"وأما المؤمنين صفية رضي الله عنها" اسمها الأصلي، وقيل كل اسمها قبل السبي زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية "بنت حيي" بضم الحاء، وتكسر، وتحتيتين الأولى مخففة، والثانية مشددة، "ابن أخطب" بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح المهملة، وموحدة "ابن سعد، وفتح السين، وسكون العين المهملتين، وبالياء المثناة التحتية ابن ثعلبة بن عبيد، من بني إسرائيل، من سبط" لاوى بن يعقوب، ثم من سبط "هارون بن عمران عليه السلام" أخي موسى صلى الله عليه وسلم.
قال الجاحظ: ولد صفية مائة نبي ومائة ملك ثم صيرها الله أمة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكان أبوها
وأمها ضرة -بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء- بنت سموءل -بفتح السين المهملة والميم وسكون الواو وفتح الهمزة وباللام- فكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق -بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى وسكون المثناة التحتية- فقتل يوم خيبر في المحرم سنة سبع من الهجرة.
قال أنس: لما افتتح صلى الله عليه وسلم خيبر وجمع السبي، جاءه دحية فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، فقال: "اذهب فخذ جارية"، فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، ما تصلح إلا لك، قال: "ادعوه بها"، فجاء بها، قال: فلما نظر.
__________
سيد بني النضير، قتل مع بني قريظة, "وأمها ضرة، بفتح الضاد المعجمة، وتشديد الراء" فتاء تأنيث، "بنت سموءل، بفتح السين المهملة والميم، وسكون الواو، وفتح الهمزة، وباللام".
قال البرهان: لا أعلم لها إسلاما، والظاهر هلاكها على كفرها، نعم أخوها رفاعة صحابي، "فكانت" أولا كما ذكر ابن سعد، وأسند بعضه من وجه مرسل تحت سلام بن مشكم القرظي، ثم فارقها، فكانت "تحت كنانة" بكسر الكاف ونونين "ابن أبي الحقيق، بضم الحاء المهملة، وفتح القاف الأولى، وسكون المثناة التحتية، فقتل" عنها وهو عروس "يوم خيبر في المحرم سنة سبع من الهجرة" كما مر.
"قال أنس" بن مالك "لما افتتح صلى الله عليه وسلم خيبر وجمع السبي، جاء دحية" بن خليفة الكلبي، بكسر الدال، وفتحها ومعناه بلغة اليمن الشريف أو رئيس الجند، "فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي، فقال: "اذهب فخذ جارية" منه فذهب، "فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل".
قال الحافظ: لم أقف على اسمه، ونحوه قول البرهان: لا أعرفه "إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة" بضم القاف، وفتح الراء، والظاء المعجمة؛ لأن أمها كانت بنت سيدهم، "والنضير" لأن أباها كان له فيهم سيادة وعظمة "ما تصلح إلا لك" لأنها من بيت رياسة ومن بيت النبوة من ولد هارون مع الجمال العظيم، فإنها كانت من أضوأ ما يكون من النساء، وأنت صلى عليك الله أكمل الخلق في هذه الأوصاف، بل في كل خلق حميد، "قال: "ادعوه بها" أي دحية بصفية، فدعوه "فجاء بها" وعند أبي يعلى بسند جيد عنها قالت: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما من الناس أحد أكره إليَّ منه، "فقال": "إن قومك صنعوا كذا وكذا" قالت: فما قمت من مقعدي، وما من الناس أحد أحب إليَّ منه، "فلما نظر
إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذ جارية من السبي غيرها"، قال: وأعتقها وتزوجها. فقال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها. حتى إذا كان بالطريق
__________
إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذ جارية من السبي غيرها" لأنه إنما أذن له في جارية من حشو السبي لا من أفضلهن، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبا وشرفا وجمالا استرجعها لئلا يتميز دحية بها على سائر الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه، وأيضا لما فيه من انتهاكها مع علو قدرها، وربما ترتب عليه شقاق وغيره مما لا يخفى فكان صفاؤه صلى الله عليه وسلم لها قاطعا لهذه المفسدة.
ونقل الإمام الشافعي في الأم عن سير الواقدي أنه أعطى دحية أخت كنانة بن الربيع زوج صفية تطييبا لخاطره، وعند ابن إسحاق أعطاه بنت عمها.
وفي الروض أعطاه ابنتي عمها، ولا تنافي فأعطاه الجميع، ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وسماه شراء مجازا، وليس في قوله سبعة منافاة لقوله هنا "خذ جارية" إذ لا دلالة فيه على نفي الزيادة، كما مر مبسوطا في الغزوة، "قال" أنس: "وأعتقها وتزوجها، فقال له ثابت" البناني: "يا أبا حمزة" بمهملة وزاي كنية أنس "ما أصدقها؟، قال: نفسها أعتقها وتزوجها" بأن جعل نفس العتق صداقا، ففي الصحيح أيضا أن ثابتا، قال لأنس: ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، وللطبراني وأبي الشيخ عن صفية أعتقني صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقي صداقي، أو أعتقها لا عوض، وتزوجها بلا مهر لا حالا ولا مالا، فحل العتق محل الصداق، كقولهم الجوع زاد من لا زاد له، أو أعتقها بشرط أن ينكحها بلا مهر، فلزمها الوفاء أو أعتقها بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها بلا صداق، وكلها من خصائصه عند الأكثر.
وذهب أحمد والحسن وابن المسيب وغيرهم إلى جوازه لغيره، وروى أبو يعلى عن رزينة أنه صلى الله عليه وسلم أمهر صفية رزينة.
قال الحافظ الهيثمي: وهو مخالف لما في الصحيح انتهى، وهي بفتح الراء، وكسر الزاي، وقيل بالتصغير.
