ولما دنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من المدينة قال: إِن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إِلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر (3). وعندما أشرف على المدينة قال: "هذه طابة، وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه" (4). واستقبله الناس والصبيان عند ثنية الوداع يرحبون بهم (5) وهم يقولون:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع
__________
(1) سورة التوبة، الآيات 107 - 110.
(2) ابن هشام، المصدر السابق 4/ 171.
(3) صحيح البخاري، كتاب المغازي ح 4423.
(4) صحيح البخاري، كتاب المغازى ح 4422.
(5) صحيح البخاري كتاب المغازي ح 4427 لكن ليس ذكر النشيد.
,
,
الهجرة إِلى المدينة النبوية:
أذنَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين من أهل مكة بعد بيعة العقبة الثانية في الهجرة إِلى المدينة، وقال لهم: "إِني أُريتُ دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين" (1). وهما الحرتان.
,
1 - وقوع البلاء والاضطهاد على المسلمين في مكة.
2 - مخافة الفتنة في الدين.
3 - وجود حماية للدعوة بعد بيعة العقبة الثانية.
4 - تكذيب قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإخراجه من مكة.
فهاجر من هاجر إِلى المدينة حين أذن بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجع إِلى المدينة بعض من كان هاجر إِلى أرض الحبشة، وتجهَّز أبو بكر مهاجرًا، فقال له رسول ال - صلى الله عليه وسلم -: "علّي رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي". قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: "نعم".
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعَلّف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر (3).
فبادر المسلمون إِلى الهجرة، فكان أول من خرج إِلى المدينة من أهل مكة: أبو سلمة بن عبد الأسد هو وامرأته أم سلمة، وكان قد قدم من الحبشة إِلى مكة، فآذته قريشٌ،
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار ح 3905.
(2) انظر: سليمان العودة، السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق ص 351 - 353.
(3) أخرجه البخاري في المناقب، باب هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ح (3906) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
فبادر بالهجرة إِلى المدينة من حين أذن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أمّ سلمة احتبست دونه، ومُنِعَتْ من اللحاق به، وحيل بينها وبين ولدها، ثم خرجت بعد سنةٍ بولدها إِلى المدينة، وشيعها عثمان بن طلحة من مكة إِلى أن رأت بلدة قباء بالمدينة، ثم تركها وعاد إِلى مكة، وذلك قبل إِسلامه فرضي الله عنه (1). ثم خرج الناس أرسالًا يتبعُ بعضهم بعضًا.
,
قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (2). قال قتادة: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}، المدينة: {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}، الهجرة من مكة: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}، كتاب الله وفرائضه وحدوده (3).
لم يبق من المسلمين في مكة إِلَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعليّ رضي الله تعالى عنهما -أقاما بأمره لهما- وخلا من اعتقله المشركون كرها، وقد أعّد أبو بكر - رضي الله عنه - جهازه وجهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتظرًا؛ حتى يأذن الله عَزَّ وَجَلَّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الخروج.
فلمّا رأى المشركون أصحابَ رسول الله قد تجهزوا، وخرجوا، وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إِلى الأوس والخزرج، وعرفوا أنّ الدارَ دارُ مَنَعَة، وأنّ القومَ أهلُ حَلْقة وشوكة وبأس؛ خافوا خروجَ رسولِ الله إِليهم، ولحوقه بهم، فيشتد عليهم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلفْ أحدٌ من أهل الرأيّ والحِجَا منهم؛ ليتشاوروا في أمره، وحضرهم وليُّهم إِبليسُ في صورة شيخ كبير من أهل نجد (4)
__________
(1) انظر لتمام القصة: سيرة ابن هشام (1/ 469، 470).
(2) سورة الإسراء، آية 80.
(3) أخرجه ابن جرير في تفسيره (15/ 149).
(4) قال السهيلي في الروض الأنف 2/ 239: إنما جاءهم في صورة رجل من أهل نجد لأنهم قالوا -فيما ذكر أهل السير- لا يدخل معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة؛ لأن هواهم مع محمَّد.
