* فى المواهب اللدنية روى عن آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم انها قالت كانت ولادتى يوم الاثنين ولما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لا ذكر ولا أنثى وانى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة عظيمة وصوت زلزلة شديدة وأمرا عظيما فأخذنى الرعب وهالنى ثم رأيت كانّ جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الروع وكل وجع كنت أجده ثم التفت واذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فشربتها فاذا هى أحلى من العسل فأضاء منى نور غالب* وفى رواية فأصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهنّ من بنات عبد مناف يحدقن بى وأنا أتعجب من ذلك وأقول وا غوثاه من اين علمن هؤلاء بى وفى غير هذه الرواية فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتدّ بى الامر وانا اسمع الوجبة فى كل ساعة اعظم واهول مما تقدّم فبينا انا كذلك اذا بديباج ابيض مدّ بين السماء والارض واذا بقائل يقول خذاه عن اعين الناس قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم اباريق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طير قد اقبلت حتى غطت حجرتى مناقرها من الزمرّد واجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الارض ومغاربها ورايت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى
المخاض فوضعت محمدا صلّى الله عليه وسلم فنظرت اليه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعيه الى السماء كالمتضرّع المبتهل ثم رايت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا به مشارق الارض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا انه سمى فيها الماحى لا يبقى شىء من الشرك الا محى فى زمنه ثم تجلت عنه فى أسرع وقت الحديث وهو مما تكلم فيه* وروى الخطيب البغدادى بسنده أن آمنة قالت لما وضعته عليه السلام رأيت سحابة بيضاء عظيمة لها نور أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الاجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغيب عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم جميع الارض واعرضوه على كل روحانى من الجنّ والانس والملائكة والطيور والوحوش وأعطوه خلق آدم ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة ابراهيم ولسان اسماعيل ورضا اسحاق وفصاحة صالح وحكمة لوط وبشرى يعقوب وشدّة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار الياس وعصمة يحيى وزهد عيسى واغمسوه فى اخلاق النبيين قالت ثم انجلت عنى فاذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا ينبع من تلك الحريرة ماء فاذا قائل يقول بخ بخ قبض محمد صلّى الله عليه وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فى قبضته* قالت ثم نظرت اليه فاذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الاذفر واذا بثلاثة نفر فى يد أحدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد أخضر وفى يد الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه فغسله من ذلك الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه فى الحرير ثم احتمله بين أجنحته ساعة ثم ردّه الىّ رواه أبو نعيم عن ابن عباس وفيه نكارة* وروى الحافظ أبو بكر بن عائذ فى كتاب المولد كما نقله الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح بردة المديح عن ابن عباس لما ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال فى اذنه رضوان خازن الجنان ابشريا محمد فما بقى لنبىّ علم الا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا وروى الطبرانى انه لما وقع الى الارض وقع مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها* وفى شواهد النبوّة روى انه صلّى الله عليه وسلم لما وقع على الارض رفع رأسه وقال بلسان فصيح لا اله الا الله وانى رسول الله وعن فاطمة بنت عبد الله امّ عثمان بن أبى العاص قالت لما حضرت ولادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت انها ستقع علىّ رواه البيهقى* وأخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية كما ذكر فى اوّل الكتاب ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات الانبياء يرين وان أمّ رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان والحاكم واخرج ابو نعيم عن بردة عن مرضعته فى بنى سعد أن آمنة قالت رأيت كأنه خرج من فرجى شهاب أضاءت له الارض حتى رأيت قصور الشام* وعن همام بن يحيى عن اسحاق بن عبد الله ان امّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت لما ولدته خرج من فرجى نور أضاء له قصور الشام فولدته نظيفا ما به قذر رواه ابن سعد* واخرج ابو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاءت لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت الى بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال الى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى بعثه الله فكنت فى أوّل الناس اسلاما ذكرهما فى المواهب اللدنية وذكر فى غيره
