انتهت الدعوة السرية بعد مرور ثلاث سنوات من البعثة النبوية، وذلك عند نزول قوله تعالى: (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ) [الشعراء: 214] فكانت تلك الآية إيذانًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله، وانتهاءً للمرحلة السرية، فكان بدء الدعوة بالعشيرة؛ لأنها قد تعين على نصرته وتأييده وحمايته؛ ولما لمكة من مكانة دينية؛ فتؤثر على بقية القبائل.
فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن خضع وأذعن لأمر الله تعالى، وسارع إلى جبل الصفا ليعلم عشيرته الأقربين، يقول ابن عباس -رضي الله عنه-: «لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ٢١٤) صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بني فِهْرٍ، يَا بني عَدِيٍّ» -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أبو لَهَب وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيكُمْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟»
قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ (تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ٢) [المسد:1 - 2] (رواه البخاري).
لكن كفار قريش لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم رغم شهادتهم له أنه الصادق الأمين؛ ورغم ذلك ظل النبي صلى الله عليه وسلم يبذل كل ما في وسعه ليخرجهم من عبادة الأوثان إلى عبادة رب العباد وحده لا شريك له، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير في الأسواق ويقول لهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله تُفْلِحُوا» (رواه أحمد).