غزا خمْسا
وَعشْرين غزَاة بِنَفسِهِ وَقيل سبعا وَعشْرين والبعوث والسرايا خَمْسُونَ أَو نَحْوهَا وَلم يُقَاتل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا فِي سبع بدر وَأحد وَالْخَنْدَق وَبني قُرَيْظَة والمصطلق وخيبر والطائف وَقيل قَاتل أَيْضا بوادي الْقرى والغابة وَبني النَّضِير صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْفَصْل الْخَامِس فِي حجه وعمرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلم يحجّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة غير حجَّة وَاحِدَة وودع النَّاس فِيهَا وَقَالَ (عَسى أَن لَا تروني بعد عَامي هَذَا) ثمَّ قيل حجَّة الْوَدَاع وَحج قبل الْهِجْرَة حجَّتَيْنِ وَكَانَت فَرِيضَة الْحَج نزلت فِي سنة سِتّ وَلم تفتح مَكَّة إِلَّا فِي سنة ثَمَان واستخلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا عتاب بن أسيد فحج بِالنَّاسِ تِلْكَ السّنة
وَفِي السّنة التَّاسِعَة حج بِالنَّاسِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وأردفه بعلي رَضِي الله عَنهُ يُؤذن فِي النَّاس بِسُورَة بَرَاءَة وَأَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ الْحَرَام عُرْيَان وَأذن فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَاج فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل مثل عمله وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَارا بعد أَن ترجل وادهن وتطيب وَبَات بِذِي الحليفة وَقَالَ أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك رَكْعَتَيْنِ وَقل عمْرَة فِي حجَّة)
وَأحرم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن صلى فِي مَسْجده بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ وَأوجب فِي مَجْلِسه وَسمع ذَلِك مِنْهُ أَقوام مِنْهُم ابْن عَبَّاس ثمَّ ركب فَلَمَّا اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته أهل ثمَّ لما علا على شرف الْبَيْدَاء أهل فَمن ثمَّ قيل أهل حِين اسْتَقَلت بِهِ نَاقَته وَحين علا على شرف الْبَيْدَاء وَكَانَ يُلَبِّي بهما تَارَة وبالحج أُخْرَى فَمن ثمَّ قيل إِنَّه مُفْرد وَكَانَ تَحْتَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحل رث وَعَلِيهِ قطيفة لَا تَسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم وَقَالَ اللَّهُمَّ أجعله حجا لَا رِيَاء فِيهِ وَلَا
سمعة
قَالَ جَابر وَنظرت إِلَى مد بصرى بَين يَدَيْهِ من رَاكب وماش وَعَن يَمِينه مثل ذَلِك وَعَن يسَاره مثل ذَلِك وَمن خَلفه مثل ذَلِك وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعرف تَأْوِيله وَمَا عمل من شَيْء عَملنَا بِهِ
دُخُول مَكَّة
وَدخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد من كداء من الثَّنية الْعليا الَّتِي بالبطحاء وَطَاف للقدوم مضطبعا فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى سبع أَرْبعا ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا فسعى بعض سَعْيه مَاشِيا فَلَمَّا كثر عَلَيْهِ ركب فِي بَاقِيه وَنزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى الْحجُون فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَهُوَ ثامن ذِي
الْحجَّة توجه إِلَى منى فصلى بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَبَات بهَا وَصلى بهَا الصُّبْح فَلَمَّا طلعت الشَّمْس سَار إِلَى عَرَفَة وَضربت قُبَّته بنمرة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَخَطب النَّاس وَصلى بهم الظّهْر وَالْعصر جمع بَينهمَا بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ ثمَّ رَاح إِلَى الْموقف وَلم يزل وَاقِفًا على نَاقَته الْقَصْوَاء يدعوا ويهلل وَيكبر حَتَّى غربت الشَّمْس ثمَّ دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة بعد الْغُرُوب وَبَات بهَا وَصلى بهَا الصُّبْح ثمَّ وقف على قزَح وَهُوَ الْمشعر الْحَرَام يَدْعُو وَيكبر ويسبح ويهلل حَتَّى أَسْفر ثمَّ دفع قبل طُلُوع الشَّمْس حَتَّى أَتَى وَادي محسر فقرع نَاقَته فخبت فَلَمَّا أَتَى منى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِسبع حَصَيَات ثمَّ انْقَلب إِلَى المنحر وَمَعَهُ بِلَال وَأُسَامَة أَحدهمَا أَخذ بِخِطَام
