فصل
في قراءة صلاة الفجر وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِنَحْوِ سِتِّينَ آيَةً إلى مائة، وصلاها بـ (سورة ق) (1) وصلاها بـ (سورة الرُّومِ) ، وَصَلَّاهَا بِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] (2) وصلاها بسورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} [الزلزلة: 1] (3) في الركعتين كلتيهما، وصلاها (بالمعوذتين) ، وكان في السفر، وصلاها: فاستفتح سُورَةِ (الْمُؤْمِنُونَ) حَتَّى إِذَا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.
وكان يصليها يوم الجمعة بـ (الم السجدة) وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] لِمَا اشتملتا عليه من الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَخَلْقِ آدَمَ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وذكر ما كان وما يكون في يوم الجمعة، كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ الْعِظَامِ، كَالْأَعْيَادِ والجمعة بـ (سورة ق) ، وَ (اقْتَرَبَتْ) وَ (سَبِّحْ) وَ (الْغَاشِيَةِ) .
[,
فصل
في هديه في القراءة في باقي الصلوات وَأَمَّا الظُّهْرُ، فَكَانَ يُطِيلُ قِرَاءَتَهَا أَحْيَانًا، حَتَّى قَالَ أبو سعيد: كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ، وَيُدْرِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطِيلُهَا. رَوَاهُ مسلم، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا تَارَةً بِقَدْرِ {الم - تنزيل} [السجدة: 1 - 2] السجدة (4) وَتَارَةً بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] (5) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (6) .
وأما العصر، فعلى النصف من قراءة الظُّهْرِ إِذَا طَالَتْ، وَبِقَدْرِهَا إِذَا قَصُرَتْ.
وَأَمَّا الْمَغْرِبُ، فَكَانَ هَدْيُهُ فِيهَا خِلَافَ عَمَلِ النَّاسِ اليوم، فإنه صلاها مرة
_________
(1) مسلم والترمذي.
(2) مسلم وأبو داود.
(3) أبو داود والبيهقي بسند صحيح.
(4) أحمد ومسلم.
(5) أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة (1 / 67 / 2) .
(6) أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة (1 / 67 / 2 / 2) .
بـ (الأعراف) في الركعتين، ومرة بـ (الطور) (1) ومرة بـ (المرسلات) (2) .
وأما المداومة على قراءة قصار المفصل فيها، فهو من فعل مروان (3) . ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت قال ابن عبد البر روي عنه أنه قرأ في المغرب بـ (المص) (4) وبـ (الصافات) ، وبـ (الدخان) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وبـ (التين) (5) وبـ (المعوذتين) وبـ (الْمُرْسَلَاتِ) وَأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ; وكلها آثار صحاح مشهورة.
وأما عشاء الآخرة، فقرأ صلى الله عليه وسلم فيها بـ (التين) (6) وَوَقَّتَ لمعاذ فِيهَا: بِـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وبـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] وَنَحْوِهَا.
وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ فِيهَا بـ (البقرة) وقال لَهُ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا معاذ؟» فَتَعَلَّقَ النَّقَّارُونَ (7) بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا قَبْلَهَا وما بَعْدَهَا.
وَأَمَّا الْجُمُعَةُ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَتَيِ (الجمعة) و (المنافقين) (8) وسورتي: (سبح) و (الغاشية) (9) .
وأما الأعياد، فتارة يقرأ بـ (ق) و (اقتربت) (10) كاملتين، وتارة بـ (سبح) و (الغاشية) (11) وهذا الهدي الذي استمر عَلَيْهِ إِلَى أَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
ولهذا أخذ به الخلفاء، فقرأ أبو بكر في الفجر سورة (البقرة) حتى سلم قريبا من طلوع الشمس (12) . وكان بعده عمر يقرأ فيها بـ (يوسف) و (النحل) و (هود) و (بني إسرائيل) ونحوها.
وأما قوله: «أيكم أمّ الناس فليخفف» فالتخفيف أمر نسبي يرجع فيه إِلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، لا إلى شهوات المأمومين.
وهديه الذي كان يواظب عليه، هو الحاكم في كل ما تنازع فيه المتنازعون.
وكان لا يعين سورة بعينها لا يقرأ
_________
(1) البخاري ومسلم.
(2) البخاري ومسلم.
