وذكر ابن هشام أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى ابراهيم مصورا فى يده الازلام يستقسم بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالازلام ما شأن ابراهيم والازلام ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست
* وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الالهة فأمر بها فأخرجت وأخرجوا صورة ابراهيم واسماعيل فى أيديهما الازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا انهما ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر فى نواحى البيت ولم يصل وفى رواية صلى فيه* وفى الاكتفاء عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب فى يده الى الاصنام وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار الى صنم منها فى وجهه الا وقع ذلك الصنم لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم الا وقع* وفى رواية يشير الى الصنم بقوس فى يده وهو آخذ بسيتها وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فيقع الصنم لوجهه وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة حذاء مقام ابراهيم لاصقا بها وقال تميم بن أسد الخزاعى
وفى الاصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا
* وفى المواهب اللدنية وكان حول البيت ثلثمائة وستون صنما فكلما مرّ صلى الله عليه وسلم بصنم أشار اليه الخ رواه البيهقى* وفى رواية أبى نعيم قد أوثقها الشياطين بالرصاص والنحاس* وفى تفسير العلامة ابن النقيب المقدسى ان الله تعالى أعلمه انه قد أنجزه وعده بالنصر على أعدائه وفتح له مكة وأعلى كلمته ودينه وأمره اذا دخل مكة أن يقول جاء الحق وزهق الباطل فصار صلى الله عليه وسلم يطعن الاصنام التى حول الكعبة بمحجنه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فيخر الصنم ساقطا مع انها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص وكانت ثلثمائة وستين صنما بعدد أيام السنة قال ابن عباس ولما نزلت الاية يوم الفتح قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتى صنما صنما ويطعن فى عينه أو بطنه بمخصرته ويقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير أو صفر وقال يا على ارم به فحمله عليه السّلام حتى صعد ورمى به وكسره فجعل أهل مكة يتعجبون انتهى كلام المواهب اللدنية* وفى الرياض النضرة روى عن علىّ أنه قال حين أتينا الكعبة قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد على منكبى فذهبت لا نهض به فرأى ضعفا منى تحته قال لى اجلس فجلست فنزل عنى وجلس لى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لى اصعد على منكبى فصعدت على منكبيه فنهض بى وانه يخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت البيت* وفى شواهد النبوّة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا حين صعد منكبه كيف تراك قال علىّ أرانى كأن الحجب قد ارتفعت ويخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء فقال رسول الله طوبى لك تعمل للحق وطوبى لى أحمل للحق أو كما قال انتهى قال فصعدت البيت وكان عليه تمثال صفر أو نحاس وهو أكبر أصنامهم وتنحى رسول الله فقال لى ألق صنمهم الاكبر وكان موتدا على البيت بأوتاد حديد الى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايه ايه عالجه جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فجعلت أزاوله أو قال أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى اذا استمكنت منه قال لى رسول الله اقذف به فقذفت به فتكسر كما يتكسر القوارير ثم نزلت وزاد الحاكم فما صعدت حتى الساعة* ويروى انه كان من قوارير رواه الطبرانى وقال خرجه أحمد ورواه الزرندى والصالحانى ثم ان عليا أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدبا وشفقة على النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما وقع على الارض تبسم فسأله النبىّ صلى الله عليه وسلم عن تبسمه قال لأنى
ألقيت نفسى من هذا المكان الرفيع وما أصابنى ألم قال كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل* ويقال ان واحدا من الشعراء أشار الى هذه القصة فى هذه الابيات فقال
قيل لى قل فى علىّ مدحا ... ذكره يخمد نارا مؤصده
قلت لا أقدم فى مدح امرئ ... ضل ذو اللب الى أن عبده
والنبىّ المصطفى قال لنا ... ليلة المعراج لما صعده
وضع الله بظهرى يده ... فأحس القلب أن قد برده
وعلىّ واضع أقدامه ... فى محل وضع الله يده
روى ان الزبير بن العوّام قال لأبى سفيان ان هبل الذى كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعنى ولا توبخنى لو كان مع اله محمد اله آخر لكان الامر غير ذلك كذا وجد فى روضة الاحباب* وفى رواية فجاء النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مقام ابراهيم فصلى ركعتين ثم جلس ناحية فبعث عليا الى عثمان بن طلحة الحجبى فى طلب مفتاح الكعبة فأبى دفعه اليه وقال لو علمت انه رسول الله لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ المفتاح منه قهرا وفتح الباب* وفى شفاء الغرام كلام الواحدى ان عثمان لم يكن حين أخذ ذلك منه مسلما يخالف ما ذكره العلماء من انه كان مسلما* قال ابن ظفر فى ينبوع الحياة قوله لو أعلم انه رسول الله لم أمنعه هذا وهم لانه كان ممن أسلم فلو قال هذا لكان مرتدا* وعن الكلبى لما طلب عليه الصلاة والسلام المفتاح من عثمان بن طلحة مدّيده اليه فقال العباس يا رسول الله اجعلها مع السقاية فقبض عثمان يده بالمفتاح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت يا عثمان تؤمن بالله واليوم الاخر فهاته فقال عثمان فهاكه بالامانة فأعطاه اياه ونزلت الاية قال ابن ظفر وهذا أولى