(فصل) في عادته صلى الله عليه وسلم في الصلوات وما اشتملت عليه صلاته من الكيفيات المختلفات والاسرار الخفيات. اعلم ان الصلاة أعظم شعائر الاسلام ولم يعبد بها أحد غير الله ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم اسلام أحد دونها ولهذا ما ورد ان أهل الطائف سألوه ان يقبل اسلامهم ويحط عنهم الصلاة فأبى عليهم وقال لا خير في دين ليس فيه ركوع وقال أول ما يحاسب به العبد الصلاة فهى في هذا الدين كالعنوان أو كأساس البنيان لذلك ما ذكر في أصل مشروعيتها من عظيم الشأن وترديد النبي صلى الله عليه وسلم بين موسى وربه في التحطيط منها حتى رجعت من خمسين الى خمس قال تعالى هي خمس وهن خمسون يعني في الثواب كما هو في أم الكتاب ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد. وقد نطق القرآن العظيم بفضلها وعظم موقعها وجلالة قدرها وجاءت السنة بأضعاف ذلك فمن مجموع ذلك انها معينة على قضاء الاصول وأصح في القياس (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (التحتم في التيمم لكل فريضة) أراد حديثا مرفوعا اليه صلى الله عليه وسلم والا فقد أخرج البيهقي باسناد صحيح عن ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة وان لم يحدث واستدل لذلك بقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الى أن قال فَتَيَمَّمُوا فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقى التيمم على مقتضاه وعلله الاصحاب بانه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها (ولا) يعلم في حديث يقطع بصحته (أنه لا يجزي) بفتح أوله بلا همز وضمه مع الهمز (غير التراب الذي له غبار) بل أخذ أصحابنا من قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أى اقصدوا ترابا طاهرا كما نقل عن تفسير ابن عباس وغيره (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود عن أبي ذر وهو عام خصصه رواية مسلم وتربتها لنا طهورا ورواية الدارقطني وأبي عوانة عن حذيفة وترابها وزيادة الثقة مقبولة.
(فصل) في عادته في الصلاة (غير الله) بالرفع والنصب (أول ما يحاسب به العبد الصلاة) فان صلحت صلح له سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله أخرجه الطبراني في الاوسط والضياء عن أنس ولا يعارض هذا الحديث ما أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء لان هذا فيما بين العباد وذاك فيما بين العبد وبين الله تعالى قاله النووي ويؤيد قول النووى ما أخرجه النسائي
الحاجات المهمات لقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ومنه قوله تعالى فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتضاعف الحسنات وتغسل ادران الذنوب وترفع الدرجات وجاء فيها انها نور مطلق وشافعة للمصلى عند ربه ومسهلة عليه المرور على الصراط وكاشفة لكربه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه شيء فزع الى الصلاة ثم انها جالبة للرزق كما في قوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وجاء انها شفاء من وجع البطن قم فصل فان الصلاة شفاء وفضلها أجل من ان يحصر وأشهر من ان يذكر ولأجل ما استجمعت من الخيرات ودفع المكروهات قال النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة. وفي رواية الجائع يشبع والظمآن يروى وأنا لا أشبع من حب الصلاة وقال أقم الصلاة يا بلال وأرحنا بها* وقد قدمنا ما يلحق مفوتها من الوبال والخزي والنكال في صلاة الخوف في طى غزوة ذات الرقاع. ونشرع الآن في مهمات من وجوه تحسينها والأمور المؤدية الى قبولها فركنها الأعظم بعد النية وأعمالها الطاهرة التي لا تصلح الا بها الخشوع والتدبر والخضوع* قال الله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وقال تعالى من حديث ابن مسعود أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضي بين الناس في الدماء (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي نادت زكريا (فِي الْمِحْرابِ) أى في الغرفة (وتغسل أدران) بالمهملة والراء أي أو ساخ (الذنوب) ففي الحديث الصحيح أرأيتم لوان نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقي من درنه شيء قالوا لا قال كذلك الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا لفظ مسلم (وجاء فيها أنها نور مطلق) أخرجه القضاعى وابن عساكر عن أنس (وكان اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة) أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة وحزبه بالمهملة فالزاى أهمه وانما كان يفزع الي الصلاة امتثالا لامر ربه في قوله وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (قم فصل فان في الصلاة شفاء) أخرجه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة (وأرحنا بها) أي ادخل علينا الروح والراحة التى نجدها في الصلاة ومناجاة الله تعالى (الخشوع) هو غض البصر وخفض الصوت ومحله القلب وعن علي أن الخشوع أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا وعن ابن جبير أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره وعن عمرو بن دينار هو السكون وحسن الهيئة وعن ابن سيرين هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك وعن عطاء هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة وقيل هو جمع الهيئة والاعراض عما سوى الصلاة (والتدبر) فيما يجرى على لسانه من القراءة والذكر وأصل التدبر اتباع الدبر أي القفا فكان المتدبر يتقفي ما يلفظ به لسانه فيتعقل معناه (والخضوع) قال البغوي هو قريب من الخشوع الا أن الخضوع في البدن والخشوع في القلب (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أى مخبتون أذلاء قاله ابن عباس
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ قال بعضهم وان كانت الآية في سكر الخمر ففي قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ تنبيه على سكر الدنيا فكم من مصل لم يشرب الخمر وهو لا يعلم ما يقول ولا يدري كم صلى من استغراق همه بالوساوس الدنيوية وربما كانت في معصية فيكون الوبال فيها أعظم. ومثل من انطوت صلاته على هذه القاذورات مثل من اتخذ صناديق المصاحف وعاء للخمر والنجاسات. وروي عنه صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه وروي عن الحسن البصرى كل صلاة لم يحضر فيها القلب فهى الى العقوبة أسرع وقد أتى على هذا المعنى الفقيه الفاضل صفي الدين اسماعيل بن أبى بكر المقري في قصيدته الواعظة المشهورة فقال
ذنوبك في الطاعات وهى كثيرة ... اذا عددت تكفيك عن كل زلة
تصلى صلاة يعلم الله أنها ... بفعلك هذا طاعة كالخطيئة
وقد مثلت الصلاة في صورة حيوانية روحها النية والاخلاص وحضور القلب ويديها الاعمال كالقيام والقعود. ورأسها الركوع والسجود والاركان التى لا بد منها. وجوارحها ووجوه تحسينها يجرى مجرى الابعاض والسنن ومثلوا المصلى في توجهه بها الى ربه كمثل من يهدي جارية الى ملك معظم فان أداها بلا نية فهو كمن أهدى الجارية ميتة وان أداها فاقدة الاركان فهى كمن أداها مقطوعة الاعضاء وان أداها فاقدة الابعاض والآداب فهى كمن أداها مشوهة فيكون المهدى في جميع ذلك مستحقا للعقوبة لا للمثوبة لان هديته لمن يعظم قدره ممن هو بهذه الصفات المذمومة فيه نوع استهزاء وتهاون بقدر المهدى اليه. وروى البيهقى وغيره عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فابلغ الوضوء ثم قام الى الصلاة فاتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتنى ثم يصعد بها الى السماء ولها ضوء ونور فتفتح أبواب السماء حتى ينتهى بها الى الله تعالى فتشفع لصاحبها واذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة قالت ضيعك الله كما ضيعتنى ثم يصعد بها الى السماء وعليها ظلمة فتغلق دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب أو خائفون قاله الحسن وقتادة أو متواضعون قاله مقاتل أو ما مر من الأقوال (وان كانت الآية في شرب الخمر) على ما قاله الأكثرون أو في النوم على ما قاله الضحاك (لا ينظر الله) أي لا يقبل (لا للمثوبة) بفتح الميم وضم المثلثة أي الثواب (لمن يعظم) بفتح الياء وسكون المهملة وضم المعجمة (المهدى اليه)
بها وجه صاحبها. وخرج أيضا عن أبى هريرة ذكرت السرقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أى السرقة تعدون أقبح. قالوا الرجل سرق من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أقبح السرقة الذى سرق صلاته قالوا وكيف يسرق أحدنا صلاته قال لا يتم ركوعها وسجودها ولا خشوعها. ومن تخريجه أيضا مرفوعا من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها اذا خلا فتلك استهانة استهان بها ربه. ومن تخريجه أيضا مرفوعا ان الرجل ليصلى الصلاة ماله منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها يعنى بمقدار ما استحضر منها وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ميزان فمن أوفا استوفي ونحوه عن سلمان موقوفا الصلاة مكيال فمن وفا أوفي له ومن نقص فقد علمتم ما للمطففين. وقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه أشهد انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهدا ان شاء غفر له وان شاء عذبه رواه أبو داود وغيره. وروي عن عمر بن الخطاب انه قال وهو على المنبر الرجل لتشيب عارضاه في الاسلام وما أكمل الله له صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها واقباله على الله تعالى فيها. وكان الحسن البصري يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك اذا هانت عليك صلاتك. وقال أيضا تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق والاحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة معلومة فانظر يا أخى عظم موقع الصلاة من الدين وما ورد في أصل تفويتها من الوعيد الشديد المفضى الى شقاوة الدارين والعياذ بالله ثم ما ورد في التساهل في أفعالها والتهاون بها من الخسران والخيبة والحرمان والله المستعان فينبغى للعاقل المتصف بالسنة أن يحيط بعلومها بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة (ومن تخريجه) أي البيهقى عن ابن مسعود (مرفوعا) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحسن الصلاة الى آخره) وأخرجه عن ابن مسعود أيضا أبو يعلى وعبد الرزاق في الجامع (استهانة) أي اختيارا (ومن تخريجه أيضا) عن عمار بن ياسر (ان الرجل ليصلى الصلاة الى آخره) وأخرجه أيضا أبو داود وأحمد وابن حبان (تسعها) بضم ثانيه وسكونه وكذا ما بعده الا نصفها فليس فيه سوى السكون (يعنى بمقدار ما استحضر منها) مدرج من كلام الراوي (وروي أيضا) البيهقى في الشعب (فقد علمتم ما للمطففين) وهو الويل المذكور في القرآن (رواه أبو داود وغيره) كالبيهقي في السنن (المفضي) بضم الميم وسكون الفاء وكسر المعجمة أى الموصل
وان يفرغ وسعه في تقويمها ويتعرف الآيات الواردة في فضلها والحث عليها ويراجع تفسيرها ويتأمل المأثور من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فبذلك يتجوهر باطنه ويتزين بالشرع ظاهره ويتروح بالعبادات وتخف على قلبه كلف المجاهدات كما قال بعض السادة جاهدت للصلاة عشرين سنة وتنعمت بها بقية العمر وهذا المقام الذي أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله قرة عينى في الصلاة ويا بلال أقم الصلاة وارحنا بها. واعلم ان التفريط والتساهل في أفعال الصلاة ان جرى من العلماء المقتدي بهم الذى تلاحظ العامة أفعالهم عظم خطره وعم ضرره لانهم سبب الهداية والضلال وطباع الناس الى المتابعة في الافعال أميل منها الى المتابعة في الاقوال ومثل من يأمر بالاستقامة وينحرف عنها كمن يكذب بعضه بعضا ويتبع ابرامه نقضا ويحل عليه مقت الله تعالى قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. قال ابن السماك وعظت الناس يوما فأعجبنى وعظي فسمعت هاتفا يقول