(3) هو مروان بن الحكم. والذي أنكر عليه المداومة. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالقصار في " مسند أحمد " و " البخاري " و " مسلم ".
(4) البخاري وأبو داود.
(5) الطبراني والمقدسي بسند صحيح.
(6) البخاري ومسلم والنسائي.
(7) الذين يجعلون صلاتهم كنقر الديكة.
(8) مسلم وأبو داود.
(9) مسلم وأبو داود.
(10) مسلم وأبو داود.
(11) مسلم وأبو داود.
(12) فقالوا له: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كادت الشمس أن تطلع! فقال: لو طلعت لم نجدها غافلين.
إلا بها، إلا في الجمعة والعيدين.
وكان من هديه قراءة السورة، وربما قرأها في الركعتين. وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا، فَلَمْ يُحْفَظْ عنه.
وأما قراءة السورتين في الركعة، فكان يفعله في النافلة. وَأَمَّا قِرَاءَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ مَعًا، فقلما كان يفعله.
وكان يطل الركعة الأولى على الثانية من كُلِّ صَلَاةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ يُطِيلُهَا، حَتَّى لَا يسمع وقع قدم.
[,
فصل
في ركوعه صلى الله عليه وآله وسلم فإذا فرغ من القراءة، رفع يديه وَكَبَّرَ رَاكِعًا، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَالْقَابِضِ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ، فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَسَطَ ظهره ومده، واعتدل فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره.
فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» (1) وَتَارَةً يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ، أَوْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» وَكَانَ رُكُوعُهُ المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وَتَارَةً يَجْعَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِقَدْرِ الْقِيَامِ، وَلَكِنْ كان يفعله أحيانا في صلاة الليل وحده. فهديه الغالب تَعْدِيلُ الصَّلَاةِ وَتَنَاسُبُهَا.
وَكَانَ يَقُولُ أَيْضًا فِي رُكُوعِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» (2) وَتَارَةً يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي» (3) وَهَذَا إِنَّمَا حُفِظَ عَنْهُ فِي قِيَامِ الليل.
ثم يرفع رأسه قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَكَانَ دَائِمًا يُقِيمُ صُلْبَهُ، إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَقُولُ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود» وكان إذا استوى قال: «ربنا ولك الحمد» وربما
_________
(1) أحمد وأبو داود وابن ماجه.
(2) مسلم وأبو عوانة.
(3) مسلم.
قال: «اللهم ربنا لك الحمد» وأما الجمع بين اللهم والواو، فَلَمْ يَصِحَّ (1) .
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ إِطَالَةُ هَذَا الركن بقدر الركوع، فصح عنه أنه كان يقول فيه: «اللهم ربنا لك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بينهما، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (2) وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ: «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَرَّرَ فِيهِ قَوْلَهُ: «لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لربي الحمد» (3) .
حتى كان بقدر ركوعه.
وذكر مسلم عَنْ أنس: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. ثُمَّ يَسْجُدُ ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم فهذا هديه المعلوم، وَتَقْصِيرُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ مِمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ أُمَرَاءُ بني أمية حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ.
[فَصْلٌ في كيفية سجوده]
فَصْلٌ ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يرفع يديه. وكان يضع ركبتيه ثُمَّ يَدَيْهِ بَعْدَهُمَا، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ. هذَا هو الصحيح (4) فكان أَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ الْأَقْرَبَ إليها فالأقرب، وأول ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع رأسه أول، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهكذا عكس فعل البعير. وهو نهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة، فَنَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ، وَافْتِرَاشٍ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَرَفْعِ الْأَيْدِي وَقْتَ السَّلَامِ كأذناب الخيل الشمس.
وكان يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ، ولم يثبت عنه
_________
(1) البخاري في (2 / 234) صح عنه صلى الله عليه وسلم الجمع.
(2) مسلم وأبو عوانة.
(3) أبو داود والنسائي بسند صحيح.
(4) اختار الإمام مالك وضع اليدين قبل الركبتين، وهو رواية عن الإمام أحمد وبعض أهل الحديث. وقال بعضهم: إن ركبتي البعير في يديه، ومخالفة التشبه تقتضي تأخر الركبتين وتقديم الكفين. وانظر تفصيل ذلك في " صفة صلاة النبي " للألباني ص 147.
