بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف نزل الجعرانة وكان بها غنائم هوازن، فمكث بها بضع عشرة ليلة قسم خلالها الغنائم بين المقاتلين ثم أحرم منها بعمرة ثم توجه إلى مكة ولما فرغ من عمرته عاد إلى الجعرانة من ليلته ثم توجه منها إلى المدينة المنورة.
قال ابن إسحاق: "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة1 معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معاذ بن جبل، يفقه الناس في الدين، ويعلمهم القرآن، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء2".
ونقل ابن كثير قول ابن إسحاق هذا ثم قال: "الظاهر أنه عليه السلام إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة والمدينة 3".
وقد وردت في عمرة الجعرانة الأحاديث الآتية: "حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري:
299- قال: "حدثنا هدبة4 بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته: "عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة،
____________________
1 قال السهيلي في الروض الأنف 7/279: "وقد ذكر أن المرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة كانت تُلقب بالجعرانة، واسمها: "ريطة بنت سعد، وأن الموضع يسمى بها".
2 سيرة ابن هشام 2/500 وتاريخ الطبري 3/94-95".
3 البداية والنهاية 4/368".
4 هدبة - بضم أوّله وسكون الدال، بعدها موحدة - ابن خالد بن الأسود القيسي، أبو خالد البصري- ويقال له: "هداب بالتثقيل وفتح أوله".
وهمام: "هو ابن يحيى".
وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته" 1.
والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو يعلى وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى عن قتادة به2.
وفي لفظ عند مسلم وأحمد عن قتادة قال: "سألت أنساً كَمْ حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واحدة 3، واعتمر أربع عمر".
حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود:
____________________
1 صحيح البخاري3/4كتاب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، و4/58كتاب الجهاد، باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره،5/101كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية".
2 صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن". وسنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة".
وسنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟
ومسند أحمد 3/134و245، و256، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171".
وسنن الدارمي 1/360". ومسند أبي يعلى 3/283 و 298 أوب رقم (303) .
وصحيح ابن خزيمة 4/358". والسنن الكبرى 4/345 و357، و9/56". ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
3 وروى مسلم من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "حدثني زيد بن أرقم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة، وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة، حجة الوداع".
قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى". (صحيح مسلم 2/916 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم) قال النووي: "قوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني قبل الهجرة، وقد روي في غير مسلم: "قبل الهجرة حجتان، (شرح النووي على صحيح مسلم 3/391) .
قلت: "الحديث الذي أشار إليه النووي عند غير مسلم: "رواه الترمذي وابن خزيمة والدارقطني كلهم من طريق زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين الهاشمي عن أبيه عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: "حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة" الحديث".
ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد ابن الحباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي الزياد، وسألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النّبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعدّ هذا الحديث محفوظاً". وقال: "إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلاً". (سنن الترمذي 2/155 كتاب الحج، باب ما جاء كَمْ حجّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحيح ابن خزيمة 4/352 وسنن الدارقطني 2/278) .
قلت: "في التقريب 1/273: "زيد بن الحباب: "صدوق يخطىء في حديث النووي". إهـ". وقد تابعه عبد الله بن داود الخريْبِي في شيخه سفيان الثوري عند ابن ماجة وعبد الله ثقة، وهي متابعة تامة، ورجال ابن ماجة ثقات، ما عدا جعفر بن محمد فقال عنه ابن حجر: "صدوق". (سنن ابن ماجة 2/1027 كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
300- قال: "حدثنا أبو سلمة1 موسى ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا2 بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم3 اليسرى" 4".
والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به".
وزادوا بعد قوله "الجعرانة" فاضطبعوا5".
ورواه أيضا أبو داود وأحمد والطبراني كلهم من طريق حماد بن سلمة أنبأنا عبد اله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل6 عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً" 7.