مشتمل الصماء (1)، فتذاكروا أمرَ رسول الله، فأشار كل أحد منهم برأيّ، والشيخ يردُّه ولا يرضاه، إِلى أن قال أبو جهل: (قد فُرِقَ لي فيه رأيٌّ ما أراكم قد وقعتم عليه). قالوا: ما هو؟ قال: (أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريشٍ غلامًا نهدًا جلدًا، ثم نعطيه سيفًا صارمًا، فيضربونه ضربةَ رجل واحد، فيتفرق دمُه في القبائل، فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك كيف تصنع، ولا يمكنها معاداة القبائل كلها، ونسوق إِليهم ديته).
قال الشيخ: (لله درّ الفتى، هذا والله الرأيّ). قال: فاجتمعوا على ذلك. فجاءه جبريل بالوحي من عند ربه تبارك وتعالى، فأخبره بذلك، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليله (2)، وجاء رسول الله إِلى أبي بكر نصف النهار -في ساعة لم يكن يأتيه فيها- متقنِعًا، فقال له: "أَخْرِجْ مَن عندك". فقال: (إِنّما هم أهلُك يا رسول الله). فقال: إِنّ الله قد أذن لي في الخروج.
فقال أبو بكر: (الصحابةَ يا رسول الله). فقال رسول الله: "نعم". فقال أبو بكر: (فخذ بأبي وأمي إِحدى راحلتى هاتين). فقال رسول الله: "بالثمن" (3).
وأمر عليًّا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب، ويرصدونه، ويريدون بياته، ويأتمرون أيّهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله عليهم، فأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذره على رؤوسهم، وهم لا يرونه.
ثم خلص إِلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، فخرجا عن خوخة في دار أبي بكر ليلًا، وقد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي، وكان هاديًا خِريتًا ماهرًا بالدلالة إِلى أرض المدينة، وأمناه على ذلك، مع أنّه كان على دين قومه، وسلَّما إِليه راحلتيهما، وواعداه
__________
(1) الصماء: الكساء الذي ليس له أكمام يخرج منها يديه.
(2) انظر: سيرة ابن هشام (1/ 480، 483).
(3) أخرجه البخاري في المناقب، باب هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ح (3906) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
بعد ثلاث، وذهبا إِلى غار ثور، وقد أعمى الله على قريش خبرهما، فلم يدروا أين ذهبا، وكان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنمًا لأبي بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إِلى الغار، قالت عائشة - رضي الله عنها -: (وجهّزناهما أحب الجهاز، ووضعْنا لهم سُفْرة في جِراب، فقطعتْ أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فأوْكَتْ به الجِراب، وقطعتِ الأُخرى فصيّرتها عِصامًا لفم القربة، فلذلك لُقِّبتْ بذات النطاقين (1).
وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمَّع ما يقال بمكة، ثم يذهب إِليهما بذلك، فيحترزان منه، وجاء المشركون في طلبهما إِلى ثور، وما هناك من الأماكن؛ حتى إِنهم مروا على باب الغار، وحاذت أقدامهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وصاحبه وعمَّى الله عليهم باب الغار (2).
وحزن أبو بكر رضي الله تعالى عنه لشدة حرصه، حين مرّ المشركون، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر موضع قدميه، لرآنا. فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما" (3).
ولما كان بعد الثلاث أتى ابن أريقط بالراحلتين، فركباهما، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة، وسار الدليل أمامهما على راحلته، وعين الله تكلؤهما، وتأييده يصحبهما، وإِسعاده يرحلهما ويُنزلهما.
ولما يئس المشركون من الظّفر بهما؛ جعلت قريش لمن جاء بهما دية كل واحد منهما، أي: مائةً من الإِبل، فجدّ الناسُ في الطلب، والله غالب على أمره، فلمّا مرّوا بحيٍّ من مدلج مصعدين من قديد، بصر بهم رجلٌ من الحيّ، فوقف على الحيّ فقال: (لقد رأيتُ آنفًا أسوِدةً ما أُراها إِلا محمدًا وأصحابَه)، ففطِنَ بالأمرِ سراقةُ بن مالك بن جعشم سيّد
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب، باب هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ح (3906).