النَّاقة وَالْآخر بِيَدِهِ ثوب يظله من الشَّمْس لَا ضرب وَلَا طرد وَلَا إِلَيْك ثمَّ فِي المنحر وَكَانَ قد أهْدى مائَة بَدَنَة فَنحر مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثمَّ أعْطى عليا فَنحر مَا غبر وأشرك فِي هَدْيه ثمَّ أَفَاضَ إِلَى
الْبَيْت فَطَافَ بِهِ سبعا ثمَّ أَتَى السِّقَايَة فَاسْتَسْقَى ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى وَأقَام بهَا بَقِيَّة يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام التَّشْرِيق يرْمى فِي كل يَوْم مِنْهَا الجمرات الثَّلَاث مَاشِيا بِسبع سبع يبْدَأ بِالَّتِي تلِي الْخيف ثمَّ بالوسطى ثمَّ بجمرة الْعقبَة ويطيل الدُّعَاء عِنْد الأولى وَالثَّانيَِة ثمَّ نفر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَنزل المحصب فصلى بِهِ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ورقد رقدة من اللَّيْل واعتمرت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من التَّنْعِيم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لما قَضَت عمرتها أَمر بالرحيل ثمَّ طَاف للوداع وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة
وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة وَأَيَّام حجه عشرَة أَيَّام أفردنا بِصفة حجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤلفا مستوعبا فِيهِ جَمِيع مَا بلغنَا عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الاحكام والوقائع مُنْذُ خرج من الْمَدِينَة إِلَى أَن رَجَعَ إِلَيْهَا وَأما عمراته فأربع وَكلهَا فِي ذِي الْقعدَة عمْرَة
الْحُدَيْبِيَة قَصده الْمُشْركُونَ عَنْهَا ثمَّ صالحوه على أَن يعود من الْعَام الْمقبل مُعْتَمِرًا وَيحلونَ لَهُ مَكَّة ثَلَاث أَيَّام ولياليها ويصعدون رُؤُوس الْجبَال فَحل من إِحْرَامه بهَا وَنحر سبعين بَدَنَة وَكَانَ سَاق فِيهَا جمل فِي رَأسه بره فضَّة يغِيظ بذلك الْمُشْركُونَ
وَعمرَة الْقَضِيَّة من الْعَام الْمقبل أحرم بهَا من ذِي الحليفة وأتى مَكَّة وتحلل مِنْهَا وَأقَام بهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ تزوج مَيْمُونَة الْهِلَالِيَّة رَضِي الله عَنْهَا قبل عمرته وَلم يدْخل بهَا فأنفذ إِلَيْهِم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِن شِئْتُم أَقمت عنْدكُمْ ثَلَاثًا آخر وأولمت لكم وعرست بأهلي فَقَالُوا لَا حَاجَة لنا فِي وليمتك اخْرُج عَنَّا فَخرج
فَأتى سرف وَهِي على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة فعرس بأَهْله هُنَاكَ
وَعمرَة جعرانه فِي سنة ثَمَان لما فتح مَكَّة وَخرج إِلَى الطَّائِف فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ تَركهَا وَرجع على دجناء ثمَّ على قرن الْمنَازل ثمَّ على نَخْلَة حَتَّى خرج إِلَى الْجِعِرَّانَة فَلحقه أهل الطَّائِف بهَا وَأَسْلمُوا وَأحرم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل مَكَّة مُعْتَمِرًا لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة وَفرغ من عمرته لَيْلًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْجِعِرَّانَة وَأصْبح بهَا كبائت وَرجع إِلَى الْمَدِينَة
وَعمرَة مَعَ حجَّته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْفَصْل السَّادِس فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وَأَنا الحاشر الَّذِي أحْشر النَّاس وَأَنا العاقب فَلَا نَبِي بعدِي وَفِي رِوَايَة وَأَنا المقفى وَأَنا نَبِي التَّوْبَة وَنَبِي المرحمة وَفِي رِوَايَة وَنَبِي الملحمة
وَسَماهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه بشيرا وَنَذِيرا وسراجا منيرا ورؤوفا رحِيما وَرَحْمَة للْعَالمين ومحمدا وَأحمد وطه وَيس ومزملا ومدثرا وعبدا فِي قَوْله {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَعبد الله فِي قَوْله {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} وَنَذِيرا مُبينًا فِي قَوْله {وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين} ومذكرا فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر}