ورواه البيهقي من طريق يحيى8 بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن
____________________
1 أبو سلمة: "هو التبوذكي، ثقة ثبت تقدم في حديث (91) ، وحماد: "ابن سلمة "ثقة عابد" تقدم في حديث (36) وابن خُثيم "صدوق" تقدم في حديث (164) وسعيد بن جبير "ثقة ثبت فقيه" تقدم في حديث (92) .
2 قوله: "فرملوا"، قال النووي: "الرمل بفتح الراء والميم، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ولا يثب وثبا، والرمل مستحب في الطوفات الثلاث الأول من السبع، ولا يسن ذلك إلا في طواف العمرة، وفي طواف واحد في الحج واختلفوا في ذلك الطواف وهما قولان للشافعي ففي أصحهما: "أنه إنما يشرع في طواف يعقبه سعي". ويتصوّر ذلك في طواف القدوم، ويتصوّر في طواف الإفاضة، ولا يتصوّر في طواف الوداع؛ لأن شرط طواف الوداع أن يكون قد طاف للإفاضة، فعلى هذا القول إذا طاف للقدوم وفي نيته أنه يسعى بعده استحب الرمل فيه، وإن لم يكن هذا في نيته لم يرمل فيه، بل يرمل في طواف الإفاضة".
والقول الثاني: "أنه يرمل في طواف القدوم سواء أراد السعي بعده أم لا، واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا المروة". (شرح النووي 3/397) . ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك (العدة للمقدسي ص 188) .
3 العاتق: "ما بين المنكب والعنق، والمراد أن يجعل الرداء تحت العاتق الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر". (المصباح المنير 2/465، وعون المعبود 5/337) .
4 سنن أبي داود 1/435 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف".
5 مسند أحمد 1/306و371 والمعجم الكبير للطبراني 12/62". والسنن الكبرى 5/79 ودلائل النبوة 3/56 ب كلاهما للبيهقي".
6 أبو الطفيل: "هو عامر بن واثلة".
7سنن أبي داود 1/436 كتاب المناسك، باب في الرمل". ومسند أحمد 1/295 و306". والمعجم الكبير للطبراني 10/328".
8 قال فيه ابن حجر في التقريب 2/349: "صدوق سيء الحفظ".
خُثيم عن أبي الطُّفيل عن عبد الله بن عباس قال: "اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواط ومشوا أربعا" 1.
فهذا الحديث رواه عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن شيخين هما سعيد بن جبير وأبو الطفيل، وتابع يحيى بن سليم الطائفي حماد بن سلمة في شيخه عبد الله بن عثمان بن خثيم.
وحديث ابن عباس من طريق سعيد بن جبير عنه قال فيه الشوكاني: "وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح".
وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم2. إهـ.
وصححه الألباني أيضا3.
وحديث ابن عباس الثاني من طريق أبي الطُّفيل عنه.
رجاله رجال الصحيح أيضاً.
وقال الألباني: "هذا إسناد صحيح4".
حديث ابن عباس أيضا عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود قال:
301- حدثنا النفيلي5 وقتيبة6 قالا أخبرنا داود7 بن عبد الرحمن العطار عن عمرو8 بن دينار عن عكرمة9 عن ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر:
____________________
1 السنن الكبرى 5/79".
2 نيل الأوطار 5/44 وانظر التلخيص الحبير 2/231".
3 إرواء الغليل 4/292-293.
4 المصدر السابق 4/293.
5 النفيلي: "هو عبد الله بن محمد "ثقة حافظ". (التقريب 1/448) .
6 قتيبة بن سعد بن جميل، ثقة ثبت.
7 داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي، ثقة، لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه، من الثامنة، (ت174أو175) ./ع". (التقريب1/233 وتهذيب التهذيب3/192) .
8 عمرو بن دينار المكي، ثقة ثبت".
9 عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس "ثقة ثبت" تقدم في حديث (67) .
الأولى: "عمرة الحديبية".