السجود عليه، وكان يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يرى بياض إبطيه، وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه، ويعتدل فِي سُجُودِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرج بينهما، ولا يقبضهما. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» (1) وَأَمَرَ بِهِ، ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» (2) ويقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» (3) .
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتَ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (4) وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» (5) وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفر لي خطاياي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وخطاياي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ: «إنه قمن أن يستجاب لكم»
[,
فصل ثم يرفع رأسه مكبرا غير رافع يديه، ثم يجلس مفترشا يفرش اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى، ويضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقيه على فخذيه، وطرف يده على ركبتيه، ويقبض اثنتين من أصابعه، وحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها، ولا يحركها، ثم يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي» هكذا ذكره ابن عباس عنه.
وذكر حذيفة عنه أنه كان يقول: «رب اغفر لي» ثم ينهض على صدور
_________
(1) أحمد وأبو داود وابن ماجه.
(2) البخاري ومسلم.
(3) مسلم وأبو عوانة.
(4) مسلم.
(5) مسلم.
قدميه وركبتيه، معتمدا على فخذيه، فإذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت، كما يسكت عند الاستفتاح. ثم يصلي الثانية كالأولى إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: السُّكُوتِ وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَتَكْبِيرَةِ الإحرام، وتطويلها.
فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فخذه الأيسر، ويده اليمنى على فخذه الأيمن، وأشار بالسبابة، وكان لا ينصبها نصبا، ولا يقيمها، بل يحنيها شيئا يسيرا، ولا يحركها، ويرفعها يدعو بها، ويرمي بصره إليها، ويبسط اليسرى على، وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا صِفَةُ جُلُوسِهِ، فَكَمَا تَقَدَّمَ بين السجدتين سواء.
وأما حديث ابن الزبير الذي رواه مسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الأيسر بين فخذه وساقه، وفرش قدمه الأيمن. فهذا في التشهد الأخير. ذكر ابن الزبير أنه يفرش اليمين، وذكر أبو حميد أنه ينصبها، وهذا والله أعلم ليس باختلاف، فإنه كان لا يجلس عليها، بَلْ يُخْرِجُهَا عَنْ يَمِينِهِ، فَتَكُونُ بَيْنَ الْمَنْصُوبَةِ والمفروشة، أو يقال: كان يفعل هذا وهذا، فكان ينصبها، وربما فرشها أحيانا، وهو أروح.
ثم كان يتشهد دائما بهذه الْجِلْسَةِ، وَيُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولُوا: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدا عبده ورسوله» وكان يخففه جدا كأنه يصلي على الرضف (1) وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ قَطُّ أَنَّهُ كان يصلي عليه وعلى آله فيه، ولا يستعيذ فيه من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَمَنِ استحبه فإنما فهمه من عمومات قد تبين موقعها وَتَقْيِيدُهَا بِالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
ثُمَّ كَانَ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى فخذيه. وفي " صحيح مسلم " وبعض طرق البخاري أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عنه أنه قرأ في الأخيرتين بعد الفاتحة شيئا.
ولم يكن من هديه الالتفات في الصلاة. وفي " صحيح البخاري " أنه سئل عنه، فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العبد» وكان يفعله في الصلاة أحيانا لعارض، لم يكن
_________
(1) الرضف: الحجرات المحماة بالنار.
من فعله الراتب، كالتفاته إلى الشعب الذي بعث إليه الطليعة (1) والله أعلم. وكان يدعو بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ فِي حديث أبي هريرة وحديث فضالة.
وأما الدعاء بعد السلام مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ من هديه أصلا وَعَامَّةُ الْأَدْعِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ المصلي، فإنه مقبل على ربه، فإذا سلم زال ذلك. ثُمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يساره كذلك» ، هذا كان فعله الراتب، وروي عنه أنه كان يسلم تسليمة واحدة من تلقاء وجهه، لكن لم يثبت، وأجود ما فيه حديث عائشة وهو في " السنن "، لكنه في قيام الليل، وهو حديث معلول، على أنه لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ.
وكان يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» وَكَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي داري، وبارك لي في ما رَزَقْتَنِي» وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تعلم»
والمحفوظ في أدعيته كلها في الصلاة بلفظ الإفراد.