وروى أبو يعلى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية أمر بشراء خادم لها وهي رزينة، كما في الإصابة، فيحتمل أنه لما أخدمها إياها توهمت أنه جعلها مهرها، وإلا فالمروي عن صفية نفسها، كما رأيت بل وعنه صلى الله عليه وسلم كما يأتي جعل عتقها صداقها، وبه رد الحافظ وغيره على ابن المرابط المالكي، والطبري، والشافعي ومن وافقهما زعمهم أن أنشأ قاله ظنا من قبل نفسه، ولم يرفعه "حتى إذا كان بالطريق"، بسند الصهباء، كما في رواية في الصحيح، فخرج بها حتى بلغ سد الصهباء حلت له بفتح السين، وضمها والصهباء، بفتح الصاد المهملة، وسكون الهاء، وبالموحدة، ومد، وفي رواية سد الروحاء بالمهملة، قال الحافظ: والصواب ما اتفق عليه الجماعة
جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل، فأصبح صلى الله عليه وسلم عروسا، فقال له: "من كان عنده شيء فليجئ به"، قال: فبسط نطعا، قال: فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
أنها الصهباء، وهي على بريد من خيبر، قاله ابن سعد وغيره "جهزتها له أم سليم" بضم السين، والدة أنس، راوي الحديث، وعند ابن سعد وأصله في مسلم، ودفعها إلى أمي أم سليم حتى تهيئها وتصنعها، فمشطتها أم سليم وعطرتها، "فأهدتها" زفتها "له من الليل".
قال الكرماني: وفي بعضها، أي النسخ أو الروايات، فهدتها بغير همز، وصوب لقول الجوهري: هديت أنا المرأة إلى زوجها.
قال الحافظ: لكن تواردت النسخ على إثباتها، ولا مانع من استعمال الهدية في هذا استعارة "فأصبح صلى الله عليه وسلم عروسا" بوزن فعول نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما دام في تعريسهما أياما، وجمعه عرس بضمتين، وجمعها عرائس، كما قاله الخليل وغيره.
قال العيني: وقول العوام للذكر عريس، والأنثى عروسة لا أصل له لغة، "فقال له": لأنس "من كان عنده شيء"، وفي رواية "من كان عنده فضلة"، زاد "فليجئ به"، أمر بتقدير أنه للوجوب فهو يدفع ما عندهم للمولم عليه السلام فجعله يقتضي وجوب الوليمة غفلة.
"قال أنس: "فبسط" بفتحات "نطعا" بكسر النون، وفتح المهملة على الرواية، واقتصر عليها ثعلب في الفصيح، وفيها لغات مرت في خيبر، "قال: فجعل الرجل يجيء بالأقط" بفتح الهمزة وكسر القاف.
قال عياض: هو جبن اللبن المستخرج زبده، وقيل لبن مجفف مستحجر يطبخ به، "وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن" وفي رواية وجعل الرجل يجيء بالسويق، "فحاسوا" بمهملتين، أخلطوا أو اتخذوا "حيسا" بفتح فسكون، وهو خلط السمن والتمر والأقط قال الشاعر:
التمر والسمن جميعا والأقط ... الحيس إلا أنه لم يختلط
وقد يختلط مع الثلاثة غيرها، كالسويق قاله في الفتح ونحوه في القاموس وقول الشاعر لم يختلط يريد فيما حصره من الثلاثة فهي حيس بالقوة لوجود مادته، وإن لم يحصل خلط فيما عناه، "فكانت" قال الكرماني، أي الصلاة المصنوعة أو أنث باعتبار الخبر كما ذكر باعتباره في قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَبِّي} "وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم" على صفية أي طعام عرسه من الولم،
وفي رواية: قال الناس لا ندري أتزوجها أم جعلها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها.
وفي رواية: فانطلقنا حتى إذا رأينا جدار المدينة هششنا إليها، فدفعنا مطايانا، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته، قال: وصفية خلفه قد أردفها، قال: فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرع وصرعت،
__________
وهو الجمع، سمي به لاجتماع الزوجين.
وفي رواية للشيخين أيضا عن أنس: أقام صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا، يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم أمر بالأنطاع، فألقي فيها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته، ولأبي يعلى عن أنس، أنه جعل الوليمة ثلاثة أيام، وللطبراني بسند جيد عن حسن بن حرب، أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "ما تقولون في هذه الجارية"؟ قالوا: نقول إنك أولى الناس بها، وأحقهم قال: "فإني أعتقها واستنكحها، وجعلت عتقها مهرها"، فقال رجل: الوليمة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "الوليمة أول يوم حق، والثانية معروف، والثالثة فخر"، وأحمد برجال الصحيح، وأبو يعلى برجال ثقات عن جابر لما دخلت صفية على رسول الله فسطاطة حضر ناس وحضرت معهم ليكون فيها قسم، فخرج صلى الله عليه وسلم، فقال: "قوموا عن أمكم"، فلما كان العشي خرج إلينا في طرف ردائه بنحو مد ونصف من تمر عجوة، فقال: "كلوا من وليمة أمكم".
"وفي رواية" عن أنس أيضا، "قال الناس: لا ندري أتزوجها أم جعلها أم ولد" أي سرية، وفي رواية فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، "قالوا إن حجبها فهي امرأته"، وفي رواية فهي إحدى أمهات المؤمنين، "وإن لم يحجبها فهي أم ولد" سرية.
وفي رواية فهي مما ملكت يمينه، أي لأن ضرب الحجاب إنما هو على الحرائر لا على الإماء، "فلما أراد أن يركب حجبها" سترها، وفي رواية وطأ لها ومد الحجاب بينها وبين الناس.
وفي رواية فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب وكلها في الصحيح.
وفي مغازي أبي الأسود عن عروة، فوضع صلى الله عليه وسلم لها فخذه لتركب فأجلته أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه وركبت.