والثانية: "حين1 تواطؤوا على عمرة من قابل:
والثالثة: "من الجعرانة:
والرابعة: "التي قرن مع حجته" 2.
والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن سعد وابن حبان، والحاكم الجميع من طريق داود بن عبد الرحمن العطار به3".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وأعله الترمذي بالإرسال، فقد ساق الحديث عن قتيبة عن داود ابن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر" الحديث".
ثم قال: "وفي الباب عن أنس4 وعبد الله5 بن عمرو وابن عمر، قال أبو عيسى: "حديث ابن عباس حديث غريب".
وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس".
حدثنا بذلك سعيد6 بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه7".إهـ.
____________________
1 قوله: "حين تواطؤوا على عمرة من قابل"، أي: "حين توافقوا وصالحوا في الحديبية على أداء العمرة في السنة القابلة". (عون المعبود 5/470) .
2 سنن أبي داود 1/460 كتاب المناسك، باب العمرة.
3 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنن ابن ماجة 2/999 كتاب المناسك، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسند أحمد 1/246و 321.
وسنن الدارمي 1/379 كتاب المناسك، باب كَمِ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والطبقات الكبرى لابن سعد 2/170، وصحيح ابن حبان كما في موارد الظمآن ص 251، المستدرك للحاكم 3/50.
4 حديث أنس تقدم برقم (299) .
5 وحديث عبد الله بن عمرو، قال المباركفوري: "فلينظر من أخرجه". (تحفة الأحوذي 3/547) .
6 ثقة تقدم في حديث (51) ، وسفيان بن عيينة تقدم في حديث (51) .
7 سنن الترمذي 2/156 كتاب الحج، باب ما جاء كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم".
وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق منصور1 عن مجاهد عنه إلاّ أنه قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب". وهذا سياقه:
302- عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون صلاة الضحى، قال فسألناه عن صلاتهم فقال: "بدعة2، ثم قال له3: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: "أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان4 عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أماه يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ 5". قالت: "ما يقول؟ قال: "يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: "يرحم الله أبو عبد الرحمن، ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط" 6.
وفي لفظ عند مسلم: فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: "وابن عمر يسمع فما قال: "لا، ولا نعم، سكت" 7.
قال النووي: "- أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك، قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
1 منصور: "هو ابن المعتمر". (فتح الباري 3/600 وتهذيب التهذيب 10/312) .
2 قال النووي: "وأما ما صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: "هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أنّ أصلاتها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال قوله: "بدعة أي المواظبة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت استحباب المحافظة في حقناً بحديث أبي الدرداء، وأبي ذر، أو يقال: "إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها، ثم قال: "وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/370 و3/392) .
3 عند مسلم: "فقال له عروة يا أبا عبد الرحمن".
4 الاستنان: "استعمال السواك، وهو افتعال من الأسنان: "أي يمره عليها". (النهاية لابن الأثير 2/411) .
5 أبو عبد الرحمن: "كنيتة عبد الله بن عمر".
6 صحيح البخاري 3/3 كتب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم و5/117 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء".
7 صحيح مسلم2/916-917 كتاب الحج، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن".
أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته:
عمرة من العام المقبل في ذي القعدة.
وعمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة.
وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة.
وعمرة مع حجته.
وفي الرواية الأخرى "حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر" هذه رواية أنس.
وفي رواية ابن عمر "أربع عمر إحداهن في رجب" وأنكرت ذلك عائشة وقالت لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب، فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر، وكانت:
إحداهن: "في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة".
والثانية: "في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء".
والثّالثة: "في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح".
والرابعة: "مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة".
وأما قول ابن عمر إن إحداهن في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت ابن عمر حين أنكرته".
قال العلماء: "هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه"1".
وقال ابن قيم الجوزية: "من قال من العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقد غلط، فإن عمره صلى الله عليه وسلم مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء البتة".