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأنى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم
وقال صاحب البردة:
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم
(وأن يفرغ وسعه) أى يبذل طاقته (يتجوهر باطنه) أى يصبر كالجوهر صافيا لا كدر فيه (ويتروح بالعبادات) أي يستريح بها (كلف) بضم الكاف وفتح اللام جمع كلفة وهي المشقة (ويتبع ابرامه) بالنصب والا برام الاحكام (نقضا) بالنصب مفعول ثان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت حين قالوا لو علمنا أحب الاعمال الى الله تعالى لعملناه ولبذلنا أنفسنا وأموالنا فأنزل الله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين قاله أكثر المفسرين أو لأن الله أخبر رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية قاله محمد بن كعب القرظي أو نزلت فيمن قال قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب قاله الضحاك أو نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين بان ينصرون وهم كاذبون قاله ابن زيد (كبر) أي عظم (مقتا) أي بغضا شديدا (ان تقولوا ما لا تفعلون) أي ان تعدوا من أنفسكم شيأ ثم لم توفوا به (ابن السماك) بفتح المهملة وتشديد الميم (وتأتي مثله) بالنصب على جواب النهي (ائتمرت)
وأعظم ما في ذلة العالم من الخطر ان تبقى سنة مأثورة بعده ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه ولذلك قيل ان الصغائر من العلماء كالكبائر من العامة وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وان كان التساهل في الصلاة والاخلال جرى من العامة الجهال فينبغى للعلماء تعريفهم لما أخذ الله على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقد ردد النبي صلى الله عليه وسلم المسئ صلاته ثلاث مرات كل ذلك يقول له ارجع فصل فانك لم تصل وانما لم يعلمه اول مرة ليكون أبلغ في التبكيت وأوقع في النفس. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل ممن صلى خلفه يا فلان ألا تحسن صلاتك ألا تنظر المصلى اذا صلى كيف يصلى فانما يصلى لنفسه. انى والله لأبصر من ورائى كما أبصر من بين يدى. ورأى حذيفة رجلا يصلى لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال حذيفة منذكم صليت قال منذ أربعين سنة قال له حذيفة ما صليت ولو قدمت مت على غير الفطرة التى فطر الله عليها محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك مروي في الصحيحين. وقال ميمون بن مهران مثل الذي يرى الرجل يسيء صلاته فلا ينهاه مثل الذي يرى النائم تنهشه حية فلا يوقظه* واعلم ان العالم الذي تنجع موعظته وتؤثر كلمته هو الذي صلحت منه النية وحاز الوراثة النبوية وصدقت عليه الأوصاف الرسولية وصدق عليه المثل الأول من أمثال الغيوب السماوية وكان مقامه في الخلق مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم ولذلك صار موته ثلمة في الاسلام قال بعضهم اذا صدرت الموعظة من القلب وقعت في وسط القلب واذا صدرت من ظاهر اللسان لم تجاوز الآذان وقيل لبعضهم ما بال علماء السلف كانت تؤثر موعظتهم وليس كذلك علماء الوقت فقال سبب ذلك ان علماء السلف كانوا ايقاظا والناس نياما والمستيقظ يوقظ النائم وعلماء الوقت نيام بياء المتكلم (من سن في الاسلام الى آخره) أخرجه الشيخان وغيرهما (أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) أخرجه الطبراني في الصغير وابن أبى عدى والبيهقى في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة (المسىء صلاته) هو خلاد بن رافع الزرقي أخو رفاعة بن رافع (ورأي حذيفة رجلا يصلي) أخرجه البخاري معلقا وأخرجه أحمد مسندا (لا يتم الركوع والسجود) زاد أحمد (فقال له حذيفة منذ كم صليت قال منذ أربعين سنة) قال في التوشيح هذه الزيادة اما شاذة أو وهم وذلك لان حذيفة مات سنة ست وثلاثين والصلاة لم تفرض قبل هذه المدة باربعين سنة انتهى (قلت) لعل حذيفة قال له ذلك قرب موته والصلاة فرضت قبل هذا بسبع وثلاثين سنة فقال منذ أربعين تقريبا لا تحديدا (مقام الانبياء) بالنصب
والناس موتى والنائم لا يوقظ الميت اللهم انا نسئلك التوفيق ونعوذ بك من الخذلان.
[,
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التأمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة فهى سنة قل من الأئمة من يستعملها فهى من السنن المهجورة.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح والأولين من باقى حديث وائل بن حجر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقال آمين رفع بها صوته (مستحب للامام) لما مر أنه صلى الله عليه وسلم رفع بها صوته (و) المأموم لما أخرجه البيهقى عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد اذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين وفي البخاري معلقا آمين أمن الزبير ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة (والمنفرد) قياسا (ووردت أحاديث كثيرة في فضله وعظيم أجره) كقوله صلى الله عليه وسلم وقد سمع داعيا يدعو وجب إن ختم فقال رجل من القوم بأي شيء يختم فقال بآمين فانه ان ختم بآمين فقد أوجب أخرجه أبو داود عن أبى زهير النميرى وأمن صلى الله عليه وسلم على دعاء زيد بن ثابت ورجل آخر وأبي هريرة وهم في المسجد يدعون أخرجه النسائي والحاكم عن زيد بن ثابت وأمن صلى الله عليه وسلم على المنبر ثلاثا أخرجه الحاكم في المستدرك عن كعب بن عجرة وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن مالك بن الحويرث ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء طويل وأمن في تفاصيله أخرجه الحاكم من حديث أم سلمة وأخرج ابن أبي عدي والطبراني من حديث أبي هريرة آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده وأخرج ابن شاهين في السنة من حديث علي أمنوا اذا قرأ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (باسرهم) بفتح الهمزة أى باجمعهم (لانه صح) عنه صلى الله عليه وسلم (ان الملآئكة تؤمن لقراءة الامام الى آخره) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبى هريرة (فمن وافق قوله قول الملائكة) أى وقتا وزمانا أو صفة وخشوعا واخلاصا قولان والمراد بالملآئكة الحفظة او غيرهم لقوله في الحديث الآخر قول أهل السماء قولان (غفر له ما تقدم من ذنبه) المراد غفران الصغائر كما في نظائره زاد الجرجانى في الامالى وما تأخر (الا في آمين) فانه يستحب اقتران قول الامام والمأموم (فهى) أي سكتة الامام بعد التأمين (سنة) قال أصحابنا لكن يشتغل فيها بقراءة وهي أولى أو ذكر فليس هذا سكوتا حقيقيا.
(فصل) في قراءته صلى الله عليه وسلم السورة (كان يقرأ في صلاة الصبح والاولتين من باقي
الفرائض سورة بعد الفاتحة فيجعلها في الصبح والظهر من طوال المفصل وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره وهذا غالب حالاته في الصلوات وربما غيرها بحسب الحاجات والضرورات فثبت انه صلى الله عليه وسلم ربما دخل في الصلاة يريد اطالتها فيسمع بكاء الصبى وأمه من المقتدين به فيخفف مخافة ان يشق على أمه وغضب على معاذ غضبا شديدا حين طول في العشاء وعين له سورة والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الاعلى والليل اذا يغشى وقال اذا أم أحدكم الناس فليخفف فان فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة فاذا صلى وحده فليصل كيف شاء* وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يطول في الاولى مالا يطول في الثانية ويبالغ في الاسرار في موضعه حتى لا يعلمون قراءته الا باضطراب لحيته وربما أسمعهم الآية أحيانا وكره صلى الله عليه وسلم للمأمومين الجهر بالقراءة خلف أمامهم فثبت في الصحيح انه صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فلما سلم قال أيكم قرأ خلفي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال بعضهم انا ولم أرد بها الا الخير قال قد علمت ان بعضكم خالجنيها أى نازعنيها لهذا الحديث. قال العلماء تستحب السورة التى بعد الفرائض سورة الى آخره) أخرجه الشيخان في غير المغرب وأخرجه النسائي فيه باسناد حسن وكان يقرأ في غير الاولتين أيضا كما أخرجه الشيخان في الظهر والعصر ومالك في المغرب ومن ثم كان للشافعى قول بسنية السورة في جميع الصلاة وفي ترجيح الاصحاب القول الثاني وهو القراءة في الاوليين فقط تقديم للدليل النافي على الدليل المثبت عكس الراجح في الاصول وجمع بعضهم بينهما بان ذلك بحسب اختلاف المأمومين فحيث آثروا التطويل قرأ السورة في غير الاوليين وحيث كثروا تركها والاوليان تثنية اولى (من طوال) بكسر الطاء فقط (المفصل) سمي بذلك لكثرة فصوله أى لقصر سوره وغير ذلك (وفي العصر والعشاء من أوساطه وفي المغرب من قصاره) وحكمة ذلك أن الصبح والظهر يكونان عقب النوم غالبا فشرع صلى الله عليه وسلم التطويل ليدرك من قام من النوم وأن المغرب ضيقة الوقت فشرع لها القصار وأما العصر والعشاء فلأن المذكور في محل التطويل والاختصار لم يوجد فيهما فاختصا بالوسط وآخر المفصل آخر القرآن وفي أوله عشرة أقوال للسلف أصحها انه من الحجرات وقيل من الصافات وقيل من الجاثية وقيل من الفتح وقيل من سورة محمد وقيل من قاف وقيل من الحديد وقيل من الصف وقيل من تبارك الملك (اذا أم أحدكم الناس فليخفف الى آخره) أخرجه أحمد والشيخان والترمذى عن أبي هريرة (العصر) بالنصب وكذا ما بعده (فليصل كيف شاء) في رواية اخرى فليطول ما شاء (وكان يطول في الاولى) زاد أبو داود وغيره فطننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى (خالجنيها) بالمعجمة فالجيم وللترمذي
الفاتحة للمأموم كما تستحب للامام والمنفرد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه في رفع صوته لا في أصل القراءة وهذا كله فيما يسر به الامام أما ما يجهر به فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة فان لم يسمع قراءة الامام أو سمع هينمة لم يفهمها استحب له السورة بحيث لا يشوش على غيره واعتاد كثير من الناس من الموسوسين وغيرهم الجهر بالقراءة خلف الامام والتشويش على من بقربهم من المصلين وهى عادة سيئة وربما علم بعضهم النهي عن ذلك فلم ينته فيصير علمه حجة عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه أتعب صاحبه نفسه في جمعه ثم لم يصل الى نفعه.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد الفراغ من القراءة سكتة لطيفة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهويّ الى الركوع ثم يكبر رافعا يديه كاحرامه ثم يركع فيضع كفيه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويسوي ظهره ورأسه من غير ترفيع ولا تنكيس وينصب ساقيه ولا يثني ركبتيه ثم يقول سبحان ربى العظيم ثلاثا باسناد حسن مالي انازع القرآن أما (ما يجهر به) الامام (فلا يزيد المأموم فيه على) قراءة (الفاتحة) لقوله تعالى وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (هينمة) بفتح الهاء والنون بينهما تحتية ساكنة هي الصوت الذي لا يفهم (استحب له السورة) لانه اذا لم يسمع الامام فأي معنى لسكوته (علم لا يعمل به ككنز لا ينفق منه) أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة بلفظ لا ينتفع به وله عن ابن عمر لا يقال به وللقضاعي عن ابن مسعود علم لا ينفع ككنز لا ينفق منه.
