وسببها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدنو إلى أدنى الشّام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشّام، فلو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بها جمعا كثيرا، وأنّهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس.
واستخلف على المدينة سباع- بمهملة مكسورة فموحّدة فألف فعين مهملة- ابن عرفطة بضم العين المهملة والفاء- الغفاريّ، بكسر الغين المعجمة.
وخرج صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، فكان يسير اللّيل ويكمن النّهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: «مذكور» رضي الله عنه، هاد خرّيت، وسار مغذّا للسّير، ونكّب عن طريقهم، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دومة الجندل
قال له الدّليل: يا رسول الله، إن سوائمهم ترعى عندك فأقم لي حتّى أطّلع لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ،
فخرج العذريّ طليعة وحده حتى وجد آثار النّعم والشّاء وهم مغرّبون، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وفرّ باقيهم فتفرق أهل دومة الجندل، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أيّاما، وبثّ السّرايا فعادت كلّ سريّة بإبل ولم تلق أحدا، إلّا إن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس لمّا سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أياما فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في العشرين من ربيع الآخر، ووادع صلى الله عليه وسلم في طريقه عيينة بن حصن الفزاريّ أن يرعى بتغلمين وما والاها إلى المراض، وكانت بلاده قد أجدبت.