ثم قال: "وعذر من قال بأنه اعتمر في رجب، حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب" وهو متفق عليه".
وقد غلطته عائشة وغيرها، كما في الصحيحين".
عن مجاهد، قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة" الحديث.
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 3/390 وفتح الباري 3/602، والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي ص 104-105".
وفيه "ثم قلنا له: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن: "في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أمه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: "ما يقول؟
قال: يقول:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب".
قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط".
وكذلك قال أنس وابن عباس: "إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب1".
وقال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم".
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث"2". إهـ".
وهكذا فقد خفيت على ابن عمر عمرة الجعرانة أيضا فقد روى مسلم وابن خزيمة كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها" الحديث3".
ورواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية" الحديث وفيه "قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله"4".
____________________
1 زاد المعاد 2/122و 124".
2 فتح الباري 3/602".
3 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) .
4 تقدم تخريجه برقم (212) وتحت رقم (271) .
قال النووي: "نفي ابن عمر هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة علم".
وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه1".
وقال ابن كثير: "وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم".
إلى أن قال: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها2".
وقال ابن حجر: "وقد خفيت عمرة الجعرانة على ابن عمر كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش3 الكعبي فيما أخرجه الترمذي4".
قلت: "الحديث أيضاً، أخرجه أبو داود والنسائي والحميدي والدارمي والفسوي والشافعي وأحمد وابن سعد والبيهقي وهذا سياقه عند الترمذي:
303- قال: "حدثنا محمد5 بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد6 عن ابن جريج7
____________________
1 شرح النووي على صحيح مسلم 4/206 وانظر حديث أنس ص (712) .
2 البداية والنهاية 4/366".
3 محرش - بضم أوله وفتح المهملة وكسر الراء الثقيلة - وشين معجمة، ويقال: "بسكون الحاء المهملة - وفتح الراء وكسر الميم - وهو ابن سويد بن عبد الله بن مرة الخزاعي الكعبي، عداده في أهل مكة، صحابي له حديث في عمرة الجعرانة".
وهكذا قال الحميدي وعمرو بن علي الفلاس، بأنه بالحاء المهملة، وقيل: "إنه مخرش - بالخاء المعجمة"./ د ت س". (التقريب 2/232 وتهذيب التهذيب10/58-59 والإصابة 3/369، والاستيعاب3/504 معالإصابة وأسد الغابة5/104، والخلاصة للخزرجي 3/77) .
4 فتح الباري 3/600و 6/253".
5 محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار - بضم الباء الموحدة وسكون النون - ثقة من العاشرة (ت 252) . / ع". (التقريب 2/147، وتهذيب التهذيب 9/70، والمغني لابن طاهر الهندي ص 11) .
6 يحيى بن سعيد هو القطان "ثقة متقن حافظ" تقدم في حديث (74) .
7 ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز "ثقة فقيه فاضل يدلس" (التقريب1/520) .
عن مزاحم1 بن أبي مزاحم عن عبد العزيز2 بن عبد الله عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة3 ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق، طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس".
قال أبو عيسى: "هذا الحديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث4".
والحديث رواه أحمد والنسائي والدارمي وابن سعد والبيهقي والشافعي الجميع من طريق ابن جريج قال: " أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم به5".
____________________
1 مزاحم بن أبي مزاحم المكي، مولى عمر بن عبد العزيز، ويقال مولى طلحة، مقبول، من السادسة". / د ت س". (التقريب 2/240 وفي تهذيب التهذيب 10/101, والخلاصة 3/20 وثقة ابن حبان، وقيل هو: "مزاحم بن زفر بن الحارث الضبي ورده ابن حجر، ولم يذكر البخاري وابن أبي حاتم في مزاحم بن أبي مزاحم جرحا ولا تعديلا". (التاريخ الكبير للبخاري 8/23 والجرح والتعديل 8/405) .
