"وأما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها" قال المصنف: بالهمز وعوام المحدثين يبدلونها ياء وقال البرهان في لغة عيشة، حكاها علي بن حمزة وغيره وهي فصيحة، وعائشة أفصح، وكانت بيضاء وزاعم أنها سوداء كذبه ابن معين وغيره، "وأمها أم رومان" بضم الراء وفتحها، واسمها زينب، وقيل دعد "ابنة عامر بن عويمر" بالتصغير "ابن عبد شمس".
هكذا نسبها مصعب قال في الإصابة، وخالفه غيره، فذكر ابن إسحاق أنها بنت عبد بن دهمان أحد بني فراس، والخلاف في نسبها من عامر إلى كنانة لكن اتفقوا على أنها "من بني غنم بن "مالك بن كنانة" أسلمت، وبايعت وهاجرت، ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد والبخاري في تاريخه، وابن منده، وأبو نعيم، عن القاسم بن محمد، قال: لما دليت أم رومان في قبرها، قال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان" ولكن في موتها في حياته صلى الله عليه وسلم نزاع طويل ليس هذا موضعه، "فكانت مسماة على جبير" الصحابي "ابن مطعم" أي أنه كان خطبها لأبنه من أبيها، "فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم" لأنه لم يعلم بالخطبة أو كان قبل النهي.
روى أحمد بن أبي عاصم، والطبراني وغيرهم عن عائشة لما ماتت خديجة، جاءت خولة بنت حكيم، فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج، قال: "من"؟ قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا، فأما
وأصدقها فيما قاله ابن إسحاق أربعمائة درهم، وتزوجها بمكة في شوال سنة عشر من النبوة، قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها ست سنين، وأعرس بها بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا، ولها تسع سنين. وقيل بعد سبعة أشهر من مقدمه عليه الصلاة والسلام.
__________
البكر فابنه أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر وأما الثيب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك، قال: "فاذكريهما علي" فأتيت أم رومان، فقلت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، قالت: وما ذلك؟ قلت: رسول الله يذكر عائشة، قالت: وددت انتظري أبا بكر، فجاء فذكرت ذلك له، فقال: أوتصلح له، وهي ابنة أخيه، فرجعت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "قولي له أنت أخي، وأنا أخوك في الإسلام، وابنتك تصلح لي"، فرجعت وأخبرته بذلك، فقال أبو بكر لأم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه والله ما أخلف أبو بكر وعدا قط، فأتى لمطعم وعنده امرأته أم الفتى، فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية، فأقبل على امرأته فقال: ما تقولين: فأقبلت على أبي بكر فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك والذي أنت عليه فقال أبو بكر: ما تقول أنت؟ فقال: إنها تقول ما تسمع فقام أبو بكر ليس في نفسه شيء من الموعد، فقال لخولة: قولي لرسول الله فليأت، فدعته فجاء، فملكها، أي تزوجها "وأصدقها فيما قاله ابن إسحاق أربعمائة درهم" تبرأ منه؛ لأنه خلاف ما في مسلم عنها أن صداقه صلى الله عليه وسلم لأزواجه كان خمسمائة درهم، وهي زيادة صحيحة، فيجب قبولها وتزوجها بمكة في شوال سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين" زيادة إيضاح لسنة عشر، "ولها ست سنين" لأنها ولدت في الإسلام سنة أربع من النبوة، كما في العيون والإصابة، "وأعرس بها بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا" فيما قاله بعضهم، وآخره في الإصابة والفتح، وصدر بأنه بني بها في السنة الأولى، وهو الذي يأتي عليه قوله، "ولها تسع سنين" كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عنها.
أما على هذا القول الضعيف الذي قدمه المصنف وما كان ينبغي تقديمه فيكون لها عشر سنين ونصف سنة والظاهر أنه مقدم عن محله وأنه بعد قوله، "وقيل بعد سبعة أشهر من مقدمه، عليه الصلاة والسلام".