«وكان إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ» ، ذَكَرَهُ أحمد، «وَكَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ» ، وقد جعل الله قرة عينه ونعيمه في الصلاة، فكان يقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة» ولم يشغله ذلك عن مراعاة المأمومين مع كمال حضور قلبه.
«وَكَانَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُهَا مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ على أمه» ، وَكَذَلِكَ «كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَهُوَ حَامِلٌ أمامة بنت ابنته عَلَى عَاتِقِهِ، إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا رَكَعَ وسجد وضعها» ، «وكان يصلي فيجيء الحسن والحسين فيركبان على ظَهْرَهُ، فَيُطِيلُ السَّجْدَةَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَنْ ظهره» ، «وكان يصلي فتجيء عائشة فيمشي، فيفتح لها الباب، ثم يرجع
_________
(1) وكان ذلك في صلاة الصبح، وقد أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ.
إلى مصلاه» .
«وكان يرد السلام بالإشارة» (1) . وأما حديث «من أشار في صلاته فليعدها» فحديث باطل. وكان ينفخ في صلاته، ذكره أحمد وكان يبكي فيها، ويتنحنح لحاجة.
«وكان يصلي حافيا تارة، ومنتعلا أخرى» (2) وأمر بالصلاة في النعل مخالفة اليهود وَكَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ تَارَةً، وَفِي الثَّوْبَيْنِ تَارَةً وَهُوَ أَكْثَرُ.
وَقَنَتَ فِي الْفَجْرِ بعد الركوع شهرا ثم ترك، وكان قنوته لعارض، فلما زال تركه، فكان هديه الْقُنُوتَ فِي النَّوَازِلِ خَاصَّةً، وَتَرْكَهُ عِنْدَ عَدِمِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَخُصُّهُ بِالْفَجْرِ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُ قنوته فيه لأجل ما يشرع فيه من الطول، ولقربها من السحر وساعة الإجابة، والتنزل الإلهي.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود السهو]
فَصْلٌ وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنما أنا بشر أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» وَكَانَ لسهوه من تمام النعمة على أمته، وإكمال دينهم، ليقتدوا به، فقام من اثنتين في الرباعية.
فلما قضى صلاته، سجد قبل السلام، فأخذ منه أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ التي ليست بأركان سَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَأُخِذَ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ ذَلِكَ، وَشَرَعَ فِي ركن لم يرجع.
«وسلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشاء، ثُمَّ تَكَلَّمَ، ثُمَّ أَتَمَّهَا، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سجد ثم سلم. وصلى وسلم، وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة، فقال له طلحة: نسيت ركعة. فرجع فدخل المسجد، فأمر بلالا فأقام، فصلى للناس ركعة» ، ذكره أحمد.
صلى الظهر خمسا، فقالوا: صليت خمسا. فسجد بعد ما سلم.
وَصَلَّى الْعَصْرَ ثَلَاثًا ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَذَكَّرَهُ النَّاسُ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثم سجد، ثم سلم.
هذا مجموع ما حفظ عنه، وهي خمسة مواضع.
ولم يكن من هديه تغميض عينيه في الصلاة، وكرهه أحمد وغيره، وقالوا: هو من فعل اليهود وأباحه جماعة، والصواب أن الفتح إن كان لا يخل بالخشوع، فهو أفضل، وإن حال بينه وبين الخشوع
_________
(1) أحاديث رد السلام بالإشارة، كثيرة وصريحة وقد تلقتها الأمة بالقبول، وهي في " السنن " و " المسند " ومع ذلك يقوم بالإنكار على من يحي هذه السنة.
(2) لحديث أبو داود والبزار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
لما في قبلته من الزخرف وغيره، فهناك لا يكره.
«وكان إذا سلم استغفر ثلاثا» ، ثم قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذا الجلال والإكرام» (1) ولا يمكث مستقبل القبلة إلا بقدر ذلك، ويسرع الانفتال إلى المأمومين. وكان ينقل عن يمينه وعن يساره، ثُمَّ كَانَ يُقْبِلُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ بِوَجْهِهِ، وَلَا يَخُصُّ نَاحِيَةً مِنْهُمْ دُونَ نَاحِيَةٍ.
وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشمس حسناء. وَكَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلَّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذا الجد منك الجد، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، ولو كره الكافرون» وَنَدَبَ أُمَّتَهُ إِلَى أَنْ يَقُولُوا فِي دُبُرِ كل صلاة مكتوبة: «سُبْحَانَ اللَّهِ. ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. ثَلَاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين ; وَتَمَامُ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وهو على كل شيء قدير» (2) .
وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " عَنِ الحارث بن مسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذا صليت الصبح، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يومك كتب الله لك جوازا مِنَ النَّارِ، وَإِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، كَتَبَ الله لك جوازا من النار»
وكان إذا صلى إلى جدار ; جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرَ مَمَرِّ الشَّاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ، بَلْ «أَمَرَ بِالْقُرْبِ مِنَ السُّتْرَةِ» ، «وَكَانَ إِذَا صَلَّى إِلَى عُودٍ، أَوْ عَمُودٍ، أَوْ شَجَرَةٍ، جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ، أَوِ الْأَيْسَرِ، وَلَمْ يَصْمُدْ لَهُ صَمْدًا،» «وَكَانَ يَرْكُزُ الْحَرْبَةَ فِي السَّفَرِ، وَالْبَرِّيَّةِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، فَتَكُونُ سُتْرَتَهُ» ، «وَكَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا» ، «وكان يأخذ الرحل، فيعدله، ويصلي
_________
(1) رواه الجماعة إلا البخاري.
(2) البخاري ومسلم وأحمد.
إِلَى آخِرَتِهِ» ، «وَأَمَرَ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَسْتَتِرَ ; وَلَوْ بِسَهْمٍ، أَوْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَلْيَخُطَّ خطا بالأرض» ، فإن لم تكن سترة، فقد صح عنه أنه: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» ومعارضه صحيح ليس بصريح، أو صريح ليس بصحيح.
وكان يصلي وعائشة نائمة في قبلته، وليس كالمار، فإن الرجل يحرم عليه المرور، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَابِثًا بَيْنَ يدي المصلي.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنن الرواتب والتطوعات]
فصل وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَافِظُ عَلَى عَشْرِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ دَائِمًا، وَهِيَ الَّتِي قَالَ فيها ابن عمر: «حفظت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وركعتين بعد المغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صلاة الفجر» «ولما فاتته الركعتان بعد الظهر، قضاهما في وقت النهي بعد العصر» ، «وكان يصلي أحيانا قبل الظهر أربعا» ، وأما الركعتان قبل المغرب، فصح عنه أنه قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين وقال فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا الناس سنة» ، وهذا هو الصواب ; أنها مستحبة، وليست سنة راتبة. وَكَانَ يُصَلِّي عَامَّةَ السُّنَنِ وَالتَّطَوُّعَ الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ فِي بَيْتِهِ لَا سِيَّمَا سُنَّةُ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهَا في المسجد ألبتة، وله فعلها في المسجد، وكان محافظته عَلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ أَشَدَّ مِنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ، وكذلك لم يكن يدعها هي والوتر، لا حضرا ولا سفرا، ولم ينقل عنه أنه صلى في السفر سنة راتبة غيرهما.
وقد اختلف الفقهاء أيهما آكد؟ وسنة الْفَجْرِ تَجْرِي مَجْرَى بِدَايَةِ الْعَمَلِ، وَالْوِتْرُ خَاتَمَتُهُ، ولذلك كان يصليهما بسورتي (الإخلاص) و (الكافرون) وَهُمَا الْجَامِعَتَانِ لِتَوْحِيدِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَتَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد، فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] متضمنة لما يجب إثباته له تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال صمديته وغناه ووحدانيته، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل والنظر، فتضمنت إثبات كل كمال، ونفي كل نقص، ونفي إثبات شبيه له أو مثيل في كماله، ونفي مطلق الشركة، وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الَّذِي يُبَايِنُ صَاحِبُهُ جَمِيعَ فِرَقِ الضَّلَالِ وَالشِّرْكِ، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن، فإن مَدَارُهُ عَلَى الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ، وَالْإِنْشَاءُ
ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ، وَنَهْيٌ، وَإِبَاحَةٌ. وَالْخَبَرُ نَوْعَانِ: خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ تَعَالَى، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَخَبَرٌ عن خلقه. فأخلصت سورة الإخلاص للخبر عَنْهُ، وَعَنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَعَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وخلصت قارئها من الشرك العلمي كما خلصته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] من الشرك العملي، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَهُوَ إِمَامُهُ وسائقه، والحاكم عليه كانت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن.