"وفي رواية" عن أنس أيضا "فانطلقنا حتى إذا رأينا جدار المدينة هششنا" ارتحنا "إليها، فدفعنا مطايانا" أي أسرعنا بها، "ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته، قال وصفية خلفه قد أردفها، قال" أنس: "فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرع" بالبناء للمفعول، "وصرعت،" أي
فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها. قال: فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعها رواه الشيخان وهذا لفظ مسلم.
وروي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أتي بصفية يوم خيبر، وأنه قتل أباها وأخاها، وأن بلالا مر بها بين المقتولين، وأنه صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها فترجع إلى من بقي من أهلها، أو تسلم فيتخذها لنفسه، فقالت: أختار الله ورسوله، خرجه في الصفوة.
وأخرج تمام في فوائده من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "هل لك فيَّ"؟ قالت: يا رسول الله لقد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذ أمكنني الله منه في الإسلام.
__________
وقعت، "فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها" إجلالا واحتراما، "حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسترها" قال أنس: فأتيناه، فقال: "لم نضر"، "قال: فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها"، ينظرن إليها، "ويشمتن" بفتح الميم يفرحن "بصرعها" سقوطها.
"رواه" أي المذكور من الروايات الثلاث "الشيخان، وهذا لفظ مسلم" عن أنس "وروي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أتى بصفية" بالبناء للمفعول، والآتي دحية، كما مر، وعند ابن إسحاق: أن الآتي بلال ولا منافاة لاحتمال أنه أرسل بلالا إلى دحية ليأتي بصفية فجاءا بها معا "يوم خيبر، وأنه قتل أباها وأخاها، وأن بلالا مر بها بين المقتولين".
وعند ابن إسحاق، ومعها بنت عمها، فصاحت ابنة عمها، وصكت وجهها، وحثت التراب على رأها، فقال صلى الله عليه وسلم: "أعزبوا هذه الشيطانة عني"، وقال لبلال: "أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين عن قتلاهما"، "وأنه صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها، فترجع إلى من بقي من أهلها، أو تسلم" قسيم قوله يعتقها، وبين لا تقع إلا على متعدد فكان المتعين الواو، وكأنه نظر في أو إلى جانب المعنى، وهو أن القصد ابتداء أحد الأمرين، لا الأمران معا، "فيتخذها لنفسه".
وعند الطبراني عن ابن عمر أنها قالت: وما كان أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر إلي وقال: "يا صفية إن أباك ألب العرب، وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي" "فقالت: أختار الله ورسوله" فاصطفاها الله.
"خرجه" ابن الجوزي "في الصفوة" كتاب له، "وأخرج تمام" الإمام الحافظ محمد بن عبد الله بن جعفر المروزي، ثم الدمشقي الثقة، المتوفى ثالث محرم سنة ست عشرة وأربعمائة "في فوائده من حديث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "هل لك" رغبة "في"، قالت: يا رسول الله لقد كنت أتمنى ذلك في الشرك فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام" ولعل سبب
وأخرج أبو حاتم في حديث ابن عمر: رأى صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة فقال: "ما هذه الخضرة"؟ فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمني وقال: تمنين ملك يثرب. وبنى بها صلى الله عليه وسلم بالصهباء.
__________
تمنيها ذلك رؤيتها منام دل عليه، ولذا حسن من المصنف تعقيب هذا الحديث، به فقال: "وأخرج أبو حاتم" بن حبان في صحيح والطبراني برجال كلاهما "من حديث ابن عمر" قال: "رأى صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة، فقال: "ما هذه الخضرة"؟ فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت قمرا وقع في حجري، فأخبرته بذلك، فلطمني وقال: تمنين" بحذف إحدى التاءين "ملك يثرب" أوله بخصوصه، وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الظاهر عندهم ظهور القمر الباهر، وإن جحدوه في الظاهر ظلما وعلوا؛ لأنهم مستبقون نبوته، وعند ابن إسحاق: وكانت صفية رأت قبل ذلك أن القمر وقع في حجرها، فذكرت ذلك لأبيها، فلطم وجهها وقال: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب، فلم يزل الأثر في وجهها حتى سألها صلى الله عليه وسم، فأخبرته.
قال البرهان: فلعلهما فعلا بها ذلك، وأخرج ابن أبي عاصم والطبراني عن أبي برزة لما نزل صلى الله عليه وسلم خيبر كانت صفية عروسا، فرأت في المنام أن الشمس وقعت على صدرها فقصتها على زوجها، فقال: والله ما تمنين إلا هذا الملك الذي نزل بنا، الحديث.
قال الشامي: ولا مخالفة بينهما باعتبار التعدد، فقصت ذلك على أبيها أولا، ثم على زوجها ثانيا، ولهذا اختلف العبارة في التعيين انتهى، وانت خبير بأن لا يتخيل تعارض، فإن رؤيتها وقوع الشمس على صدرها غير رؤيتها وقوع القمر في حجرها وقصتهما معا على زوجها، فلطمها في قصة القمر على عينها فاخضرت ووبخها في الشمس، ورأت قبل ذلك القمر وقصته على أبيها فالأثر الذي في وجهها من لطم أبيها غير خضرة عينها من لطم زوجها، "وبنى بها صلى الله عليه وسلم بالصهباء" بفتح الصاد المهملة، وسكون الهاء وبموحدة، ومد موضع أسفل خيبر.
وفي رواية بالروحاء بالمهملة، مكان قرب بالمدينة، بينهما نيف وثلاثون ميلا من جهة مكة، وقيل بقرب المدينة مكانا آخر يقال له الروحاء، وعلى التقديرين، فليست قرب خيبر، فالصواب ما اتفق عليه الجماعة إنها الصهباء، وهي على بريد من خيبر، قاله ابن سعد وغيره، كما في الفتح، وأخرج ابن سعد بأسانيده، قال: لم يخرج من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه، فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها، فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء، وهي على بريد من خيبر، نزل بها هناك فمشطتها أم سليم
...................................