عن أبى بكر
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثيا على ركبتيه ينظر الى السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوى ساجدا وغطيت عليه اناء فوجدته قد تفلق الاناء عليه وهو يمص ابهامه تشخب لبنا* وفى المنتقى ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع جاثيا على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الايل ببصرى رافعا رأسه الى السماء فحقق الله بذلك رؤيا أمه* وفى المواهب اللدنية قال فى اللطائف وخروج هذا النور عند وضعه اشارة الى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الارض وزال به ظلمة الشرك كما قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه* وأما اضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو اشارة الى ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملكه كما ذكر كعب ان فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده مكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام ولهذا اسرى به صلّى الله عليه وسلم الى الشام الى بيت المقدس كما هاجر قبله ابراهيم عليه السلام الى الشام وبها ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام وهى أرض المحشر والمنشر* وفى المنتقى كانت سنتهم فى المولود اذا ولد فى استقبال الليل كفأوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشق عنه القدر وهو شاخص ببصره الى السماء وفيه أيضا روى أنها لما ولدته صلّى الله عليه وسلم أرسلت الى عبد المطلب وجاءه البشير وهو جالس فى الحجر معه ولده ورجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلك عبد المطلب وقام هو ومن كان معه ودخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره بما أعطاه فقال يومئذ
الحمد لله الذى أعطانى ... هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد فى المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذى الاركان
حتى أراه بالغ البيان ... أعيذه من شرّ ذى شنآن
من حاسد مضطرب العينان
روى أنه لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا* وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى عقيقته فلما فرغوا من أكله قالوا ما سميته قال سميته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن يكون محمودا فى السماء لله وفى الارض لخلقه قيل بل سمته بذلك أمه لما رأته وقيل لها فى شأنه ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى سببها يصح القول بأنها سمته به*
(ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم)
اختلف فى ختانه على ثلاثة أقوال وسيجىء* جمهور أهل السير والتواريخ على انه صلّى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرّ وسيجىء بيان الاعذار وأعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لا بنى هذا شأن* وفى المواهب اللدنية روى من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابن عساكر وروى الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن أنس بن مالك أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى انى ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتى وصححه أيضا فى المختارة* وعن ابن عمر قال ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسرورا مختونا رواه ابن عساكر قال الحاكم فى المستدرك تواترت الاخبار أنه صلّى الله عليه وسلم ولد مختونا انتهى وتعقبه الحافظ الذهبى فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا* أجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها فى السير لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث ولكن قد حكى الحافظ زين الدين العراقى ان الكمال بن العديم