وَقد ذكر لَهُ أَسمَاء كَثِيرَة اقتصرنا على الْمَشْهُور مِنْهُ مِنْهَا المتَوَكل والفاتح والخاتم والضحوك والقتال والأمين والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ الْأمين والقثم
وَمَعْلُوم أَن أَكثر هَذِه الْأَسْمَاء صِفَات وَقد تقدم شرح الماحي والحاشر وَالْعَاقِب والمقفي فِي معنى العاقب والمرحمة بِمَعْنى الرَّحْمَة والملاحم الحروب والضحوك صفته فِي التَّوْرَاة قَالَ ابْن فَارس إِنَّمَا سمى بذلك لِأَنَّهُ كَانَ طيب النَّفس
فكها والقثم من مَعْنيين أَحدهمَا الْعَطاء يُقَال قثم لَهُ يقثم قثما إِذا أعطَاهُ عَطاء وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة وَالثَّانِي من القثم الْجمع يُقَال للرجل الْجَامِع للخير قثوم وَقثم
الْفَصْل السَّابِع فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربعَة من الْقَوْم لَا مايل من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر غُصْن بَين غُصْنَيْنِ بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَبيض اللَّوْن مشربا بحمرة وَقيل أزهره لَيْسَ بالأبيض الأمهق وَلَا بِآدَم لَهُ شعر يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ إِذا
طَال وَإِذا قصر إِلَى أنصافها لم يبلغ شَيْبه فِي رَأسه ولحيته عشْرين شَعْرَة وَكَأن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة ظَاهر الْوَضَاءَة مليح الْوَجْه يتلألأ وَجهه تلألأ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر حسن الْخلق معتدله لم تَعبه ثجله وَلم ترز بِهِ صَلْعَةٌ وسيما قسيما فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي بياضها عروق رقاق حمر
وَفِي أَشْفَاره وَطف وَفِي صَوته صَهل ودوى صَحِلَ وَفِي عُنُقه سطح وَفِي لحيته كَثَافَة
إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما وَعلا الْبَهَاء
أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو الْمنطق فصل لَا نذر وَلَا هذر وَكَأن مَنْطِقه خَرَزَات نظم يتحضرن وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب فِي غير قرب بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب أقنى الْعرنِين لَهُ نور
يعلوه يحسبه من لم يتأمله أَشمّ سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان دَقِيق المسربة من لبته إِلَى سرته شعر يجرى كالقضيب لَيْسَ فِي بَطْنه وَلَا صَدره شعر غَيره أشعر الذراعين والمنكبين بأدن متماسك سَوَاء الْبَطن والصدر فسيح الصَّدْر ضخم الكراديس أنور المتجرد عريض الصَّدْر طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين سَائل الْأَطْرَاف سبط الْقصب
خمصان الأخمصين مسيح الْقَدَمَيْنِ ينبوا عَنْهُمَا المَاء إِذا زَالَ زَالَ قلعا
ويخطوا تكفيا وَيَمْشي هونا ذريع المشية إِذا مَشى كَأَنَّمَا ينحط من صبب وَإِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة كَأَنَّهُ زر حجلة أَو بَيْضَة حمامة لَونه كلون جسده عَلَيْهِ خيلان كَأَن عرقه اللُّؤْلُؤ ولريح عرقه أطيب من ريح
الْمسك الأذفر يَقُول ناعته لم أر قبله وَلَا بعده مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حلَّة حَمْرَاء لم أر شَيْئا قطّ أحسن مِنْهُ
وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَالَ مَا مسست ديباجا وَلَا حَرِيرًا أَلين من كف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا شممت رَائِحَة قطّ كَانَت أطيب من ريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعنهُ قَالَ كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَمِين مصطفى بِالْخَيرِ يَدْعُو كضوء الْبَدْر زايله الظلام وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ينشد قَول زُهَيْر بن أبي سلمى فِي
هرم بن سِنَان
(لَو كنت من شَيْء سوى بشر ... كنت المضيء لليلة الْبَدْر)
ثمَّ يَقُول عمر وجلساؤه كَذَلِك كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن كَذَلِك غَيره وَفِيه يَقُول عَمه أَبُو طَالب
(وأبيض يستقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)
(يطوف بِهِ الهلاف من آل هَاشم ... فهم عِنْده فِي نعْمَة وفواضل)
(وميزان حق لَا يخيس شعيره ... ووزان عدل وَزنه غير عائل)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
