(ثم العشيرة) بالتصغير، والتاء آخره: ماء لبني مدلج، على ستة فراسخ من المدينة، سميت الغزوة به، ويقال لها:
العشيراء، بالهمزة آخره، ويقال: بالسين المهملة فيها، وهي التي يذكرها جعفر بن الزّبير «1» شقيق عبيدة- أمهما زينب بنت بشر، من بني قيس بن ثعلبة- في شعره حيث يقول:
مررنا على ماء العشيرة والهوى ... على ملل يا لهف نفسي على ملل
وقالوا صخيرات الثّمام وقدّموا ... أوائلهم من آخر الليل بالثّقل
وملل: اسم موضع، يقال: إنّما سمي بذلك؛ لأنّ الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلّا بعد جهد وملل، وهو على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة، وقيل: اثنان وعشرون، حكاهما القاضي عياض في «المشارق» .
__________
(1) قال في «تهذيب التهذيب» : (كان أصغر ولد الزّبير، وأمّه زينب، ذكره في «الإصابة» في القسم الرابع، وقال: ولد بعد موت النّبيّ صلى الله عليه وسلم بدهر. هذا هو الصواب) اهـ وقال المحب الطبري في «الرياض النضرة» : (عبيدة، وجعفر أمهما زينب بنت بشر، وكان عبيدة يشبه بأبيه، وشهد جعفر مع أخيه في حروبه، واستعمله على المدينة، وقاتل يوم قتل أخوه قتالا شديدا، حتى جمد الدم على سيفه في يديه، وله شعر كثير في كل فن) اهـ
وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى من السنة الثانية، على رأس ستة عشر شهرا، متوجها عليه الصّلاة والسّلام (إلى عير أبي سفيان في ذهابها) أي: العير إلى الشام (للأرب) بفتح الهمزة؛ أي: لقضاء حاجتها من التجارة.
واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وحمل اللواء- وكان أبيض- حمزة بن عبد المطلب، وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسين ومئة أو مئتين، ممّن انتدب من مهاجري قريش، ولم يكره أحدا على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيرا يتعقبونها، فوجدوا العير التي ودّوا أن يعترضوها لأبي سفيان قد مضت قبل ذلك بأيام، وهذه العير هي التي خرج إليها لما رجعت من الشام، فكانت وقعة بدر بسببها، فأقام صلى الله عليه وسلم جمادى الأولى، وليالي من جمادى الآخرة، كما في «سيرة ابن إسحاق» وأقرّه ابن كثير، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثمّ رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا.
قال الإمام البخاري في «صحيحه» : (حدّثنا عبد الله بن محمّد، ثنا وهب، ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال سبع عشرة، قلت: فأيّها كانت أول؟ قال:
العشيرة أو العسيرة، فذكرت لقتادة فقال: العشيرة) فهذا الحديث ظاهر في أنّ أول الغزوات العشيرة.
فبدر الأولى بإثر ناهب ... سرح المدينة مغذّ هارب
كرز بن جابر وبعد استنقذا ... لقاحه ممّن عليه استحوذا
قال ابن كثير: (اللهم إلّا أن يكون المراد غزاة شهدها مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم زيد، فلا ينافي أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها زيد) وهذا نقله في «الفتح» عن ابن التّين، وقال: إنّه محتمل، والله أعلم.