ضعف أحاديث كونه عليه السلام ولد مختونا وقال انه لا يثبت فى هذا شئ من ذلك وأقرّه عليه وبه صرّح ابن القيم ثم قال ليس هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلم فان كثيرا من الناس ولد مختونا وحكى الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فى القمر فسخت قلفته أى اتسعت فيصير كالمختون وفى الوشاح لابن دريد قال ابن الكلبى بلغنا أن آدم خلق مختونا واثنى عشر نبيا بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلّى الله عليه وسلم شيث وادريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين* وذكر ابن الجوزى عن كعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الانبياء خلقوا مختونين وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وذكر عيسى مكانه وقال محمد بن حبيب الهاشمى هم أربعة عشر وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وعيسى وذكر زكريا وحنظلة بن صفوان كذا فى مريل الخلفا* وفى المواهب اللدنية وفى هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع وهو غير موجود لان الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال كما أشرنا اليه سابقا أحدها انه ولد مختونا كما تقدّم الثانى انه ختنه جدّه عبد المطلب يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا رواه الوليد بن مسلم بسنده الى ابن عباس وحكاه ابن عبد البرّ فى التمهيد وابن الاثير فى اسد الغابة الثالث انه ختن عند حليمة كذا ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى قالا ان جبريل ختنه حين طهر قلبه وكذا أخرجه الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم من حديث أبى بكرة وقال الذهبى وهذا منكر* واعلم أن الختان هو قطع القلفة التى تغطى الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة ويسمى ختان الرجل اعذارا بالعين المهملة والذال المعجمة والراء وختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة وفى القاموس خفاض كختان لفظا ومعنى* واختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أكثرهم الى أنه سنة وهو قول أبى حنيفة ومالك وبعض أصحاب الشافعى وذهب الشافعى الى وجوبه وهو مقتضى قول سحنون من المالكية وذهب بعض أصحاب الشافعى الى أنه واجب فى حق الرجال وسنة فى حق النساء واحتج من قال انه سنة بحديث أبى المليح بن اسامة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد فى مسنده والبيهقى وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطريقة واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وبما روى أبو داود من قوله عليه السلام للرجل الذى أسلم ألق عنك شعار الكفر واختتن واحتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة وتمنع صحة الصلاة فيجب وقال الامام فخر الدين الرازى الحكمة فى الختان أن الحشفة قوى الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوى اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشر بعتنا تقليلا للذة لا قطعا كما فعله المانوية فذلك افراط وابقاء القلفة تفريط فالعدل الختان* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى المانوية أصحاب مانى بن فاتك الحكيم الذى ظهر فى زمان سابور بن أزدشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان لا يقول بنبوّة عيسى ولا بنبوّة موسى عليهما السلام وحكى محمد بن هارون المعروف بأبى عيسى الورّاق وكان فى الاصل مجوسيا ارفا بمذاهب القوم ان الحكيم مانى زعم ان العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وانهما أزليان لم يزولا ولا يزالا وأنكر وجود شىء الا من أصل قديم انتهى وادا قلنا
بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ على الصحيح من مذهب الشافعى لما روى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس انه سئل مثل من أنت حين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك قال بعض اصحاب الشافعى يجب على الولىّ أن يختن الصبى قبل البلوغ والله أعلم*
أسماؤه صلّى الله عليه وسلم
أما أسماؤه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة بعضها ورد فى القرآن المجيد وبعضها فى الاحاديث الصحيحة وبعضها فى كتب الانبياء أما ما فى القرآن فمنها محمد وأحمد والرسول والنبىّ والشاهد والبشير والنذير والمبشر والمنذر والداعى الى الله والسراج المنير والرؤف والرحيم والمصدّق والمذكر والمزمل والمدّثر وعبد الله والكريم والحق والمبين والنور وخاتم النبيين والرحمة والنعمة والهادى وطه ويس على قول بعض المفسرين وأما ما فى الاحاديث غير ما ذكرناه فمنها الماحى والحاشر والعاقب والمقفى ونبىّ الرحمة ونبىّ التوبة ونبىّ الملاحم ورحمة مهداة والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى والامى والقثم أى جامع الخير قال ابن الجوزى هو مشتق من القثم وهو الاعطاء يقال قثم له من العطاء يقثم اذا أعطاه كذا فى المواهب اللدنية* وأماما فى كتب الانبياء فمنها الضحوك وحميالها أو حمطايا وأحيد وبارقليط وفارقليط وفارق ليطا وماذماذ والمشقح والمنحمنا