2 عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد - بفتح الهمزة- الأموي، ثقة: "من الثالثة، ولي إمرة مكة، لعبد الملك بن مروان، (ت في خلافة هشام بن عبد الملك) ووهم من ذكره في الصحابة"./ د ت س". (التقريب1/501، وتهذيب التهذيب6/342 والإصابة 3/156) .
3 قال ابن قيم الجوزية: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعمرة من الجعرانة ودخلها في هذه العمرة ليلا، وخرج ليلا، فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر كما يفعل أهل مكة اليوم، وإنما أحرم منها في حال دخوله إلى مكة، ولما قضى عمرته ليلا، رجع من فوره إلى الجعرانة، فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس، خرج من بطن سرف حتى جامع الطريق، طريق جمع ببطن سرف، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس". (زاد المعاد 2/95) .
وقال ابن حجر: "وقد نقل أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر من الجعرانة مرتين مرة في عمرة القضاء، ومرة في عمرة هوازن، ثم قال: "وهو غلط واضح، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة، وكيف يتصور أن يتوجه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى جهة الطائف حتى يحرم من الجعرانة، ويتجاوز ميقات المدينة؟ وكيف يلتئم هذا؟ مع قول من نقل هذا القيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات، بل في الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة". إلا التي مع حجته: "عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته".
ثم قال: "وذكر الواقدي أن إحرامه من الجعرانة كان ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة، بقيت من ذي القعدة". (التلخيص الحبير 2/230-231 ومغازي الواقدي 3/958) .
4 سنن الترمذي 2/207 كتاب الحج، باب ما جاء في العمرة من الجعرانة".
5 مسند أحمد 3/426و 427، وسنن النسائي 5/157 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". وسنن الدارمي1/380 كتاب المناسك، باب الميقات في العمرة". والطبقات الكبرى لابن سعد 2/171". والسنن الكبرى للبيهقي 4/357". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم".
ورواه أبو داود من طريق سعيد1 بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم به2".
ورواه الشافعي وأحمد والحميدي والنسائي وابن عبد البر كلهم من طريق سفيان بن عيينة قال: "ثنا إسماعيل3 بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم به". بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت" لفظ النسائي4.
ولفظ الحميدي وأحمد "فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة".
ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي من طريق الحميدي5".
والبيهقي من طريق الشافعي6".
ورواه مالك بلاغاً7".
والحديث مداره على مزاحم بن أبي مزاحم، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"8".
وحسن حديثه هذا في الإصابة 9".إهـ".
وعمرة الجعرانة ثابتة من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عباس10".
ومن حديث أبي هريرة ابن خزيمة، وابن حبان من طريقه، وهذا سياقه عند ابن خزيمة:
____________________
1 سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم الأموي مولاهم، مقبول، من الثامنة". /د س". (التقريب 1/305 وتهذيب التهذيب 4/82) .
2 سنن أبي داود 1/461 كتاب المناسك، باب المُهِلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج".
3 إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، ثقة ثبت، تقدم في حديث (1) .
4 سنن النسائي 5/157-158 كتاب المناسك، باب دخول مكة ليلا". ومسند الشافعي 5/136 مع الأم، ومسند أحمد 3/426و 5/380 ومسند الحميدي 2/380 والاستيعاب 3/504 مع الإصابة
5 المعرفة والتاريخ 3/279
6 السنن الكبرى 4/357
7 الموطأ 1/331
8 2/240".
9 3/369".
10 تقدم حديث أنس برقم 299".وحديث ابن عباس برقم 300، و301".
304- قال حدثنا أحمد1 بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن الزهري عن ابن المسيب2 عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "1] . قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة" 3.
والحديث أخرجه ابن حبان من هذه الطريق وبهذا المتن دون قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: 1] 4.
والحديث رجاله ثقات".
وقد عزاه ابن كثير لعبد الرزاق بهذا الإسناد والمتن ثم قال: "وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع5".
