ثمّ ذيّل الناظم غزوة خيبر بالكلام على وادي القرى- بضم القاف، وفتح الراء مقصورا- إذ هي في طريقه إلى المدينة المنوّرة، فقال:
(ومرّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر سنة سبع في جمادى الآخرة (راجعا إلى وادي القرى) وهو اسم لقرية من قرى اليهود، بين المدينة وخيبر، وهي الآن من أعمال المدينة، وتسمّى بالعلى، فدعا أهلها إلى الإسلام، فامتنعوا من ذلك، وقاتلوا، ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة، وغنّمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا
وأهلكوا غلامه ذا الشّمله ... أغلّها فهي عليه شعله
ومتاعا، فخمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ترك الأرض والنخل في أيدي يهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر كما قال الناظم:
(فشاطرت) أي: قاسمت بالنصف (يهوده) أي:
الوادي (خير الورى) صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ:
(واستعمل صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي على وادي القرى، وقبض وهو عليها) .
(وأهلكوا) أي: اليهود في هذه القضية بوادي القرى (غلامه) أي: عبده المسمى: مدعما- بكسر الميم وسكون الدال وفتح المهملتين- بسهم غرب أصابه (ذا) أي: صاحب (الشّملة) بفتح الشين، هي كساء يشتمل به (أغلّها) أي:
أصابها من الغنائم، ولم تصبها المقاسم (ف) لذلك (هي عليه شعلة) من نار، والشعلة: ما تشتعل فيه النار من حطب ونحوه.
قال في «العيون» بسنده إلى أبي هريرة: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلّا الثياب والمتاع والأموال، قال: فوجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى، وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أسود «1» يقال له: مدعم، يحطّ رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه سهم عائر فقتله،
__________
(1) أهداه له رفاعة بن يزيد أحد بني الضبيب، كما في «مسلم» والضبيب بالتصغير.
فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّا والذي نفسي بيده؛ إنّ الشّملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم.. لتشتعل عليه نارا» فلمّا سمعوا بذلك.. جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«شراك من نار» أو «شراكان من نار» ) .
قال في «الإمتاع» : (فلمّا انتهى إلى وادي القرى..
استقبله اليهود بالرمي، فقتل مدعم بسهم، فعبأ عليه الصّلاة والسّلام أصحابه، وصفّهم للقتال، ثمّ دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرزوا فقتل منهم أحد عشر رجلا، وبات عليهم، وغدا لقتالهم، فأعطوا بأيديهم، فأخذها عنوة، وغنم ما فيها، فقسمه وعامل يهود على النخل، وانصرف عليه الصّلاة والسّلام من وادي القرى وقد أقام أربعة أيام يريد المدينة، فلمّا قرب منها.. نزل وعرّس، فنام ومن معه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، ثمّ صلّى بهم، فلمّا سلّم قال: «كانت أنفسنا بيد الله، فلو شاء.. قبضها، فلمّا ردها إلينا.. صلينا» .
ولمّا نظر عليه الصّلاة والسّلام إلى أحد قال: «هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إنّي حرمت ما بين لابتي المدينة» ولما قدم المدينة.. اتخذ المنبر، وله درجتان والمستراح، وخطب عليه، فحنّ الجذع الذي كان يستند إليه إذا خطب) اهـ
ثمّ إلى الرّوم النّبيّ استنفرا ... بمؤتة جيشا عليه أمّرا