بالقبول* وعن عبد الله بن عمر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلا مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال وعثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ بالمسجد فأمره أن يأتى بمفتاح البيت ففتح ودخل معه أسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة* وفى شفاء الغرام ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة بعد هجرته أربع مرّات يوم الفتح ويوم ثانى الفتح وفى حجة الوداع وفى عمرة القضاء وفى كل هذه الدخلات خلاف الا الدخول الذى يوم فتح مكة* وفى شفاء الغرام طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الفتح يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وفى الاكتفاء وأراد فضالة ابن عمير بن الملوح الليثى قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة قال نعم يا رسول الله قال ماذا كنت تحدّث نفسك قال لا شئ كنت أذكر الله فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما خلق الله شيئا أحب الىّ منه قال فضالة فرجعت الى أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدّث اليها
قالت هلم الى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله والاسلام
لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الاصنام
لرأيت دين الله أضحى بيننا ... والشرك يغشى وجهه الاظلام
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة عام الفتح بلالا أن يؤذن وكان دخل معه وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه محق لا تبعته وقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرته عنى هذه الحصاة فخرج عليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال
لقد علمت الذى قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب نشهد انك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك* وفى المواهب اللدنية عن ابن عمر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقته القصوى وهو مردف أسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال له ائتنى بالمفتاح فذهب الى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى فأعطته اياه فجاء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح به الباب رواه مسلم* وروى الفاكهانى من طريق ضعيف عن ابن عمر أيضا قال كان بنو طلحة يزعمون انه لا يستطيع فتح الكعبة أحد غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة وعثمان هذا لا ولد له وله صحبة ورواية واسم أمّ عثمان سلافة بضم السين المهملة وتخفيف الفاء* وفى الطبقات لابن سعد عن عثمان بن طلحة قال كنا نفتح الكعبة فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال بل عمرت وعزت يومئذ ودخل الكعبة فوقعت كلمته منى موقعا ظننت يومئذ الامر سيصير الى ما قال فلما كان يوم الفتح قال ائتنى بالمفتاح يا عثمان فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف كذا فى شفاء الغرام* قال فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال ألم يكن الذى قلت لك قال فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت قلت بلى أشهد انك رسول الله* وفى التفسير ان هذه الاية ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها نزلت فى عثمان بن طلحة الحجبى أمره عليه السلام أن يأتى بمفتاح الكعبة فأبى عليه وأغلق عليه الباب وصعد البيت وقال لو علمت انه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل صلى الله عليه وسلم ولما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله اجمع لى السدانة مع السقاية وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يريد أن يدفعها الى العباس فانزل الله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها أى سادنها وهو عثمان بن طلحة كذا فى معالم التنزيل فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عليا أن يردّه الى عثمان ويعتذر اليه وقال قل له خذوها يا بنى طلحة بأمانة الله فاعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم أو من أيديكم أو لا يأخذها منكم الا ظالم فردّها علىّ فلما ردّها قال أكرهت وآذيت ثم حئت ترفق قال علىّ لان الله أمرنا بردّه عليك كذا فى معالم التنزيل* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لقد أنزل الله فى شأنك وقرأ عليه ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم كذا فى العمدة* وفى المنتقى ان اسلام عثمان بن طلحة كان قبل ذلك بالمدينة مع اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما مرّ* وفى روضة الاحباب فى هذا الكلام مخالفة بين أهل التفسير وأهل السير لانه ان كان المراد بعثمان سبط عبد الدار بلا واسطة فأبوه أبو طلحة لا طلحة وهو باتفاق أهل السير كان صاحب لواء المشركين يوم أحد فقتل فى ذلك اليوم كما ذكر فى غزوة أحد وان كان المراد به عثمان بن طلحة بن أبى طلحة بن عبد الدار الذى هو ابن أخى عثمان بن طلحة بن عبد الدار فهو أسلم قبل فتح مكة* وفى المواهب اللدنية فجاء جبريل عليه السلام فقال ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى أولاد عثمان وكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة* وفى رواية مسلم دخل صلى الله عليه وسلم يعنى يوم الفتح هو وأسامة
ابن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى فأغلقوا عليهم الباب قال ابن عمر فلما فنحوا كنت أوّل