الْفَصْل الثَّامِن فِي صِفَاته المعنوية وخلقه فِي صحبته وعشيرته وَسيرَته فِي نَفسه وَمَعَ أَصْحَابه وجلوسه وعبادته ونومه وَكَلَامه وضحكه وَأكله وشربه ولباسه وطيبه وكحله وَترَجله وسواكه وحجامته ومزاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت كَانَ خلقه الْقُرْآن يغْضب لغضبه ويرضى لرضاه وَكَانَ لَا ينْتَقم لنَفسِهِ وَلَا يغْضب لَهَا إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله تَعَالَى فَيكون لله ينْتَقم وَإِذا غضب لم يقم لغضبه أحد وَكَانَ أَشْجَع النَّاس وأجودهم صَدرا قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كُنَّا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس اتقينا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ أسخى النَّاس وأجودهم مَا سُئِلَ شَيْء قطّ فَقَالَ لَا وأجود مَا كَانَ فِي رَمَضَان وَكَانَ لَا يبيت فِي بَيته دِينَار وَلَا دِرْهَم فَإِن فضل وَلم يجد من يُعْطِيهِ وفجئه اللَّيْل لم يأوى إِلَى منزله حَتَّى يبرأ مِنْهُ إِلَى من يحْتَاج إِلَيْهِ
لَا يَأْخُذ مِمَّا آتَاهُ الله إِلَّا قوت أَهله عَامه فَقَط من أيسر مَا يجد من التَّمْر وَالشعِير وَيَضَع سَائِر ذَلِك فِي سَبِيل الله وَلَا يدّخر لنَفسِهِ شَيْئا ثمَّ يُؤثر من قوت أَهله حَتَّى رُبمَا احْتَاجَ قبل انْقِضَاء
الْعَام صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أصدق النَّاس لهجة وأوفاهم بِذِمَّة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشر مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُفند فخما مفخما وَكَانَ أحلم النَّاس وَأَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها لَا يثبت نظره فِي وَجه أحد خافض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أطول من نظره إِلَى السَّمَاء جلّ نظره الملاحظة وَكَانَ أَكثر النَّاس تواضعا يُجيب من دَعَاهُ من غَنِي أَو فَقير أَو شرِيف أَو دنيء أَو حر أَو عبد وَلما جَاءَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَوْم فتح مَكَّة بِأَبِيهِ ليسلم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لما عنيت الشَّيْخ يَا أَبَا بكر أَلا تركته حَتَّى أكون أَنا آتيه فِي منزله) فَقَالَ لَهُ بِأبي وَأمي هُوَ أولى أَن يَأْتِي إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أرْحم النَّاس يصفى الْإِنَاء للهرة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا وَيسمع بكاء الصَّغِير مَعَ أمه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فيخفف رَحْمَة لَهَا وَكَانَ أعف النَّاس لم تمس يَده امْرَأَة قطّ لَا يملك رقتها أَو نِكَاحهَا أَو تكون ذَا محرم وَكَانَ أَشد النَّاس كَرَامَة لأَصْحَابه مَا رؤى قطّ مَادًّا رجلَيْهِ بَينهم ويوسع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمَكَان وَلم تكن ركبتاه تتقدمان ركبة جليسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآهُ بديهه هابه وَمن خالطه أحبه لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ إِن قَالَ أَنْصتُوا لقَوْله وَإِن أَمر تبَادرُوا لأَمره يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لقِيه بِالسَّلَامِ وَكَانَ يَقُول (لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أَنا عبد الله وَرَسُوله) يتجمل لأَصْحَابه فضلا عَن تجمله لأَهله وَيَقُول (إِن الله يحب من عَبده إِذا خرج إِلَى إخوانه أَن يتهيأ لَهُم ويتجمل)
أَحْوَاله مَعَ أَصْحَابه
وَكَانَ يتفقد أَصْحَابه وَيسْأل عَنْهُم فَمن كَانَ مَرِيضا عَاده وَمن كَانَ غَائِبا
دَعَا لَهُ وَمن مَاتَ اسْترْجع فِيهِ وَاتبعهُ بِالدُّعَاءِ وَمن يتخوف أَن يكون وجد فِي نَفسه شَيْئا قَالَ (لَعَلَّ فلَانا وجد علينا فِي شئ أَو رأى منا تقصيرا انْطَلقُوا بِنَا إِلَيْهِ) فَينْطَلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله وَكَانَ يخرج إِلَى أَصْحَابه وَيَأْكُل ضِيَافَة من أَضَافَهُ فِيهَا
وَكَانَ يتألف أهل الشّرف وَيكرم أهل الْفضل وَلَا يطوي بشره عَن أحد وَلَا يجفوا عَلَيْهِ وَلَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا من مكافئ وَيقبل معذرة المتعذر إِلَيْهِ وَالْقَوِي والضعيف والقريب والبعيد عِنْده فِي الْحق وَاحِد وَكَانَ لَا يدع أحدا يمشي خَلفه وَيَقُول (خلوا ظَهْري للْمَلَائكَة)
