وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك -وإزاء ما وجد من أهل مكة من تكذيب وصد عن سبيل الله- فكان يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، حتى لا يحول بينه وبينهم أحد من أهل مكة المشركين
وفي موسم الحج عند عقبة منى،التقى النبي صلى الله عليه وسلم بجماعة من الخزرج أراد الله بهم خيرًا. فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: «من أنتم؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالي يهود؟»قالوا: نعم، قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟ » قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله -عز وجل-، وعرض عليهم الإِسلام، وتلا عليهم القرآن.
وكان بعض أولئك النفر قد سمعوا من اليهود أن نبيًا مبعوثًا قد أظل زمانه، وكانوا يتوعدونهم بأنهم سيتبعونه وينصرهم الله به على العرب، فلما كلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإِسلام.
وقالوا: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله تعالى بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدَّقوا، وهم ستة نفر جميعهم من الخزرج: أسعد بن زرارة بن عُدَي، وعوف بن الحارث بن رفاعة (ابن عفراء)، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حَديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رئاب [السيرة النبوية، لابن هشام]