__________
وعطرتها.
قالت أم سنان الأسلمية: وكانت من أضوأ ما يكون من النساء، فدخل بأهله، فلما أصبح سألتها عما قال لها، فقالت: قال لي ما حملك على الامتناع من النزول أولا قلت: خشيت عليك من قرب اليهود فزادها ذلك عنده، وذكرت أنه سر بها، ولم ينم تلك الليلة، لم يزل يتحدث معها، وعن عطاء بن يسار لما قدمت صفية من خيبر أنزلت في بيت لحارثة بن النعمان، فسمع نساء الأنصار، فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة متنقبة فلما خرجت خرج صلى الله عليه وسلم على أثرها، فقال: "كيف رأيت يا عائشة"، قالت: رأيت يهودية قال: "لا تقولي ذلك، فإنها أسلمت وحسن إسلامها" وبسند صحيح عن ابن المسيب قدمت صفية وفي أذنها خوصة من ذهب، فوهبت منه لفاطمة ولنساء معها، وعن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فاعتل بعير صفية، وفي إبل زينب بنت جحش فضل، فقال لها: "إن بعير صفية اعتل، فلو أعطيتها بعيرا"، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية، فتركها صلى الله عليه وسلم ذا الحجة، والمحرم شهرين أو ثلاثة لا يأتيها، قالت زينب: حتى يئست منه.
رواها كلها ابن سعد، وأخرج الترمذي عن صفية، قالت: دخل عليَّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، وقد بغلني أن عائشة وحفصة قالتا: نحن أكرم على رسول الله منها، نحن أزواجه وبنات عمه، فقال: "ما يبكيك"؟ فذكرت له ذلك، فقال: "ألا قلت وكيف تكونان خيرا مني وأبي هارون وعمي موسى، وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم".
وروى عمر الملاء عن صفية حج صلى الله عليه وسلم بنسائه، فلما كان ببعض الطريق برك جملي، وكنت من آخرهم ظهرا فبكيت فجاء صلى الله عليه وسلم وجعل يمسح دموعي بردائه وبيده، وجعلت لا أزداد إلا بكاء وهو ينهاني فلما أكثرت زبرني، قال أبو عمر: كانت صفية عاقلة حليمة فاضلة، روينا أن جارية لها أتت عمر، فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود فبعث عمر فسألها، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلهم، ثم قالت للجارية، ما حملك على هذا، قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرة.
وأخرج ابن سعد بسند حسن عن زيد بن أسلم قال: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم عنده في مرضه الذي توفي فيه، فقالت صفية: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمز بها أزواجه، فبصربهن، فقال: "مضمضن"، قلن: من أي شيء؟ قال: "من تغامزكن بها والله إنها لصادقة"، وروى أبو داود والترمذي عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، قال: "قد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته"، روت صفية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنها
وماتت في رمضان سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل غير ذلك.
فهؤلاء أزواجه اللاتي دخل بهن لا خلاف في ذلك بين أهل السير والعلم بالأثر.
وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم تزوج نسوة غير من ذكر، وجملتهن اثنتا عشرة امرأة.
الأولى: الواهبة نفسها له صلى الله عليه وسلم،
__________
ابن أخيها ومولياها كنانة، ويزيد بن معتب، وزين العابدين بن الحسين وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، ومسلم بن صفوان، "وماتت في رمضان سنة خمسين".
قاله الواقدي وصححه في التقريب، وقال في الإصابة أنه أقرب، وقال ابن سعد: سنة اثنتين وخمسين، وهو على كلا القولين "في زمن معاوية".
قال ابن أبي خيثمة: وورثت مائة ألف درهم بقيمة أرض وعرض، وأوصت لابن أختها بالثلث، وكان يهوديا، "وقيل غير ذلك" فقيل سنة ست وثلاثين.
حكاه ابن حبان، وجزم به ابن منده قال في الإصابة: وهو غلط فإن علي بن الحسين لم يكن ولد، وقد ثبت سماعه منها في الصحيحين، ودفنت بالبقيع وسنها نحو ستين؛ لأنها قالت: ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن سعد "فهؤلاء أزواجه اللاتي دخل بهن لا خلاف في ذلك" أي دخوله بهن وإن اختلف في أن جويرية سرية، والراجح أنها زوجة كما مر "بين أهل السير والعلم بالأثر"، ولا شك أنهن زوجاته في الآخرة بنصه صلى الله عليه وسلم، كما مر، وهو أحد التعاليل في حرمتهن على غيره، وأما اللاتي فارقهن في الحياة دخل بهن أم لا، ففي فتاوى النجم يحتمل أنهم كذلك، ويؤيده أن الراجح حرمتهن على غيره المعلل بما ذكر، ويحتمل خلافة خصوصا في المستعيذة ومن لم يردها أو اختارت الحياة الدنيا، ويؤيده ما روي أن المستعيذة تزوجت بعده لكنه ضعيف، وأما نساء غيره من الأنبياء، فيحتمل أن يكن كذلك، لكن قال القضاعي: إن حرمة زوجاته صلى الله عليه وسلم بعده مما خص به دون الأنبياء، وكذا السيوطي في الأنموذج، ثم توقف النجم في ذلك، وأنه لم يقف على نقل فيه بخصوصه، ولعله أراد أثرا أو حديثا، وإلا فالسيوطي، والقضاعي نل، "وقد ذكر أنه صلى الله عليه وسلم تزوج نسوة غير من ذكر، وجملتهن اثنتا عشرة امرأة" على ما ارتضاه المصنف، وإلا فقد قال الدمياطي: وأما من لم يدخل بها ومن وهبت نفسها له ومن خطبها ولم يتفق تزويجها له، فثلاثون امرأة على خلاف في بعضهن، "الأولى الواهبة نفسها له صلى الله عليه وسلم" أي التي اشتهرت بذلك، فلا ينافي ما يأتي له من ذكر قول في بعضهن أنها وهبت نفسها.
