لماذا كان للرسول محمد ﷺ أكثر من 4 زوجات و حُرِّمَ ذلك على المسلمين ؟! ولماذا من الأصل تزوج بأكثر من واحدة؟
سؤال شائع للغاية بين غير المسلمين، وبعض المسلمين، وقد ابتدأه اليهود في زمن النبي حينما اتهموه قائلين بأن النبي لا يكون محبًا للنساء! فنزل قول الله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38]
لم يكن صلوات الله وسلامه عليه بدعًا من الرسل حتى يخالف سنتهم بالزواج من النساء، وقد ظل رسول الله "زوجًا" لواحدة طوال 25 عامًا، وخلال شبابه، ثم عدَّد الزوجات في السنوات العشر الأخيرة من حياته الشريفة، فمن عزف عن حياة المتع وهو شاب، فكيف يهتم بها وهو على أبواب الستين؟ [حقوق المرأة في الإسلام لعبدالعليم أبوالمجد 102 ]
وسنرى أغلب نسائه – بخلاف من سبقوه- كنّ من الأرامل أو المطلقات، ولم تكن بينهن بكرًا واحدة غير السيدة عائشة، برغم أن الصحابة كانوا يهفون إليه بأرواحهم، ولو أراد مصاهرة أيهم بأجمل النساء لطاروا شوقًا.
وإذا ما سألنا: لماذا تزوج النبي بأكثر من 4 نساء؟ لوجدنا حكمًا جلية تشريعية واجتماعية وسياسية من زيجاته؛ منها إيواء الأرامل والمستضعفات في دينهن، وتأليف قلوب أعدائه من القبائل، وإظهار نبوته وكماله بالجمع بين نساء من أنساب وثقافات شتى والعدل بينهن، وتشريع إلغاء التبني، إلى جانب الدور الدعوي البارز لنسائه والذي بدونه يستحيل فهم أفعال النبي وحياته، وفقه النساء وغيرها من المسائل.
يخاطب الله أمهات المؤمنين (زوجات النبي):{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب: 34]
من سنن الله في خلقه، أن جعل تعدد الزوجات عادة كثير من الأنبياء السابقين وأقوامهم، باستثناء عيسى عليه السلام، وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ومن الثابت أنه كانت له زوجتان وهما هاجر والدة إسماعيل جد العرب عليه السلام ، بينما رزقه الله من "سارة" بسيدنا إسحاق عليه السلام.
وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لابان – هما (ليا) و(راحيل) وجاريتين لهما، فكانت له أربع حلائل في وقت واحد وأنجب عليه السلام منهما الأسباط ( أحد عشر ولدًا ) بالإضافة إلى سيدنا يوسف عليه السلام.
وكانت لسيدنا داود عليه السلام عدة زوجات والعديد من الجواري .. وكذلك كانت لابنه سليمان زوجات وجواري عديدات.
لقد كذب الله اتهامات اليهود عن زواج محمد، ودوافعه، حين أنزل: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]
وقال ابن كثير في تفسير الآية: الناس هنا تعني رسول الله، وقد آتى الله سليمان بن داود ألف امرأة منهن 700 زوجة و300 جارية، وكان لداود عليه السلام مائة امراة منهن امرأته أوريا أم سليمان بن داود. [قصص الأنبياء: إسماعيل بن كثير، 357]
وعدد نساء سيدنا سليمان عليه السلام، ليس منقصة فيه، بل هو من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، وقد كان يهب أبناءه للقتال في سبيل الله [فتوى محمد صالح المنجد 22230 ] وكان أكبر عدد لنساء سليمان عليه السلام ثبت في الأحاديث الصحيحة هو مائة (100) امرأة [البخاري5242 ]
ولهذا قال تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الأحزاب: 38] قال أسامة بن زيد بن أسلم يعني: يتزوج ما يشاء من النساء فهذا فريضة وكان من كان من الأنبياء هذا سنتهم.
تحفل التوراة بنصوص تؤكد تعدد زوجات أنبياء الله من قبل، وكثير منها بدا على نحو يخلو من عصمة الأنبياء وما يليق بمقامهم، أي ألصق بهم صفة الشهوة، وأحيانًا تلاعب الصبايا بشيبتهن! ومن ذلك:
"وَأُوْلِعَ سُلَيْمَانُ بِنِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ كَثِيرَاتٍ فَضْلاً عَنِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَتَزَوَّجَ نِسَاءً مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ وَكُلُّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ الأُمَمِ الَّتِي نَهَى الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْهُمْ " [سفر الملوك الأول 11 : 1]
وسوف نجد المعنى ذاته بالتوراة في هذا النص عن الملك رحبعام بن سليمان: " وأحب رحبعام معكة ابنة أبشالوم أكثر من سائر نسائه ومحظياته، وكان قد تزوج ثماني عشرة امرأة، وكانت له ستون محظية " [سفر أخبار الأيام الثاني 11:21]
ومن سلالة الملوك جاء آبيا، ونقرأ عنه "وَازْدَادَ أَبِيَّا قُوَّةً. وَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً ً". [سفر أخبار الأيام الثاني21:21]
وسنجد أنه من وصايا الرب لموسى عليه السلام في العهد القديم عدم زواج الكاهن من غير العذراء، أما لو كان كاهنًا أعظم فالوصية له تكون:" ...لِيَتَزَوَّجْ مِنْ عَذْرَاءَ، لَا مِنْ أَرْمَلَةٍ، وَلاَ مُطَلَّقَةٍ، وَلاَ زَانِيَةٍ مُدَنَّسَةٍ، بَلْ يَتَزَوَّجُ عَذْرَاءَ مِنْ سِبْطِهِ. فَلاَ يُدَنِّسُ نَسْلَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ""[سفر لاويين 21:14]
لاحظ: الأرملة أو المطلقة، وبحسب التوراة، مُحرمةٌ على الكاهن الأعظم وتدنسه!، وعلى النقيض كان محمد رسول الله جُلّ زوجاته من الأرامل والمطلقات.
