قال ابن إسحق: وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أمر، وَاسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
قال ابن إسحق: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلَّهُ وَقَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
وَقَالَ ابْنُ سَعْد: ذُو أمر بِنَاحِيَةِ النَّخِيلِ، وَكَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ جَمْعًا مِنْ ثَعْلَبَةَ وَمُحَارِبٌ بِذِي أمر قَدْ تَجَمَّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمعهم رجل منهم يقال له: دعثور بن الحرث، مِنْ بَنِي مُحَارِبٍ، فَنَدَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ فِي أربعمائة وَخَمْسِينَ رَجُلا، وَمَعَهُمْ أَفْرَاسٌ، وَاسْتُخْلِفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانُ، فَأَصَابُوا رَجُلا مِنْهُمْ بِذِي القصة [1] يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، فَأُدْخِلَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره مِنْ خَبَرِهِمْ وَقَالَ: لَنْ يُلاقُوكَ لَوْ سَمِعُوا بمسيرك لهربوا في رؤوس الْجِبَالِ، وَأَنَا سَائِرٌ مَعَكَ، فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ فَأَسْلَمَ، وَضَمَّهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بِلالٍ، وَلَمْ يُلاقِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا، إِلَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إليهم في رؤوس الْجِبَالِ،
وَأَصَابَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مَطَرٌ، فَنَزَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَيْهِ وَنَشَرَهُمَا لِيَجِفَّا وَأَلْقَاهُمَا عَلَى شَجَرَةٍ وَاضْطَجَعَ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ يُقَالُ لَهُ: دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ وَمَعَهُ سَيْفٌ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ثم قال: ومن يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّه» ، وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صدره فوقع
__________
[ (1) ] موضع قرب المدينة.
السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: «مَنْ يَمْنَعُكَ مني» ؟ قال: لا أحد، أشهد أن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ الله،
ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [1] الآيَةَ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً [2] .
غَزْوَةُ بُحْرَانَ
قَالَ ابْنُ إسحق: ثُمَّ غَزَا [3] يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام. حَتَّى بَلَغَ بُحْرَانَ مَعدنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرعِ [4] ، فَأَقَامَ بِهِ شَهْرَ رَبِيعٍ الآخَرِ وَجُمَادَى الأُولَى ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا [5] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْد: إِنَّهُ خَرَجَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجِرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا جَمْعًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَثِيرًا فخرج في ثلاثمائة رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: فَأَغَذَّ [6] السَّيْرَ حَتَّى وَرَدَ بُحْرَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا فِي مِيَاهِهِمْ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَشْرَ لَيَالٍ [7] . وَالْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ، قَيَّدَهُ السُّهَيْلِيُّ.
__________
[ (1) ] سورة المائدة: الآية 11.
[ (2) ] انظر طبقات ابن سعد (2/ 34) .
[ (3) ] وعند ابن هشام: صلّى الله عليه وسلّم.
[ (4) ] وهي قرية قرب المدينة.
[ (5) ] أنظر سيرة ابن هشام (3/ 50) .
[ (6) ] أي أسرع.
[ (7) ] انظر طبقات ابن سعد (2/ 35) .