وروى ابن سعد وغيره، عنها قالت: أعرس بي على رأس ثمانية أشهر، وبهذا صدر في الإصابة، والعيون وفي مسلم، عنها تزوجني صلى الله عليه وسلم في شوال وبني بي في شوال.
قال في الفتح: وإذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى قوى قول من قال: دخل
وخرج الشيخان عن عائشة أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكت فتمزق شعري، فأتتني أمي -أم رومان- وإني لفي أرجوحة مع صواحب لي فصرخت بي فأتيتها ما أدري ما تريد مني، فأخذت بيدي فأوقفتني على باب الدار، وأنا أنهج،
__________
بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وقد وهاه النووي في تهذيبه، وليس بواه إذا عددنا من ربيع وجزمه بأن دخوله بها كان في الثانية يخالف ما ثبت أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين، وقال الدمياطي في سيرته، ماتت خديجة في رمضان، وعقد على سودة في شوال ثم على عائشة، ودخل بسودة قبل عائشة انتهى.
وكان المصنف قلد النووي دون مراجعة الفتح وهو عجيب مع كثرة اعترافه في ذا الكتاب منه بعزو ودونه، "وخرج الشيخان" عن عروة، "عن عائشة" الصديقة صاحبة الترجمة بنت الصديق، "إنها قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين" وفي رواية الأسود عنها: وأنا بنت سبع سنين، رواه مسلم والنسائي، وجمع الإصابة بأنها أكملت السادسة، ودخلت في السابعة، "فقدمنا المدينة"، وذلك كما رواه الطبراني من وجه آخر عنها بعد استقر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبعث عبد الله بن أريقط، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل معه أم رومان، وأم أبي بكر، وأنا وأسماء، وبعث صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وأبا رافع، فخرجا بفاطمة وأم كلثوم وسودة وأما أيمن وأسامة وأيمن، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة، فنزل آل النبي عنده وهو يومئذ يبني مسجده وبيوته، فادخل سودة أحد تلك البيوت، وكان يكون عندها، ونزلنا في عيال أبي بكر "فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت" بضم الواو، وسكون الكاف، أحممت "فتمزق" بزاي مشددة تقطع شعري، للكشميهني فتمرق بالراء أي انتتف وأسقط المصنف من الحديث قولها: فوفى جميمه بتخفيف الفاء كثر وفيه حذف تقديره ثم نصلت من الوعك فتربى شعري فكثرت جميمه بالجيم مصغر جمة بالضم مجمع شعر الناصية، كما في الفتح وللطبراني فقال أبو بكر: يا رسول الله ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ وعند أحمد: فجاء صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا "فأنتتني أمي أم رومان، وإني لفي أرجوحة".
قال المصنف: بضم الهمزة وسكون الراء وضم الجيم فواو فمهملة، حبل يشد في كل من طرفيه خشبه فيجلس واحد على طرف وآخر على آخر ويحركان، فيميل أحدهما بالآخر نوع من لعب الصغار "مع صواحب لي" بغير تنوين "فصرخت بي" نادتني، "فأتيتها ما" وفي رواية لا "أدري ما تريد مني، فأخذت بيدي، فاوقفتني على باب الدار وأنا أنهج: بالنون، أي النفس نفسا عاليا، كما في الفتح.
حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلت على الخير والبركة، فأسلمتني إليها فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
__________
وقال المصنف بالنون والجيم مع فتح الهمزة، والهاء بضم الهمزة وكسر الهاء، أي أتنفس نفسا عليا من الإعياء "حتى سكن بعض نفسي" بفتح الفاء، "ثم أخذت شيئا من ماء، فمسحت به وجهي ورأسي".
زادت في رواية أحمد وفرقت جميمتي، "ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت".
قال المصنف: لم أعرف أسماءهن، "فقلت على الخير والبركة" وعلى خير طائر، هذا أسقطه من رواية الشيخين.
قال الحافظ وغيره، أي على خير حظ ونصيب، "فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني" بضم الراء وسكون العين، أي لم يفزعني شيء "إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم" قد دخل علي "ضحى" وكنت بذلك عن المفاجأة بالدخول على غير علم، فإنه يفزع غالبا.