ولما كان الشرك العملي أغلب على النفوس لمتابعة الهوى، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته، وقلعه أشد من قلع الشرك العلمي، لأنه يزول بالحجة، وَلَا يُمْكِنُ صَاحِبُهُ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ عَلَى غير ما هو عليه، جاء التأكيد والتكرير في {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ولهذا كان يقرأ بهما في ركعتي الطواف، لأن الحج شعار التوحيد، ويفتح بهما عمل النهار، ويختم بهما عمل الليل.
وكان يَضْطَجِعُ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وقد غلا فيها طائفتان، فأوجبها طائفة من أهل الظاهر، وكرهها جماعة، وَسَمَّوْهَا بِدْعَةً، وَتَوَسَّطَ فِيهَا مالك وَغَيْرُهُ، فَلَمْ يَرَوْا بِهَا بَأْسًا لِمَنْ فَعَلَهَا رَاحَةً، وَكَرِهُوهَا لمن فعلها استسنانا.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام الليل لم يكن صلى الله عليه وسلم يدع صلاة الليل حضرا ولا سفرا، وإذا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لا يقضى، لفوات محله، كتحية المسجد، والكسوف، والاستسقاء، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ صَلَاةِ الليل وترا.
وكان قيامه بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ركعة، حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، هَلْ هُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، أم غَيْرُهُمَا؟ .
فَإِذَا انْضَافَ ذَلِكَ إِلَى عَدَدِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ، وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا، جَاءَ مَجْمُوعُ وِرْدِهِ الرَّاتِبِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرْبَعِينَ ركعة، كان يحافظ عليها دائما، وما زاد على ذلك فغير راتب.
فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى هَذَا الْوِرْدِ دَائِمًا إِلَى الْمَمَاتِ، فَمَا أَسْرَعَ الْإِجَابَةَ،
وَأَعْجَلَ فَتْحَ الْبَابِ لِمَنْ يَقْرَعُهُ كُلَّ يَوْمٍ وليلة أربعين مرة، والله المستعان.
«وكان إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»
«وَكَانَ إِذَا انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ثُمَّ يَتَسَوَّكُ، وربما قرأ عشر الآيات من آخر سورة (آلِ عِمْرَانَ) مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] ثم يتطهر، ثم يصلي ركعتين خَفِيفَتَيْنِ،» وَأَمَرَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وكان يقوم إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بعده بقليل» ، وَكَانَ يَقْطَعُ وِرْدَهُ تَارَةً، وَيَصِلُهُ تَارَةً، وَهُوَ الأكثر، فتقطيعه كما قال ابن عباس: «إنه بعد ما صلى ركعتين انصرف، فنام، فعل ذلك ثلاث مرات في ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ ثم أوتر بثلاث.»
وكان وتره أنواعا، منها: هذا، ومنها: أن «يصلي ثماني ركعات يسلم بعد كل ركعتين، ثم يوتر بخمس سردا متواليات، لا يجلس إلا في آخرهن» ، «ومنها: تِسْعُ رَكَعَاتٍ يَسْرُدُ مِنْهُنَّ ثَمَانِيًا، لَا يَجْلِسُ إلا في الثامنة، يجلس فيذكر الله، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يصلي التاسعة، ثم يقعد فيتشهد ويسلم، ثم يصلي بعدها ركعتين بعد ما يسلم» . ومنها أن «يُصَلِّي سَبْعًا، كَالتِّسْعِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا ركعتين جالسا» .
ومنها: أن «يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يفصل بينهن» ، فهذا رواه أحمد، عَنْ عائشة، أَنَّهُ: «كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا فصل فيهن» . وفيه نظر، ففي " صحيح ابن حبان " عن أبي هريرة مرفوعا: «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب» قال الدارقطني وإسناده كلهم ثقات. قال حرب: سُئِلَ أحمد عَنِ الْوِتْرِ ; قَالَ: يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ، رَجَوْتُ أَلَّا يَضُرَّهُ، إِلَّا أَنَّ التَّسْلِيمَ أَثْبَتُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال في رواية أبي طالب: أَكْثَرَ الْحَدِيثِ وَأَقْوَاهُ رَكْعَةٌ، فَأَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهَا.
