وفى السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم خروجه الى الشام فى المرّة الثانية
مع ميسرة عبد خديجة لاربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة وتزوّجها بعد ذلك شهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر سنة ست وعشرين* روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب أنا رجل معيل لا مال لى وقد اشتدّ الزمان وهذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك فى تجارتها فلو ذهبت اليها وقلت لها فى ذلك لغلها تقبل وبلغ خديجة ذلك فأرسلت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ذلك وقالت أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك* وفى رواية أتاها أبو طالب فقال لها هل لك أن تستأجرى محمدا فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربع بكرات فقالت خديجة لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف وقد سألت لحبيب قريب فقال أبو طالب للنبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا رزق ساقه الله اليك فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة* وفى رواية كانت بين خزيمة بن حكيم السلمى ثم البهزى وبين خديجة قرابة فوجهته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغلام لها يقال له ميسرة فى تجارة الى بصرى من أرض الشأم فساروا حتى اذا كانوا بين الشام والحجاز أعيا على ميسرة بعيران لخديجة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أوّل الركب فخاف ميسرة على نفسه وعلى البعيرين فانطلق يسعى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البعيرين فوضع يده على أخفافهما وعوّذهما فانطلق البعيران يسعيان فى أوّل الركب ولهما رغاء فلما رأى خزيمة ذلك علم أنّ له شأنا عظيما فحرص على ملازمته ومحافظته فلما دخلوا الشأم نزلوا بصرى عند صومعة بحيرا وكان فيها يومئذ راهب من رهبان الشأم يقال له نسطور فنزل الناس متفرّقين ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة يابسة نخر عودها ولما اطمأنّ تحتها اخضرت وأنورت واعشوشب ما حولها وأينع ثمرها وتدلت أغصانها فر فرفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان ذلك بعين الراهب فلم يتمالك أن انحدر من صومعته وقال له باللات والعزى ما اسمك فقال اليك عنى ثكلتك أمّك ما تكلمت العرب بكلمة أثقل علىّ من هذه الكلمة وكان ذلك مكرا من الراهب وكان معه حين نزل من صومعته رق أبيض فجعل ينظر فيه مرّة والى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أخرى ثم أكب ينظر فيه مليا فقال هو هو ومنزل الانجيل فلما سمع ذلك خزيمة ظنّ أنّ الراهب يريد بالنبىّ صلى الله عليه وسلم مكرا فأخذ بمقبض سيفه فانتزعه وجعل يصيح بأعلى صوته يا آل غالب يا آل غالب فأقبل الناس يهرعون اليه من كل ناحية يقولون ما الذى راعك ما الذى أفزعك فلما نظر الراهب الى ذلك أقبل يسعى الى صومعته فدخل فيها وأغلق عليه بابها ثم أشرف عليهم فقال يا قوم ما الذى راعكم منى فو الذى رفع السموات بغير عمد ما نزل بى ركب هو أحب الىّ منكم وانى لا جد فى هذه الصحيفة أنّ النازل تحت هذه الشجرة وأشار بيده الى الشجرة التى تحتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو رسول رب العالمين يبعثه الله بالسيف المسلول وبالذبح الاكبر وهو خاتم النبيين فمن أطاعه نجا ومن عصاه غوى ثم أقبل على خزيمة فقال ما تكون من هذا الرجل أرجلا من قومه قال لا ولكن خادم له وحدّثه بحديث البعيرين فقال له الراهب أيها الرجل انه النبىّ الذى يبعث فى آخر الزمان وانى أجد فى هذه الصحيفة أنه يظهر على البلاد وينصر على العباد ولا تردّ له راية ولا تدرك له غاية وانّ له أعداء أكثرهم اليهود أعداء الله فاحذرهم عليه فأسرّ خزيمة ذلك فى نفسه ثم أقبل الراهب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد انى لأرى فيك شيئا ما رأيته فى أحد من الناس انى لأحسبك النبىّ الذى يخرج من تهامة وانك لصريح فى ميلادك ولأمين فى أنفس قومك وانى لارى عليك محبة من الناس وانى مصدّقك فى قولك وناصرك على عدوّك فانطلق الركب يؤمّون الشأم ثم باع
النبىّ صلّى الله عليه وسلم سلعته فوقع بينه وبين رجل نزاع فقال له الرجل احلف باللات والعزى فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وانى لأمر فأعرض عنهما فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة هذا والله نبىّ تجده أحبارنا منعوتا فى كتبهم وكان ميسرة اذا كانت الهاجرة واشتدّ الحرّيرى ملكين يظلان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الشمس وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة وكان كأنه عبد له فوعى ذلك كله ميسرة فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون فلما رجعوا وكانوا بمرّ الظهران تقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل مكة فى وقت الظهيرة وخديجة فى علية لها فرأت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته النساء فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرّت بذلك خديجة ثم قدم ميسرة ودخل عليها فأخبرته بما رأت فقال ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشأم وأخبرها بالربح وبما شاهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبما قال الراهب نسطور وبما قال الآخر الذى حالفه فى البيع فأضعفت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له وكانت خديجة امرأة عاقلة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أفضلهم نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وقومها كانوا حراصا على نكاحها ولكن شرّفها الله بنكاح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمّا خزيمة فرجع الى بلاده وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا سمعت بخروجك أتيتك ووفد على رسول الله مسلما بعد فتح مكة والله أعلم*
(ذكر من خطب خديجة ومن تزوّجها قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم)
* فى المنتقى* روى أنّ خديجة ذكرت أوّل ما ذكرت للازواج لورقة بن نوفل ولم يقض بينهما نكاح وفى السمط الثمين قال ابن شهاب تزوّجت خديجة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم رجلين الاوّل منهما عتيق بن عائذ ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فولدت له جارية اسمها هند فأسلمت وتزوّجت* وفى سيرة مغلطاى ولدت له عبد الله وقيل عبد مناف ثم خلف عليها بعده أبو هالة النباش التميمى وهو من بنى أسد بن عمرو فولدت له رجلا يقال له هند وامرأة يقال لها هالة من النباش بن زرارة ويكنى أبا هالة ويقال له هند* وفى سيرة مغلطاى فولدت له هندا والحارث وزينب وكانت تكنى أمّ هند وتدعى الطاهرة* وفى المنتقى فولدت له هندا وهالة وهما ذكران قال محمد بن اسحاق تزوّجت وهى بكر عتيق بن عائذ ثم هلك عنها فتزوّجها أبو هالة النباش بن زرارة أحد بنى عامر بن تميم حليف بنى عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها* وقال الدار قطنى أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة وعن قتادة مثله وقال أبو هالة هند بن زرارة بن النباش فولدت له هند بن هند* وفى المنتقى اسم أبى هالة هند* وروى عن ابن شهاب أنه قال تزوّجها أوّلا أبو هالة ثم بعده عتيق ذكره الدولابى وأبو عمرو وصحح أبو عمرو قول ابن شهاب الثانى ولم يذكر ابن قتيبة غير الاوّل*