305- وأخرج ابن سعد قال: "أخبرنا موسى6 ابن داود أخبرنا ابن لعيهة7 عن عياض8 بن عبد الرحمن عن محمد9 بن جعفر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، وقال: "اعتمر منها سبعون نبيا" 10. والحديث معضل".
وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى فقال: "وأخرج ابن سعد عن محمد بن جعفر ثم ساق الحديث11".
____________________
1 أحمد ابن منصور ابن سيار البغدادي، الرمادي - موضع باليمن - أبو بكر، ثقة حافظ، طعن فيه أبو دواد لمذهبه في الوقف في القرآن، من الحادية عشرة (ت 265) ./ق". (التقريب 1/26 وتهذيب التهذيب 1/83، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2/36) .
2 هو سعيد بن المسيب".
3 صحيح ابن خزيمة 4/362".
((4موارد الظمآن ص 251".
((5تفسير ابن كثير 2/332". وحديث (107) .
((6موسى ابن داود الضبي "صدوق فقيه زاهد له أوهام" تقدم في حديث (219) .
((7عبد الله بن لهيعة "صدوق" تقدم في حديث 64".
8 عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن، الفهري المدني، نزيل مصر، فيه لين، من السابعة". /م د س ق". (التقريب 2/96 وتهذيب التهذيب 8/201 والخلاصة للخزرجي 2/215، وفي ميزان الاعتدال 3/307 رمز له ب (صح) إشارة إلى أنه ثقة ثم قال: "عن ابن المنكدر، وثق، وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، سمع منه ابن وهب، وعلم له بـ (م س ق) ، وأسقط (د) فالله أعلم بالصواب".
9 لعله محمد بن جعفر بن الزبير الأسدي، وهو ثقة من السادسة".
10 الطبقات الكبرى 2/172".
11 الخصائص 2/99، قال محقق الخصائص الدكتور / محمد خليل هراس: "قوله: "اعتمر منها سبعون نبيا" فهي زيادة لم أقف لها على أصل".
ومما تقدم يتّضح لنا أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح، وأن من نفاها فلا حجة معه في مقابلة من أثبتها، وأن الأحاديث الصحيحة دلت أيضا على أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة".
قال ابن كثير: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها".
وهم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين".
وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا:
306- حدثنا الحسن1 بن إسحاق التستري ثنا عثمان2 بن أبي شيبة ثنا محمد3 بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم4 بن طهمان عن أبي الزبير5 عن عمير6 مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال7".
فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر8".إهـ".
____________________
1 كذا هنا "الحسن" وفي المعجم الكبير للطبراني والصغير 1/ 139 "الحسين" ولم أجد ترجمة "الحسن" ولا "الحسين".
2 عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، من العاشرة (ت 239) . / خ م د س ق". (التقريب 2/13-14 وتهذيب التهذيب 7/149) .
3 محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، لقبه، التل - بفتح المثناة وتشديد اللام - صدوق فيه لين، من التاسعة (ت 200) / خ س ق". (التقريب 2/154وتهذيب التهذيب 9/117، والخلاصة 2/393، وفي هدي الساري، له في البخاري حديثان وروى له أبو داود والنسائي ورمز لمن أخرج له (خ د س ت) انظر ص 438". وذكر (ت) ، خطأ فإن المباركفوري لم يذكر محمد بن الحسن بن الزبير في رجال الترمذي (مقدمة تحفة الأحوذي 2/108) .
4 إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، تكلم فيه، للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة (ت 168) ./ع". (التقريب 1/36 وتهذيب التهذيب 1/129) . ورمز له الذهبي بـ (صح) إشارة منه إلى أنه ثقة". (ميزان الاعتدال 1/38) .
5 هو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، إلا أنه يدلس، تقدم في حديث (109) .
6 عمير بن عبد الله الهلالي، أبو عبد الله المدني، مولى أم الفضل، ثقة، ويقال له مولى ابن عباس (ت 104) / خ م د س". (التقريب 2/86 وتهذيب التهذيب 8/148، الخلاصة للخزرجي 2/304) .