قال الحافظ: وتبعه المصنف وهو صريح في أنه ضحى بالضم منونا اسم للوقت، لا بالفتح فعل ماض بمعنى ظهر؛ لأنه خلاف الرواية، وقد ترجم البخاري في النكاح باب البناء في النهار، ثم روى الحديث مختصرا عن عائشة بلفظ تزوجني صلى الله عليه وسلم فأتتني أمي، فأدخلتني الدار، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى.
قال المصنف: كغيره أي وقت الضحى، ففيه ما ترجم له أن دخوله كان نهارا انتهى.
فليت من لم يقف على شيء لا يتجاسر على ضبط الحديث برأيه، "فأسلمتني" أمي "إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين".
زاد في رواية لمسلم ولعبتها معها، وروى أحمد من وجه آخر هذه القصة مطولة، وفيها بعد مجيء المصطفى ودخوله بيتهم، وصراخ أمها بها ومسحها بالماء، ثم أقبلت بي تقودني، ثم دخلت بي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير عنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهن، وبارك لهن فيك، فوثب الرجال والنساء وبنى بي صلى الله عليه وسلم.
ذكره في الفتح، ولم ينزل للجمع بينه وبين حديث الشيخين الصريح في أنه لم يرعها إلا دخوله عليها، وحديث أحمد المصرح بأن أمها أدخلتها، عليه فاجلستها في حجره فوق السرير،
وأخرجه أبو حاتم بتغيير بعض ألفاظه.
قال ابو عمر: كان نكاحه عليه الصلاة والسلام في شوال، وابتنى بها في شوال، وكانت تحب أن تدخل النساء من أهلها وأحبتها في شوال على أزواجهن، وكانت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه،
__________
فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم استبطأهن لاشتغالهن بتسكين نفسها وإصلاح شأنها فجاء من البيت الذي كان جالسا فيه مع الأنصار، فدخل عليها جبرا لهن، فأعظمن مجيئه صلى الله عليه وسلم، وقلن هي تأتي إليك، فعاد إلى مجلسه، فأتت بها أمها في النسوة وأسلمتها من بينهن إليه، ودعت لهما، وأما كون قضيته أنه كان الرجال والنساء، في البيت مع النبي حين دخلت بها أمها، وقضية رواية الصحيحين خلافه، فهذا سهل، فغايته أن في الرواية اختصارا، وحاصله أنه لما جاء صلى الله عليه وسلم حين قال له أبو بكر: ألا تبني بأهلك؟ كانت عائشة تلعب، فنادتها أمها ثم أصلحت من شأنها، ثم أسلمتها للنسوة، كذلك هو صلى الله عليه وسلم في بيت آخر على سرير في جماعة من الأنصار رجال ونساء، "وأخرجه أبو حاتم" بن حبان "بتغيير بعض ألفاظه".
وفي رواية أحمد وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ولا والله ما نحرت علي جزور ولا ذبحت من شاة، ولكن جفنه كان يبعث بها سعد بن عبادة إليه صلى الله عليه وسلم وعنده عن أسماء بنت يزيد بن السكن كانت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها عليه صلى الله عليه وسلم، ومعي نسوة فوالله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحا من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت، فقلت: لا تردي يد رسول الله خذي منه، فأخذته على حياء، فشربت، ثم قال: "ناولي صواحبك" فقلن: لا نشتهيه، فقال: "لا تجمعن جوعا وكذبا"، فقلت: يا رسول الله إنا إذا قلنا لشيء نشتهيه لا نشتهيه يعد ذلك كذبا، قال: "إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذيبة كذبة".
قال أبو عمر كان نكاحه عليه الصلاة والسلام لها "في شوال وابنتى بها في شوال" كما في مسلم وغيره.