واختلف من هي، فقيل أم شريك القرشية العامرية، واسمها: غزية -بضم الغين المعجمة وفتح الزاي وتشديد المثناة التحتية- بنت جابر بن عوف، من بني عامر بن لؤي وقيل بنت دودان بن عوف وطلقها النبي واختلف في دخوله بها.
وقيل هي أم شريك غزية الأنصارية من بني النجار، وفي الصفوة، هي أم شريك غزية بنت جابر الدوسية، قال: والأكثرون على أنها وهبت
__________
"واختلف" في جواب قول السائل "من هي" فلا ينافي أن الاستفهام لا يسأل عنه، "فقيل" هي "أم شريك القرشية العامرية" نسبة إلى عامر بن لؤي، "واسمها غزية بضم الغين المعجمة، وفتح الزاي، وتشديد المثناة التحتية".
زاد في الإصابة: وقيل بفتح أولها، وقيل اسمها غزيلة بالتصغير، ولام بعد الياء "بنت جابر بن عوف من بني عامر بن لؤي" بن غالب، "وقيل" غزية بنت دودان" بدالين مهملتين مكررتين، الأولى مضمومة وبعد الثانية ألف، ثم نون، كما ضبطه البرهان، فما يقع في النسخ داود من تحريف النساخ، لشهرة هذا دون ذاك "ابن عوف" بن عمرو بن خالد بن ضباب بن حجير بن بغيض بن عامر بن لؤي، هكذا نسبها ابن الكلبي.
روى أبو نعيم وأبو موسى بسند ضعيف عن ابن عباس قال: وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة، فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا، فتدعوهن إلى الإسلام حتى ظهر أمرها بمكة، فقالوا: لولا قومك لفعلنا بك، وفعلنا لكن سنردك إليهم، فحملوها على بعير عرى، وتركوها ثلاثا بلا أكل ولا شرب، ثم نزلوا منزلا وأوقفوها في الشمس، واستظلوا وحبسوا عنها الطعام والشراب، فدلي لها من السماء دلو من ماء فشربت حتى رويت، ثم صبته على جسدها وثيابها، فلما استيقظوا رأوا أثر الماء وحسن الهيئة، فسألوها فأخبرتهم فنظروا إلى الأسقية فوجدوها كما تركوها، فأسلموا بعد ذلك، وأقبلت هي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووهبت نفسها له بغير مهر، قبلها، ودخل عليها، "وطلقها النبي صلى الله عليه وسلم" لأنه رآها كبيرة، "واختلف في دخوله بها" فقال ابن عباس: كما ترى أنه دخل، وقال غيره: لم يدخل، ويحتمل الجمع بأن المنفي الجماع، والمثبت مجرد الدخول إن صحا، "وقيل" إن الواهبة ليست القرشية، بل "هي أم شريك غزية الأنصارية من بني النجار" فوافقتها في الكنية والاسم، واختلفا في النسبة.
روى ابن سعد برجال ثقات عن الشعبي، قال: المرأة التي عزل صلى الله عليه وسلم أم شريك الأنصارية، وروى ابن أبي خيثمة عن قتادة قال: تزوج صلى الله عليه وسلم أم شريك الأنصارية النجارية، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرة الأنصار، فلم يدخل بها، "وفي الصفوة" لابن الجوزي "هي أم شريك غزية بنت جابر الدوسية" الأزدية "قال: والأكثرون على أنها التي وهبت
نفسها له صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت.
وذكر ابن قتيبة في المعارف عن أبي اليقظان، أن الواهبة نفسها خولة بنت حكيم السلمي، ويجوز أن يكونا وهبتا أنفسهما من غير تضاد.
وقال عروة بن الزبير: كانت خولة بنت حكيم، من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة:
__________
نفسها له صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها" لكبر سنها، "فلم تتزوج حتى ماتت" ورجحه الواقدي، ورواه ابن سعد عن عكرمة وعلي بن الحسين، وأخرج ابن سعد أيضا عن منير بن عبد الله الدوسي: أن أم شريك غزية بن جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت جميلة، فقبلها، فقالت عائشة: ما في المرأة حين تهب نفسها لرجل خير، فقالت أم شريك: فأنا تلك فسماها الله مؤمنة، فقال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] ، فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة إن الله ليسرع لك في هواك، ويمكن الجمع بين القبول ونفيه، بأنه عقد عليها ولم يدخل.
قال في الإصابة: والذي ظهر في الجمع أن أم شريك واحدة اختلف في نسبها أنصارية أو عامرية من قريش، أو أزدية من دوس، واجتماع هذه النسب الثلاثة ممكن، كأن تكون قرشية تزوجت في دوس، فنسبت إليهم، ثم تزوجت في الأنصار، فنسبت إليهم أو لم تتزوج، بل نسبت أنصارية بالمعنى الأعم انتهى منه في ترجمة العامرية، وأما أم شريك بنت جابر الغفارية، التي ذكرها أحمد بن صالح المضري في الزوجات اللاتي لم يدخل بهن، فلا تذكر هنا؛ لأنها لم تهب نفسها.
"وذكر ابن قتيبة في المعارف عن أبي اليقظان أن الواهبة نفسها خولة" بفتح المعجمة وسكون الواو، فلام، فتاء تأنيث، ويقال لها خويلة بالتصغير "بنت حكيم" بن أمية "السلمي" بضم السين، نسبة إلى جده سليم، صحابية، صالحة، فاضلة، لها أحاديث يقال كنيتها أم شريك.
