خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق مهاجرين إلى المدينة النبوية، واختفيا في غار ثور ثلاثة أيام، وصعد المشركون إلى الغار بحثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر، فحمى الله نبيه وأبا بكر منهما، قال أبو بكر: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، ما
__________
(1) أسرى به: سار به ليلا ونقله، والسرى: السير بالليل.
(2) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ حديث الإسراء ومسلم ك/ الإيمان ب/ ذكر المسيح بن مريم والترمذي في السنن ك/ التفسير ب/ ومن سورة بني اسرائيل وأحمد في المسند 3/ 377 وابن حبان في صحيحه 1/ 252 وغيرهم.
(3) أخرجه أحمد في المسند 1/ 309 وابن أبي شيبة في المصنف 6/ 312 والحارث ابن أبي أسامة في مسنده كما في زوائده للهيثمي، والطبراني في الكبير 12/ 167 والأوسط 3/ 52 والمقدسي في المختارة 10/ 39- 42، والأصبهاني في دلائل النبوة 1/ 84 وقال الهيثمي في المجمع 1/ 65: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما في تحقيق المسند 5/ 29.
ظنك باثنين الله ثالثهما» «1» ، وأشار القرآن إلى ذلك فقال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ «2» عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) [التوبة: 40] .
__________
(1) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ مناقب المهاجرين وفضلهم، ومسلم ك/ فضائل الصحابة ب/ من فضائل أبي بكر الصديق والترمذي ك/ التفسير ب/ ومن سورة التوبة وابن حبان في صحيحه 14/ 181 وأحمد في المسند 1/ 4 وغيرهم.
(2) قال ابن كثير: هي النصر والتأييد.
وفي طريقهما إلى المدينة لحقهما سراقة بن مالك على فرس له حتى كاد أن يصل إليهما، وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يلتفت إليه، وأبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت به فرسه، وخرّ عنها، ثم قام وركب عليها، فساخت «1» يدا الفرس في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخرّ عنها، ثم زجرها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «2» ساطع في السماء مثل الدخان، فعندئذ ناداهما بالأمان فوقفا له، قال سراقة: ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله، وعرضت عليهما الزاد والمتاع، فلم يرزآني «3» ، ولم يسألاني إلا أن قال: اخف عنا، فرجع سراقة يردّ من يريد اللحاق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر، ويقول: قد كفيتم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلا ردّه» .
__________
(1) ساخت: غاصت.
(2) العثان: الدخان من غير نار، قيل: شبّه الغبار بالدخان، انظر فتح الباري.
(3) أي لم ينقصا عليّ شيئا وذلك لأنهما لم يأخذا منه شيئا.
(4) أخرجه البخاري ك/ المناقب ب/ هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه إلى المدينة ومسلم ك/ الزهد والرقائق ب/ في حديث الهجرة، وأحمد في المسند 4/ 175 وابن حبان 14/ 186 بنحوه، والحاكم في المستدرك 3/ 7 وغيرهم.