(فصل) في سكوته بعد الفراغ من الفاتحة (سكتة لطيفة) بقدر سبحان الله (الهوى) بضم الهاء وفتحها وكسر الواو وتشديد التحتية (رافعا يديه كاحرامه) كما مر تخريجه (فيضع كفيه على ركبتيه) أخرجه البخاري من حديث أبى حميد الساعدي وأخرج هو ومسلم عن سعد بن أبي وقاص كنا نطبق في الركوع فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب والتطبيق جعل بطن احدى الكفين على بطن الاخرى ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه وهو منسوخ بحديث سعد هذا عند الجمهور بل قالوا بكراهيته ومذهب ابن مسعود وصاحبيه علقمة والاسود أنه غير منسوخ (ويفرق بين أصابعه) أخرجه الحاكم والبيهقي عن وائل بن حجر (ويجافي مرفقيه عن جنبيه) أخرجه بمعناه البيهقي من حديث البراء بن عازب (ويسوي ظهره ورأسه) أخرجه مسلم عن عائشة (من غير ترفيع) هو معنى قولها لم يشخص رأسه (ولا ينكس) هو معنى قولها ولم يصوبه وأخرج ابن ماجه من حديث وابصة كان اذا ركع سوى ظهره حتى لوصب عليه الماء لاستقر وأخرجه الطبرانى في الكبير عن ابن عباس وأبي برزة وعن أبى مسعود (وينصب ساقيه ولا يثنى ركبتيه) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقى (ثم يقول سبحان ربي العظيم) وبحمده (ثلاثا)
فقد جاء في كتب السنن انه صلى الله عليه وسلم قال اذا قال أحدكم سبحان ربى العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه* وثبت في صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح* وثبت في غيره بأسانيد صحيحة عن عوف ابن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة الا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب الا وقف وتعوذ قال ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة واذكار الركوع واسعة وذهب الامام أحمد بن حنبل وجماعة الى أن الذكر في الركوع واجب فينبغي المحافظة عليه للخروج من الخلاف ولحديث أما في الركوع فعظموا فيه الرب* واعلم ان الركوع ذمام الصلاة وبادراكه تدرك الركعة وبفواته تفوت ولهذا قال العلماء يستحب للامام اذا أحس بداخل وهو راكع أن ينتظره ويمكث حتى يعلم منه الاحرام والركوع والطمأنينة ولا ينتظره فيما بعده من الاركان الا في التشهد الاخير أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر (اذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه) وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عقبة بن عامر لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في سجودكم (وثبت في صحيح مسلم) وسنن أبي داود والنسائي عن عائشة (سبوح قدوس) بضم أولهما على المشهور ومعناهما مسبح ومقدس والمسبح المبرأ من كل النقائص ومن الشريك في الملك والخلق وكل مالا يليق بالباري تعالى (رب الملائكة والروح) قال الخطابي فيه قولان أحدهما أنه جبريل خص بالذكر تفضيلا له على سائر الملائكة والثاني أنه خلق من الملائكة يشبهون الانس في الصور وليسوا انسا وقيل هو ملك عظيم أعظم من الملائكة خلقا انتهى (فائدة) الروح تطلق على القرآن كما قال تعالى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية وعلى عيسى قال تعالى وَرُوحٌ مِنْهُ وعلى روح الانسان وعلى جبريل وعلى ملك آخر من الملائكة قيل وهو المراد بقوله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ وعلى صنف من الملائكة (وثبت في غيره) أي في سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والنسائى (وذهب الامام أحمد) بن محمد (ابن حنبل وجماعة) من المحدثين (الى ان الذكر في الركوع) والسجود (واجب) آخذا بظاهر الحديث في الامر به مع قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني اصلي أخرجه البخاري وغيره وذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة والجمهور الى عدم وجوبه محتجين بحديث المسىء صلاته فانه صلى الله عليه وسلم لم يأمره به وأجابوا بان الامر بالتسبيح محمول على الاستحباب (أما الركوع فعظموا فيه الرب) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عباس أى سبحوه ونزهوه ومجدوه (زمام الصلاة) بكسر الزاى أى من أدركه فقد أدرك الصلاة كما أن من أدرك زمام الدابة فقد أدركها (ولهذا قال العلماء يستحب للامام الى آخره) اعلم أن في الانتظار قولين للشافعي أرجحهما ينتظر
فانه يستفاد بادراكه صلاة الجماعة
[,
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كما يرفعهما للاحرام. فاذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملأ السموات والارض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ووردت عنه صلى الله عليه وسلم في الاعتدال عن الركوع اذكار كثيرة وهذا أقل ما يقتصر عليه. قال النووى فان بالغ في الاقتصار اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فلا أقل من ذلك. واعلم أنه قد صحح كثيرون من أصحابنا ان الاعتدال ركن قصير وهو خلاف المنقول فقد ثبت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده وقام بشروط معروفة وفي حكاية القولين طرق أشهرها طريقان أحدهما أن القولين في الكراهة وعدمها وحكاه الرافعى عن المعظم والثاني أنها في الاستحباب وجرى عليه النووى في زوائد الروضة واقتصر كلامه في المجموع على ترجيحه ومشى عليه في المنهاج ودليل استحباب الانتظار القياس على استحباب ابتداء فعلها لتحصيل الجماعة للغير الثابت في حديث من يتصدق على هذا فيصلي معه وقد قال تعالى وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى
(فصل) في رفعه من الركوع (كان يقول سمع الله لمن حمده) أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه مسلم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفي وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث رفاعة بن رافع ومعنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمده تعالى متعرضا للثواب استجاب له باعطاء ما تعرض له فانا أقول (ربنا لك الحمد) ليحصل ذلك (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه) هذا لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله بل سمع رجلا قاله فلما انصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والطبراني عن رفاعة بن رافع الا قوله بضعة وثلاثين ملكا ففي مسلم بدله اثني عشر ملكا وللطبراني ثلاثة عشر وزاد النسائي كما يحب ربنا ويرضى وهذا الرجل المبهم هو رفاعة بن رافع راوي الحديث كما جاء مصرحا به في رواية النسائي (فائدة) قال النووي وغيره الحكمة في هذا العدد المذكور في البخاري أنه مطابق لعدد الحروف في الذكر المذكور والعدد المذكور في مسلم مطابق لعدد كلماته (ملأ) بالنصب وهو أشهر والرفع وحكى عن الزجاج عدم جواز غيره قال العلماء معناه حمدا لو كان جسما لملأ السموات والارض (وملأ ما بينهما) هذه الزيادة أخرجها مسلم من حديث على ومن حديث ابن عباس (وملأ ما شئت من شيء بعد) أي كالعرش والكرسي وغيرهما مما استأثر تعالى بعلمه (أذكار كثيرة) منها اللهم طهرنى بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الا بيض من الوسخ أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أبي أوفي ولمسلم في رواية من الدرن بدل الوسخ وفي أخرى من الدنس ومنها أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدا لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد أخرجه مسلم وأبو داود
حتى يقول القائل قد أوهم وصححه النووى في التحقيق انه ركن طويل والله أعلم. واعلم أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة ثابتة رواها العدد الكثير من الصحابة منهم العشرة المبشرة ورواها عنهم الجم الغفير من التابعين ومع ذلك فقل من يستعملها ويواظب عليها والله المستعان. واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين في تكبيرة الاحرام وما بعدها وأحسنها ما روي الشافعي انه قال فعلته اعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[,
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من أذكار الاعتدال هوى ساجدا مكبرا فيضع ركبتيه أولا ثم يديه وربما وضع يديه أولا رواه البخاري معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه ابن خزيمة والبيهقى موصولا مرفوعا وهو أيسر استعمالا وأليق حالا ثم يضع جبهته وأنفه وكان يضع يديه حذو منكبيه مضمومة الاصابع بخلاف الركوع. وصح انه صلى الله عليه وسلم كان اذا سجد جنح وفي رواية خوّى. وفي رواية فرج بين يديه حتى يرى وضح أبطيه. وفي رواية حتى لو شاءت بهيمة أن تمر لمرت فلهذا قال العلماء يسن للمصلى أن يفرق بين ركبتيه ويجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه قالوا والحكمة فيه انه أشبه بالتواضع وأبعد والنسائي عن أبي سعيد (قد أوهم) بفتح الهمزة والهاء وسكون الواو أي تشكك (فعلته أعظاما لله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع الشافعي رحمه الله في هذا الكلام بين الاشارة الى ان الرفع معلل وهو معنى قوله اعظاما لله لان شأن المعظم له تعالى ان يرفع يده الى السماء وبين الاشارة الى انه يقتدي وهو معنى قوله واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لان الاتباع مقصود في ذاته وان لم يعقل معناه وقيل ان حكمة الرفع ان المصلى يجمع بين ما يكنه القلب من اعتقاد دعاء وكبرياء لله وعظمته وبين الترجمة عنه باللسان والاظهار بما يمكن اظهاره من الاركان وقيل الاشارة الى طرح ما سوي الله سبحانه والاقبال بالكلية على عبادته ويقرب من هذا قول من قال الاشارة الي طرح اعراض الدنيا ونبذها وراء ظهره والاقبال على صلاته.
(فصل) في هويه للسجود (ربما وضع يديه أولا) هذا منسوخ على ما قيل (رواه البخارى معلقا موقوفا على ابن عمر ورواه) عنه (ابن خزيمة والبيهقي موصولا مرفوعا) وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر وصححه ابن خزيمة (ثم يضع) ممكنا (جبهته وأنفه) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي حميد (وصح) في صحيح مسلم وغيره (جنح) بفتح الجيم والنون المشددة ثم مهملة (خوي) بالمعجمة بوزن جنح (فرج) بالفاء والجيم بوزن ما قبله وللبيهقى من حديث البراء بن عازب وتفاج بفتح الفوقية والفاء وبعد الالف جيم مشددة ومعنى هذه الالفاظ باعد بين مرفقيه وعضديه عن جنبيه (حتى يري) بالبناء للمفعول وبالنون بالبناء للفاعل (وضح) بفتح الواو فالمعجمة فالمهملة أى بياض (أبطيه) وكان أبيض الابط غير متغير اللون أى لا شعر عليه (بهيمة) تصغير بهيمة قال الجوهرى من
من هيئة الكسالى وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف. وينبغي للمتصف بالسنة أن يحرص على سنة المجافاة ويحمل نفسه على فعلها حتى يعتادها فيأتيها بغير مشقة فليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا استعمالها والله الموفق.