من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين اليمانيين وذهب عنى أن أسأله كم صلى* وفى رواية جعل العمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة وقد بين موسى بن عقبة فى روايته عن نافع ان بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذى استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فقال أخرجه الدار قطنى فى الغرائب ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وفى رواية ابن عباس قال أخبرنى أسامة أنه عليه السلام لما دخل البيت دعا فى نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع فى قبل البيت ركعتين فقال هذه القبلة رواه مسلم* وأفاد الازرقى فى تاريخ مكة ان خالد بن الوليد كان على باب الكعبة يذب عنه صلى الله عليه وسلم الناس* وفى شفاء الغرام فخرج عثمان بن طلحة الى هجرته مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة مقامه ودفع المفتاح اليه فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبى طلحة من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع بنى عمهم* وفى الصفوة قال الواقدى كان عثمان بن طلحة بن أبى طلحة يلى فتح البيت الى أن توفى فدفع ذلك الى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة فى ولد شيبة وبقى شيبة حتى أدرك يزيد بن معاوية ودفع السقاية الى العباس وأذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة وكسرت الاصنام* وفى الاكتفاء وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة على الصفا يدعو وقد أحدقت به الانصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ثم اجتمع الناس للبيعة فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا* وفى المدارك روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ فى بيعة النساء وهو على الصفا وعمر جالس أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه فجاءت هند ابنة عتبة امرأة أبى سفيان وهى متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا يعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح فان أصبت من ماله هناة فقال أبو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال لها وانك لهند فقالت نعم فاعف عما سلف يا نبىّ الله عفا الله عنك فقال ولا يزنين فقالت أتزنى الحرّة فقال ولا يقتلن أولادهنّ فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان أمر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفى أنفسنا أن نعصيك فلما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول كنا منك فى غرور وستجىء وفاة هند فى الخاتمة فى اوائل خلافة عمرو فى معالم التنزيل قال ابن اسحاق وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف* وفى شفاء الغرام عن ابن عباس من بنى سليم سبعمائة وقيل ألف ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم وطوائف العرب من
بنى تميم وقيس وأسد وفى الاكتفاء وعدت خزاعة الغد من يوم الفتح على رجل من هذيل يقال له ابن الابوع فقتلوه وهو
مشرك برجل من أسلم يقال له احمر باسا وكان رجلا شجاعا قتله خراش بن أمية الخزاعى ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال ان خراشا لقتال يعنفه بذلك وقام صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال يا أيها الناس ان الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما وأن يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد كان قبلى ولا تحلّ لاحد يكون بعدى ولم تحلّ لى الا هذه الساعة غضبا على أهلها ألا قد رجعت كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له ان الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل لقد قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ان شاؤا فدم قاتله وان شاؤا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى قتلته خزاعة* وفى المواهب اللدنية فان ترخص أحد فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما احلت لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد الغائب* وفى معالم التنزيل وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة وأقام بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة كذا فى البخارى وفى رواية تسع عشرة* وفى رواية أبى داود سبع عشرة وعند الترمذى ثمان عشرة ليلة يصلى ركعتين* وفى الاكليل بضع عشرة يقصر الصلاة* قال ابن عباس ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا وفى رواية أقام بمكة بقية الشهر وستة أيام من شوّال ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنينا وسيجئ*
,
الاوّل عبد الله بن خطل
روى ان النبى صلى الله عليه وسلم عهد الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا أحد عشر رجلا وست نسوة فانه أمر بقتلهم أينما ثقفوا من الحلّ والحرم وان وجدوا تحت أستار الكعبة* وفى المواهب اللدنية وقد جمع الواقدى عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة انتهى* اما الرجال الاحد عشر فواحد منهم عبد الله بن خطل رجل من تيم بن غالب بن فهر وقد كان قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزى فغير النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الله وبعثه الى قبيلة مصدّقا وكان معه رجل من أسلم وفى رواية من خزاعة أو من الروم* وكان يخدمه وأمره أن يصنع له طعاما* وفى المواهب اللدنية كان معه مولى يخدمه وكان مسلما ونزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتدّ وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه كذا فى معالم التنزيل ففى يوم فتح مكة استعاذ بالكعبة وتعلق بأستارها واختفى تحتها وحين كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت قيل له يا رسول الله هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه فقتلوه فى ذلك المكان وهو آخذ بثياب الكعبة يتعوّذ بها وفى قاتله اختلاف والصحيح انه أبو برزة الاسلمى وسعيد بن حريث المخزومى اشتركا فى قتله كذا فى شفاء الغرام*
