وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت عمرة القضاء ويقال لها عمرة القضية وغزوة الا من أيضا أما تسميتها عمرة القضاء فلانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها بالحديبية فانها فسدت بالتحلل عنها وانما عدوّها عمرة لثبوت الاجر فيها لانها كملت كما هو مذهب الحنفية وذكر ابن هشام أنها يقال لها عمرة القضاء لانهم صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام من سنة ست فاقتص منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مكة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام الذى صدّوا فيه من سنة سبع قال موسى بن عقبة وذكر انّ الله تعالى أنزل فى تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وأمّا تسميتها عمرة القضية فلانه عليه السلام قاضى قريشا فيها لا لانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها لانها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة كما هو مذهب الشافعية ولذا عدّوا عمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أربعا وهذا الخلاف مبنى على الاختلاف فى وجوب القضاء أو الهدى على من أحرم معتمرا وصدّ عن البيت فعند أبى حنيفة يجب القضاء عليه لا الهدى وعند الشافعية يجب عليه الهدى لا القضاء وكانت عمرة القضاء بعد غزوة خيبر بستة أشهر وعشرة أيام وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من خيبر الى المدينة أقام بها شهرى ربيع وما بعده الى شوّال وهو يبعث فيما بين ذلك سرايا ثم خرج فى ذى القعدة فى الشهر الذى صدّه فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التى صدّوه عنها وخرج معه المسلمون ممن كان صدّ معه فى عمرته تلك وهى سنة سبع فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنها كذا فى الاكتفاء وقال غيره انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذى القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التى صدّهم المشركون عنها بالحديبية وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف منهم أحد الا من استشهد منهم بخيبر ومن مات وخرج معه صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عمارا غير الذين شهدوا الحديبية وكانوا فى عمرة القضاء ألفين واستخلف على المدينة أبارهم الغفارى* وفى القاموس عويف بن الاضبط وأحرم من ذى الحليفة وساق صلى الله عليه وسلم ستين بدنة وجعل على هديه ناجية ابن جندب الاسلمى وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس* وفى المواهب اللدنية فلما انتهى الى ذى الحليفة قدم الخيل أمامه عليها محمد بن مسلمة وقدّم السلاح واستعمل عليه بشر بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم ولبى والمسلمون يلبون معه ومضى محمد ابن مسلمة فى الخيل الى مرّ الظهران فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح هذا المنزل غدا ان شاء الله تعالى فأتوا قريشا فأخبروهم ففزعوا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وقدّم السلاح الى بطن يأجج كيسمع وينصر ويضرب موضع بمكة حيث ينظر الى أنصاب الحرم وخلف عليه أوس بن خولى الانصارى فى مائتى رجل وخرج قريش من مكة الى رؤس الجبال وأخلوا مكة ثلاثة أيام* وفى الاكتفاء قال ابن عقبة وتغيب رجال من أشرافهم وخرجوا الى بوادى مكة كراهية أن ينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظا وحنفا ونفاسة وحسدا انتهى وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى أمامه فحبس بذى طوى
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصوى والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون فدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم من ثنية كداء بفتح أوّله والمدّ وهى طلعة الحجون التى بأعلى مكة ينحدر منها الى المقابر على درب المعلاة على طريق الابطح ومنى وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته وهو يمشى بين يديه ويقول
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضر بكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
* فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حرم الله تقول شعرا* فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهى أسرع فيهم من نصح النبل رواه الترمذى ورواه عبد الرزاق من وجهين بلفظ
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن فى تنزيله
بأنّ خير القتل فى سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
وفى الاكتفاء
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير فى رسوله
يا رب انى مؤمن بقيله ... أعرف حق الله فى قبوله
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى حتى استلم الركن بمعجنه مضطبعا بثوبه وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه وقد اضطبعوا بثيابهم وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن على ظهر الكعبة* وفى البخارى عن ابن عباس قال المشركون انهم يقدمون عليكم وقد أوهنتهم حمى يثرب فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يرملوا فى الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الاشواط كلها الا الابقاء شفقة عليهم أى لم يمنعه من أمرهم بالرمل فى جميع الطوفات الا الرفق بهم والاشفاق عليهم* وفى رواية قال ارملوا ايرى المشركون قوّتكم والمشركون من قبل قيقعان* وفى أسد الغابة اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ورملوا وهو أوّل اضطباع ورمل فى الاسلام* وفى الاكتفاء تحدّثت قريش بينها فيما ذكره ابن اسحاق أنّ محمدا وأصحابه فى عسرة وجهد وشدّة فصفوا له عند دار الندوة لينظروا اليه والى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال رحم الله امرآ أراهم اليوم من نفسه قوّة ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى اذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليمانى مشى حتى يستلم الاسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست سنة عليهم وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انما صنعها لهذا الحى من قريش للذى بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فدل أنها سنة ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على راحلته فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة قال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه أن يقيموا على السلاح ببطن يأجج ويأتى آخرون فقضوا نسكهم ففعلوا كذا فى المواهب اللدنية وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا قد انقضى أجلك فاخرج عنا* وفى رواية أتوا عليا فقالوا له قل لصاحبك يخرج عنا فقد انقضى الاجل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادى
يا عمّ يا عمّ فتناولها علىّ فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فحملتها فاختصم فيها علىّ وزيد وجعفر فقال علىّ أنا أحذتها وهى ابنة عمى وقال جعفر بنت عمى وخالتها تحتى وقال زيد بنت أخى فقضى بها النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الامّ قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بسرف بفتح أوّله وكسر ثانيه بعده فاء على عشرة أميال من مكة أو سبعة* وفى شفاء الغرام فى سرف أربعة أقوال ستة أميال وسبعة بتقديم السين وتسعة بتقديم التاء على السين واثنا عشر ميلا وهو الموضع الذى بنى النبىّ صلى الله عليه وسلم بميمونة فيه حين تزوّجها* وفى معجم ما استعجم قال ابن وفد بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غربت عليه الشمس بسرف وصلى المغرب بمكة وبينهما سبعة أميال وفى موضع آخر منه على ستة أميال من مكة وليس بجامع اليوم*
تزوّجه عليه السلام بميمونة رضى الله عنها
وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حرب بن بجير بن هدن بن رؤبة بن عبد الله بن هلال ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان الهلالية* قال أبو عمر وقال أبو عبيدة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر توجه الى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة فبعثه بين يديه فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت أختها لامها أسماء بنت عميس تحت جعفر وسلمى بنت عميس تحت حمزة وأم الفضل بنت الحارث تحت العباس فجعلت أمرها الى العباس فأنكحها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم وقيل جعلت أمرها الى أم الفضل فجعلت أمّ الفضل أمرها الى العباس فزوّجها العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها عنه أربعمائة درهم وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه وأقام بمكة ثلاث ليال وكان ذلك أجل القضية يوم الحديبية فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وهو يخالف ما مرّ من أنهما أتياه عند الظهر من اليوم الرابع انتهى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجلس الانصار يتحدّث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب نناشدك الله والعقد الا خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاثة فقال سعد كذبت لا أم لك انها ليست بأرضك ولا بأرض أبيك والله لا يخرج الا راضيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك يا سعد لا تؤذ قوما زارونا فى رحالنا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا بطعامك فاخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع مولاه فاذن بالرحيل وخلف أبا رافع على ميمونة حتى أتاه بسرف ولقد لقيت هى ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم كذا فى الاكتفاء* وروى فى تزويجها أنّ العباس لقى النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له العباس يا رسول الله أيمت ميمونة بنت الحارث بن أبى رهم بن عبد العزى هل لك فى تزويجها فتزوّجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم فلما قدم مكة أقام ثلاثا فجاء سهيل بن عمرو فى نفر من أصحابه من أهل مكة فقال يا محمدا خرج عنا فقال له سعديا عاضّ بظر أمه أهى أرضك وأرض أمّك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم فخرج فبنى بها بسرف حلالا أخرجه أبو عمرو وكذا رواه ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهو محرم أخرجه الشيخان والنساءى وروت ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم تزوّجها بسرف وهو حلال أخرجه أبو داود* وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من عمرته أقام بمكة ثلاثة أيام التى اشترطها على أهل مكة ثم بعث بها عثمان وقال ان شئتم أقمت عندكم ثلاثا أخر وعرست بأهلى وأولمت لكم وكان صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة الهلالية قبل عمرته ولم يدخل بها فقالوا لا حاجة لنا فى وليمتك اخرج عنا وهذا يعضد قول من قال
انه صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم وكانت ميمونة رضى الله عنها قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أبى رهم بن عبد العزى ويقال عند عبد الله بن أبى رهم وقيل بل عند حويطب بن عبد العزى وقيل فروة بن عبد العزى وقيل أبى سبرة العامرى* قال ابن اسحاق ويقال انها رضى الله عنها وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم وذلك أنّ خطبة النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهت اليها وهى على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ ويقال التى وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ويقال أمّ شريك غزية بنت جابر بن وهب ويقال غيرها والله أعلم ذكره ابن اسحاق وقد سبق فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم وكانت ميمونة آخر امرأة تزوّج بها النبىّ صلى الله عليه وسلم وآخر من توفيت منهنّ حكاه المنذرى صاحب الترغيب والترهيب توفيت سنة ثلاث وستين* وفى معجم ما استعجم أنها ماتت بسرف لانها اعتلت بمكة وقالت أخرجونى من مكة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنى لا أموت بها فحملوها حتى أتوابها سرف الى الشجرة التى بنى بها رسول الله تحتها فى موضع القبة فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين وهناك عند قبرها سقاية* وفى خلاصة الوفاء تزوّجها بسرف وبنى بها فيه وماتت فيه ودفنت فيه* ومروياتها ستة وسبعون حديثا المتفق عليه منها سبعة أحاديث وأفرد البخارى بحديث واحد وأفرد مسلم بخمسة أحاديث والباقية فى سائر الكتب* وفى ذى الحجة من هذه السنة كانت سرية ابن أبى العوجاء السلمى واسمه أحزم الى بنى سليم فى خمسين رجلا فأحدق بهم الكفار من كل ناحية وقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبى العوجاء وصار جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوّل صفر سنة ثمان والله تعالى أعلم تمّ الموطن السابع بحمد الله
*