(فصل) وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن يزيد الخطمى. قال حدثني البراء بن عازب وهو غير كذوب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده فقيه دليل طول الطمأنينة وتأخر أفعالهم عن فعله صلى الله عليه وسلم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا ركع فاركعوا دليل على ذلك والله أعلم.
[,
(فصل) اعلم انه ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة واختلف العلماء فيه وفي القيام في الصلاة أيهما أفضل فمذهب الشافعى ان القيام أفضل وذهب غيره الى ان الركوع والسجود أفضل وقال احمد بن حنبل ورد فيه حديثان ولم يقض فيه بشيء وأما أذكاره فوردت فيه أحاديث كثيرة أولاد الضأن وتطلق على الذكر والانثى قال والسخال أولاد المعز (الخطمى) بفتح المعجمة وسكون المهملة منسوب الى خطمة فخذ من الانصار (لم يحن) بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر النون ويجوز ضمها.
(فصل) في فضل السجود (ورد في فضل السجود أحاديث كثيرة) منها أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (فمذهب الشافعي أن القيام أفضل) وأن تطويله أفضل من تطويل الركوع والسجود لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طول القنوت أخرجه أحمد ومسلم والترمذى عن جابر وأخرجه الطبراني عن أبي موسى وعن عمر ابن عبسة وعن عمير بن قتادة الليثي والمراد بالقنوت القيام ولان ذكر القيام القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ولانه نقل عنه صلى الله عليه وسلم تطويل القيام أكثر من تطويل الركوع والسجود (وذهب غيره) كابن عمر (الى أن الركوع والسجود أفضل) من القيام وتطويلهما أفضل من تطويله وذلك للحديث المار آنفا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قال العلماء وذلك لان السجود أعظم أركان الصلاة تواضعا فان الانسان يضع فيه أشرف أعضائه في مواطيء الاقدام والنعال والقائل بتفضيل الركوع يقول هو زمام الصلاة فبادراكه وفواته تدرك الركعة وتفوت وقال اسحاق بن راهويه تكثير الركوع والسجود أفضل نهارا وتطويل القيام أفضل ليلا الا أن يكون له بالليل حزب يأتى عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ حزبه ويربح كثرة الركوع والسجود (ولم يقض) بفتح أوله وسكون القاف ثم معجمة (أما اذكاره) أي السجود (فوردت فيه أحاديث كثيرة) منها سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي
وأدنى الكمال من ذلك سبحان ربى الاعلى ثلاثا* روينا في صحيح مسلم عن عائشة قالت افتقدت بالنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتحسست فاذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله الا أنت. وفي رواية وقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم انى أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. قال الخطابى وفيه معنى لطيف وذلك انه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرضى والسخط ضدان متقابلان وكذلك المعافاة والمعاقبة. فلما صار الى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير. وله شرح طويل* واعلم ان ركن السجود الاعظم الدعاء كما أن ركن الركوع أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة ومنها سبوح قدوس رب الملائكة والروح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائى عنها ومنها اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره وعلانيته وسره أخرجه مسلم وأبو داود عن أبى هريرة ودقه وجله بكسر أولهما أى قليله وكثيره ومنها سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائى في الشمائل عن عوف ابن مالك الاشجعى ومنها سبحان ذى الملك والملكوت سبحان ذى العزة والجبروت سبحان الحي الذي لا يموت أخرجه الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب وقال صحيح على شرط البخاري ومنها اللهم سجد لك سوادي وخيالى وبك آمن فؤادى أبؤ بنعمتك علىّ وهذا ما جنيت على نفسى يا عظيم يا عظيم اغفر لي فانه لا يغفر الذنوب العظيمة الا الرب العظيم أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود (وأدني الكمال من ذلك) ما يستحب لكل من المنفرد والامام مطلقا والمأموم وهو (سبحان ربي الاعلى) ونحوه (ثلاثا) وأكثره احدى عشر فيسن للمنفرد وللامام محصورين بشرطه (وروينا في صحيح مسلم) وسنن النسائي (افتقدت) في رواية اخرى في مسلم فقدت (فتحسست) بالمهملة (وفي رواية) في مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي (فوقعت يدى على بطن قدميه) فيه دليل لابي حنيفة وغيره ممن يقول ان اللمس لا ينقض الوضوء (أعوذ برضاك من سخطك) قال النووى فيه دليل لاهل السنة في جواز اضافة الشر الى الله تعالى كما يضاف اليه الخير (لا احصي ثناء عليك) أي لا اطيقه ولا آتي به وقيل لا أحيط به وقال مالك لا أحصى نعمتك واحسانك والثناء بها عليك وان اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت على نفسك) قال النووى اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وانه لا يقدر على بلوغ حقيقته فرد الثناء الى الجملة دون التفصيل والاحصاء والتعيين فوكل ذلك الى الله سبحانه المحيط بكل شيء جملا وتفصيلا وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لان الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء اثنى به عليه وان كثر وطال وبالغ فيه فقدر الله تعالى أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكثر وأكبر وفضله وديم احسانه أسبغ وأوسع (الاعظم)
تعظيم الرب والله سبحانه وتعالى أعلم وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وفيه أيضا عنه انه رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلى ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل الى ابن عباس فقال مالك ولرأسى فقال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف فانظر الى قوة ايمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيرهم وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه ومبالغتهم مرة بالقول ومرة بالفعل بحسب الحال والمقدرة نفع الله بهم.
[فصل في كيفية رفع رأسه صلى الله عليه وسلّم من السجود]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفع رأسه من السجود رفع مكبرا حتى يستوى جالسا ويفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وربما يجلس مقعيا فيجعل اليتيه على عقبيه وكل سنة وكان يجعل يديه بقرب ركبتيه منشورتين ثم يقول أرب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارفعنى وارزقني واهدنى وعافني* واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل مقصود ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تطويله نحو الركوع والسجود وفي حديث انه كان يطوله حتى يظن انه قد نسى ولهذا اختار المحدثون من الفقهاء تطويله والله أعلم.
بالنصب صفة ركن (وفي صحيح) البخاري وصحيح (مسلم عن ابن عباس) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة) هكذا رواية مسلم عن ابن عباس والمراد سبعة أعظم كما في رواية أخري فيه وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وهى الجبهة واليدان والرجلان وأطراف القدمين (ونهى ان يكف شعره أو ثيابه) وهي نهي تنزيه اجماعا كما حكاه محمد بن جرير الطبرى وحكي ابن المنذر وجوب اعادة الصلاة اذا صلى كذلك عن الحسن البصرى قال النووي ومذهب الجمهور النهي مطلقا وقال الدراوردي يختص من فعل ذلك للصلاة والمختار الصحيح الاول والحكم فيه ان الشعر وأطراف ثيابه يسجد معه (وفيه أيضا) أي في صحيح مسلم (عنه) أي عن ابن عباس وأخرجه أيضا عنه أحمد والطبراني (ورأسه معقوص) بالقاف والمهملة أى مربوط (انما مثل هذا مثل الذي يصلى وهو مكتوف) فكما ان المكتوف لا تسجد معه يداه كذلك هذا لا يسجد معه شعره وهو جزء منه بمثابة اليدين ولا ثيابه التي هي ملحقة بالجزء منه في وجوب تطهيرها وعدم جواز السجود عليها (وانكارهم لما رأوه مخالفا لهديه) أى وان لم يكن محرما ومبادرتهم الي ذلك.
(فصل) في رفعه من السجود (وكل سنة) لكن الافتراش أفضل كما مر (رب اغفر لى وارحمنى الى آخره) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس الا اجرني فمن رواية الحاكم (واعلم ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل) كما نقله النووي في الروضة عن الجمهور وفي المجموع عن الاكثرين لكن رجح في الروضة والمنهاج كاصلهما انه ركن قصير وفي سجود السهو انه طويل (انه قد نسى) بفتح النون
[,
(فصل) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بعد السجدة الثانية حتى يستوي جالسا والفقهاء يسمونها جلسة الاستراحة وجعلها بعضهم مسنونة وحملها بعضهم على الحاجة ومعناه انها لا تسن في حق من لم يحتج اليها والصواب الأول فقد ثبت في صحيح البخاري عن مالك بن الحويرث انه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فاذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا وقد قال صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتمونى أصلى قال في التتمة ويكون جلوسه فيها بقدر الجلوس بين السجدتين والصواب دون ذلك فقد قالوا الصحيح انه يمد التكبير في الرفع من السجود الى أن يستوي قائما ولا يتصور ذلك مع التطويل قالوا ويسن فيها الافتراش لانها جلسة أستفزاز والله أعلم.
(فصل) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام من السجدة الثانية ومن كل جلوس في الصلاة اعتمد على يديه قال العلماء وكيفيته أن يجعل بطونهما على الأرض فاذا استوى قائما شرع في القراءة وكان يصلى الثانية كالأولى الا أن الأولى تختص بتكبيرة الاحرام ودعاء الاستفتاح وزيادة في تطويل القراءة والله أعلم.
(فصل) وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في التشهد الاول ويخففه حتى ورد في حديث انه كان اذا صلى جلس فيه كأنما يجلس على الرضف فاذا قام منه قام مكبرا وتخفيف المهملة وبضمها وتشديد المهملة.
(فصل) في جلوسه (والصواب الاول) أى ندب جلسة الاستراحة ولو لمن لم يحتج اليها لان الأصل فيما فعله صلى الله عليه وسلم التشريع (فقد ثبت في صحيح البخارى عن مالك بن الحويرث) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى (قال) المتولى (في التتمة) وما قاله جري عليه أكثر الاصحاب في كتبهم الفقهية (بقدر الجلوس بين السجدتين) أى بقدر الواجب منه (ولا يتصور ذلك) أى مدة التكبيرة (مع التطويل) الذي ذكره في التتمة واطلاق منع التصور مردود لانه اذا انقطع نفسه أثناء التكبيرة تنفس ثم عاد الى التكبير ثانيا (جلسة) بفتح الجيم وكسرها.
(فصل) في اعتماده على يديه في القيام من السجود وغيره (اعتمد يديه) كما في صحيح البخاري في رفعه من السجود وقاس عليه أصحابنا القيام عن القعود (وكيفيته ان يجعل بطونهما على الارض) قال في المجموع بلا خلاف وقال وسواء في الاعتماد القوى والضعيف والرجل والمرأة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاول (كان يفترش في التشهد الاول) كما أخرجه البخارى وأبو داود والترمذي عن أبي حميد الساعدي (الرضف) بفتح الراء وسكون المعجمة هو الحجارة المحماة.
رافعا يديه ويمد التكبير الى أن يستوي قائما ورفع اليدين هنا وان لم يقل به أكثر الفقهاء فقد ثبت انه سنة وصح في صحيح البخارى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو الموضع الرابع من مواضع الرفع باعتبار تكبيرة الاحرام وقد صنف البخارى تصنيفا عظيما قرر فيه سنة الرفع في هذه المواضع ورد فيه على منكريه وذكر انه رواه سبعة عشر صحابيا وان لم يثبت عن أحد من الصحابة عدم الرفع وقد سبق نحو ذلك قريبا والله أعلم.