عنها قال الجوهري: تقول العامة بنى بأهله وهو خطأ، وإنما يقال بنى على أهله والأصل فيه أن الداخل على أهله يضرب عليه قبة ليلة الدخول ثم قيل لكل داخل بأهله بأن قال الحافظ: ولا معنى لهذا التغليط لكثرة استعمال الفصحاء له وحسبك بقول عائشة: بنى بي وبقول عروة بنى بها، "وكانت تحب أن تدخل النساء من أهلها وأحبتها في شوال على أزواجهن"، لذلك قال أبو عاصم: إنما كره الناس الدخول في شوال لطاعون وقع فيه قديما، "وكانت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم" اللاتي أجتمعن معها "إليه" كما قال صلى الله عليه وسلم حين سأله عمرو بن العاص أي الناس أحب إليك؟، قال: "عائشة"، قال: من الرجال، قال: "أبوها"، وقال عمر لحفصة: لا يغرنك
وكانت إذا هويت الشيء تابعها عليه، وفقدها في بعض أسفاره فقال: "واعروساه" خرجه أحمد.
وقال لها عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين: "رأيتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه
__________
هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وقص ذلك عمر عليه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، ومن حبه لها إنه كان يدور على نسائه ويختم بها وأمر السيدة فاطمة بحبها، ولما نزلت عليه آية التخيير بدأ بها، واختياره الإقامة عندها أيام مرضه، وكلها في الصحيح، وقام لها ووضعت خدها على منكبه حتى تنظر إلى لعب الحبشة بحرابهم في المسجد.
رواه الترمذي وغيره، وأصله في الصحيح وأنه كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها.
رواه ابن عدي وقوله لها: "إني لأعلم إذا كنت عليَّ راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى"، قالت: بم؟ قال: "إذا كنت راضية، قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم" قال: صدقت ما أهجر إلا اسمك.
رواه البخاري ومسلم والنسائي ومسابقته لها في سفر فسبقته، فلما حصلت من اللحم سابقته، فسبقها، فقال: "يا عائشة هذه بتلك"، رواه أبو داود والنسائي، ودعاه جار له فارسي لطعام، فقال: "وهذا معي لعائشة" فقال الرجل: لا وأشار له، فقال: "وهذه معي"، فقال: لا، فأشار إليه الثالثة، فقال: "وهذه معيط"، قال: نعم، رواه مسلم، ومن حبه لها أن الله أنزل في براءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين إلى يوم الدين وإنه كان يعذرها ويبدي عذرها كقوله لما كسرت الصحف: "غارت أمكم" إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وأخرجه الترمذي وصححه وابن سعد أن رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال: غرب مقبوحا منبوحا أنؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن سعد أن عمر زادها على الأزواج ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله، "و" من حبه لها أنها "كانت إذا هويت الشيء" بفتح الهاء وكسر الواو أحببته، "تابعها عليه" وافقها "وفقدها في بعض أسفاره، فقال: "واعروساه".
"خرجه أحمد" عن النعمان بن بشير، "وقال لها عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين"، من حديثها "رأيتك".
وفي رواية "أريتك" بضم الهمزة مقدمة على الراء "في المنام ثلاث ليال جاءني بك" أي بصورتك "الملك" جبريل "في سرقه" بفتح المهملة والراء، والقاف قطعة "من حرير يقول هذه
امرأتك فأكشف عن وجهك فأقول: إن بك من عند الله يمضه والسرقة شقة الحرير البيضاء".
وفي الترمذي أن جبريل جاءه عليه الصلاة والسلام بصورتها في خرقة حرير خضراء وقال هذه زوجتك في الدنيا والآخرة وفي رواية عنده. قال جبريل إن الله قد زوجك بابنة أبي بكر، ومعه صورتها.
__________
امرأتك، فأكشف عن وجهك".
زاد في رواية "فإذا هي أنت" وفي لفظ، "فإذا أنت هي"، "فأقول إن بك" هذا "من عند الله يمضه" بضم أوله.