وَلَا يدع أحدا يمشي مَعَه وَهُوَ رَاكب حَتَّى يحملهُ فَإِن أَبى قَالَ (تقدمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي يُرِيد) وَركب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا عريا إِلَى قبَاء وَأَبُو هُرَيْرَة مَعَه فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ مَا شِئْت يَا رَسُول الله فَقَالَ اركب وَكَانَ فِي أبي هُرَيْرَة ثقل فَوَثَبَ ليركب فَلم يقدر فَاسْتَمْسك برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقعا جَمِيعًا ثمَّ ركب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ مَا شِئْت يَا رَسُول الله فَقَالَ اركب فَلم يقدر على ذَلِك فَتعلق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقعا جَمِيعًا ثمَّ قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أحملك فَقَالَ لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا صرعتك ثَالِثا وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ عبيد وإماء لَا يترفع عَلَيْهِم فِي مأكل وملبس ويخدم من خدمه قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ
خدمته نَحوا من عشرَة سِنِين فوَاللَّه مَا صحبته فِي سفر وَلَا حضر وَلَا خدمَة إِلَّا وَكَانَت خدمته لي أَكثر من خدمتي لَهُ وَمَا قَالَ لي أُفٍّ قطّ وَلَا قَالَ لشَيْء فعلته لم فعلت كَذَا ولشيء لم أَفعلهُ إِلَّا فعلت كَذَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَأمر بإصلاح شاه فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله عَليّ ذَبحهَا وَقَالَ آخر عَليّ سلخها وَقَالَ آخر عَليّ طبخها فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَعلي جمع الْحَطب) فَقَالُوا يَا رَسُول الله نَحن نكفيك فَقَالَ (قد علمت أَنكُمْ تكفوني وَلَكِنِّي أكره أَن أتميز عَلَيْكُم فَإِن الله يكره من عَبده أَن يرَاهُ متميزا بَين أَصْحَابه) وَقَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجمع الْحَطب وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَنزل للصَّلَاة فَتقدم إِلَى مُصَلَّاهُ ثمَّ كرّ رَاجعا فَقيل يَا رَسُول الله أَيْن تُرِيدُ قَالَ أَعقل نَاقَتي قَالُوا نَحن نكفيك نَحن نعقلها قَالَ (لَا يَسْتَعِين أحدكُم بِالنَّاسِ وَلَو فِي قضمة من سواك)
مزاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ يَوْمًا جَالِسا يَأْكُل هُوَ وَأَصْحَابه تَمرا فجَاء صُهَيْب وَقد غطى على
عَيْنَيْهِ وَهُوَ أرمد فَسلم وأهوى على التَّمْر يَأْكُل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْكُل الْحَلْوَاء وَأَنت أرمد فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا آكل بشق عَيْني الصَّحِيحَة فَضَحِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ يَوْمًا يَأْكُل رطبا فَجَاءَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أرمد فَدَنَا ليَأْكُل فَقَالَ أتأكل الحواء وَأَنت أرمد فَتنحّى نَاحيَة فَنظر إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ فَرمى إِلَيْهِ برطبة ثمَّ أُخْرَى ثمَّ أُخْرَى حَتَّى رمى إِلَيْهِ سبعا ثمَّ قَالَ حَسبك فَإِنَّهُ لَا يضر من التَّمْر مَا أكل وترا
وأهدت إِلَيْهِ أم سَلمَة قَصْعَة ثريد وَهُوَ عِنْد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وكسرتها فَجعل يجمع ذَلِك فِي الْقَصعَة وَيَقُول غارت أمكُم غارت أمكُم
حَدِيث خرافة
وَحدث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة نِسَاءَهُ حَدِيثا فَقَالَت امْرَأَة مِنْهُم كَانَ الحَدِيث حَدِيث خرافة فَقَالَ (أَتَدْرُونَ مَا خرافة إِن خرافة كَانَ رجلا من عذرة أسرته الْجِنّ فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَكثَ فيهم دهرا ثمَّ ردُّوهُ إِلَى الْأنس فَكَانَ يحدث النَّاس بِمَا رأى فيهم من الْأَعَاجِيب فَقَالَ النَّاس حَدِيث خرافة