قال أبو عمر، "ويجوز أن يكونا وهبتا أنفسهما من غير تضاد بين الروايات.
"وقال عروة بن الزبير" ابن العوام: "كانت خولة بنت حكيم من اللائي" بالهمز "وهبن أنفسهم للنبي صلى الله عليه وسلم" فهذا يؤيد الجمع المذكور لقوله من، وقد قال الحافظ: في شرحه سمي منهن أم شريك، وخولة، وليلى بنت الخطيم.
ذكره ابن أبي خيثمة عن أبي عبيدة معمر بن المثني، ولم يدخل بهؤلاء.
وروي عن قتادة وغيره أن ميمونة بنت الحارث ممن وهبت نفسها، فتزوجها، وكذا قيل في زينب بنت خزيمة أم المساكين، "فقالت عائشة:" فيه إشعار بأن عروة حمل الحديث عنها، فلا
أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاء} [الأحزاب: 51] قالت عائشة: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك، رواه الشيخان.
وهذه خولة هي زوجة عثمان بن مظعون، ولعل ذلك وقع منها قبل عثمان.
الثانية: خولة بنت الهذيل بن هبيرة. تزوجها صلى الله عليه وسلم فهلكت قبل أن تصل إليه.
__________
يكون مرسلا "أما" بتخفيف الميم "تستحيي المرأة أن تهب نفسها للرجل"، زاد في رواية بغير صدق، فلما نزلت {تُرْجِي} تؤخر {مَنْ تَشَاءُ مِنْهُن} .
وفي مسلم وابن ماجه "فأنزل الله ترجي من تشاء، وهي أظهر في أن نزول هذه الآية بهذا السبب وروى ابن سعد عن أبي زين قال: هم صلى الله عليه وسلم أن يطلق من نسائه، فلما رأين ذلك جعلنه في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء على من يشاء فأنزل الله {تُرْجِي مَنْ تَشَاء} [الأحزاب: 51] ولا مانع من تعدد السبب وإلا فما في الصحيحين أصح.
"قالت عائشة: يا رسول الله ما أرى" بفتح الهمزة "ربك إلا يسارع لك في هواك"، أي في رضاك.
قال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وإلا فلا يجوز إضافة الهوى إليه صلى الله عليه وسلم، لكن الغيرة مغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك "رواه الشيخان" واللفظ للبخاري في النكاح، "وهذه خولة هي زوجة عثمان بن مظعون" بالظاء المعجمة، "ولعل ذلك وقع منها قبل عثمان" أي قبل تزوجه بها، وبه جزم ابن الجوزي في التلقيح، وزاد، فأرجأها، فتزوجها عثمان بن مظعون، وقال هشام بن الكلبي: كانت ممن وهبت نفسها، وكان عثمان بن مظعوت مات عنها "الثانية" ممن ذكر أنه تزوج بهن، ولم يقل الثالثة مع أنه قدم أم شريك وخولة؛ لأنه جعل الواهبة واحدة على اختلاف الأقوال في تعيينها، وإلا فلو جرى على ظاهر ما قدمه لقال الخامسة "خولة بنت الهذيل" بذال معجمة مصغرا "ابن هبيرة" بالتصغير ابن قبيصة بن الحارث بن حبيب بن حرفة، بضم الحاء المهملة، وسكون الراء، وبالفاء الثعلبية "تزوجها صلى الله عليه وسلم فهلكت" في الطريق "قبل أن تصل إليه".
قال أبو عمر عن الجرجاني النسابة قال في الإصابة: وقد ذكرها المفضل بن غسان الغلابي في تاريخه عن علي بن صالح عن علي بن مجاهد قال: وتزوج خولة بن الهذيب وأمها خرنق بنت خليفة أخت دحية الكلبي، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق انتهى. وذكرهم لها في الصحابة مع أنهم لم يذكروا أنها اجتمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا صحبة لها، اتفاقا لقربها لطبقة الصحابة كغيرها من المخضرمين، لا لأنهم صحابة، كما أفصح به ابن عبد البر وابن شاهين،
الثالثة: عمرة بنت يزيد بن الجون -بفتح الجيم- الكلابية، وقيل: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية. قال أبو عمر: وهذا أصح.
تزوجها صلى الله عليه وسلم فتعوذت منه حين أدخلت عليه، فقال لها: "لقد عذت بمعاذ"، فطلقها وأمر أسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب، فقال أبو عمر: هكذا روى عن عائشة.
وقال قتادة: كان ذلك من امرأة من بني سليم، وقال أبو عبيدة: إنما ذلك لأسماء بنت النعمان بن الجون، وهكذا ذكره ابن قتيبة، وسيأتي وقال في عمرة هذه: إن أباها وصفها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: وأزيدك أنها لم تمرض قط قال عليه الصلاة والسلام: "ما لهذه عند الله من خير" فطلقها.
الرابعة: أسماء بنت النعمان بن الجون -بفتح الجيم- ابن الحارث
__________
وغلط من جزم بأن ابن عبد البر يقول: إن المخضرمين صحابة نبه عليه في ديباجة الإصابة.
"الثالثة عمرة" بفتح العين "بنت يزيد بن الجون بفتح الجيم الكلابية، وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية".
"قال أبو عمر" بن عبد البر "وهذا" الثاني "أصح" في نسبها "تزوجها صلى الله عليه وسلم، فتعوذت منه" فقالت: أعوذ بالله منك "حين أدخلت عليه، فقال لها: "لقد عذت بمعاذ" بفتح الميم، أي بالذي يستعاذ به وهو الله.
قال المصنف في شرح البخاري، "فطلقها" وصدر في الإصابة بأنه بلغه أنه بها برصا، فطلقها ولم يدخل بها، فيحتمل أن سبب الطلاق كلا الأمرين، ونفى الدخول المراد به الوقاع، "وأمر أسامة بن زيد، فمتعها بثلاثة أثواب".