(2) انظر: الفصول لابن كثير (ص 114، 115).
(3) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ح (4663)، ومسلم في فضائل الصحابة ح (2381).
مدلج، فأراد أن يكون الظفر له خاصة، وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه، فقال: (بل هم فلان وفلان، خرجا في طلب حاجة لهم)، ثم مكث قليلًا، ثم قام فدخل خِباءَه، وقال لخادمه: (اُخْرُجْ بالفرس من وراء الخباء، وموعدك وراء الأكمة)، ثم أخذ رمحه، وخفض عاليه يخطُّ به الأرض حتى ركب فرسَه، وسار في طلبهم، فلما قرب منهم، سمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر - رضي الله عنه - يكثر الالتفات حذرًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يلتفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هذا رجل قد رهقنا. فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساخت يدا فرسه في الأرض، فقال: رُمِيتُ إِن الذي أصابني بدعائكما، فادعوَا الله لي، ولكما عليّ أن أردَّ الناسَ عنكما، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فأُطْلِق، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتبَ له كتابًا، فكتب له أبو بكر في أدم، وعرض عليهما الحملان والزاد، ورجع يقول للناس: قد كفيتم ما ها هنا (1).
وكان أول النهار جاهدًا عليهما، وآخره حارسًا لهما.
وقد جاء مسلمًا عام حجة الوداع، ودفع إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الكتابَ الذي كتبه له، فوفَّى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما وعده، وهو لذلك أهلٌ.
في خيمة أمّ معبد:
ومرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيره ذلك بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزةً جلْدةٌ تحتبي بفناء الخيمة، ثم تُطْعم وتسقي من مرّ بها، فسألاها: هل عندك شيءٌ؟ فقالت: والله، لو كان عندنا شيءٌ ما أعُوزَكم القِرَى، والشاء عازبٌ.
وكانت سنة شهباء، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلى شاةٍ في كِسْرِ الخيمة (2)، فقال: ما هذه
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب، باب علامات النبوة قبل الإِسلام ح (3615).
(2) كسر الخيمة: بكسر الكاف وفتحها: جانب البيت. انظر: منال الطالب لابن الأثير (ص 179)، تحقيق: د. محمود الطناحي.
الشاةُ يا أمّ معبد؟. قالت: هي أجهدُ شاةٍ، خلفها الجَهْدُ عن الغنم. فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهدُ من ذلك. فقال: هل تأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، بأبي وأمي، إِن رأيتَ بها حَلْبًا فاحلُبْها.
فمسحَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بيده ضَرْعها، وسمّى الله ودعا، فتفاجّت عليه (1)، ودرّت، فدعا بإِناء لها يُرْبض الرَّهطَ، فحلب فيه حتى علته الرّغوة، فسقاها فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب، وحلب فيه ثانيًا، حتى ملأ الإِناء، ثم غادره عندها، فارتحلوا، فقلّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا، يتساوكن هُزالًا (2)، فلما رأى اللبن، عجِب، فقال: من أين لك هذا، والشاة عازب؟ ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: لا والله، إِلَّا أنّه مرّ بنا رجلٌ مبارك، كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا. قال: والله إِني لأُراه صاحبَ قريش الذي تطلبه، صفيه لي يا أم معبد. قالت: ظاهرُ الوضاءة (3)، أبلج الوجه (4)، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة (5)، ولم تزر به صعله (6)، وسيم قسيم (7)، في عينيه دَعَج (8)، وفي أشفاره وَطَف (9)، وفي
__________
(1) أي: وسّعَتْ ما بين رجليها. منال الطالب (ص 180)
(2) أي: يمشين مشيًا ضعيفًا، والتساوك: التمايل من الضعف. منال الطالب (ص 181)
(3) الوضاءة: الجمال والحسن.
(4) الأبلج الوجه، والمُتبلَّج: الحسن المشرق المضيء.
(5) الثُجْلة: عِظَم البطن مع استرخاء أسفله.
(6) الصَّعْلة: صغر الرأس.
