وفى هذه السنة خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذى يزن الحميرى بالملك وتبشير سيف عبد المطلب بأنه سيظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من نسله* روى عن زرعة بن سيف بن ذى يزن الحميرى أنه قال لما ظهر جدّى سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتنهئته وأتاه
وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصى بن عبد الدار وهو فى رأس قصر يقال له غمدان* وفى القاموس غمدان كعثمان قصر باليمن بناه ليشرخ بن الحارث بن صيفى بن سبأ جدّ بلقيس بأربعة وجوه أحمر وأصفر وأبيض وأخضر وبنى داخله قصرا بسبعة سقوف بين كل سقف أربعون ذراعا وسيجىء ذكر سليمان وبلقيس وذكر الحصون الثلاثة فى آخر الباب وغمدان هو الذى يقول فيه أمية بن أبى الصلت الثقفى يمدح ابن ذى يزن الحميرى
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... فى رأس غمدان دارا منك مجلالا
اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك اسبالا
تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وكان الملك يومئذ فى أعظم هيئاته متضمخا بالعنبر ينطف وبيص المسك فى مفرق رأسه وعليه بردان من برود اليمن أخضر ان مرتد بأحدهما متزر بالآخر عن يمينه الملوك وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول فأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه فدنا عبد المطلب فاستأذنه فى الكلام فقال ان كنت ممن يتكلم بين يدى الملوك فقد أذناك فقال ان الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعا باذخا شامخا منيعا وأنبتك نباتا طابت أرومته وعظمت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه فى أطيب موطن وأكرم معدن وأنت أبيت اللعن ملك العرب ونابها وربيعها الذى به تخصب وأنت أيها الملك ملك العرب وفى رواية رأس العرب الذى ينقاد وعمودها الذى عليه العماد ومعقلها الذى يلجأ اليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منه خير خلف فلن يهلك من أنت خلفه ولن يخمد ذكر من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا اليك الذى أبهجنا لكشفك الكرب الذى قدحنا فنحن وفد التهنية لا وفد التعزية* فقال له الملك من أنت أيها المتكلم فقال انا عبد المطلب ابن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا فأرسلها مثلا وكان أوّل من تكلم بها ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يعطى عطاء جزلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم وأنتم أهل الليل والنهار لكم الكرامة ما أقمتم والحباء اذا ظعنتم انهضوا الى دار الضيافة والوفود وأجرى عليهم الانزال وأقاموا بعد ذلك شهرا لا يصلون اليه ولا يؤذن لهم بالانصراف ثم ان الملك انتبه لهم انتباهة فأرسل الى عبد المطلب فأدناه ثم قال له يا عبد المطلب انى مفوّض اليك من سر علمى أمرا لو غيرك يكون لم أبح له به ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعته فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله عز وجل فيه انى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون فليكن الدى أخرناه لا نفسنا واحتجبناه دون غيرنا خيرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال عبد المطلب لقد أبت بخير ما آب أيها الملك بمثله وافد قوم ولولا هيبة الملك واجلاله واعظامه لسألته من سرّه اياه ما أزداد به سرورا فقال الملك هذا حينه الذى يولد فيه ولد اسمه محمد يموت أبوه وامّه ويكفله جدّه وعمه وقد ولدناه مرارا والله عز وجل باعثه جهارا وجاعل له منا انصارا يعزبهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ويضرب لهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم أهل الارض تخمد به النيران ويعبد به الرحمن ويزجر الشيطان وتكسر الاوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله* فقال عبد المطلب عز جارك ودام ملكك وعلا كعبك فهل الملك سارّى بافصاح فقد أوضح لى بعض الايضاح فقال له ابن ذى يزن والبيت ذى الحجب والعلامات على
النصب انك جدّه يا عبد المطلب من غير كذب* قال فخرّ عبد المطلب ساجدا لاجل هذا الخبر فقال له ابن ذى يزن ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا كعبك فهل أحسست بشىء مما ذكرت لك قال نعم أيها الملك كان لى ابن وكنت به معجيا وعليه رفيقا وبه شفيقا وانى زوّجته كريمة من كرائم قومى آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وامّه وكفلته أنا وعمه فقال له الملك ان هذا الغلام هو الذى قلت لك عليه فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود فانهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فانى لست آمن أن تدخلهم النفاسة فى أن تكون لك الرياسة فينصبون لك الحبائل ويبتغون لك الغوائل وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم من غير شك ولو انى أعلم ان الموت غير مجتاحى قبل مبعثه لسرت اليه بخيلى ورجلى حتى أجعل يثرب دار ملكى فانى أجد فى الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا انى أقيه الآفات وأحذر عليه العاهات لا علنت على حداثة سنه أمره ولا وطأت أسنان العرب كعبه ولكنى صارف ذلك اليك بمن معك ثم دعا بالقوم وأمر لكل واحد بعشرة أعبد سود وعشرا ماء سود وحلتين من حلل البرود وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوء عنبرا ومائة من الابل وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال اذا كان الحول فانبئنى بما يكون منه فمات سيف بن ذى يزن قبل ان يحول عليه الحول قال عبد الله اسناد هذا متصل مشهور من حديث اولاد سيف بحمص وعقبهم بها*