قال الطيبي: هذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر، المدلى بصحته تقريرا لوقوع الجزاء وتحققه قول السلطان لمن يجب قهره، إن كنت سلطانا انتقمت منك، أي أن السلطنة مقتضية للانتقام.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون قال ذلك قبل البعثة، فلا إشكال فيه، وإن كان بعدها، ففيه احتمالات التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط، أو أنه لفظ شك لا يراد به ظاهره، وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف، وسماه بعضهم مزج الشك باليقين، أو وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها، أو رؤيا وحي لها تعبير، كلا الأمرين جائز في حق الأنبياء انتهى.
قال الحافظ: الأخير هو المعتمد، وبه جزم السهيلي عن ابن العربي، قال: وتعبيره باحتمال غيره لا أرضاه والأول يرده أن السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت، فإن ظاهر قوله فإذا هي أنت يشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك، والواقع أنها ولدت بعد البعثة، ويرد الاحتمالات رواية ابن حبان، في آخر الحديث هي زوجتك في الدنيا والآخرة، والثاني بعيد.
"والسرقة" بفتحات "شقة الحرير البيضاء" في أحد القولين لغة، والآخر أنه الحرير عامة والجمع سرق بفتحات، كما في القاموس، والمراد هنا الثاني؛ لأنها خضراء، ومن ثم لم يقيدها المصنف في الشرح تبعا للفتح بالبيضاء، "وفي الترمذي" وحسنه من حديثها "إن جبريل جاءه عليه الصلاة والسلام بصورتها في خرقة حرير خضراء، وقال هذه زوجتك في الدنيا والآخرة"، فبينت هذه الرواية لون الشقة، وأن الزوجية في الدارين.
"وفي رواية عنده" عن ابن عمر قال: "قال" رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني "جبريل" فقال: "إن الله" عز وجل "قد زوجك بابن أبي بكر ومعه صورتها" لفظ الرواية صورة عائشة وعند ابن حبان أنه
وكانت مدة مقامه معها عليه الصلاة والسلام تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة، ولم يتزوج بكرا غيرها،
__________
لما سار فاطمة في مرضه تكلمت عائشة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة"، وأنها قالت: من أزواجك في الجنة، قال: "أما إنك منهن".
وروى أبو الحسن الخلعي منها رفعته: "يا عائشة إنه ليهون علي الموت، أني قد رأيتك زوجتي في الجنة".
ورواه ابن عساكر بلفظ "ما أبالي بالموت مذ علمت أنك زوجتي في الجنة"، والسلفي بلفظ "هون علي الموت أني رأيت عائشة في الجنة".
وروى أحمد عنها رفعته "لقد رأيت عائشة في الجنة، كأني أنظر إلى بياض كفيها ليهون بذلك علي عند موتي"، ومن ثم خطب عمار بن ياسر، فقال: والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، رواه البخاري.
وروى ابن سعد عنها فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر لم ينكح بكرا قط غيري، ولا امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وكنت أغتسل أنا، وهو في إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضه بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي، وهو معي، ولم ينزل وهو مع غيري، وقبض وهو بين نحري وسحري، وفي الليلة التي كان يدور علي فيها، ودفن في بيتي وفيه عيسى بن ميمون واهي الحديث، كما في الإصابة، لكن شواهده كثيرة، وقد رواه ابن سعد أيضا والطبراني، برجال الصحيح، وابن أبي شيبة أنها قالت أعطيت تسع خلال ما أعطيتها امرأة، ولله ما أقول هذا فخر، أنزل الملك بصورتي، وتزوجني لسبع واهديت إليه لتسع، وتزوجني بكرا، وكان الوحي يأتيه، وأنا هو في لحاف واحد، وكنت أحب الناس إليه، وبنت أحب الناس إليه، ولقد نزلت في آيات من القرآن، وقد كادت الأمة تهلك في، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي، لم يله أحد غيره وغير الملك.
وفي رواية أبي يعلى، لقد اعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة إلا مريم. نزل جبريل بصورتي في راحته، وتزوجني بكرا، وقبض ورأسه في حجري، وقبرته في بيتي، وحفت الملائكة بيتي، ونزل عليه الوحي في لحافي، وأنا ابنة خليفته وصديقه، ونزل عذري من السماء، وخلقت طيبة، وعند طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما، ومن مجموع هذا ينتظم أكثر من عشر خلال، "وكانت مدة مقامه معها عليه الصلاة والسلام تسع سنين، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة" كما في مسلم وغيره عنها، "ولم يتزوج بكرا غيرها" كما في الصحيح.