"فقال أبو عمر" النمري: "هكذا روي عن عائشة" أنها المستعيذة، رواه هشام بن عروة عن أبيه عنها، "وقال قتادة كان ذلك" المذكور من الاستعاذة "من امرأة من" بني "سليم" بالضم "وقال أبو عبيدة" معمر بن المثنى "إنما ذلك لأسماء بنت النعمان بن الجون، وهكذا ذكر ابن قتيبة، وسيأتي" قريبا" "وقال" ابن قتيبة "في عمرة هذه، أن أباها وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم" بالجمال، "ثم قال: وأزيدك" في أوصافها الحسنة "أنها لم تمرض قط".
قال عليه الصلاة والسلام: "ما لهذه عند الله من خير" لأن العبد لا يخلو من ذنب، والمرض مكفر له أو رافع لدرجاته وكاسر لشماخة نفسه، "فطلقها" لذلك لا لأنها استعاذت منه. "الرابعة أسماء بنت النعمان بن الجون، بفتح الجيم" وسكون الواو، ونون "ابن الحارث".
الكندية وهي الجونية. قال أبو عمر: أجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها واختلفوا في سبب فراقه لها، فقال قتادة وأبو عبيدة: إنه صلى الله عليه وسلم لما دعاها قالت: تعال أنت وأبت أن تجيء وقال بعضهم: قالت أعوذ بالله منك، فقال: "عذت بمعاذ ولقد أعاذك الله مني" وقيل: إن نساءه صلى الله عليه وسلم علمنها ذلك.
__________
قيل بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل "الكندية"، بكسر الكاف، نسبة إلى كندة قبيلة من اليمن، وعد في العيون أسماء بنت النعمان هذه، وأسماء بنت كعب الجونية، وقال: ولا أراها والتي قبلها إلا واحدة، وقال الشامي: الظاهر أن ابنة كعب غير ابنة النعمان، وإن كان كل منهما من بني الجون، ولم يذكر الحافظ في الإصابة أسماء بنت كعب، ولا ذكر ذلك في نسب أبيها في ترجمته، "وهي الجونية" نسبة لجدها المذكور، وروى البخاري عن عائشة: أن ابنة الجون لما أدخلت عليه صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: "لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك".
"قال أبو عمر" بن عبد البر "أجمعوا" "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها" واختلفوا في سبب فراقه لها، فقال قتادة" بن دعامة، فيما أسنده عنه ابن أبي خيثمة "وأبو عبيدة" معمر بن المثني، فيما أسنده عنه أبو عمر، "أنه صلى الله عليه وسلم لما دعاها قالت: تعال أنت، وأبت تجيء" لسوء حظها، وعدم معرفتها بجلالة قدره الرفيع، "وقال بعضهم: قالت أعوذ بالله منك، فقال: "عذت بمعاذ" بفتح الميم، "وقد أعاذك الله مني".
قال ابن عبد البر: وهذا باطل إنما قال هذا لامرأة أخرى من بني سليم، وقال أبو عبيدة: كلتاهما عاذتا بالله منه انتهى.
ولا يشكل على حكمه بالبطلان أنه مسند في الصحيح؛ لأن فيه أن اسمها أميمة، وكلامه في أسماء بناء على أنها غيرها، كما يأتي إيضاحه، "وقيل إن نساءه صلى الله عليه وسلم علمنها ذلك".
أخرجه ابن سعد من طرق عن أبي أسيد وفي بعضها، فقالت حفصة لعائشة، أو عائشة لحفصة: خضبيها وأنا أمشطها ففعلتا، ثم قالت إحداهما للأخرى: إنه يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك الحديث.
وأخرجه من طريق آخر عن ابن عباس، وفيه أنها كانت من أجمل أهل زمانها وأشبه، فقالت عائشة: قد وضع يده في الغرائب يوشك أن يصرفن وجهه عنا وكان خطبها حين وفد أبوها عليه في وفد كنده، فلما رآها نساؤه حسدنها، فقلن لها: إن أردت أن تحظين عنده الحديث وهي إن كانت مفرداتها ضعيفة، فبمجموعها تتقوى، والغيرة التي طبعت النساء عليها يغتفر لها مثل ذلك، وأقوى منه، ألا ترى أنه اغتفر قول عائشة: إن ربك يسارع لك في هواك مع
فإنها كانت أجمل النساء فخفن أن تغلبهن عليه، فقلن لها إنه يحب إذا دنا منك أن تقولي: أعوذ بالله منك، فقال: "قد عذت بمعاذ" فطلقها، ثم سرحها إلى أهلها وكانت تسمي نفسها الشقية.
__________
علمها إن الله قد أباح ذلك لنبيه، وأن الله لو ملكه جميع النساء لكان قليلا في حقه، على أنه يحتمل أنهن رضي الله عنهن اجتهدن فظنن جواز ذلك لدفع ما يلحقهن من الضرر من غلبتها لهن عليه صلى الله عليه وسلم بحسب ظنهن، وذلك بين من قول عائشة يوشك أن يصرفن وجهه عنا، وبهذا سقط قول الجلال البلقيني حاشا عائشة أن تقع في ذلك، وفيه إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم وللزوجة، وأما احتمال أن ذلك وقع من بعض جواريهن غيرة على سيداتهن، فظن أنه منهن، فنسب إليهن، فعقلي جاءت الروايات بخلافه، "فإنها كانت من أجمل النساء، فخفن أن تغلبهن عليه" فيفوتهن، ما ينلنه من الخير الذي لا مزيد عليه الذي من أعظمه مشاهدة ذلك الوجه الأزهر، والاطلاع على وظائف عباداته الليلية، وما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، ولما جبلن عليه من حبهن له صلى الله عليه وسلم، والمحب لا يرضى أن حبه يذهب لغيره.