والمختار وروح الحق ومقيم السنة والمقدّس وحرز الاميين ومعلوم أن أكثر الاسماء المذكورة صفات واطلاق الاسم عليها مجاز فى المواهب اللدنية قوله حمياطا بفتح الحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمى الحرم من الحرام ويوطئ الحلال فأما حمطايا فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال الهروى أى حامى الحرم فأما أحيد فهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة قال القسطلانى كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية وفى نسخة بفتح الهمزة وكسر الحاء وسكون المثناة فقال النووى فى كتاب تهذيب الاسماء واللغات عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسمى فى القرآن محمد وفى الانجيل أحمد وفى التوراة أحيد وانما سميت أحيد لانى أحيد عن أمتى نار جهنم* وأما بارقليط وفارقليط بالموحدة التحتية وبالفاء وفتح الراء والقاف وسكون الراء مع فتح القاف وبكسر الراء وسكون القاف وغير منصرف للعجمة والعلمية فوقع فى انجيل يوحنا ومعناه روح الحق وقال ثعلب معناه الذى يفرق بين الحق والباطل وانما قال فى انجيل يوحنا لان عيسى لم تظهر دعوته فى عصره وانما أخذ الانجيل عن أربعة من الحواريين متى ويوحنا ومرقس ولوقا* تكلم كل واحد من هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذين تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أى ولدها مما سمع من المسيح عليه السلام ولذلك اختلفت الاناجيل الاربعة اختلافا شديدا كذا فى المنتقى* وفى نهاية ابن الاثير فى صفته عليه السلام ان اسمه مكتوب فى الكتب السالفة فارق ليطا أى يفرق بين الحق والباطل* وأما ماذماذ بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانى كذا رأيته لبعض العلماء ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء بضم الميم واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف ممدودا وقال نقلته عن رجل أسلم من علماء بنى اسرائيل وقال معناه طيب طيب ولا ريب أنه أطيب الطيبين وحسبك أنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به وأما المشفح فهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشدّدة المفتوحتين ثم حاء مهملة وروى بالقاف بدل الفاء من الشفح والشقح وهما بالسريانية الحمد* وأما المنحمنا فهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة مقصورا وضبطه بعضهم بفتح الميمين فمعناه بالسريانية محمد* ذكر الحسين
ابن محمد الدامغانى فى كتاب شوق العروس وأنس النفوس نقلا عن كعب الاحبار أنه قال اسم النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد وعند الانبياء عبد الوهاب وعند الشيطان عبد القهار وعند الجنّ عبد الرحيم وفى الجبال عبد الخالق وفى البرّ عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن وعند الحيتان عبد القدّوس وعند الهوام عبد الغياث وعند الوحوش عبد الرزاق وعند السباع عبد السلام وعند البهائم عبد المؤمن وعند الطيور عبد الغفار وفى التوراة موذ موذ وفى الانجيل طاب طاب وفى الصحف عاقب وفى الزبور فاروق وعند الله طه ويس وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم ذكر هذا كله القسطلانى فى المواهب اللدنية وذكر فيه من الاسماء والالقاب والكنى ما يزيد على أربعمائة* قال ابن دحية أسماؤه تقرب من الثلثمائة وانتهى بها بعض الصوفية الى ألف كذا فى سيرة مغلطاى*
ألقابه صلّى الله عليه وسلم
وأما ألقابه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة مثل صاحب البراق وصاحب التاج المراد به العمامة لان العمائم تيجان العرب وصاحب المعراج وصاحب الهراوة والنعلين وصاحب الخاتم والعلامة وصاحب البرهان والحجة وصاحب الحوض المورود والمقام المحمود وصاحب الوسيلة وصاحب الفضيلة وصاحب الدرجة الرفيعة وصاحب الشفاعة وسيد أولاد آدم وسيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغرّ المحجلين وحبيب الله وخليل الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب ورسول رب العالمين والمصطفى والمجتبى والمزكى* وأما كنيته صلّى الله عليه وسلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أكبر أولاده القاسم والعرب تكنى الشخص غالبا بأكبر أولاده* وقال صلّى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى فانما أنا قاسم أوفانى أبو القاسم أقسم بينكم وقال أبو هريرة لما ولد ابراهيم من مارية لقى جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له السلام عليك يا أبا ابراهيم رواه أحمد وروى هذا الحديث عن أنس أيضا تغيير يسير كما سيجىء فى مولد ابراهيم فى الموطن الثامن ويكنى بأبى الارامل فيما ذكره ابن دحية وبأبى المؤمنين فيما ذكره غيره والله أعلم*