وكانت فقيهة عالمة فصيحة، كثيرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفة بأيام العرب وأشعارها،
__________
قال الحافظ: وهو متفق عليه بين أهل النقل، "وكانت فقيهة" جدا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها كما في الفتح، وأما حديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء المذكور في النهاية بلا عزو، وحديث خذوا ثلث دينكم من بين الحميراء المذكور في الفردوس بلا إسناد وبيض ولده لسنده، فذكر الحافظ ابن كثير أنه سأل عنه المزي والذهبي، فلا يعرفاه، وكذا قال الحافظ في تخريج ابن الحاجب: لا أعرف له سندا "عالمة" بكل العلوم.
قال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما رواه الترمذي وصححه، وقال عروة: ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة، ولا بحرام، ولا بحلال، ولا بفقه، ولا بشعر، ولا بطب، ولا بحديث العرب، ولا نسب من عائشة، رواه الحاكم والطبراني وغيرهما بسند حسن.
وقال مسروق: والله لقد رأيت الأكابر من الصحابة، وفي لفظ مشيخة أصحاب رسول الله: الأكابر يسألون عائشة عن الفرائض، رواه الطبراني والحاكم، وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة رواه الحاكم وغيره، "فصيحة" قال معاوية: والله ما رأيت خطيبا قط أبلغ، ولا أفصح، ولا أفطن من عائشة.
رواه الطبراني وعنده برجال الصحيح عن موسى بن طلحة: ما رأيت أحدا كان أفصح من عائشة.
وروى أحمد في الزهد والحاكم عن الأحنف بن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي والخلفاء هلم جرا، فما سمعت من فم أحد منهم كلاما أفخم، ولا أحسن منه من في عائشة.
"كثيرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" روي لها ألفان بالتثنية، ومائتا حديث وعشرة، اتفق الشيخان على مائة وأربعة وسبعين، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ومسلم بثماني وستين.
"عارفة بأيام العرب" وقائعها "وأشعارها" فما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا، أسند الزبير بن بكار عن أبي الزناد قال: ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقلت له: ما أرواك؟ فقال: ما روايتي في رواية عائشة، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.
وروى أحمد عن عروة أنه قال لها: يا أمتاه لا أعجب من فقهك، أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر، وأيام الناس أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم أو من أعلم الناس به، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو، وأين هو فضربت
روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لها ليلتين، ليلتها وليلة سودة بنت زمعة؛ لأنها وهبت ليلتها لما كبرت لها -كما تقدم- ولنسائه ليلة ليلة، وكان يدور على كل نسائه ويختم بعائشة.
__________
على منكبه، وقالت أي عرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم، وفي لفظ كثرت أسقامه عند آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب، من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وفي لفظ: وكانت أطباء العرب والعجم ينعتونه، وكنت أعالجها، فمن ثم وروى أنها مدحت النبي صلى الله عليه وسلم بقولها:
فلو سمعوا في مصر أوصاف خده ... لما بذلوا في سوم يوسف من نقد
لواحي زليخا لو رأين جبينه ... لآثرن بالقطع القلوب على الأيدي
وكانت زاهدة، كثيرة الكرم والصدقة.
روى ابن سعد عن أم درة قالت: أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها، وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه؟ فقالت: لو أدركتيني لفعلت.
روت عائشة عنه صلى الله عليه وسلم الكثير الطيب، وروت أيضا عن أبيها، وعن عمر وفاطمة، وسعد بن أبي وقاص، وأسيد بن حضير وحذامة بن وهب وضمرة بن عمرو.
