"وهي بضم الدال من دومة" عند أهل اللغة وأصحاب الحديث يفتحونها كذا في الصحاح.
ورجَّح الحازمي وغيره من المحدثين الضم.
وقال اليعمري: بضم الدال وفتحها.
وقال ابن القيم: بضم الدال، وأما بفتحها فمكان آخر.
وقال بعضهم: دومة الجندل بالضم والفتح، وأما المكان الآخر الذي باليمن فبالفتح فقط، "وهي مدينة بينها وبين دمشق" بكسر الدال وفتح الميم، على المشهور.
وحكي في المطالع كسر الميم، قاله النووي.
قال الجواليقي: أعجمي معرّب، فهو ممنوع الصرف, "خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة" كما قاله ابن سعد.
"قال أبو عبد الله البكري: سميت بدومي بن إسماعيل, كان نزلها" وفي الوفاء قيل: كان منزل أكيدر أولًا دومة الحيرة، وكان يزور أخواله من كلب، فخرج معهم للصيد، فرفعت له مدينة متهدمة لم يبق إلا حيطانها مبنية بالجندل، فأعادوا بناءها وغرسوا الزيتون وسموها دومة الجندل، تفرقة بينها وبين دومة الحيرة، وكان أكيدر يتردد بينهما.
"وكان في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرًا من الهجرة" فتكون سنة خمس، وبه صرح ابن هشام، "وكان سببها" كما قال ابن سعد وغيره: "أنه بلغه -صلى الله عليه وسلم- أن بها جمعًا يظلمون من مَرَّ بهم", وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة, وهي طرف من أفواه الشام، فأراد -عليه الصلاة والسلام- الدنوَّ إلى أدنى الشام، وقيل له: لو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر، وكان بها سوق عظيم وتجار.
فخرج -عليه الصلاة والسلام- لخمس ليالٍ بقين من شهر ربيع، في ألف من أصحابه، فكان يسير الليل ويكمن النهار.
واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة.
فلمَّا دنا منهم، لم يجد إلّا النعم والشاء، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم, فأصاب من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه. وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا، ونزل -صلى الله عليه وسلم- بساحتهم, فلم يلق بها أحدًا، فأقام بها أيامًا، وبعث السرايا وفرَّقها، فرجعوا ولم يصب منهم أحد. ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر.
__________
"فخرج -صلى الله عليه وسلم- لخمس ليالٍ بقين من شهر ربيع" الأول "في ألف من أصحابه، فكان يسير الليل، ويكمن النهار" بضم الميم وفتحها, "واستخلف على المدينة" كما قال ابن هشام: "سباع" -بكسر السين المهملة فموحدة فألف فعين مهملة, "ابن عرفطة" -بضم العين والفاء- الغفاري، ويقال له: الكناني.
وعندا بن سعد وغيره: فقال له دليله مذكور العذري، ونكب عن طريقهم لما دنا من دومة: يا رسول الله, إن سوائمهم ترعى عندك, فأقم لي حتى أطلع لك، قال: "نعم"، فخرج العذري طليعة وحده، فوجد آثار النعم والشاء وهم مغربوم -بفتح الغين المعجمة وكسر الراء مشددة، فرجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره, وقد عرف مواضعهم، "فلما دنا منهم لم يجد" النبي -صلى الله عليه وسلم، وفي نسخة: لم يجدوا، أي: النبي ومن معه "إلّا النعم والشاء" عطف خاص على عام، على أن النعم الإبل والبقر والغنم أو المال الراعي، "فهجم على ماشيتهم ورعاتهم" جمع راعٍ، كقاض وقضاة, ويجمع أيضًا على رعاء بالكسر والمد، ورعيان كرغفان كما في المصباح.
زاد القاموس: ورعاء -بالفتح، أي: من ولي أمر مواشيهم.
"فأصاب من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة، فتفرقوا" فرقًا من المنصور بالرعب، "ونزل -عليه الصلاة والسلام- بساحتهم, فلم يلق بها أحدًا، فأقام بها أيامًا، وبعث السرايا وفرَّقها، فرجعوا ولم يصب منهم أحد" بالبناء للمفعول، أي: من المسلمين في تلك الغزوة، أو من الكفار الذي بعث لهم السرايا.
وفي نسخة: أحدًا -بالنصب, وهي المنقولة في العيون عن ابن سعد, وزاد: وأخذوا منهم رجلًا فسأله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، فقال: هربوا حيث علموا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم "ودخل المدينة في" يوم "العشرين من ربيع الآخر", فتكون غيبته خمسًا وعشرين ليلة، ولعله جَدَّ في السير لما مَرَّ أن بعد دومة من المدينة خمس عشرة، فيكون الذهاب والإياب في ثلاثين، وأقام بها أيام وأقلها ثلاثة، والله أعلم.