[فصل في اقتصاره على الفاتحة في الثالثة والرابعة وأنّه كان يكبر في كل خفض ورفع وتوركه في التشهد الأخير]
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة وقد يقرأ فيهما سورة مختصرة على سبيل الندور وثبت فيه حديث في صحيح مسلم والله أعلم.
(فصل) ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة الا رفعه من الركوع وجملة التكبيرات في صلاة الصبح احدى عشرة وفي المغرب سبعة عشرة وفي الرباعية اثنتان وعشرون والسنة أن يجهر الامام بجميع التكبيرات بحيث يسمعه المأمومون ويسن للمأموم بحيث يسمع نفسه والسنة في جميعها المد ومحله بعد اللام من الله ويبالغ في المدالى أن يصل الى الركن الذى بعده لئلا يخلو جزء من صلاته عن الذكر وأما تكبيرة الاحرام فلا تمد ولا تمطط بل يقولها مدرجة مسرعا والله أعلم.
(فصل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتورك في التشهد الاخير بخلاف سائر الجلسات قبله وسببه انه جلوس لا يتبعه حركة ولا قيام بل يسن بعده المكث للتسبيحات والدعاء للحاضرين وانصراف النسوة ونحو ذلك وافترق الأئمة الاربعة في صفة جلوسه صلى (فصل) في قرائته في الركعتين الاخيرتين (وثبت فيه حديث في صحيح مسلم) وغيره كما مر.
(فصل) في تكبيره (كان يكبر في كل خفض ورفع) أخرجه مسلم عن أبى هريرة وأخرجه أحمد والترمذى والنسائي عن ابن مسعود (الارفعه) بالنصب (وجملة التكبيرات) في الصبح احدى عشرة ست في الاولى وخمس في الثانية وفي المغرب سبع عشرة ست في الاولي وخمس في الثانية وخمس في الثالثة وتكبيرة الانتقال من التشهد الاول الى القيام وفي الرباعية اثنتان وعشرون لان فيها زيادة ركعة على المغرب وفيها خمس تكبيرات الي سبع عشرة التي في الثلاث وهذا الذي ذكره بالنسبة الي الامام والمنفرد اما المأموم فيتصور فيه أكثر لاجل المتابعة.
(فصل) في صفة جلوسه في التشهد الاخير (كان يتورك في التشهد الاخير) أخرجه البخاري وغيره عن أبي حميد ورفعه قبل (وسببه انه جلوس) الى آخره ولان ذلك أقرب الى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن المسبوق اذا رأى الامام علم في أي التشهدين هو وصفة الافتراش والتورك مشهور في كتب الفقه (وافترق الائمة الاربعة في صفة جلوسه) فذهب مالك وطائفة الى التورك فيهما وذهب أبو حنيفة وطائفة الى
الله عليه وسلم في التشهدين على أربعة أحوال المختار منها ما قررناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفترش في الاول ويتورك في الثانى وهو الموافق للاحاديث الصحيحة واليه ذهب الشافعي وثبت انه صلى الله عليه وسلم كان اذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم. وصفة هذا العقد عند الحساب أن يقبض أصابع يمناه ما عدا المسبحة ويجعل الابهام تحت المسبحة وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم عقد في جلوسه للتشهد الخنصر والبنصر وحلق الوسطى بالابهام وأشار بالسبابة رواه ابن حبان مثله.
[,
صلاة التراويح وقيام رمضان اعلم ان قيام رمضان سنة بالاجماع وللعشر الاواخر منه زيادة تخصيص. روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه* وروينا فيهما أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر. أما أصل استحبابها على هذا الوجه الذى يفعله الناس اليوم فانه ورد في الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم في رمضان ليالى في المسجد وكانوا في كل ليلة يتزايد جمعهم فلما رأى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم أبى أن يخرج اليهم وصلى بقية الشهر في بيته واعتذر اليهم فقال انى خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها. قال في صحيح البخاري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر معناه استمر الأمر في هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا حتى انقضي صدرا من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبى بن كعب فاستقر الامر على ذلك والصحابة صلاة التراويح (وقيام) بالضم عطفا على صلاة (روينا في الصحيحين) وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (عن أبى هريرة) وفي السنن وعن جندب (ايمانا) أي تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلة (واحتسابا) أى يريد به الله تعالى وحده ولا يقصد روية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الاخلاق (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد النسائي وغيره وما تأخر (وروينا فيهما أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أبو داود والنسائى وابن ماجه وللبيهقى في الشعب عنها كان اذا دخل شهر رمضان شد مئزره ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ وأخرج أيضا عنها كان اذا دخل رمضان تغير لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وأشفق لونه (أحيا الليل) أي سهره فأحياه بالعبادة وأحيا نفسه بالسهر فيه (وأيقظن أهله) أى للصلاة وغيرها من العبادات (وشد المئزر) بكسر الميم مهموز أى الازار وهذا كناية عن اعتزال النسا أو عن الجد في العبادة والتشمير لها قولان الاول أولى قاله القرطبي قال لانه قد ذكر الجد والاجتهاد أولا فحمل هذا على فائدة مستنجدة أولى زاد البيهقى وابن أبي شيبة واعتزل النساء وهو يؤيد التفسير الاول (ليالى) بالنصب على الظرف (قال في صحيح البخارى) وفي صحيح مسلم أيضا (والامر على ذلك) كذا للكشميهنى ولغيره والناس على ذلك (ثم جمعهم) أى الرجال (على أبى ابن كعب) وأما النساء فعلى سليمان بن أبى خيثمة كما أخرجه البيهقي وفيه وفي الموطأ انه كان يصلي بهم عشرين ركعة وفي رواية في الموطأ ثلاثا وعشرين وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث قال في التوشيح ووردت روايات أخر بخلاف ذلك ففي رواية احدى عشرة وفي أخري ثلاث
متوافرون من غير انكار من أحد منهم ثم ان مذهب الشافعى والجمهور استحبابها جماعة وقال مالك وأبو يوسف وبعض أصحاب الشافعى والافضل فرادي في البيت والصواب الاول لما ذكرناه من فعل عمر واجماع الصحابة وقد قال صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى. وقال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأما عددها وتسميتها بالتراويح فرواه البيهقى بالاسناد الصحيح عن فعل عمر والصحابة وتسمى كل تسليمتين منها ترويحة لانهم كانوا اذا صلوا تسليمتين استروحوا ساعة. قال الحليمى في منهاجه ما حاصله ان الافضل في وقتها بعد مضي ربع الليل فصاعدا سواء أخر العشاء اليها أو صلاها ثم نام قال فاما اقامة العشاء لأول وقتها ووصل القيام بها فذلك من بدع الكسالى والمترفين وليس من القيام المسنون في شيء قال أصحابنا ولا يصح التراويح بنية مطلقة بل ينوي في كل ركعتين سنة التراويح أو قيام رمضان. قال النووي وأما القراءة فيها فالمختار الذى قاله الاكثرون وأطبق الناس على العمل به أن يقرأ الختمة بكمالها في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ويستحب أن يرتل القراءة ويبينها وليحذر من التطويل عليهم بقراءة عشرة وفي أخرى احدى وعشرين (استحبابها جماعة) لفعل الصحابة رضى الله عنهم (وأبو يوسف) هو من أصحاب أبي حنيفة (والافضل فرادا في البيت) لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة أخرجه النسائى والطبراني من حديث زيد بن ثابت (وسنة الخلفاء الراشدين) تتمة الحديث عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة (أصحابي كالنجوم) أخرجه رزين في جامعه وعبد بن حميد والدار قطنى قال المزني وغيره من أهل النظر المراد في النقل لان جميعهم عدول انتهى قال ابن عبد البر وليس المراد في الفتوى والا لما احتاج ابن عباس الى اقامة التنبيه على دعواه حيث قال للمسور بن محرمة يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل فأرسل ابن عباس الى أبي أيوب يسأله بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فبأينا اقتدى من بعدنا كفاه انتهى. قلت بل المراد انهم قدوة فيما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ولم يكن فيه نص من كتاب أو سنة والذي يمارى فيه ابن عباس والمسور فيه نص من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستدل به على ما ذكره ابن عبد البر كيف وقد رجع المسور الي ما قاله ابن عباس فلم يكن بينهما اختلاف (وأما عددها) وهو عشرون قال الحليمى والسر فيه ان الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضو عفت لأنه وقت جد وتشمير قال أصحابنا لاهل المدينة فعلها ستا وثلاثين لعله مشهورة في كتب الفقه (الحليمي) بفتح المهملة وكسر اللام يكني أبا عبد الله اسمه الحسين بن محمد بن الحسن منسوب الى حليم بن وضاح قاله في القاموس (ان الافضل) بكسر الهمزة (المترفين) بضم الميم وسكون الفوقية وفتح الراء المنعمين (وليس من القيام المسنون في شيء) هذا ضعيف لم يقله أحد غير
أكثر من جزء هذا كلامه. قلت ومما يتعين الاعتناء به والتنبيه عليه ما اعتاده كثيرون من أئمة المصلين بالناس في التراويح من الادراج في قراءتها والتخفيف من أركانها وحذف أذكارها وقد قال العلماء صفتها كصفة باقى الصلوات في الشروط والآداب وجميع الاذكار كدعاء الافتتاح فاذكار الاركان والدعاء بعد التشهد وغير ذلك ومن ذلك طلبهم لآيات الرحمة حتى لا يركعوا الا عليها وربما أداهم ذلك الى تفويت أمرين مهمين من آداب الصلاة والقراءة وهما تطويل الركعة الثانية على الاولى والوقوف على الكلام المرتبط بعضه ببعض ويسبب جميع ذلك اهمال السنن واندراسها لقلة الاستعمال صار المستعمل لها مجهلا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه السواد الاعظم وذلك لفساد الزمان وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة. حتى يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا فعليك بلزوم السنة طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم وتغنم. قال السيد الجليل ابو على الفضيل بن عياض رضى الله عنه لا تستوحش طرق الهدى لقلة اهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين.