,
* فى ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم صارت الشياطين وكبيرهم ابليس محجوبة من السماء مرمية بالشهب الثواقب وكانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشيخ الزرندى فى كتاب الاعلام كان من أعظم الحوادث عند مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم انشقاق ايوان كسرى ثم بقاؤه كذلك الى زماننا سنة ست وأربعين وسبعمائة ثم الله أعلم الى أىّ زمان يبقى* روى مخزوم بن هانئ المخزومى عن أبيه وكانت له مائة وخمسون سنة قال لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة وكانت له اثنتان وعشرون شرفة وانشق بحيث سمع صوته وبقى كذلك آية وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة وغاضت بحيرة ساوة وهى بين همدان وقم وكانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض وكانت يعبر عنها بالسفينة وبقيت كذلك ناشفة
يابسة على هؤلاء القوم حتى بنيت موضعها مدينة ساوة الباقية اليوم ورأى الموبدان كأنّ ابلاصعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس فلما أصبح تجلد كسرى وجلس على سرير ملكه ولبس تاجه وأرسل الى موبدان فقال يا موبدان انه سقط من ايوانى أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تحمد قبل اليوم بألف سنة فقال الموبذان وأنا أيها الملك قد رأيت كانّ ابلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس قال فما ترى ذلك يا موبذان وكان موبذان أعلمهم قال حدث يكون من جانب العرب* فكتب حينئذ من كسرى ملك الملوك الى النعمان بن المنذر أن ابعث الىّ رجلا من العرب يخبرنى عما أسأله عنه فبعث اليه عبد المسيح بن حيان بن عمرو الغسانى قيل كان له من العمر قريب من أربعمائة سنة فقال له كسرى يا عبد المسيح هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه فقال يسألنى الملك فان كان عندى منه علم أعلمته والا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال علمه عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح* وفى سيرة ابن هشام اسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدى بن مازن بن غسان روى أن سطيحا الغسانى كاهن بنى ذئب كان كاهنا لم يكن مثله من بنى آدم وكان مخلوقا عجيبا* وفى كتاب الحسنى عن ابن عباس ان الله خلق سطيحا الغسانى كلحم على وضم ليس له عظم ولا عصب الا الجمجمة والكفين ولم يتحرّك منه الا اللسان قيل لكونه مخلوقا من ماء امرأتين ولم يقدر على القيام والقعود الا انه وقت غضبه يمتلئ من الريح فيجلس وكان وجهه فى صدره لم يكن له رأس وعنق وقد عمل له سرير من السعف والجريد والخوص فاذا أريد نقله الى مكان يطوى من رجليه الى ترقوته كما يطوى الثوب فيوضع على ذلك السرير فيذهب به الى حيث يشاء واذا أريد تكهنه واخباره عن المغيبات يحرّك كما يحرّك وطب المخيض فينتفخ ويمتلئ ويعلوه النفس فيخبر عن المغيبات وكان يسكن الجابية وهى مدينة من مشارف الشام* وفى حياة الحيوان روى انه ولد شق وسطيح فى اليوم الذى ماتت فيه ظريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر ودعت بسطيح قبل أن تموت فتفلت فى فيه وأخبرت انه سيخلفها فى علمها وكهانتها ودعت بشق ففعلت به مثل ذلك ثم ماتت وقبرها بالجحفة* وفى سيرة ابن هشام شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار وانمار أبو بجيلة وخثعم وكان شق شق انسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ذكر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد الله القشيرى كان من ولد شق هذا قيل كانت ولادة سطيح فى أيام سيل العرم وخرج من المأرب مع رهط من الازد فى أيام تفرق الناس منها وعاش الى زمان ولادة النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان له من العمر قريب من ستمائة سنة وفيه نظر* روى عن وهب بن منبه سئل سطيح من أين لك علم الكهانة قال ان لى قرينا من الجنّ كان قد استمع أخبار السماء فى زمان كلم الله موسى فى الطور فيقول لى من ذلك أشياء وأنا أقولها للناس انتهى* قال كسرى لعبد المسيح اذهب اليه فاسأله وأخبرنى بما يخبرك به فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح وهو مشرف على الموت فأنشد عبد المسيح رجزا فلما سمعه سطيح رفع رأسه اليه وقال عبد المسيح من بلد نزيح على جمل مشيح جاء الى سطيح وقد وافاه على ضريح بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس يا عبد المسيح اذا ظهرت التلاوة وبعث صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادى سماوه وخمذت نيران فارس لم يكن بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات ثم يكون هنآت وكل ما هوآت آت ثم مات* وفى معجم ما استعجم السماوة بفتح أوّله وتخفيف الميم مفازة بين الكوفة والشام وقيل بين الموصل والشام وهى من أرض كلب* وقال أبو