وفي الصحيحين عن عائشة أنه كان يستأذن في يوم المرأة منا، فكنت أقول له: إن كان ذاك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر بك أحدا، "فقلن" متأولات "لها إنه يحب إذا دنا" قرب "منك أن تقولي أعوذ بالله منك".
وعند ابن سعد عن أبي أسيد: فلما أدخلت عليه، وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك، فمال بكمه على وجهه، وقال: "عذت بمعاذ" ثلاث مرات.
وعنده من طريق آخر عن أبي أسيد قلت: يا رسول الله قد جئتك بأهلك، فخرج يمشي، وأنا معه فلما أتاها أهوى ليقبلها، وكان يفعل ذلك إذا خلا بالنساء، فقالت: أعوذ بالله منك، "فقال: "قد عذت بمعاذ"، فطلقها، ثم سرحها، بعثها إلى أهلها" لا طلقها وإن كان صريحا فيه لتقدمه في قوله، فطلقها فلا يفسر به، "وكانت تسمي نفسها الشقية".
وعن ابن عباس، فكانت تقول: ادعوني الشقية، وعن أم مناح بشد النون ومهملة، قالت: كانت التي استعاذت قد ولهت، وذهب عقلها، وكانت تقول إذا استأذنت على أمهات المؤمنين: أنا الشقية أنا خدعت.
وعن ابن اسيد: لما طلعت بها على قومها تصابحوا، وقالوا: إنك لغير مباركة، لقد جعلتينا في العرب شهرة فما دهاك؟ قالت: خدعت، فقالت لأبي أسيد: ما أصنع، قال: أقيمي في بيتك واحتجبي مع رحم محرم، ولا يطمع فيك أحد، فأقامت كذلك حتى ماتت في خلافة عثمان.
وعن ابن عباس أنه خلف عليها المهاجر بن أبي أمية، فأراد عمر أن يعاقبها، فقالت: والله
وقال الجرجاني: قلن لها إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه، فقالت ذلك فولى وجهه عنها، وقيل المتعوذة غيرها، وقال أبو عبيدة: ويجوز أن تكونا تعوذتا، وقال آخرون: كان بأسماء وضح فقال لها الحقي بأهلك، وقيل في اسمها أميمة، وقيل: إمامة.
__________
ما ضرب عليَّ حجاب، ولا سميت بأم المؤمنين فكف عنها رواها كلها ابن سعد، ويذكر أن عكرمة بن جهل تزوجها في زمن الصديق.
قال الواقدي: ولم يثبت "وقال" علي بن عبد العزيز "الجرجاني" النسابة: "قلن لها إن أردت أن تحظي" أي تصيري ذات منزلة ومحبة "عنده فتعوذي بالله منه، فقالت ذلك: فولى وجهه عنها" وقال: قد عذت بمعاذ، وهذا رواه ابن سعد عن ابن عباس "وقيل المتعوذة غيرها" غير أسماء، فقيل عمرة، كما سبق، وقيل أميمة أو مليكة أو سنى أو فاطمة بنت الضحاك أو العالية فهي سبعة أقوال.
"وقال أبو عبيدة" معمر بن المثنى: "ويجوز أن تكونا تعوذتا" أي أسماء هذه والمرأة التي من بني سليم، كما نقله عنه أبو عمر، فهذان قولان في سبب فراق أسماء امتناعها من المجيء إليه أو تعوذها منه.
"وقال آخرون" في سببه: "كان بأسماء وضح" بفتحتين برص بدليل قول ابن عبد البر، كوضح العامرية، "فقال لها: "الحقي بأهلك" بكسر الهمزة، وفتح الحاء وقيل بالعكس كناية عن الطلاق بشرط النية إجماعا، والمعنى طلقتك سواء كان لها أهل أم لا، قاله المصنف.
وذكر ابن سعد: أن ذلك كان في ربيع الأول سنة تسع من الهجرة، "وقيل في اسمها أميمة" بالتصغير، "وقيل إمامة" بضم الهمزة هكذا حكاه في الإصابة عن أبي عمر في ترجمة أسماء، فهي واحدة اختلف في اسمها، ثم ترجم في الإصابة أميمة بنت النعمان بن شراحيل الكندية، ذكرها البخاري في كتاب النكاح تعليقا عن أبي أسيد، وسهل بن سعد، قالا: تزوج صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، لما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين، وأخرجه موصولا قبله.
من وجه آخر عن أبي أسيد قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال صلى الله عليه وسلم: "اجلسوا ههنا"، ودخل وقد أتى بالجونية، فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها صلى الله عليه وسلم قال: "هبي لي نفسك"، قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فاهوى بيده يضعها عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: "عذت بمعاذ"، ثم خرج علينا، فقال: "يا أبا أسيد أكسها ثوبين وألحقها بأهلها"،
الخامسة: ملكية بنت كعب الليثية، قال بعضهم: هي التي استعاذت منه صلى الله عليه وسلم، وقيل دخل بها، وماتت عنده، والأول أصح، ومنهم من ينكر تزويجه بها أصلا.
__________
وقد رجح البيهقي إنها المستعيذة لهذا الحديث الصحيح، وتقدم في أسماء بنت النعمان بن الجون شبيه بقصتها فالله أعلم، انتهى.
ولا خلاف بين روايتي البخاري، فإنه نسبها في الأولى إلى جدها، وفي الثانية إلى أبيها نبه على ذلك في فتح الباري، وقال: إن قوله في بيت بالتنوين وأميمة بالرفع بدل من ضمير، فأنزلت أو عطف بيان، وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال في رواية أميمة بنت شراحيل لعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها، وهو مردود فإن مخرج الطريقين وا