عروس وقور، ساقتها أقدارها إلى بيت النبوة، والعمر قد شارف على الانتهاء، وبقايا النضارة والصبا لم يبق منها غير أطلال، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يريدها هنا زوجة بالمعنى المألوف بين البشر العاديين؛ إنه يقيم دعائم الرحمة بتلك المهاجرة التي رحل عنها زوجها وخلف صبيانًا صغارًا، وقد فرت بدينها إلى الحبشة وعادت لمكة ينتظرها متربصون، كما أراد النبي إقامة استقرار بيته ورعاية بناته على يد هذه الأم الرؤوم.. وصدقت المرأة التي جاءت لخطبة النبي إليها: أيُ خيرٍ ساقه الله تعالى إليك يا سودة؟
هي السيدة سَوْدَةُ بِنْت زَمْعة بن قَيْس العَامرية القرشية، وأمها الشموس بنت قَيس بنِ زَيد بنِ عَمرو، مِن بني النّجّار.
أخواها :
مالك بن زمعة، من السابقين الأولين، هاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، ومعه امرأتُه عُميرة بنت السّعْديّ، ولم ينجبا، وبقي فيها حتى عاد إلى المدينة مع جعفر بن أبي طالب سنة 6 هـ،[الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 1352 ومصادر سير الصحابة]
عبد بن زمعة: لم يُسلم بعد حينما تزوج النبي محمد أخته، فجعل يحثُو على رأسِه الترابَ ندمًا على زواج أخته، ولما أسلم قال: «إني لسفيهٌ يومَ أحثو على رأسِي الترابَ أن تزوجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سودةَ».[مجمع الزوائد للهيثمي: كتاب المناقب، 15340]
وكانت سودة سيدة جليلة ضخمة الجسم، طويلة، لطيفة المعشر، جوادة، تقية، تزوجها النبي وهي في سن كبيرة وتراوحت الأقوال بين الـخمسين و الستين..[تراجم السيرة ومنها سير اعلام النبلاء، الذهبي، 2/267]
تزوجت السيدة سودة ابن عم لها يقال له السَّكْرَان بن عَمْرٍو، أَخو سُهَيْل بن عَمْرٍو العَامِرِي، وقد أسلمت سودة وزوجها، فَهَاجرَا إلى الحبشة، في الهجرة الثانية (83 رجلًا و19 امرأة) فرارًا بدينهم من بطش مشركي قريش، في السنة الخامسة لبعث النبي محمد، وبصحبتهما ولدهما "عبدالله"، وقد عملوا بنصيحة النبي: «اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد»[فتح الباري: باب هجرة الحبشة : 227]
كان هؤلاء المؤمنون ممن قدموا من الحبشة بعد فترة على قوارب صغيرة تعبر البحر الأحمر وأخطاره، في رحلة طويلة من شواطيء الحبشة، ثم قطعوا مسافة طويلة مشيًا على الأقدام في الصحراء الحارقة حتى وصلوا مكة، وقد صدقوا الأخبار التي أتتهم بإسلام قريش، وكانت محض خدعة، ومع ذلك مكثوا في ديارهم متحملين كل أذى في سبيل البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم[سيرة ابن هشام، بتصرف]
وقد أنجبت سودة من زوجها السكران خمسة أبناء، فكانت أسرة مؤمنة صابرة، ولكنه تُوفي عنها بعد فترة قصيرة من العودة لمكة، وتركها تواجه مصيرها مع قوى الكفر الظالمة، وكان أبوها وأخوها ما يزالان على شركهما، ما ضاعف بؤسها.
زار طيفُ النبي صلى الله عليه وسلم السيدةَ سودة رضي الله عنها في منامها مرتين مُحملًا ببشارة السماء؛ وكان ذلك لنقاء سريرتها، وقد كانت سودة بنت زمعة تحكي لزوجها السَّكْرَان بن عَمْرو ما رأته في منامها "كأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ على عُنقها، فقال: "وأبيك لئن صَدَقَت رؤياك لأموتنّ وليتزَوّجنّك رسول الله"، فقالت: حجرًا وسترًا (تنفي عن نفسها احتمالية حدوث ذلك في الواقع من شدة غرابته)".