سنجد من بين أمثلة ذلك زواج النبي بالسيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها والتي كانت تتنازل لعائشة عن ليلتها مع النبي، لكبر سنها، وخشية فراق النبي في الوقت ذاته. [أبو داود 2135 ]
ولو انتقلنا للديانة المسيحية، سنجد أنه لا يوجد نص واحد بالأناجيل الأربعة على حرمة تعدد الزوجات، بل نجد في الإنجيل العهد الجديد أن المسيح يؤكد على تكملته على سنة من جاءوا قبله "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ، مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ؛ بَلْ لِأُكَمِّلَ"[تعدد الزوجات، الحبيب عباس، نقلا عن إنجيل متى 17:5]
عرفت البشرية تعدد الزوجات منذ أقدم العصور، كانت الظاهرة منتشرة بين الفراعنة؛ وكان لرمسيس الثاني ثماني زوجات وعشرات المحظيات والجواري، أسماؤهن منقوشة على جدران المعابد، وأشهرهن نفرتاري ثم إيزيس نفر والدة مرنبتاح الذي تولى حكم مصر من بعده.
وكان تعدد الزوجات شائعًا في الشعوب ذات الأصل السلافى، وهو عرق يندرج تحته عدد كبير من الشعوب من بينهم الروس والصرب وبلغاريا، كما كان التعدد شائعًا بين الجرمان والسكسونيين التي ينتمي لها أغلب سكان أوروبا الحاليين، وكان ومازال منتشرًا لدى الشعوب الوثنية الإفريقية، وكثير من دول آسيا كالهند والصين ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا .
وفي الديانة الهندوسية مثلا نجد أن الإله الأسطوري "راما" زوج "سيتا" - له كثير من الزوجات اللاتي جئن لأجل نشوته الجسدية طبقًا للتقاليد الملكية [تاريخ مصر القديم لزكية طبوزاده، 130]
وعن المجتمع الفارسي نجد المؤرخ ويل ديورانت يذكر: "ولم يكن القانون يشجع البنات على أن يظلَلْن عذارى، ولا العزاب على أن يبقوا بلا زواج، ولكنه كان يبيح التسري وتعدد الزوجات؛ ذلك بأن المجتمعات الحربية في حاجة ماسة إلى كثرة الأبناء".[قصة الحضارة، الفصل السابع:111]
أباح العرب الجاهليون للرجل تعدد الزوجات، والجمع بين أي عدد شاء من الأزواج دون تحديد. أما الاكتفاء بامرأة واحدة أو باثنتين أو أكثر. فذلك أمر خاص يعود إليه. كما أباح التشريع الجاهلي للرجل امتلاك أي عدد يشاء من الإماء. وتكون الأمة ملكًا للرجل؛ لأنه اشتراها بذات يمينه، وهي ملكه ما دامت أمة في ملك سيّدها، فليس لها حقوق الزوجة، ولا تعدّ الأمة زوجة، إلا إذا أعتقها مالك رقبتها وتزوجها، فعندئذ تكون له زوجة له بمحض قرار الرجل وإرادته. [المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، 10/219]
ونجد في الطبري أن : "الرجل من قريش كان يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل" [تاريخ الطبري 4/156] وأنهم "كانوا ينكحون نساء آبائهم" [المصدر السابق:157] ولم يكونوا يعدلون بين نسائهم، فتفضل الواحدة على الأخرى، فجاء النهي عن ذلك في القرآن، وجاء تقييد عدد الزوجات بأربع؛ { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[النساء: 3]
وقد أسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوة [رواه ابن حبان 4165] وقيل ذلك عن قيس بن الحارث الذي أسلم عن ثماني نسوة [رواه ابن ماجة601 1]
وكان للعرب أنكحة فاسدة عديدة، حرمها الإسلام، تم توضيحها في الأحاديث الصحيحة عن السيدة عائشة رضي الله عنها [رواه البخاري 5127]
وتذكر السيدة عائشة ما كان في الجاهلية من نكاح الاستبضاع بإذن الرجل لزوجه بأن تمكن من نفسها رجلا من الكبراء، ليكون لها منه ولد مثله، ومنها اتخاذ الأخدان (أي: الصاحبات العشيقات) وكان العرب يستترون من هذه الفعلة مع حدوثها، ومنها السفاح بالبغاء العلني وكان عند العرب خاصًا بالإماء دون الحرائر، ومنها اشتراك أكثر من رجل بالدخول على امرأة واحدة وإعطاؤها حق نسب الولد لمن شاءت، وهناك نكاح المتعة والمبادلة وغيرها من النكاحات التي تدخل في الفجور، وكان النكاح الذي يتخذه الأشراف هو الذي يقوم على الإشهار والخطبة والمهر والعقد، وهو ما أقره الإسلام.
والخلاصة.. لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم، بحاجة لتبرير تعدد زوجاته، في عالم سادته العلاقات الزوجية المتعددة بل والخارجة عن العقود، بل وكانت حكمة زيجاته المرتبطة بالوحي جلية لمن يمعن ويتدبر ظروف كل منها على حدا، وقد كانت تلك سنة الأنبياء من قبله.. وكل من هاجم النبي بسبب زيجاته إنما يناقض ليس فقط حكمة الله ولكن ما جاء في الكتب السماوية وبينها التوراة والإنجيل وصولا للقرآن الكريم.