و"روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة" كعمر وابنة عبد الله وأبي هريرة وأبي موسى، وزيد بن خالد وابن عباس، وربيعة بن عمرو، والسائب بن يزيد، وصفية بنت شيبة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة بن الحارث بن نوفل، "والتابعين"، فمن كبارهم ابن المسيب، وعمرو بن ميمون، وعلقمة بن قيس، ومسروق وعبد الله بن عليم، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو وائل، ومن آل بيتها أختها أم كلثوم، وبنتها عائشة بنت طلحة، وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث وابنا أخيها محمد القاسم، وعبد الله وبنتا آخيها الآخر عبد الرحمن حفصة، وأسماء، وحفيده عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن، وابنا أختها أسماء عبد الله، وعروة، وحفيد عبد الله عباد بن حمزة وآخرون كثيرون.
"وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لها ليلتين ليلتها وليلة سودة بنت زمعة؛ لأنها وهبت ليلتها لما كبرت" وأرد المصطفى طلاقها "لها، كما تقدم" وهو في الصحيحين عن عائشة: أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، فالتي كان لا يقسم لها سودة على الصواب، وفي مسلم عن ابن جريج قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب.
قال الطحاوي وعياض وغيرهما وهو غلط من ابن جريج، وهو أن سودة إذ وهبت يومها لعائشة "ولنسائه ليلة ليلة" أي كل واحدة ليلة واحدة، "وكان يدور على كل نسائه، ويختم بعائشة" احتج
...........................................
__________
به من قال لم يكن القسم واجبا عليه، وإنما كان يفعله تفضلا، والأكثر وجوبه عليه، وأجابوا باحتمال أنه قبل وجوب القسم عليه، أو كان يرضى صابحة النوبة، كما استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة، أو كان يقع ذلك عند استيفاء القسمة، ثم يستأنفها، أو عند إقباله من سفر، أو بغير ذلك مما فيه لين.
قال الحافظ: وأغرب ابن العربي، فقال: خص الله نبيه فأعطاه ساعة في كل يوم لا يكون لإزواجه فيها حق يدخل فيها على جميعهن، فيفعل ما يريد، ثم يستقر عند من لها النوبة، وكانت تلك الساعة بعد العصر، فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب. قال أعني الحافظ: ويحتاج إلى ثبوت ما ذكر مفصلا انتهى.
ففي ختمه بها مزيد حبه لها، لجعلها المنتهى فلا تتأذى بأنه يذهب لغيرها بعدها، وليكون آخر عهده بها، ولا سيما إن كانت الليلة لها، فلا يكون بينها وبين ساعة الدوران فاصل بأحد من النساء، وكفى بذلك حبا وحسبها فضلا قول صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على الطعام"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام"، فقلت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، وقوله: "لله يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها"، وكلها في الصحيح قال في الفتح: مما يسأل عنه اختصاصها بذلك فقيل لمكان أبيها، وأنه لم يكن يفارقه صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم، وقيل كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها معه صلى الله عليه وسلم، واستدل به على فضلها على خديجة، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن لا يكون أراد إدخال خديجة في ذلك، والمراد بقوله "منكن" المخاطبة، وهي أم سلمة ومن أرسلها، أو من كان موجودا حينئذ من النساء، وعلى تقدير إرادة الدخول، فلا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق، كحديث أقرأكم أبي وأفرضكم زيد، ونحوهما، كما أن قوله "فضل عائشة على النساء" لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وقد أشار ابن حبان إلى أن فضلها الذي دل عليه هذا الحديث وغيره مقيد بنسائه حتى لا يدخل مثل فاطمة جمعا بينه وبين حديث "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة" انتهى.
وروى الطبراني والبزار برجال ثقات وابن حبان عنها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب النفس، فقلت: يا رسول الله ادع لي، قال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت، وما أعلنت" فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أسرك دعائي"، فقالت: ما لي لا يسرني دعاؤك، قال: "فوالله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة".
وماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين. وقال الواقدي: ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين، وهي ابنة ست وستين سنة، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلا، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنها، وكان يومئذ خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية بن أبي سفيان.