ثمّ رأت في المنام ليلةً أُخرى أنّ قَمَرًا انقضّ عليها من السماء وهي مُضطجعة، فأخبرت زوجها فقال: "وأبيك لئن صَدَقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتتزوّجين من بعدي". فاشتكى السكران من يومه ذلك فلم يلبث إلا قليلًا حتى مات. [طبقات ابن سعد، 8/57]
لما توفيت السيدة خديجة، رضي الله عنها، ذهبت خولة بنت حكيم امرأة الصحابي عثمان بن مظعون، تسأل النبي وقد بدا همه: «ألا تزوج؟، قال: نعم، فما عندك، قالت: بكر وثيِّبٌ ( أي امرأة بكرًا وأخرى ثيبًا لرعاية الأبناءالبكر بنت أحب خلق الله إليكَ عائشةُ والثَّيِّبُ سَودةُ بنتُ زمعةَ وقد آمنت بك واتبعتك، قالَ : فاذهبي فاذكُريهما عليَّ(اخطبيهما)»
انطلقت السيدة خولة إلى بيت سودة، وأبوها شيخ كبير، فلما رأته حيته، وقالت: أنعم صباحًا، ورحّب بها، وأخبرته برغبة النبي في خطبة ابنته، فرد قائلًا: "كفء كريم" ماذا تقول صاحبتك؟ (يعني ابنته سودة)، قالت: تحب ذلك، قال: قولي له فليأت، فجاء رسول الله فملكها [أي: تزوجها]. [فتح الباري، ابن حجر، 7/266، إسناده حسن]
ويلاحظ أن العرب في الجاهلية كانوا يُقرون بكفاءة النبي للصهر وشرف الانتساب له.
وقد جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لخطبة سودة، فقالت: أمري إليك. قال: «مُري رجلًا من قومك يُزوّجك». فأمرت حاطب بن عمرو العامريّ، فزوّجها، وهو مهاجريّ بدريّ.
وفي الأثر أنّ سودة كانت امرأة مصبية (كان لها خمسة صبية أو ستّة من زوج لها مات) فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : "ما يمنعك منّي قالت : والله يا نبيّ الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحبّ البريّة إليّ ولكنّي أكرمك أن يضغو هؤلاء الصّبية عند رأسك بكرة وعشيّة (أي تخشى أن يصيبه صغارها بالتعب أو الإزعاج) قال : فهل منعك منّي شيء غير ذلك قالت : لا والله قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « يرحمكِ اَلله، إنَّ خير نساء ركبْنَ أعجازَ الإبل صالحُ نساء قريشٍ، أَحْناه على ولَدٍ في صِغَر، وأَرْعاه على بعلٍ بذات يدٍ » [رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، 2527]
هذه الزيجة تعكس منطق النبوة الكريم، في إعلاء شأن امرأة رعت زوجها في شدته، و حدبت على أولادها بالرعاية بعد رحيل أبيهم، وهي من شيم المرأة العربية والمسلمة.
بَنَى النبي بسودة في مكة، وانفردت به نحوًا من ثلاث سنين أو أكثر، حتّى بنى بعائشة، وبهذا تكون سودة أوّل من تزوّج بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاة خديجة.
كان زواج السيدة سودة رضي الله عنها على صداق وقدره أربعمائة درهم، تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان، سنة عشرٍ (10) من البعثة، وهاجر بها إلى المدينة. [طبقات ابن سعد 8/53]
بعد هجرته إلى المدينة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب أهله، فقدمت ابنتاه فاطمة، وأم كلثوم، ومعهما سودة بنت زمعة زوجته وأسامة بن زيد، وكانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد هاجر بها زوجها عثمان بن عفان قبل ذلك، وحبس أبو العاص بن الربيع، امرأته زينب بنت رسول الله، كما قدمت عائشة بنت أبي بكر مع أخيها، فأنزلهم النبي جميعًا في بيت حارثة بن النعمان. [طبقات ابن سعد 1/237]
وبعد فراغ النبي وأصحابه من بناء المسجد، بنى النبي صلى الله عليه بيوتًا إلى جنبه باللّبِن وسقَّفها بجذوع النخل والجريد؛ لأهل بيته، فلما فرغ من البناء، بنى بعائشة رضي الله عنها- في البيت الذي بابه إلى المسجد. وجعل سودة بنت زمعة - رضي الله عنها- في البيت الآخر الذي يليه إلى الباب الذي يلي آل عثمان.