7 الحديث في المعجم الكبير للطبراني 11/431".
8 البداية والنهاية 4/366-367".
قلت: "والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن سابق1".
وابن أبي شيبة عن محمد بن الحسن الأسدي كلاهما عن إبراهيم ابن طهمان به إلاّ أنهما قالا: "عتبة مولى ابن عباس"2 بدل "عمير".
وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "وفيه عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه ولم ينسبه إلى الطبراني3".
والحديث ضعيف لأن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، وهذه المرتبة لا يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع4، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يقوى على دفع حديث الصحيحين المصرح فيه بأن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة".
وأطبق على ذلك أهل المغازي والسير".
وقال الواقدي: "وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة، أبا هند5 عبد بني بياضة، ويقال حلقهخراش6 بن أمية7".
وصوب النووي والمحب8 الطبري وابن قيم الجوزية وابن كثير أن الذي قصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استنباطا مما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي الجميع من طريق ابن جريج قال:
____________________
1 محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر، أو أبو سعيد البزار، الكوفي نزيل بغداد، صدوق من كبار العاشرة (ت 213 وقيل 214) . / خ م د ت س". (التقريب 2/163، وتهذيب التهذيب 9/174) .
2 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/171 وتاريخ ابن أبي شيبة ص 87أ - برقم 665".
3 مجمع الزوائد 3/279".
4 طبقات المدلسين ص 7، 32".
5 أبو هند الحجام البياضي، مولى بني بياضة، واسمه عبد الله، وقيل يسار تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها من المشاهد". (أسد الغابة 6/322، والإصابة 4/211) .
6 خراش بن أمية الكعبي الخزاعي، شهد الحديبية وخيبر وما بعدها، وذكر ابن عبد البر بأن خراشا إنما حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية". وقال ابن حجر: "في عمرة الحديبية أو في عمرة القضاء". (الاستيعاب 1/427-428، مع الإصابة، وأسد الغابة 2/125-126، والإصابة 1/421) .
7 مغازي الواقدي 3/959".
8 المحب الطبري: "هو الإمام المحدث المفتي فقيه الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري، ثم المكي الشافعي مصنف "الأحكام الكبرى" (615-674 هـ) . (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/1474-1475 وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/18-20) .
307- حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص1 وهو على المروة" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "عن معاوية قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص".
وعند النسائي: "عن معاوية أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في عمرة على المروة" 2.
والحديث رواه أيضا مسلم والنسائي كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال: "قال لي معاوية: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" 3. لفظ مسلم".
ولفظ النسائي: "قال معاوية لابن عباس: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟
____________________
1 المشقص: "كمنبر: "نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المعبلة، وقيل: "المراد به المقص، وهو الأشبه في هذا المحل". (النهاية لابن الأثير2/490 ولسان العرب لابن منظور8/315 والقاموسالمحيط2/306، والتعليق على صحيح مسلم لفؤاد عبد الباقي2/913، قال النووي: "في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير، وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين، وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة، لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره بمنى، لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز". (شرح النووي على صحيح مسلم 3/387) .
2 مسند أحمد4/96و98وصحيح البخاري2/145كتاب الحج، باب الحلق والتقصير، وصحيح مسلم2/913،كتاب الحج، باب التقصير في العمرة، وسنن أبي داود 1/418 كتاب المناسك، باب الإقران، وسنن النسائي 5/196، كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟ ".
3 أخذ ابن حجر من رواية مسلم هذه ورواية النسائي أن ابن عباس رضي الله عنه حمل حلق معاوية هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة الوداع، لقول ابن عباس: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" إذ لو كان في العمرة لما كان فيه على معاوية حجة".
ثم قال: "وأصرح منه ما وقع عند أحمد من طريق قيس بن سعد عن عطاء "أن معاوية حدث أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم".