ومنها مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ حذيفة أَنَّهُ: «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة رَمَضَانَ، فَرَكَعَ، فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ:
سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا» ، الحديث (1) . وفيه: «فَمَا صَلَّى إِلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ يَدْعُوهُ إِلَى الْغَدَاةِ» . وَأَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ووسطه، وآخره، وقام ليلة بآية يتلوها، ويرددها حتى الصباح {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْمَائِدَةِ: 118] (2) .
وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ أَكْثَرُهَا، صَلَاتُهُ قَائِمًا. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يصلي قَاعِدًا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، فَإِذَا بَقِيَ يَسِيرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَامَ فَرَكَعَ قَائِمًا، وثبت عنه أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر جَالِسًا تَارَةً، وَتَارَةً يَقْرَأُ فِيهِمَا جَالِسًا، فَإِذَا أراد أن يركع قام فركع.
وقد أشكل هذا على كثير، وظنوه معارضا لقوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» قال أَحْمَدُ لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَمْنَعُ مَنْ فَعْلَهُ، قال: وأنكره مالك والصواب أن الوتر عبادة مستقلة. فَتَجْرِي الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ مَجْرَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ مِنَ المغرب، فهما تكميل للوتر.
وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، إِلَّا فِي حَدِيثٍ رواه ابن ماجه قال أحمد: لَيْسَ يُرْوَى فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ، وَلَكِنْ كَانَ عمر يَقْنُتُ من السنة إلى السنة.
وروى أهل " السنن " حديث الحسن بن علي وقال الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه من حديث أبي هريرة (3) السعدي انْتَهَى، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ مَحْفُوظٌ عَنْ عمر، وأبي، وابن مسعود وَذَكَرَ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «كان يقرأ في الوتر بـ (سبح) و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ويرفع» وكان صلى الله عليه وسم يُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ منها، والمقصود من القرآن تدبره وتفهمه، والعمل به. وتلاوته، وحفظه
_________
(1) وتمامه: ثُمَّ جَلَسَ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا فَمَا صَلَّى إلا أربع كعات، حتى جاء بلال يدعوه الغداة.
(2) 122 المائدة.
(3) في الأصل: أبي الجون، وهو تحريف من الناسخ، ونص الدعاء كما في الترمذي (464 عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ) : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وبارك لي فيما أعطيت، وقني واصرف عني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عليك، وإنه لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " وإسناده صحيح.
وَسِيلَةٌ إِلَى مَعَانِيهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا.
قال شعبة: حدثنا أبو حمزة قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَجُلٌ سَرِيعُ القراءة، وربما قرأت القرآن في الليلة مرة أو مرتين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لَأَنْ أَقْرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً، أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الَّذِي تَفْعَلُ، فَإِنْ كُنْتَ فاعلا لا بد، فاقرأ قراءة تسمع أذنيك، ويعيه قلبك. وقال إبراهيم: قرأ علقمة على عبد الله، فَقَالَ: رَتِّلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنَّهُ زَيْنُ القرآن. وقال عبد الله: لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ هَذَّ الشِّعْرِ، وَلَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ. وقال: إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَأَصْغِ لَهَا سَمْعَكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أو شر تنهى عنه. وقال عبد الرحمن بن أبي ليل: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ وَأَنَا أَقْرَأُ (سُورَةَ هُودٍ) فقالت لي: يَا عبد الرحمن هَكَذَا تَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ؟ ! وَاللَّهِ إِنِّي فِيهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَمَا فَرَغْتُ مِنْ قِرَاءَتِهَا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسر بالقرآن في صلاة الليل تارة، ويجهر تارة، ويطيل القيام تارة، ويخففه تَارَةً، وَكَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى راحلته في السفر، قبل أي وجه تَوَجَّهَتْ بِهِ، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهَا إِيمَاءً، وَيَجْعَلُ سجوده أخفض من ركوعه.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الضحى]
فصل روى البخاري في صحيحه عن عائشة قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا.
» وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قبل أن أرقد»
ولمسلم عن زيد ابن أرقم مرفوعا: «صلاة الأوابين حين تَرْمَضُ الْفِصَالُ» أَيْ: يَشْتَدُّ حَرُّ النَّهَارِ، فَتَجِدُ الفصال حر الرمضاء، فقد أوصى بها، وكان يستغني عنها بقيام الليل.