ولا تنقل كتب السيرة شيئًا من غيرة النساء قد أظهرتها السيدة سودة أم المؤمنين، من ضرتها الجديدة الصبية الجميلة عائشة، رضي الله عنهما، فقد كانت ترضى تمامًا بما قسمه الله لها من خير كبير بالانتساب إلى بيت النبوة الشريف، ورعاية الأبناء، والوجود إلى جوار أشرف الخلق أجمعين.
على العكس، كانت سودة رضي الله عنها ذكية بما يكفي لكسب محبة السيدة عائشة، وكانت تفعل ذلك بنية صافية محتسبة وجه ربها ورضا رسوله عليها]. ابن حجر 8/117 [
الأكثر من ذلك، أن تطوعت السيدة سودة رضي الله عنها بيومها للسيدة عائشة، الزوج الجديد للنبي، وتأثرت عائشة طيلة حياتها بهذا الموقف، حتى قالت: «ما رأيتُ امرأةً أحبَّ إليَّ أن أكون في مَسلاخِها (إلى جوارها) من سودةَ بنتِ زَمعةَ . ... فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقسِمُ لعائشةَ يومَين : يومَها ، ويوم لسودةَ» [بتصرف، رواه مسلم: 1463]
ومن المواقف الطريفة ما يُروى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عند سودة في بيتها فجاءت عائشة تزورها وأتت معها بأكلةٍ طبختها بيدها تسمى الخريزة، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم منها أمّا سودة فلم تشتهِ، فهددتها عائشة مازحة: لتأكلين أو لأُلَطّخنّ وجهكِ، وطَلَت وجه سودة وهي تضحك، فأمسك النبي بيد سودة وأدخلها في القصعة وهو يقول الطُخِي وجهها .. ولما مر عمرُ فنادى يا عبدَ اللهِ [يعني النبي]، دعاهن النبي لأن تغسلا وجوههن احتراما لصاحبه. [السلسلة الصحيحة، الألباني، 7/363]
- هي أول أزواج نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد السيدة خديجة رضي الله عنها، وانفردت به نحو ثلاث سنوات حتى تزوج عائشة رضي الله عنها.
-مُربية أبناء النبي من السيدة خديجة بعد وفاتها، رضي الله عنهما.
-تعد سودة رضي الله عنها من فواضل نساء عصرها كانت سيدة جليلة، نبيلة الخلق، عُرفت بالصلاح والتقوى، وامتازت بالصدقة.
-شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي وأطعمها النبي من الغنائم ثمانين وَسْقًا تمرًا وعشرين وَسْقًا شعيًرا، ويقال قمح.
-روت سودة عن النبي بعض الأحاديث. وحدث عنها: ابن عباس، وغيره.
كانت السيدة سودة رضي الله عنها إحدى أسباب نزول آية الحجاب، أي الآية التي نزلت في أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب من الرجال. ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب: 53]
وتروي لنا السيدة عائشة أن سودةُ بنتُ زمعةَ قد خرجت ليلًا، فرآها عمرُ فعرفها، رضي الله عنهما، فقال : «إنكِ واللهِ يا سودةُ ما تخفَينَ علينا، فانظري كيف تخرجين، فانكفأت راجعة، فرجعتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (أي عائشة) فذكرتُ ذلك لهُ، وهو في حُجرتي يتعشَّى، وإنَّ في يدهِ لعرقًا، فأُنزلَ عليهِ (أي الوحي)، فرفع عنهُ وهو يقولُ : « قد أَذنَ اللهُ لكنَّ أن تخرجْنَ لحوائجِكنَّ»[رواه البخاري: 5237]
-قالت السيدة عائشة في أمر تبرع سودة بيومها لها : «نقولُ في ذلِكَ أنزلَ اللَّهُ تعالى وفي أشباهِها :{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: 128] ولم تنس عائشة فضل سودة عليها في حياتها.