[,
(صلاة الاستخارة) اعلم انه ورد في الاستخارة احاديث كثيرة وأصحها في هذا الباب ما رويناه في صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول اذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم انى استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسئلك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الأمر خير لى الحليمى ولا مانع يمنع من تسميته قياما فان الليل كله محل للقيام وانما يتفاوت فضيلته (مجهلا) بضم الميم وفتح الجيم والهاء المشددة أي مستويا الى الجهل وعدم العلم (الفضيل بن عياض) قال القشيري خراساني من ناحية مرو وقيل انه ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم روي بسنده الى أبي عمار قال كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين ابيورد وبين سرخس وكان سبب توبته انه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران اليها اذ سمع تاليا يتلو الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله الآية فقال يا رب قد آن فرجع فأواه الليل الى خربة فوجد فيها رفقة فقال بعضهم نرتحل وقال قوم حتى يصبح فان فضيلا على الطريق يقطع علينا فأتي الفضيل وامنهم وجاور الحرم حتى مات. صلاة الاستخارة (ما رويناه في صحيح البخاري عن جابر) وأخرجه عنه أيضا أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (من غير الفريضة) هذا محمول على الندب والا فهي ينادى بغيرها من فرض أو سنة ما لم ينقص عن ركعتين كالتحية كما سيأتي (استخيرك) أي أسألك ان تختار لى (بعلمك) أى بما تعلمه لى من الخير (واستقدرك) أي أسألك تقدير الخير وفي احدى الروايات للنسائي
في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاقدره لى ويسره لى ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى في ديني ومعاشى وعاقبة أمري أو قال عاجل أمرى وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به قال ويسمى حاجته. قال العلماء يحصل ركعتاها براتبة وتحية وغير ذلك والاستقلال بسبب الاستخارة أو لا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد قال بعضهم ويقرأ أيضا بعد قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ الآية وبعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وهذا لا بأس به وفيه مناسبة حسنة ولو تعذرت عليه الصلاة في الحال استخار بالدعاء. ويستحب افتتاحه وختمه بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أدب في جميع الأدعية. ويستحب أن يقول اللهم خرلى واخترلى فقد روينا ذلك في حديث مرفوع في جامع الترمذى وضعفه ويقرأ بعد الصلاة والدعاء أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ثم يمضى بعد ذلك لما ينشرح له صدره فلا شك أن الخير فيه وان ظهر له منه شر فلا شك أن في طيه خير فان الخير ما هو عند الله خير لا ما يظهر للناس قال تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. ويستحب أن تكون الصلاة والدعاء سبع مرات فقد روينا في كتاب ابن السنى بسند فيه مجاهيل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه وينبغي أن لا تترك الاستخارة في كل الأمور وان كانت طاعة كالحج ونحوه واستشهدك (أو قال عاجل أمرى وآجله) شك من الراوى وينبغى للمستخير الاتيان بجميعه (واقدر) بهمز وصل وضم المهملة بمعنى قدر (ثم أرضني به) وللنسائي بقضائك (قال ويسمى حاجته) وللحاكم في المستدرك من حديث أبي أيوب الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اكتم الخطيبة ثم توضأ فاحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل اللهم انك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فان رأيت في فلانة تسميها باسمها خيرا لى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى وان كان تأخيرها خير الى في دينى ودنياي وآخرتي فاقدرها لى (فالحمد) بالرفع على الحكاية (ويستحب ان يقول اللهم خر لى واخترلي)
للحديث السابق ولما رواه البيهقى ابه صلى الله عليه وسلم قال من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله عليه ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله.
«صلاة حفظ القرآن» روينا في جامع الترمذى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال بابى أنت وأمي يا رسول الله تفلّت هذا القرآن من صدرى فما أجدنى أقدر عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينتفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك فقال أجل يا رسول الله فعلمنى قال اذا كان ليلة الجمعة فان استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فانها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فان لم يستطع فقم في وسطها فان لم تستطع ففي أولها وصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان. وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم تنزيل السجدة وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل فاذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصلى علىّ وعلى آلى وأحسن على سائر النبيين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولاخوانك الذين سبقوك بالايمان ثم قل في آخر ذلك اللهم ارحمنى بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنى وارحمني ان أتكلف ما لا يعنينى وارزقنى حسن النظر فيما يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنى وارزقني أن أتلوه على النحو الذى يرضيك عني اللهم بديع السموات والارض ذا الجلال والاكرام والعزة التى للاتباع أخرجه الترمذى من حديث أبي بكر (ولما رواه) الترمذى و (البيهقى) والحاكم بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص* صلاة حفظ القرآن (في جامع الترمذي عن ابن عباس) بسند حسن غريب (تفلت) بفتح الفوقية فالفاء فاللام المشددة فالفوقية أى تغلب على وخرج (من صدري) كما تفلت الدابة (كان ليلة) بالرفع والنصب (ساعة مشهودة) أى يشهدها الملائكة وتنزل فيها رحمة البارى تعالى وبركاته (في وسطها) بفتح السين (اللهم ارحمني بترك المعاصى) يؤخذ منه ان المعاصى ربما كانت سببا لنسيان القرآن وغيره من العلوم واخرج أحمد عن ابن مسعود موقوفا عليه قال قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا قوله تعالى فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً الآية (يعنيني) بفتح أوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبتدعهما
لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصرى وأن تطلق به لسانى وأن تفرج به عن قلبي وأن تشرح به صدرى وأن تستعمل به بدنى فانه لا يعينني على الحق غيرك ولا يؤتينيه الا أنت ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم قال يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجاب إن شاء الله تعالى والذى بعثني بالحق نبيا ما أخطأ مؤمنا قط. قال ابن عباس رضى الله عنهما ما لبث عليا خمسا أو سبعا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس فقال يا رسول الله انى كنت فيما خلا لا آخذ الا أربع آيات ونحوهن فاذا قرأتهن على نفسى تفلتن وأنا أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها فاذا قرأتها على نفسي فكأنما كتاب الله بين عينىّ ولقد كنت أسمع الحديث فاذا رددته تفلّت على وأنا اليوم اسمع الاحاديث فاذا تحدث بها لم أخرم منها حرفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن. قال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه الا من حديث الوليد بن مسلم. قلت وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين وادعى انه على شرطهما وشهد على صحته ما صح منه بالتجربة والله أعلم.
[مطلب في صلاة التسابيح التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلّم عمّه العباس]
(صلاة التسبيح) التى علمها النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس وقال له عند ذلك يا عباس يا عم ومخترعهما على غير مثال سابق (لا يرام) أى لا يطلب لليأس من ادراكها (ان تلزم) بضم أوله وكسر ثالثه (على النحو) أي السنن والطريق (وان تفرج) بفتح الفوقية وسكون الفاء وضم الراء وبضم الفوقية وفتح الفاء وكسر الراء مع تشديدها (وان تشرح) أي توضع (وان تستعمل به بدنى) كذا وخص في بعض نسخ الترمذى من الاستعمال وبعضها بغسل من الغسل (غيرك) بالضم ويجوز النصب (ثلاث جمع) بالصرف (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) منصوب لوقوع اخطأ عليه (حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنصب رسول لانه مفعول جاء والفاعل مستتر وهو على (فيما خلا) أي مضى وسلف (أربعين آية أو نحوها) (فائدة) أخرج الزهري عن عمر موقوفا عليه تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فان جبريل نزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس آيات خمس آيات (بين عينى) بالتثنية أى كأنما اقرأه في مصحف (لم اخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء أي لم انقص (مؤمن ورب الكعبة) أى لما مر في قوله ما أخطأ مؤمنا وفيه فضيلة لسيدنا على كرم الله وجهه ورضي الله عنه حيث شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالايمان وقد سماه الله تعالى بذلك في كتابه العزيز حيث قال إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قال أكثر المفسرين المراد على كرم الله وجهه ورضى عنه (ما صح عنه بالتجربة) ان أراد تجربة غير سيدنا على فظاهر وان أراد تجربة سيدنا على فذلك عن الحديث فكيف يشهد بصحة نفسه صلاة التسبيح (علمها عمه العباس) أخرجه
ألا أصلك ألا أحبوك الا أنفعك فقال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات وذكر الحديث وقال في آخره فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفر الله تعالى ذلك لك وفي رواية قال اذا أنت فعلت ذلك غفر لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته قال في احدى رواياتها ان استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل وان لم تفعل ففي كل جمعة مرة فان لم تفعل ففي كل شهر مرة فان لم تفعل ففي كل سنة مرة فان لم تفعل ففي عمرك مرة واعلم ان صلاة التسبيح قدرواها جماعة من الحفاظ بطرق عديدة ووعود متداخلة وضعفوا طرقها وممن ضعفها أبو الفرج بن الجوزى في كتابه الموضوعات وأبو بكر بن العربي المالكي في كتابه الاحوذى في شرح الترمذى وصحهها آخرون منهم الحافظ على بن عمر الدار قطنى والحاكم في المستدرك وابن خزيمة وعلى الجملة فقد تلقاها الناس بالقبول وعمل بها أكابر العلماء لانها وان لم يقطع بصحتها فهي مرتفعة عن نوع الموضوع. وقد قالوا فضائل الاعمال يعمل فيها بالضعيف ما لم يتعلق بنهى حديث أصح منه واختار كثيرون من رواياتها رواية عبد الله بن المبارك وهى ما رواها الترمذى فقال حدثنا احمد بن عبدة الضبي قال حدثنا ابن وهب قال سألت ابن المبارك عن الصلاة التى يسبح فيها قال يكبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ثم يركع فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا يصلى أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة ثم يقرأ ثم يسبح عشرا قال فان صلى ليلا فأحب أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس (الا احبوك) أي نعطيك والحباء العطية وهو بالمهملة فالموحدة (فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج الى آخره) أخرجه الطبراني وفيه مثل زبد البحر (غفر لك) بالبناء للمفعول (وصححها آخرون) وحسنها ابن الصلاح والنووى في تهذيب الاسماء واللغات لكنه ضعفها في المجموع والتحقيق (عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلى التميمي مولاهم المروزي قال ابن الانصارى ولد سنة ثمانى عشرة ومائة ومات في رمضان سنة احدي وثمانين وقبره بهيت مدينة على شاطيء الفرات سميت بذلك لانها في هوة اي منخفض وقبره يزار بها (الضبي) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة منسوب الى ضبة بن أدغم بن تميم بن مر (ابن وهب) اسمه عبد الله (يسبح فيها) بالبناء للمفعول (ثم يقول خمس عشرة مرة) في رواية غير ابن المبارك انه لا يسبح قبل قراءة الفاتحة ويسبح بعدها خمس عشرة ويسبح عشرا في جلسة الاستراحة ويسن في الاولى بعد الفاتحة الهاكم وفي الثانية والعصر وفي الثالثة الكافرون وفي الرابعة الاخلاص قاله الشيخ
الىّ أن يسلم في كل ركعتين وان صلى نهارا فان شاء سلم وان شاء لم يسلم.