حاتم عن الاصمعى وغيره
السماوة قليل العرض طويلة قيل سميت بذلك لعلوّها وارتفاعها انتهى فرجع عبد المسيح الى كسرى وأخبره بما قال سطيح قال كسرى الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور قال فملك منهم عشرة فى أربع سنين وملك الباقون الى زمان خلافة عثمان كذا فى المنتقى* روى أن عبد المسيح هذا هو الذى صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان ذلك المال أوّل مال ورد على أبى بكر الصدّيق* وفى نظام التواريخ لما ملك كسرى أنوشروان عمل بوصايا أزدشير واستوزر بزرجمهر وشاور معه ومع سائر الوزراء فى أمر مزدك الملحد الذى أنشأ مذهب الاباحة وسماه مذهب العدل ورفع العبادة عن الخلق ورخص للناس فى أن يتصرّف بعضهم فى حرم بعض وأموالهم وخدع قباد بن فيروز حتى صار مطواعا له فلما شاور كسرى مع الوزراء استقرّ رأيهم على أن يرفعوه بالمكر والحيلة فقربه كسرى وعزه وعلم تفصيل اتباعه بلطائف الحيل وبعث الى نوّابه وأمرهم أن يقتلوا اتباعه يوم المهرجان فأحضروا يوم المهرجان مزدك وأتباعه وقتلهم وقتل كسرى بيده مزدك وفى أيامه استمدّه سيف بن ذى يزن من أبناء ملوك حمير فأمدّه على مسروق بن ابرهة الذى نزل فى شأن أبيه سورة الفيل واستخلص منهم اليمن وكانت مدّة كسرى سبعا وأربعين سنة وأربعة أشهر* ومن حوادث ليلة ميلاده ما وقع من زيادة حراسة السماء بالشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع ولقد أحسن السقراطيسى حيث قال
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف فى الاشراق والطفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقض منكسر الارجاء ذاميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت ... مذالف عام ونهر القوم لم يسل
خرّت لمبعثه الاوثان وانبعثت ... ثواقب الشهب ترمى الجنّ بالشعل
ومن حوادث ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال ليلة ميلاد محمد كنت فى الطواف فلما مضى نصف الليل رأيت الكعبة سجدت نحو مقام ابراهيم وسمعت صوت التكبير الله أكبر الله أكبر الآن طهرت من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية ثم تساقطت الاصنام وأنا أنظر الى هبل الذى هو أكبر الاصنام فرأيته سقط منكسا على الحجر ونادى مناد ألا ان آمنة قد ولدت محمدا كذا فى شواهد النبوّة*
,
وفى المسند عن ابن عباس قال ولد صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين انتهى وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الاثنين* وقد روى ولد عند طلوع الفجر فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال كان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام يسمى عيصى وكان يقول يوشك أن يولد منكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد مولود بمكة الا يسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصى فناداه فأشرف عليه فقال له عيصى كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدّثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين قال ولدلى الليلة مع الصبح مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاث خصال نعرفه فقد أتى عليهنّ منها أنه طلع نجمه البارحة وانه ولد اليوم وان اسمه محمد رواه جعفر بن أبى شيبة وخرّجه أبو نعيم فى الدلائل بسند فيه ضعف وقيل كان وضعه صلّى الله عليه وسلم عند طلوع الغفر من منازل القمر وهى ثلاثة أنجم صغار ينزلها القمر وهو مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وهو برج الحمل وكان لعشرين درجة مضت منه*
,
واختلف أيضا فى مكان ولادته صلّى الله عليه وسلم قيل ولد بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف الثقفى أخى الحجاج ويقال بالشعب ويقال بالردم ويقال بعسفان كذا فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى وقال فى غيره وتلك الدار فى زقاق بمكة معروف بزقاق المولد فى شعب مشهور بشعب بنى هاشم من الطرف الشرقى لمكة تزار ويتبرك بها الى الآن وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورث تلك الدار فوهبها لعقيل بن أبى طالب زمن الهجرة فلم تزل فى يد عقيل حتى توفى وبعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن يوسف الثقفى أخى الحجاج بن يوسف وأدخل ذلك البيت أى مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى داره التى يقال لها البيضاء ولم تزل كذلك حتى حجت خيزران جارية المهدى أم هارون الرشيد فأفرزت ذلك البيت عن تلك الدار وجعلته مسجدا يصلى فيه*