وردت عدة مناقب للسيدة سودة في حجتها مع النبي:
روت السيدة عائشة: «نزَلنَا المزدَلِفَةَ ، فاسْتَأْذَنَتْ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ سَوْدَةُ ، أن تَدْفَعَ قَبلَ حَطْمَةِ الناسِ (زحامهم)، وكانتْ امرأَةً بَطِيئَةً (لثقل وزنها وكبر سنها)، فَأَذِنَ لهَا ، فدَفَعَتْ قبلَ حَطْمَةِ الناسِ ، وأقَمنَا حتى أصبحنَا نحنُ ، ثمَّ دَفَعْنَا بدَفْعِهِ ، فلأَنْ أكونَ اسْتَأْذَنتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كمَا استَأْذَنَت سَودَةُ ، أحبُّ إليَّ من مَفْرُوحٍ بهِ (أي تمنت عائشة لو عجلت بالمسير لمنى قبل الزحام)» [رواه البخاري: 1681]
وقد أصبح هذا الحكم عامًا للضعفاء من النساء والصبيان لئلا يتأذوا بالزحام، وأما غيرهم فيستحب لهم المكث حتى يصلوا الصبح بمزدلفة.
قال رسول الله ﷺ في حجة الوداع «هذه ثم ظهور الحصر» (أي الْزَمن بيوتكن، يأمر بها النبي نساءه)فكانت سودة تقول «لا أحج بعدها»[رواه أبوداود: 1722]
وفعلت السيدة زينب بنت جحش الشيء نفسه فلم تحج بعد النبي، ولكن في آخر زمن عمر بن الخطاب أباح لمن أرادت منهن الخروج للحج. [دروس الحرم المدني للعثيمين: 6/22].
اختلف رجلان عند النبي في نسب رضيع، كان معروف أنه من جارية عند والد السيدة سودة.
وقد جاء سعد بن أبي وقاصٍ وعبد بن زمعة (شقيق سودة)، يختلفان في غلامٍ، فقال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاصٍ، عهد إليّ أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته (جاريته وقد مات عنها).
فنظر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى شبَهه فرأى شبهًا بيِّنًا بعتبةَ (أي مغايرًا له ومتفقًا مع شكل زمعة)، فقال : «هو لك يا عبدُ بنَ زمعةَ، الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجرُ، واحتجبي منه يا سودةُ بنتَ زمعةَ فإنه ليس لك بأخ» . : قالت السيدة عائشة : فلم ير سودةَ قطُّ . [رواه البخاري: 6765]
جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها : أن سودة كانت "إذا أصابتها الحِدَّة, فاءت سريعاً, فتُصلح نفسها مما نابها"[الإصابة لابن حجر، 4/330]
ومن المواقف الدالة على ذلك قولها لما رأت أبو يزيد سهيل بن عمرو (خطيب قريش) وهو قريبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل في وضع مذل بناحية آل عفراء ضمن أسرى غزوة بدر، قبل أن يحسن إسلامه ويكون سببًا بصلح الحديبية، فقالت لسهيل وقتها (ولم تكن آيات الحجاب قد نزلت) : "ألا متم كرامًا؟"، فغضب النبي وقال: "أعلى الله ورسوله تحرضين؟"، فتداركت قائلة: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت ما رأيت. [الاستيعاب، ابن حجر، 2/229]
من مزايا السيدة سودة أنها كانت معطاءة تكثر من الصدقة ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليها بغِرارة (وعاء تُوضع فيه الأطعمة) من دراهم ، فقالت : ما هذه ؟ ، قالوا : دراهم ، قالت : في غرارة مثل التمر؟ ففرقتها بين المساكين . [الإصابة، ابن حجر، 4/339]
كانت سودة امرأة تحب الصدقة، وورد في الصحيح أنها المقصودة بحديث النبي عن عائشة قالت : يا رسولَ اللهِ أيَّتُنا أسرَعُ بك لحوقًا ؟ (أي في الانتقال للدار الآخرة) فقال: ( أطولُكنَّ يدًا ) قال: فأخَذْنَ قصبةً يتذارَعْنَها فماتت سودةُ بنتُ زمعةَ وكانت كثيرةَ الصَّدقةِ فظنَّنا أنَّه قال: أطولُكن يدًا بالصَّدقةِ (هذا الحديث له إسناد صحيح في كتاب مسلم ولكنه يشير للسيدة أم المؤمنين زينب بنت جحش)
خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " لا تطلقني ، وأمسكني ، واجعل يومي لعائشة ، ففعل ، فنزلت :{ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: 128] . [رواه الترمذي ( 3040 )]
علمت السيدة سودة رضي الله عنها، أن تقدم عمرها سيمنعها من الإيفاء بمتطلبات الحياة الزوجية، فاختارت الآخرة ورضيت من الدنيا بكنف النبي الحبيب الخاتم.