[,
(صلاة الضحى) وبيان فضلها ووقتها وأقلها وأكثرها روينا في الصحيحين عن أبى هريرة قال أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل ان انام وعن ابى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحي رواه مسلم. وروى أيضا عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعا ويزيد ما شاء وفي الصحيحين عن أم هانئ ما معناه قالت ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل فلما فرغ من غسله صلى ثمانى ركعات وذلك ضحى سماها الجوزى وغيره صلاة الفتح ومعناهم انها تسن عند الفتوحات والظفر. وروي البيهقى وغيره باسناد فيه مقال ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لابى ذر ان صليت الضحى ثنتى أبو حامد في الرونق (فان شاء سلم وان شاء لم يسلم) والتسليم أفضل فقد اخرج أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه صلاة الليل والنهار مثنى مثني صححه ابن حبان* صلاة الضحى (وبيان) بالرفع عطفا على صلاة (وركعتي الضحي) فيه ان اقلها ركعتان (وان أوتر قبل ان أنام) هذا محمول على انه صلى الله عليه وسلم علم منه عدم التيقظ آخر الليل (سلامى) بضم المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم وأصلها عظام الاصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن وجمعها سلاميات بضم السين وتخفيف التحتية وجملة هذه السلاميات ستون وثلاثمائة كما جاء في مسلم أيضا (صدقة) سبب ذلك الشكر لله عز وجل كما أصبح معافا على نعمة الاسلام (ويجزيء من ذلك) بضم أوله مع الهمزة من أجزي وبفتحه بغير همز من أجزي بمعنى كفي (يركعهما) بالتحتية أي أحدكم (رواه مسلم) وأبو داود (وروى) مسلم (أيضا عن عائشة) وأخرجه عنها أيضا أحمد (كان يصلى الضحي أربعا) قال النووي وغيره هذا صريح في ان عائشة قصدت بقولها وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحي قط واني لا سبحها نفي رؤيتها له لا نفي صلاته بالكلية قالوا وسبب عدم رؤيتها انه صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عندها في وقت الضحي الا نادرا من الاوقات بل قد يكون مسافرا أو حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وان كان عند نسائه فلما كان لها يوم من تسعة أيام أو من سبعة فصح قولها ما رأيته يصليها ويكون قد علمت بخبره أو بخبر غيره ان صلاها (ويزيد ما شاء) فيه دليل لما اختاره السيوطي وغيره ان صلاة الضحي لا تنحصر في عدد مخصوص قال في الديباج وقد نبه الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي على ذلك وانه ليس في الاحاديث الواردة في اعدادها ما ينفي الزائد ولا يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم انها تنحصر في عدد بحيث لا يزاد عليه (ان صليت الضحى
عشرة ركعة بني الله لك بيتا في الجنة وهذا بيان أكملها ونقل النووى في شرح المهذب عن الاكثرين ان أكثرها ثمان وذكر فيه ان ادنى الكمال أربع وافضل منه ست وانه يسلم من كل ركعتين وينوي ركعتين من الضحى. واما وقتها فقال العلماء وقتها من حين ترتفع الشمس كرمح الى الزوال وهذا ما جزم به الرافعى في شرحه وتبعه على ذلك النووى في شرحه المهذب وفي كتابه التحقيق وخالف في الروضة فقال ان الأصحاب قالوا يدخل وقتها بالطلوع وان التأخير الى الارتفاع مستحب والصواب ان صلاتها عند الطلوع مكروهة وان النهى عن الصلاة لا يزول لنفس الطلوع بل لا بد من طلوعها طلوعا حسنا بيضاء نقية وقدر العلماء ذلك برمح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن عبسة في حديثه الطويل صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فدل ذلك على أن النهى لا يزول بنفس الطلوع. وذكر القاضى عياض أحاديث النهى وجمع ألفاظها ثم قال وهذا كله يبين ان المراد بالطلوع يعنى في الروايات المطلقة ارتفاعها واشراقها واضاءتها لا مجرد ظهور قرصها قال النووي في شرع مسلم وهذا الذي قاله القاضى صحيح متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات والله أعلم. وذكر النووى في شرح المهذب والتحقيف ان وقتها المختار حين يمضى ربع النهار وكأنه تبع في ذلك الغزالى فانه ذكر ذلك في كتابه الاحياء وقال حتى لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة. قلت والدليل على استحباب ذلك ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم انه رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما قد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن ثنتى عشر ركعة بني الله لك بيتا في الجنة) أول الحديث ان صليت الضحي ركعتين لم تكتب من الغافلين أو أربعا كتبت من المحسنين أوستا كتبت من القانتين أو ثمانيا كتبت من الفائزين أو عشرا لم يكتب عليك ذنب ذلك اليوم (حسنا) بفتح الحاء والسين المهملتين والتنوين أي طلوعا حسنا (نقية) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية أى صافية لا يخالط بياضها شيء (ابن عبسة) بمهملتين بينهما موحدة بوزن شجرة (في حديثه الطويل) في مسلم وغيره (ثم اقصر) بقطع الهمزة وكسر المهملة أى اترك (ارتفاعها) بالضم وكذا ما بعده (ما روينا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم) وأخرجه عنه أحمد أيضا وأخرجه عبد
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال «فائدة» قال بعض العلماء ينبغي لمن صلى الضحى ركعتين أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بالشمس وضحاها وَالضُّحى وان صلاها أربعا قرأ في الآخرتين بقل يا أيها الكافرون وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وهذا لا بأس به ولكن لم يصح في هذا الباب شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[,
«صلاة الضر والحاجة» اعلم ان صلاة الحاجة رواها جماعة من المحدثين على وجوه كثيرة فمن ذلك ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبى أوفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له الى الله حاجة أو الى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل لا إله الا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسئلك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لى ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا حاجة هى لك رضى الا قضيتها يا أرحم الراحمين* وروي أيضا ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله لى أن يعافينى قال ان شئت دعوت وان شئت صبرت فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء اللهم انى أسئلك واتوجه اليك بنبيك محمد صلى ابن حميد وميمونة من حديث عبد الله بن أبى أوفي (ان) بكسر الهمزة (صلاة الأوابين) هم الرجاعون الى الله عز وجل بالتوبة وانما سميت بذلك لحديث لا يحافظ على الضحى الا أواب وهي صلاة الاوابين أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وأخرجه عنه أيضا الديلمى بلفظ صلاة الضحى صلاة الأوابين وهذا الاسم مشترك بين صلاة الضحي وبين صلاة الغفلة التي بين المغرب والعشاء (حين ترمض) بفتح الميم أي تصيب اخفافها حر الرمضاء (الفصال) جمع فصيل وهو ولد الناقة ما دام صغيرا (لكن لم يصح في هذا الباب شيء) قلت بل أخرج البيهقي في السنن والديلمي في مسند الفردوس بسند يعمل به في الفضائل عن عقبة بن عامر صلوا ركعتى الضحى سورتهما والشمس وضحاها والضحى* صلاة الضر والحاجة (ما رواه الترمذى عن عبد الله بن أبي أوفي) وصححه لكن أخرجه عنه أيضا الحاكم في المستدرك (موجبات رحمتك) أي الاعمال الذي من فاز بها استوجب ان يرحم (وروى) الترمذي (أيضا) عن عثمان بن حنيف ورواه عنه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي (ضرير البصر) أي أعمى وهو كذلك في رواية عند الترمذى (ان شئت) بتاء الخطاب (دعوت) بتاء المتكلم (وان شئت صبرت) بتاء الخطاب فيهما (قال فادعه) بضم العين والهاء الضمير لله عز وجل فهى متحركة ويحتمل انها هاء السكت فهي ساكنة (ان يتوضأ فيحسن وضوءه) زاد النسائى في بعض طرقه
الله عليه وسلم نبى الرحمة يا محمد انى توجهت بك الى ربك في حاجتي هذه لتقضى لى اللهم فشفعه فيّ. وروى البيهقى انه صلى الله عليه وسلم قال تصلى اثنتى عشرة ركعة من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فاذا جلست في آخر صلاتك فأثني على الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وأسجد وأقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسى سبع مرات وقل هو الله أحد سبع مرات ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل اللهم انى أسئلك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وأسألك باسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك وسلم عن يمينك وشمالك واتق السفهاء ان يعلموها فيدعون ربهم فيستجاب لهم قال البيهقى انه كان قد جرب فوجد سببا لقضاء الحاجة قال الواحدى التجربة فيه عن جماعة من العلماء على ان في سنده من لا نعرفه* قلت وفي النفس منه شيء من قبل قراءة القرآن في السجود وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال نهيت ان أقرأ القرآن وأنا ساجد وراكع والله أعلم* وقد رأينا ان نختم هذه الصلوات بصلاة التوبة تفاؤلا ان يختم الله لنا بها. اعلم انه قد ورد فيها أحاديث منها ما روينا في الصحيحين عن عثمان بن عفان انه توضأ وضوءا متمما ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بكلام غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبى بكر الصديق عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلى فتوضأ ثم صلى ركعتين (اللهم فشفعه في) زاد الحاكم فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وياء في مشددة (بمعاقد العز) أى جمل انعقاده وتمكنه (فيدعون) صوابه فيدعوا وذاك جائز على القطع* صلاة التوبة (من توضأ نحو وضوئي) قال النووى لم يقل مثل وضوئي لان حقيقة ما يأتيه صلى الله عليه وسلم لا يقدر أحد عليها وفي بعض رواة مسلم مثل وضوئي قال في التوشيح وهو من تصرف الرواة (لا يحدث فيها نفسه) زاد الطبراني لا يخبر وللحكيم الترمذى لا يحدث نفسه من أمور الدنيا والمراد كما قال النووي ما يسترسل ويمكن المرء وطبعه فاما ما يطرأ من الخواطر العارضة غير المستقرة فلا يمنع حصول هذه الفضيلة (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد ابن أبي شيبة في مصنفه والبزار وما تأخر ولا حمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبى أيوب وعقبة بن عامر من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمله وقد مر ان المراد الصغائر فقط أو بعض الكبائر اذا لم تكن له صغيرة (ما رواه أبو داود والنسائى وأحمد بن حنبل عن أبي بكر الصديق)