ثم قال: "وفي كونه في حجة الوداع نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة".
(فتح الباري 3/365) .
قلت: "وتمام الرواية عند أحمد: " "وهي أيضا عند النسائي من طريق قيس عن عطاء" قال قيس: "والناس ينكرون هذا على معاوية". (مسند أحمد 4/92، وسنن النسائي 5/197 كتاب المناسك، باب كيف يقصر) .
وردّها ابن قيم الجوزية، فإنه قال: "وأما رواية من روى "في أيام العشر" فليست في الصحيح وهي معلولة، أو وهم من معاوية، قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه "والناس ينكرون هذا على معاوية"ثم قال ابن قيم الجوزية وصدق قيس، فنحن نحلف بالله: "أن هذا ما كان في العشر قط". (زاد المعاد 2/137) .
قال: " لا، يقول ابن عباس: "هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم 1".
ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس2 عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: "ما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة" 3".
ورواه أحمد من طريق خصيف4 عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عباس ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية، فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما5".
قال النووي: "وحديث معاوية هذا محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي اله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح
____________________
1 مسلم 2/913 كتاب الحج، والنسائي 5/119 كتاب المناسك باب التمتع".
2 هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقة فاضل عابد، من السادسة (ت 132) . / ع". (التقريب 1/424 وتهذيب التهذيب 5/267) .
3 سنن أبي داود 1/419 كتاب المناسك، باب في الإقران، وسنن النسائي 5/196-197 كتاب المناسك، باب أين يقصر المعتمر؟
4 خصيف - بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية آخره فاء- ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمتين وكسر الراء بعدها ميم، هذه النسبة إلى خضرمة - صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمى بالإرجاء، من الخامسة (ت137) وقيل غير ذلك"./عم". (التقريب 1/224وتهذيب التهذيب3/143 وميزان الاعتدال1/653 والخلاصة للخزرجي 1/299 واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير1/450) . وقد وقع في التقريب الطبعة المصرية "الخصيب" بالباء الموحدة ووقع في تهذيب التهذيب "الحضرمي" بالحاء المهملة، والصواب "الخصيف" بالفاء، و"الحضرمي" بالخاء المعجمة".
5 مسند أحمد 4/95و102".
المشهور1، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: "ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي" 2.
وأورد ابن كثير حديث معاوية المذكور، ثم قال: "والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بل صد عنها، وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجوا منها، وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام، وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق".
فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا3".إهـ.
وجمع ابن حجر بين قول من قال بأن الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة: "أبو هند عبد بني بياضة، وقول من قال الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة هو معاوية بن أبي سفيان".
فقال: "أخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة أبو هند4 عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية
____________________
1 قال ابن حجر: "والذي رجحه النووي من كون معاوية إنما أسلم يوم الفتح صحيح من حيث السند، ولكن يمكن الجمع بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح، وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريح معاوية بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يُخفي إسلامه خوفا من أبويه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة في عمرة القضية خرج أكثر أهلها عنها حتى لا ينظرونه وأصحابه يطوفون بالبيت، فلعل معاوية كان ممن تخلف بمكة لسبب اقتضاءه". (فتح الباري 3/565 وفي الإصابة 3/433 نسب القول بإسلام معاوية بعد الحديبية للواقدي وابن سعد ذكر ذلك بدون إسناد فقال: "وكان يذكر أنه أسلم عام الحديبية وكان يكتم إسلامه، إهـ، فعل عمدة ابن عساكر هو الواقدي". (انظر مغازي الواقدي 3/959 والطبقات الكبرى لابن سعد 7/406) .
2 شرح النووي على صحيح مسلم 3/387".
((3البدايةوالنهاية4/367-368وزادالمعاد2/136-138،وفتح الباري3/565-566".
4 تقدم تحت حديث (306) أن هذا قول الواقدي، ولعل ا