العدل فضيلة تضمن لصاحب الحق حقه بعيدًا عن الظلم والعدوان، وينظر الإسلام إلى العدل نظرة شاملة تعم التشريع كله وبذلك تتضمن كافة العلاقات، والمعاملات الإنسانية سواء أكانت بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو كانت بين المسلمين وغيرهم يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} 1.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
__________
1 سورة النساء: 58.
2 سورة المائدة: 8.
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 1.
وكما يأمر الإسلام بالعدل نراه ينهى عن الظلم تأكيدًا للعدل، وقد كتب الله على الظالمين لعنته وسخطه بقوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} 2.
وقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} 3.
وقوله عز وجل: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} 4.
ولقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل والاستقامة فقال له: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 5.
وقد أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل وأمر به ومارسه في حياته كلها، ولعل قمة العدل أن يعفو صلى الله عليه وسلم عمن أساء إليه.
ترى هذا في العفو العام الذي أطلقه صلى الله عليه وسلم لكل من تصدى له بالعداء من قريش فأعلنها: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وهكذا بلا كلمة عتاب, ولا موقف عقاب، فهو فضل منه صلى الله عليه وسلم.
ونرى هذا في إعلان براءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما فعله خالد بن الوليد يوم أن قتل أسرى بني جذيمة لاجتهاد اجتهده.
ونرى هذا في إعلانه يوم حنين، رغم ما فعله المشركون بالمسلمين، فلقد أمر المسلمين ألا يقتلوا امرأة ولا وليدًا.
ونرى هذا في عدم دعائه على ثقيف رغم محاصرتهم في الطائف فترة طويلة فلم يزد على أن يقول: "اللهم اهد ثقيفًا".
ونرى أثر العدل في إطفاء نار العصبية متمثلا في أكثر من موضع.
__________
1 سورة النحل: 90.
2 سورة هود: 18.
3 سورة غافر: 52.
4 سورة الأعراف: 44.
5 سورة هود: 112.
رأيناه بعد الفتح حينما استغلت خزاعة قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت رجلا من هذيل لثأر بينهم في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم وهو في حالة من الغضب الشديد لهذا الفعل: "وإن أعتى الناس على الله عز وجل ثلاثة: رجل قتل في مكة، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طالب بثأر في الجاهلية، وإني والله لأدي هذا الرجل الذي قتلتم". فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيناه في حجة الوداع وهو صلى الله عليه وسلم يضع تحت قدمه كل عصبيات الجاهلية وأولها عصبية بني هاشم.
ونرى العدل في إقامة شرع الله على القريب والبعيد على حد سواء، فقد سرقت امرأة من بني مخزوم وتحركت قريش لستر هذه المرأة ومنع إقامة الحد عليها مخافة العار فكلموا أسامة بن زيد بن حارثة لمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب صلى الله عليه وسلم وقال لأسامة: "أتشفع في حد من حدود الله". ثم قام وخطب فقال: "أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
وبما أن العدل من مبادئ الإسلام العظمى ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول العاملين بها، كان الله تعالى يصوبه إذا أخطأ في حكم أخذ فيه بظاهر دعوة الناس، ونضرب مثلا على هذا وهو تبرئة اليهودي الذي اتهم بالسرقة بدون وجه حق, وبما أن رسول الله لا يعلم الغيب فقد وافق المدعين على قولهم، فأنزل الله من عنده التقويم والحكم العدل فقال سبحانه وتعالى يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} 1.
__________
1 سورة النساء: 105-107.
2-