في شهر ذي القعدة من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش[الطبقات الكبرى لابن سعد] بأمر من الله تبارك تعالى، وكان ذلك تحطيمًا لقيود الجاهلية المتأصلة التي كانت تعتبر المُتبنَّى كالابن الصُّلبيّ، له جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي.
فكانوا يعتقدون حرمة زوجة المُتبنَّى على الرجل الذي تبناه، وفي ذلك تعارض كبير للأسس التي قررها الإسلام في الزواج والطلاق والميراث وغيرها من المعاملات، فشاء الله تعالى هدم قاعدة التبني من خلال زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنة عمته زينب بنت جحش.
وكانت زوجة لزيد بن حارثة، ولم يكن بينهما توافق، فلما همَّ زيد بطلاقها، فاتح زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرادته طلاق زينب، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسكها ولا يطلقها، ولعله صلى الله عليه وسلم علم أنه سيؤمر بزواجها بعد انقضاء عدتها، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم من استغلال المنافقين لذلك الأمر وترويج أنه صلى الله عليه وسلم قد تزوج زوجة ابنه.
ولم يرض الله من رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا التردد والخوف حتى عاتبه الله عليه بقوله: ( وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ) [الأحزاب : 37].
فما انقضت عدتها، أوجب الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الزواج، حتى تولى الله تعالى ذلك الزواج بنفسه يقول: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ) [الأحزاب : 37].
فتم زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب، وكان ذلك لهدف تشريعي هو رفع الحرج عن المؤمنين إذا أرادوا الزواج من مطلقات الأبناء بالتبني، فبنزول تلك الآية حُرِّم التبني، وأصبح يقال زيد بن حارثة عملا بقول الله تعالى: (ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ)
[الأحزاب: 5].
وكان يوم زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب يومًا مشهودًا، فيروي أنس -رضي الله عنه- عن وليمة ذلك العُرس فيقول: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى امرأة -أو على شَيءٍ مِنْ نِسَائِهِ- مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ فإنه ذبح شَاةً» (رواه مسلم)، وفي رواية أخرى لمسلم: «مَا أَوْلَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أكثر أو أفضل ممَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أطعمَهُم خُبزًا ولحمًا حتى تركوه».
وكانت زينب -رضي الله عنها- تفاخر بذلك بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ»(رواه البخاري).