كانت السيدة سودة رضي الله عنها، مصدرًا للسعادة ببيت النبوة، لطيب معشرها ولطفها وخفة ظلها، ومن قبيل ذلك أنها صلّت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرّة في تهجّده ، فثقلت عليها الصلاة، فلما أصبحت قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " صليت خلفك البارحة ، فركعتَ بي حتى أمسكت بأنفي ؛ مخافة أن يقطر الدم ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تضحكه الأحيان بالشيىء " . [الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر ،8/197]
-كانت السيدة سودة خفيفة الظل، رغم ثقل حركتها، تمشي مشية مضحكة، وكان يسعدها أن تجد البسمة على وجه حبيبها النبي لأثر تلك المشية فتتعمد فعلها كي تُفكه عنه .
-سودة والدجال: ذات يوم أرادت السيدتان حفصة وعائشة مداعبة السيدة سودة، رضي الله عنهم جميعًا، وأوهمانها أن الدجال قد خرج، فأصابها الذعر من ذلك ، وسارعت للاختباء في بيتٍ كانوا يوقدون فيه ، وضحكت حفصة و عائشة من تصرّفها ، ولما جاء رسول الله ورآهما تضحكان قال لهما : ما شأنكما؟ فأخبرتاه بما كان من أمر سودة ، فذهب إليها ، وما إن رأته حتى هتفت : يا رسول الله ، أخرج الدجال ؟ فقال : ( لا ، وكأنْ قد خرج ) ، فاطمأنّت وخرجت من البيت ، وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت . [الإصابة،ابن حجر،4/285]
روت سودة خمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها الصحابة بإسناد مباشر عدة أحاديث، أهمها:
-عن عائشة: "نزلنا المزدلفة، فاستأذنت سودةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن تدفع قبل حطمة الناس- وكانت امرأة بطيئة- فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس" [رواه البخاري 1681]
-رواية سودة عن بعث الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبعَثُ النَّاسُ حُفاةً عُراةُ غُرْلًا قد ألجَمَهم العرقُ وبلَغ شحومَ الآذانِ فقُلْتُ (أي سودة) يُبصِرُ بعضُنا بعضًا ! ، فقال النبي: شُغِل النَّاسُ لكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغْنِيه(أي لن يكون أحد من البشر ملتفتًا إلا لمصيره بين يدي الله"[مجمع الزوائد، الهيثمي، 10/336]
-حديث النبي إليها بالانتفاع بجلد الشاة إذا ماتت وأصبح محرم أكلها، وتلاوته قول الله {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَّ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } ثم قال أفلا أخذتُموه فدَبغتُموه ثم صنعتُموه سِقاءً[جاء بمعناه في البخاري 6686]
توفيت السيدة الجليلة سودة بنت زمعة بالمدينة المنورة في شوال سنة أربعة وخمسون في خلافة معاوية، محققة أمنيتها الغالية بالبقاء في مصاف أمهات المؤمنين يوم يبعث الله نبيه والخلق أجمعين، وقيل بل كانت أول أمهات المؤمنين وفاةً وتوفيت في أواخر خلافة عمر بن الخطاب.
ولما توفيت سودة سجد ابن عباس فقيل له في ذلك؟ فقال: "قال رسول الله: إذا رأيتم آية فاسجدوا"، ويقصد بأن وفاة أزواج النبي آية أي أنه أمر عظيم. [السمط الثمين/117]