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل منزله جزأ دُخُوله ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْء لله وجزء لنَفسِهِ وجزء لأَهله ثمَّ جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة وَكَانَ من سيرته فِي جُزْء الْأمة إِيثَار أهل الْفضل بِإِذْنِهِ وقسمه على قدر فَضلهمْ فِي الدّين فَمنهمْ ذُو الْحَاجة وَمِنْهُم ذُو الحاجتين وَمِنْهُم ذُو الْحَوَائِج فيتشاغل بهم ويشغلهم فِيمَا يصلحهم ويخبرهم بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُم وَيَقُول (ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وأبلغوني حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغها فَإِنَّهُ من أبلغ سُلْطَانا حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغها ثَبت الله قَدَمَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة لَا يذكر عِنْده إِلَّا ذَلِك) ويدخلون رَوَّادًا وَلَا يتفرقون إِلَّا عَن ذواق يخرجُون أَدِلَّة يَعْنِي على الْخَيْر
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يؤلف أَصْحَابه وَلَا ينفرهُمْ وَيكرم كل كريم قوم ويوليه عَلَيْهِم وَالَّذِي يَلِيهِ من النَّاس خيارهم أفضلهم عِنْده وأعمهم نصيحة وأعظمهم عِنْده منزلَة
أحْسنهم مواساة ومؤازرة وَلَا يجلس وَلَا يقوم إِلَّا على ذكر وَإِذا انْتهى إِلَى قوم جلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس وَيَأْمُر بذلك وَيُعْطى كل جُلَسَائِهِ نصِيبه لَا يحْسب جليسه أَن أحدا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ مِمَّن جالسه وَإِذا جلس إِلَيْهِ أحد لم يقم حَتَّى يقوم الَّذِي جلس إِلَيْهِ إِلَّا أَن يستعجله أَمر أَمر فيستأذن وَلَا يُقَابل أحدا بِمَا يكره وَلَا ضرب خَادِمًا قطّ وَلَا امْرَأَة وَلَا أحدا إِلَّا فِي جِهَاد ويصل ذَا رَحمَه من غير أَن يؤثره على من هُوَ أفضل مِنْهُ وَلَا يجزى السَّيئَة بِمِثْلِهَا بل يعفوا ويصفح وَكَانَ يعود المرضى وَيُحب الْمَسَاكِين ويجالسهم وَيشْهد جنائزهم وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ لَا يذم مِنْهَا شَيْئا ويحفظ جَاره وَيكرم
ضَيفه ويبسط رِدَاءَهُ لَهُ كَرَامَة وجاءته ظئره الَّتِي أَرْضَعَتْه يَوْمًا فَبسط رِدَاءَهُ لَهَا وَقَالَ مرْحَبًا بأمي وأجلسها عَلَيْهِ
وَكَانَ أَكثر النَّاس تبسما وَأَحْسَنهمْ بشرا مَعَ أَنه كَانَ متواصل الأحزان دَائِم الفكرة لَا يمْضِي لَهُ وَقت فِي غير عمل لله أَو فِيمَا لَا بُد لَهُ أَو لأَهله مِنْهُ وَمَا خير فِي شَيْء قطّ إِلَّا اخْتَار أيسرهما إِلَّا أَن تكون فِيهِ قطيعة رحم فَيكون أبعد النَّاس مِنْهُ
وَكَانَ يخصف نَعله ويرقع ثَوْبه ويخدم فِي مهنة أَهله وَيقطع اللَّحْم مَعَهُنَّ ويركب الْفرس والبغل وَالْحمار ويردف خَلفه عَبده أَو غَيره وَيمْسَح وَجه فرسه بِطرف كمه وبطرف رِدَائه
وَكَانَ يتَوَكَّأ على العصى وَقَالَ (التوكأ على الْعَصَا من أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء) ورعى الْغنم وَقَالَ (مَا من نَبِي إِلَّا وَقد رعاها) وعق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه بعد مَا جَاءَتْهُ
النُّبُوَّة وَكَانَ لَا يدع الْعَقِيقَة عَن الْمَوْلُود من أَهله وَيَأْمُر بحلق رَأسه يَوْم السَّابِع وَأَن يتَصَدَّق عَنهُ بزنة شعره فضَّة
وَكَانَ يحب الفأل وَيكرهُ الطَّيرَة وَيَقُول (مَا منا إِلَّا من يجد فِي نَفسه وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل)
وَكَانَ إِذا جَاءَهُ مَا يحب قَالَ (الْحَمد لله رب الْعَالمين) وَإِذا جَاءَهُ مَا يكره قَالَ (الْحَمد لله على كل حَال) وَإِذا رفع الطَّعَام بَين يَدَيْهِ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وأوانا وَجَعَلنَا مُسلمين) وروى فِيهِ (الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مُودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ رَبنَا) وَإِذا عطس خفض صَوته واستتر بِيَدِهِ أَو بِثَوْبِهِ ويحمد الله
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر جُلُوسه مُسْتَقْبل الْقبْلَة وَإِذا جلس فِي الْمجْلس احتبى بِيَدِهِ وَكَانَ يكثر الذّكر ويقل اللَّغْو ويطيل الصَّلَاة وَيقصر الْخطْبَة ويستغفر