وكانت عائشة تكنى أم عبد الله، يروى أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا، ولم يثبت والصحيح أنها كانت تكنى بعبد الله بن الزبير، ابن أختها، فإنه عليه الصلاة والسلام تفل في فيه لما ولد،
__________
وفي الصحيح عن القاسم بن محمد، أن عائشة مرضت، فعادها ابن عباس، فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر، "وماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين" فيما ذكره علي بن المديني عن سفيان عن هشام بن عروة، قال في التقريب وهو الصحيح، "وقال الواقدي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين، وعليه اقتصر المصنف في الشرح، وصدر به في الفتح كالإصابة وعزاه فيها للأكثرين وتبعه الشامي، وزاد أنه الصحيح، وقيل سنة ست وخمسين، حكاه في العيون، وقيل تسع وخمسين، حكاه في الفتح "وهي ابنة ست وستين سنة" على القول الأول؛ لأنها ولدت سنة أربع من النبوة، فتضم تسع لسبع وخمسين تبلغ ذلك، وعلى الثاني بإسقاط عام الولادة أو الموت، وعلى الثالث بإسقاطهما معا فعاشت بعده صلى الله عليه وسلم، كما في فتح الباري قريبا من خمسين سنة انتهى؛ لأنه توفي ولها ثمان عشرة، فنفع الله بها الأمة في نشر العلوم وقد روى البلاذري عن القاسم بن محمد قال: استفعلت عائشة بالفتوى زمن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وهلم جرا إلى أن ماتت, "وأوصت" ابن أختها عروة "أن تدفن بالبقيع"، فقال له: إذا أنا مت فادفني مع صواحبي بالبقيع رواه ابن أبي خيثمة، فدفنت به "ليلا" ونزل في قبرها القاسم بن محمد وابن عمه عبد الله بن عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي عتيق، وعروة، وعبد الله بن الزبير، كما في العيون، وحضر جنازتها أكثر أهل المدنية، "وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وكان يومئذ خليفة مروان" بن الحكم أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية "على المدينة" لأنه حج، فاستخلف أبو هريرة كذا في الشامية "في أيام معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنهما "وكانت عائشة تكنى أم عبد الله"، فقيل إن ذلك لما يروى عند ابن الأعرابي في معجمه "أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا فسماه عبد الله ولم يثبت ذلك.
قال السهيلي لأنه يدور على داود بن المحبر، وهو ضعيف "والصحيح أنها كانت تكنى بعبد الله بن الزبير ابن أختها" أسماء، "فإنه عليه الصلاة والسلام تفل في فيه لما ولد" وأتته
وقال لعائشة: هو عبد الله وأنت أم عبد الله، قالت: فما زلت أكنى بها وما ولدت قط. خرجه أبو حاتم.
__________
به، قالت عائشة: فكان أول شيء دخل جوفة، "وقال لعائشة: هو عبد الله وأنت أم عبد الله، قالت: فما زلت أكنى بها وما ولدت قط".
"خرجه أبو حاتم" بن حبان في صحيحه وابن سعد، وله طرق كثيرة عنها، وروى ابن أبي خيثمة عنها، قلت: يا رسول الله ألا تكنيني إن لكل صواحبي كنى، فلو كنيتني، قال: "اكتني بابنك عبد الله بن الزبير"، فكانت تكنى بأم عبد الله حتى ماتت فكأنه لما قال لها أنت أم عبد الله لما حنك ابن الزبير، احتمل عندها أنه أراد أنه من المؤمنين التي هي من أمهاتهم، فسألته أن يكنيها، فقال لها ذلك، وفي الروض بعد تضعيف حديث السقط، وأصح منه حديث أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير"، ويروى "بابنك عبد الله"، لأنها كانت قد استوهبته من أبويه، فكان في حجرها يدعوها، أما ذكره ابن إسحاق وغيره انتهى. والله تعالى أعلم.
[حفصة أم المؤمنين] :
أما أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما -وأمها زينب بنت مظعون- فأسلمت وهاجرت. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس -بضم المعجمة وفتح النون وبالسين المهملة- ابن حذافة السهي، هاجرت معه، ومات عنها بعد غزوة بدر.
__________