ثم يستغفر الله الا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ الآية* واعلم ان قد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على وجوب التوبة قال الله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ولها شروط ثلاثة. احدها ان يقلع عن المعصية. الثانى أن يندم على فعلها. والثالث أن يعزم على أن لا يعود اليها أبدا فان تعلقت بآدمي زاد شرط رابع وهو رد المظالم الى أهلها فان كانت مالية ردها وان كانت عرضية استحل منها وهل يشترط أن يعلمه بها فيه خلاف* قلت وقد علم من ظواهر الأحاديث الصحيحة انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد ورضى عنه ووهب له حقه وأرضى عنه خلقه لحديث الذي قتل وأخرجه عنه أيضا أبو عوانة والترمذي (والذين اذا فعلوا فاحشة) أى خارجة عما أذن الله فيه والفاحشة الزنا قاله جابر قال (أو ظلموا أنفسهم) ما دون الزنا من نحو قبلة أو لمس أو الفاحشة من دون الزنا والظلم اتيان الصغائر قاله مقاتل والكلبى وقيل الفاحشة الفعل والظلم القول (ذكروا الله) أي ذكروا وعنده وانه ليسألهم في الآخرة أو ذكروا الله بالنسيان عند الذنوب قاله مقاتل (فاستغفروا لذنوبهم) بألسنتهم وقلوبهم (التوبة) هي لغة الرجوع يقال فلان تاب أي رجع وشرعا الرجوع عن المذموم شرعا الى المحمود (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً) من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في سورة النور (أَيُّهَا) ولابن عامر انه بضم الهاء ويقف بلا ألف (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجون من العذاب غدا (ان يقلع عن المعصية) أي يرتفع عنها ويتركها ولا يحصل ذلك في ترك الامور الا بالاتيان به فيقض ما فاته من نحو الصلاة (وان يعزم) أى ينوي نية جازمة (ان لا يعود اليها أبدا) ويشترط وجود ذلك قبل الغر غرة وطلوع الشمس من مغربها (فان كانت مالية ردها) اليه ثم الى وارثه فان لم يوف وارثا بعد وارث حتى ماتوا فالمطالبة في الآخرة لصاحب الحق أولا على الصحيح ويجب في القصاص وحد القذف ان يأتي المستحق ويمكنه من الاستيفاء ليستوفي منه أو يبرئه فان لم يعلم وجب في القصاص ان يعلمه وكذا في القذف على الصحيح (وان كانت عرضية) كغيبة (استحل) من هتك عرضه منها ان بلغته كما قاله صاحب الانوار ونقله في العزيز عن فتاوى الحناطى والاكفاه الندم والاستغفار وظاهر كلام الجمهور وجوب استحلاله وإن لم يبلغه قال الصادي والحسد كالغيبة وصوب في الروضة عدم الوجوب تبعا للرافعي (وهل يشترط ان يعلمه بها) أى يعين الغيبة أو يكفي ان يشعره بدون ان يعلمه (فيها خلاف) جزم النووي في الاذكار بالاشتراط ومقتضي كلام الحليمي وغيره عدم الاشتراط وزعم الاذرعى انه الاصح (انه اذا صح الندم باطنا قبل الله توبة العبد الى آخره) والدليل عليه مع ما ذكره المصنف قوله صلى الله عليه وسلم الندم توبة الي آخره أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود وأخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أنس وأخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من
تسعة وتسعين نفسا ثم كمل المائة والرجلين الذين جثوا بين يدى الله تعالى والله أعلم ثم ان مذهب أهل السنة ان العبد اذا تاب من بعض الذنوب دون جميعها صحت توبته من ذلك الذنب وبقى عليه الباقى واذا تاب ثم عاد لا تهدم توبته السابقة لأن السيئات لا تذهب الحسنات وانما نطق القرآن بعكس ذلك وخرج الحاكم من حديث عقبة أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر منه قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. وقال صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة رواه الترمذي. وفي الصحيحين مرفوعا أذنب عبد ذنبا فقال رب انى عملت ذنبا فاغفر لى فقال الله تعالى علم عبدى ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدى ثم أذنب ذنبا آخر الى ان قال في الرابعة فليعمل عبدى ما شاء* أما الاستغفار بغير ندم ولا عقد قلب فهو ذكر من الاذكار لا تعلق له بالتوبة لكنه داع وقد قال صلى الله عليه وسلم واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه* وقال الفضيل بن عياض رحمه الله استغفار بلا اقلاع توبة الكذابين. وسئل بعضهم عن ذلك فقال احمدوا الله على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته والداء العضال الذي يتوقع منه سوء المآل أن يستغفر من ذنب هو مقيم عليه في حال استغفاره فيكون استغفاره استهزاء كما خرحه ابن أبي الدنيا حديث أبي سعيد الانصارى وظاهر هذا الحديث عدم اشتراط الاقلاع والعزم على عدم العود وحمل ذلك العلماء على انه صلى الله عليه وسلم انما نص على معظم أركانها على حد قوله الحج عرفة أي معظم أركانه قال القشيرى ومن أهل التحقيق من قال يكفي الندم في تحقيق ذلك لان الندم يستتبع الركنين فانه يستحيل تقدير أن يكون نادما على ما هو مصر عليه أو عازم على الاتيان بمثله (ولا يمل الله) أى لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم بره ولا يقبل توبتكم (حتى تملوا) أنتم وتسأموا والملل الذى بمعنى السآمة يستحيل في حقه تعالى (ما أصر) أي ما أقام على الذنب (من استغفر) تائبا منه (وان عاد في اليوم سبعين مرة) أو أكثر وخص السبعين لان الغالب انه لا يأتي الشخص في يوم واحد بذنب ثم يعاوده في ذلك اليوم سبعين مرة (رواه) أبو داود و (الترمذي) عن أبي بكر (وفي الصحيحين) وغيرهما عن أبى هريرة (فليعمل عبدى ما شاء) أي فان الذنوب لا تضره ما دام يتوب منها لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له (واعلموا ان الله لا يقبل دعاء من قلب غافل) أخرجه الترمذي والحاكم من حديث أبى هريرة بسند صحيح وأول الحديث ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة (استغفار بلا اقلاع توبة الكاذبين) وقال بعضهم توبة الكذابين على أطراف ألسنتهم يعنى قول استغفر الله (كما أخرجه ابن أبي الدنيا) والبيهقى في الشعب وابن عساكر من حديث ابن عباس
مرفوعا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية رحمها الله استغفارنا يحتاج الى استغفار كثير.
[,
(فصل) في ذكر شيء من منهيات الصلاة نهى صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة وقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وسئل الامام احمد بن حنبل عن حديث انه صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة ولا يلتفت فغضب غضبا شديدا وقال هذا حديث ليس له اسناد لكن قد ثبت انه صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته كان قد بعث شخصا الى العدو ثم اشتغل بالصلاة فجعل يلتفت الى جهته وهذا نادر في نافلة لمصلحة عامة فهو من باب تداخل العبادات وتقديم أهمها. وقد قال عمرانى لا جهز جيشى وأنا في الصلاة ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن والصفد في الصلاة فالصفن رفع أحد الرجلين (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وأخرجه هذا ابن السنى أيضا وابن ماجه من حديث ابن مسعود وأخرجه الحكيم من حديث أبى سعيد وأخرجه القشيري في الرسالة وابن النجار من حديث أنس وزادا واذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب (والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزيء بربه) زاد البيهقي وابن عساكر ومن آذى مسلما كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل (وقالت السيدة الجليلة رابعة العدوية) ويحكى مثل مقالها عن الحسن البصري (استغفارنا) الذى هو بمجرد اللسان فقط (يحتاج) في نفسه (الى استغفار) لانه ذنب وهذا صدر منها ومن الحسن على سبيل التواضع وهضم للنفس قال العلماء ومع كون هذا الاستغفار يحتاج إلي استغفار لا ينبغى تركه لان اللسان اذا ألف الذكر أو شك ان يألفه القلب وما أحسن قول ابن عطاء الله في الحكم لا يمنعك من الذكر عدم حضورك مع الله فيه فان غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك مع وجود ذكره فعساه يرفعك عن ذكر مع وجود غفلة الى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور الى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (خاتمة) سقوط الاثم بالتوبة ظنى عند الفقهاء وقطعى عند مشايخ الطريق وظاهر الكتاب والسنة تدل عليه بل على تبديل سيئاتهم حسنات كما هو نص القرآن.
(فصل) في ذكر شيء من المنهيات في الصلاة (نهي عن الالتفات في الصلاة) كما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة (هو اختلاس) هو الاخذ بسريقة مع الهرب (يختلسه الشيطان) هذا على وجه المجاز لان الالتفات في الصلاة منه فاذا التفت المصلى في الصلاة فقد اعرض عن ربه تعالى فتقص صلاته بذلك فكان ما نقص اختلسه الشيطان لانه كان سببا للالتفات الذي كان سبب النقص (وقال عمر) كما ذكره عنه البخارى في صحيحه معلقا وأخرجه ابن أبي شيبة مسندا (انى لاجهز جيشى وأنا في الصلاة) زاد ابن أبي شيبة واني لا حسب جزية البحرين وأنا في الصلاة (وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الصفن الى آخر ما ذكر) دلائل ذلك مشهورة في كتب الفقه فلا نطيل بذكرها والصفن بفتح المهملة وسكون الفاء ثم نون والصفد كذلك الا ان بدل النون مهملة (رفع أحد الرجلين) مع رفع ما عدا الاصابع من الثانية والا فلا يكره لان هذه
وفي معناه الاعتماد على احدى الرجلين وتقديم الاخرى فقد قال العلماء كما يكره لك أن تقدم رجليك على أخيك في الصف كذلك لا تقدم أحد رجليك على الأخرى وأما الصفد فهو اقتران القدمين معا متلاصقين بل المندوب أن يفرج بينهما قليلا وقدر ذلك بأربع أصابع في القيام وفي السجود بشبر. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الكفت والسدل فأما الكفت فهو ضم الثياب والشعر ومنعهما من السجود معه وقد سبق في فضل السجود حديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة ونهى أن يكف شعره أو ثيابه وسبق هناك فعل ابن عباس بابن الحارث وحله لرأسه وهو يصلى كله من رواية مسلم. وفي سنن أبى داود ان أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مر بالحسن بن على رضي الله عنهما وهو يصلى قائما وقد غرز ضفرة في قفاه فحلها أبو رافع فالتفت الحسن اليه مغضبا فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب علىّ فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كفل الشيطان يعني مقعد الشيطان وأما السدل فهو أن يضع الثوب على رأسه أو على كتفيه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله بل ينبغي أن يتلفع به ويخرج يديه من ثيابه كلها ونهى صلى الله عليه وسلم عن الصلب في الصلاة وهو أن يضع يديه على خاصرتيه. ونهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه مراوحة بين القدمين وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعلها في الصلاة (كذلك يكره تقديم احدى رجليه على الاخري) لانه مخالف لما أمر به من الاستوى (باربع أصابع) في القيام (في السجود بشبر) ليكون أعون على الاتيان بهيئة السجود (الكفت) بفتح الكاف وسكون الفاء ثم فوقية (والسدل) بفتح السين وسكون الدال المهملتين (في فضل السجود) بالمهملة (وقد غرز) بفتح المعجمة فالراء فالزاى (صفرة) بفتح الضاد المعجمة ووهم من جعلها طاء وسكون الفاء (مغضبا) بفتح الضاد المعجمة (كفل الشيطان) بكسر الكاف وسكون الفاء ثم محل النهي عن عقص الشعر للرجل وأما المرأة ففي الامر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئها المنافية للتجمل وصرح بذلك الغزالى في الاحياء وينبغى الحاق الخنثى بها قاله الزركشى (ان يتلفع) بالفاء فالمهملة أي يشتمل (ويخرج يديه من ثيابه) وذلك لانه اذا أتاه ما يتوقاه لا يمكنه اخراج يديه بسرعة ويكره أيضا الاضطباع واشتمال الصماء وهو ان يجلل يديه بالثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الايسر واشتمال اليهود وهو ان يجلل بدنه بالثوب دون رفع (عن الصلب) بفتح المهملة وسكون اللام ثم موحدة (وهو ان يضع يده على خاصرتيه) ويسمى اختصارا وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة نهى ان يصلى الرجل مختصرا ولاحمد وأبي داود والترمذى نهى عن الاختصار في الصلاة قال العلماء الصحيح ان معناه ويده على خاصرته وقيل هو ان يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها وقيل ان يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو ثنتين وقيل ان يحذف
بالحيوانات فقال لا تبركوا بروك البعير ولا تلتفتوا التفات الثعلب ولا تفترشوا افتراش السبع ولا تقعوا إقعاء الكلب ولا تنقروا نقر الغراب ولا ترفعوا أيديكم في حال السلام كأذناب الخيل الشمس وهذا الباب واسع وقد رأينا أن نقتصر على هذا القدر وبالله سبحانه التوفيق.
[