فِي الْمجْلس الْوَاحِد مائَة مرّة وَكَانَ ينَام أول اللَّيْل ثمَّ يقوم من السحر ثمَّ يُوتر ثمَّ يَأْتِي فرَاشه فَإِذا سمع الْأَذَان وثب فَإِن كَانَ جنبا أَفَاضَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَوَضَّأ وَخرج إِلَى الصَّلَاة وَكَانَ يُصَلِّي فِي سبحته قَائِما وَرُبمَا صلى قَاعِدا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لم يمت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته جَالِسا
وَكَانَ يسمع لجوفه أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَكَانَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر وعاشوراء وَقل مَا كَانَ يفْطر يَوْم الْجُمُعَة وَأكْثر صِيَامه فِي شعْبَان
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه انتظارا للوحي وَإِذا ينَام نفخ وَلَا يغط غطيطا وَإِذا رأى مناما مَا يروعه قَالَ (هُوَ الله لَا شريك لَهُ) وَإِذا أَخذ
مضجعه وضع كَفه الْيُمْنَى تَحت خَدّه وَقَالَ (رب قني عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك)
وَكَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَمُوت وَأَحْيَا) وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور)
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تكلم بَين كَلَامه حَتَّى يحفظه من جلس إِلَيْهِ وَيُعِيد الْكَلِمَة ثَلَاثًا لتعقل عَنهُ ويخزن لِسَانه لَا يتَكَلَّم فِي غير حَاجَة وَيتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فضل لَا فضول وَلَا تَقْصِير
وَكَانَ يتَمَثَّل ببيتي من الشّعْر ويتمثل بقوله ويأتيك بالأخبار من لم تزَود وَبِغير ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلّ ضحكه التبسم وَرُبمَا ضحك من شَيْء متعجب حَتَّى تبدوا نَوَاجِذه من غير قهقهة
وَمَا عَابَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما قطّ إِن اشتهاه أكله وَإِن لم يشتهيه تَركه
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يَأْكُل متكأ وَلَا على خوان وَلَا يمْتَنع من مُبَاح يَأْكُل الْهَدِيَّة ويكافئ عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَلَا يتأنق فِي مأكل يَأْكُل مَا وجد إِن وجد تَمرا أكله وَإِن وجد لَبَنًا اكْتفى بِهِ وَلم يَأْكُل خبْزًا مرققا حَتَّى مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من خبز الشّعير) من الدُّنْيَا وَلم يشْبع من خبز الشّعير
وَكَانَ يَأْتِي على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّهْر والشهران لَا يُوقد فِي بَيت من بيوته نَار وَكَانَ قوتهم التَّمْر وَالْمَاء وَكَانَ يعصب على بَطْنه الْحجر وَقد أَتَاهُ الله مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض فَأبى أَن يقبلهَا وَاخْتَارَ الْآخِرَة عَلَيْهَا
وَكَانَ يَأْتِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَيَقُول أعندك غذَاء فَتَقول لَا فَيَقُول إِنِّي صَائِم فَأَتَاهَا يَوْمًا فَقَالَت يَا رَسُول الله أهدي لنا هَدِيَّة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَت حيس قَالَ أما إِنِّي أَصبَحت صَائِما قَالَت ثمَّ
أكل وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخبز بالخل وَقَالَ (نعم الادام الْخلّ) وَأكل لحم الدَّجَاج وَلحم الحباري
وَكَانَ يحب الدبا ويأكله وَيُعْجِبهُ الذِّرَاع من الشاه وَقَالَ (إِن أطيب اللَّحْم لحم الظّهْر) وَقَالَ (كلوا الزَّيْت وادهنوا بِهِ فَإِنَّهُ من شَجَرَة مباركة) وَكَانَ يُعجبهُ الثفل يَعْنِي مَا بَقِي من الطَّعَام وَكَانَ يَأْكُل بأصابعه الثَّلَاث ويلعقهن وَعَن سلمى زَوْجَة أبي رَافع أَن الْحسن وَابْن
عَبَّاس وَابْن جَعْفَر وأتوها فَقَالُوا لَهَا اصنعي لنا طَعَاما مِمَّا كَانَ يعجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحسن أكله فَقَالَت يَا بني لَا تشتهيه الْيَوْم قَالَ بلَى اصنعيه لنا قَالَ فَقَامَتْ فطبخت شَعِيرًا وَجَعَلته فِي خضر وصبت عَلَيْهِ شَيْئا من زَيْت ودقت الفلفل والتوابل وقربته إِلَيْهِم وَقَالَت هَذَا مِمَّا كَانَ يعجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحسن أكله
وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبز الشّعير بِالتَّمْرِ وَقَالَ (هَذَا أَدَم هَذَا) وَأكل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبِطِّيخ بالرطب والقثاء بالرطب وَالتَّمْر بالزبد
وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب قَاعِدا وَرُبمَا شرب قَائِما ويتنفس ثَلَاثًا وَإِذا فضل مِنْهُ فضلَة وَأَرَادَ أَن يسقيها بَدَأَ بِمن عَن يَمِينه وَشرب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَبَنًا وَقَالَ (من أطْعمهُ الله لَبَنًا فَلْيقل اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيهِ وزدنا مِنْهُ) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ يُجزئ مَكَان الطَّعَام وَالشرَاب بِغَيْر اللَّبن)
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس الصُّوف وينتعل المخصوف وَلَا يتأنق فِي ملبس يلبس مَا وجده مرّة شملة وَمرَّة برد صبرَة وَمرَّة جُبَّة صوف وَكَانَ يلبس السبتية وَيتَوَضَّأ فِيهَا
وَكَانَ لنعليه قبالان وَأول من عقد عقدا وَاحِدًا عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أحب اللبَاس إِلَيْهِ الْحبرَة وَهِي من برود الْيمن فِيهَا حمرَة وَبَيَاض وَكَانَ أحب الثِّيَاب إِلَيْهِ الْقَمِيص
وَكَانَ إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه عِمَامَة أَو قَمِيصًا اَوْ رِدَاء يَقُول (اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَمَا ألبستنيه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ وَأَعُوذ بك من شَره وَمن شَرّ مَا صنع لَهُ)
وَكَانَ يُعجبهُ الثِّيَاب الْخضر وَكَانَت قَمِيصه مشدودة الأزار وَكَانَ يلبس كسَاء الصُّوف وَحده فَيصَلي فِيهِ وَرُبمَا لبس الأزار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طَرفَيْهِ بَين كَتفيهِ فَيصَلي فِيهِ
وَكَانَ يلبس القلانس تَحت العمائم ويلبسها دون العمائم ويلبس العمائم دونهَا ويلبس القلانس ذَات الآذان فِي الجرب وَرُبمَا نزع قلنسوته وَجعلهَا سترا بَين يَدَيْهِ وَصلى بهَا وَرُبمَا مَشى بِلَا قلنسوة وَلَا عِمَامَة وَلَا رِدَاء رَاجِلا يعود المرضى كَذَلِك فِي أقْصَى الْمَدِينَة
وَكَانَ يعتم ويسدل طرفِي عمَامَته بَين كَتفيهِ وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ عممني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعمامته وسدل طرفها على مَنْكِبي وَقَالَ إِن الْعِمَامَة حاجز بَين الْمُسلمين
وَالْمُشْرِكين وَكَانَ يلبس يَوْم الْجُمُعَة برده الْأَحْمَر ويعتم وَكَانَ يلبس خَاتمًا من فضَّة فصه مِنْهُ نقشه مُحَمَّد رَسُول الله فِي خِنْصره الْأَيْمن وَرُبمَا لبسه فِي الْأَيْسَر وَيجْعَل فصه مِمَّا يَلِي بَاطِن كَفه
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الطّيب وَيكرهُ الرّيح الكريهة وَكَانَ يَقُول (إِن الله جعل لذتي فِي النِّسَاء وَجعل قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة) وَكَانَ يتطيب بالغالية والمسك حَتَّى يرى وبيصه فِي مفارقه ويتبخر بِالْعودِ ويطرح مَعَه الكافور وَكَانَ يعرف فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة بِطيب رِيحه
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكتحل بالأثمد فِي كل لَيْلَة ثَلَاثًا فِي كل عين
وَرُبمَا اكتحل ثَلَاثًا فِي الْيَمين واثنتين فِي الْيَسَار وَرُبمَا اكتحل وَهُوَ صَائِم
وَكَانَ يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بالأثمد فَإِنَّهُ يجلو الْبَصَر وينبت الشّعْر) وَكَانَ يكثر دهن رَأسه ولحيته وَكَانَ يترجل غبا وَكَانَ يحب التَّيَمُّن فِي ترجله وتنعله وَطهُوره وَفِي شَأْنه كُله وَكَانَ ينظر فِي الْمرْآة وَرُبمَا نظر فِي المَاء فِي ركوة فِي حجرَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَسوى لحيته
آلاته فِي سَفَره
وَكَانَت لَا تُفَارِقهُ قاروه الدّهن فِي سَفَره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والخيوط والإبرة فيخيط ثِيَابه ويخصف نَعله وَكَانَ يستاك بالأراك وَكَانَ إِذا قَامَ من النّوم يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ فِي اللَّيْلَة ثَلَاث مَرَّات قبل النّوم وَبعده وَعند الْقيام لورده وَعند الْخُرُوج لصَلَاة الصُّبْح
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحتجم لسبع عشرَة وتسع عشرَة وَإِحْدَى
وَعشْرين