قال مسروق: كنا نصلي فِي الْمَسْجِدِ، فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثم نقوم فنلي الضحى، فبلغه، فَقَالَ: لِمَ تُحَمِّلُونَ عِبَادَ اللَّهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمُ اللَّهُ؟ إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ ففي بيوتكم.
وقال سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إِنِّي لَأَدَعُ صَلَاةَ الضُّحَى وأنا أشتهيها،
مخافة أن أراها حتما علي.
«وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وَهَدْيِ أَصْحَابِهِ، سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ تسر، أو اندفاع نقمة» ، «وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية سجدة - كَبَّرَ وَسَجَدَ، وَرُبَّمَا قَالَ فِي سُجُودِهِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بحوله وقوته» ولم ينقل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ لِلرَّفْعِ مِنْ هَذَا السجود، ولا تشهد، ولا سلم ألبتة. وصح عنه أَنَّهُ سَجَدَ فِي (الم تَنْزِيلُ) وَفِي (ص) وفي (اقرأ) وَفِي (النَّجْمِ) وَفِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَذَكَرَ أبو داود، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي المفصل، وفي (سورة الحج) سجدتين.
وأما حديث ابن عباس، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي المفصل منذ تحول إلى المدينة، فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فِي إِسْنَادِهِ أبو قدامة الحارث بن عبيد، ولا يحتج بحديثه، وأعله ابن القطان بمطر الوراق، وقال: كان يشبه فِي سُوءِ الْحِفْظِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعِيبَ عَلَى مسلم إِخْرَاجُ حديثه. انتهى.
وَلَا عَيْبَ عَلَى مسلم فِي إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَفِظَهُ، كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ اليقظة ما يعلم أنه غلط فيه، فمن الناس من صحح جميع أحاديث هؤلاء الثقات، ومنهم من ضعف جميع حديث السيئ الْحِفْظِ، فَالْأُولَى طَرِيقَةُ الحاكم وَأَمْثَالِهِ، وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابن حزم وَأَشْكَالِهِ، وَطَرِيقَةُ مسلم هِيَ طَرِيقَةُ أئمة هذا الشأن.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا وكان لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ»
وللترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» .
ورواه في الموطأ وصححه الترمذي أيضا بلفظ: «خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيها سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلِّي يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إِيَّاهُ»
قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يوم. فقلت: بل كل جمعة. فقرأ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثم لقيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، فقال: لقد علمت أي سَاعَةٍ هِيَ قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا. فَقَالَ ابن سلام: ألم يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فهو في صلاة حتى يصلي» وفي لفظ في مسند أحمد في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهَا الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهَا الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا الله فيها استجيب له»
وذكر ابن إسحاق عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك قَالَ: كُنْتُ قَائِدَ أَبِي حِينَ كُفَّ بَصَرُهُ، فَإِذَا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان لها، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، فكنت حيا أسمع ذلك منه، فقلت: إن عجزا أن لا أسأله. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ أَرَأَيْتَ اسْتِغْفَارَكَ لِأَسْعَدَ بْنِ زرارة كلما سمعت الأذان بالجمعة؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ كَانَ أسعد أَوَّلَ مَنْ جَمَّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُقَالُ له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. قال البيهقي هذا حسن صحيح الإسناد. انتهى.
ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأقام بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا في المسجد الذي في بطن الوادي قبل تأسيس مسجده.
قال ابن إسحاق: وكانت أول خطبة خطبها فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن - وأعوذ بالله أن أقول
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - «أنه قام فيهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ لَيُصْعَقَنَّ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَهُ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ ربه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ، وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ، أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فَبَلَّغَكُ، وَآتَيْتُكَ مَالًا، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنَ النار ولو بشق تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجْزَى الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ من شرور أنفسنا، ومن سيئات أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ. إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ اللَّهُ، أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلُّوا كَلَامَ اللَّهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ اللَّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ خِيرَتَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمُصْطَفَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَالصَّالِحَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كُلِّ مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللَّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابُّوا بروح الله بينكم، إن الله يبغض أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته»
[