(7) الوسيم: المشهور بالحُسْن. والقسيم: الحسنُ القسمة، أي: الوجه.
(8) الدَعَج: شدة سواد العين مع سعتها.
(9) الأشفار: حروف الأجفان التي ينبتُ عليها الشعر. والوَطَف: كثرة شعر العين والاسترخاء، وإنما يكون ذلك مع الطول.
صوته صحل (1)، وفي عنقه سطع (2)، أحور أكحل، أزج أقرن (3)، شديد سواد الشعر، إِذا صمت علاه الوقار، وإِن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصلٌ لا نزر ولا هذر، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إِذا قال، استمعوا لقوله، وإِذا أمر، تبادروا إِلى أمره، محفود محشود (4)، لا عابس ولا مفند (5).
فقال أبو معبد: والله، هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إِن وجدت إِلى ذلك سبيلًا.
وأصبح صوتٌ بمكة عاليًا، يسمعونه ولا يرون القائل:
جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... وأفلح من أمسى رفيق محمَّد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإِنائها ... فإِنكم إن تسألوا الشاء تشهد
قالت أسماء بنت أبي بكر: ما درينا أين توجّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه، ويسمعون صوته ولا يرونه؛
__________
(1) الصُّحَل: صوتٌ فيه بُحَّة وغِلَظ، وهو مستحسن لخلوه من الحِدَّة المؤذية للسمع.
(2) السَّطع: طول العنق.
(3) الأزجّ: المتقوّس الحاجبين في طول وامتداد. والأقرن: المتصل رأسي حاجبيه.
(4) المحفود: المخدوم. والمحشود الذي يجتمع الناس له.
(5) العابس الكالح الوجه. والمفنّد: المنسوب إِلى الجهل وقلّة العقل، من الفَنَد: الخَرَف. هذا وما سبقه من منال الطالب (ص 184 - 198)
حتى خرج من أعلاها. قالت: فلما سمعنا قوله؛ عرفنا حيث توجه رسول الله، وأن وجهه إِلى المدينة (1).
ذكر البخاري بعض المواقف في طريق الهجرة، منها أنهم لقوا بعض المسافرين ورجال القبائل الذين يسكنون في طريق الهجرة، وهم يعرفون أبا بكر لسفره بالتجارة ولا يعرفون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيسألونه من هذا الرجل الذي معك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. قال فيحسب الحاسب أنه إِنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير (2).
ومنها أنهم لقوا الزبير بن العوام في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسى الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ثيابا بيضا (3).
,
لقد بلغ الأنصار مخرجُه من مكة، وقصدُه إِيّاهم، فكانوا كلّ يوم يخرجون إِلى الحرّة ينتظرونه أولَ النهار، فإِذا اشتد حرُّ الشمس رجعوا إِلى منازلهم، فلما كان يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وافاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اشتدّ الضحى، بعد أن رجعوا إِلى بيوتهم، وكان أولَ من بصر به رجلٌ من اليهود، وكان على سطح أطمة له (أي حصن)، فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون.
فبادر الأنصار إِلى السلاح ليتلقَّوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسُمِعَت الرجّة والتكبير في بني
__________
(1) سورة التوبة، آية 40.
(2) تفسير ابن سعدى ص 338.
عمرو ابن عوف، وكبَّر المسلمون فرحًا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقّوْهُ وحيَّوه بتحية النبوة، وأحدقوا به مطيفين حولَه، والسكينة تغشاه، والوحي ينزِل عليه، فسار حتى نزل - صلى الله عليه وسلم - بقباء على كلثوم بن الهدم. وجاء المسلمون يسلِّمون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وأكثرهم لم يره بعدُ، وكان بعضهم أو أكثرهم يظنُّه أبا بكر لكثرة شيبة، فلما اشتدَّ الحرُّ قام أبو بكر بثوب يُظلِلُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتحقق الناسُ حينئذ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام (1).
وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد خرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين (2)، واستغرقت الهجرة النبوية الشريفة خمسة عشر يومًا، قضى منها - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيّام في غار ثور متخفيًا (3).