,
وفى عشرين من رمضان هذه السنة يوم الجمعة وقيل فى سادس عشر منه وقعت غزوة فتح مكة* وفى البخارى على رأس ثمان ونصف من مقدمه المدينة* وفى خلاصة السير لسبع ستين وثمانية أشهر واحد عشر يوما* وفى الاكتفاء أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه الى مؤتة جمادى الاخرة ورجبا ثم عدت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة على خزاعة قال أصحاب الاخبار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر ستين يأمن فيهنّ الناس ويكف بعضهم عن بعض وانه من أحب أن يدخل فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه كما مرّ فدخلت بنو بكر فى عقد قريش ودخلت خزاعة فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شرّ قديم ولما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية عدت بنو بكر على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير فخرج نوفل بن معاوية الديلى فى بنى ديل من بنى بكر وليس كل بنى بكر تابعه كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى كلمت بنو نفاثة وهم من بنى بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح فوعدوهم ووافوهم وكان ممن أعان بنى بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وحويطب ومكرز مع عبيدهم فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارّون فقتلوا منهم عشرين رجلا ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا ان هذا نقض للعهد الذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمرو بن سالم الخزاعى فى أربعين راكبا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة* وروى عن ميمونة بنت الحارث زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها فى ليلتها ثم قام وتوضأ للصلاة فسمعته يقول لبيك لبيك ثلاثا فلما خرج من متوضئه قلت له يا رسول الله بأبى أنت وأمى انى سمعتك تكلم انسانا فهل كان معك أحد قال هذا راجز بنى كعب يستصرخنى ويزعم ان قريشا أعانت عليهم بنى بكر قال فأقمنا ثلاثة أيام ثم صلى الصبح بالناس فسمعت راجزا ينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد جالس بين ظهرانى الناس وهو يقول
لاهمّ انى ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الا تلدا
انا ولدناك وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
ان قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وجعلوا لى فى كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا ... فانصر هداك الله نصرا أبدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا
فى فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... أبيض كالبدر ينمى صعدا
ان سيم خسفا وجهه تربدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت يا عمرو بن سالم* وفى المنتقى نصرت نصرت ثلاثا أو لبيك لبيك ثلاثا ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال ان هذه السحابة لتستهل لنصر بنى كعب وهم رهط عمرو بن سالم* وفى المنتقى فلما كان بالروحاء نظر الى سحاب منصب فقال ان هذا السحاب لنصب لنصر بنى كعب ثم خرج يديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من خزاعة حتى قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين الى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء ليشدّد العقد ويزيد فى المدّة ومضى بديل بن ورقاء فلقى أبا سفيان بعسفان قد بعثه قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد ويزيد فى المدّة وقد رهبوا الذى صنعوا فلما لقى أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل فظن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرت الى خزاعة فى هذا الساحل وفى بطن هذا الوادى قال أو ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل مكة قال أبو سفيان لئن كان بالمدينة لقد علف بها فعمد الى منزل ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وهو بيت ابنته أم حبيبة ابنة أبى سفيان فأتى ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه قال يا بنية أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى قالت بلى هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس وما أحب ان تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدى شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يردّ عليه شيئا ثم ذهب الى أبى بكر وكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فأبى ثم أتى على بن أبى طالب فأبى ثم قال لفاطمة ان تأمر ابنها الحسين وهو غلام يدب بين يدى أبويه حتى يجير له فأبت فقال يا أبا حسن انى أرى الامور قد اشتدّت علىّ فانصحنى قال والله ما أعلم شيئا يغنى عنك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان فى المسجد فقال أيها الناس انى قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما ردّ علىّ بشئ ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد عنده خيرا وجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم أتيت علىّ بن أبى طالب فوجدته ألين الناس فقد أشار علىّ بشئ صنعته فو الله ما أدرى هل يغنينى شيئا أم لا قالوا وماذا أمرك قال أمرنى أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا والله ان زاد علىّ الا أن لعب بك الناس فما يغنى عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه ولم يعلموا به أحدا فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها وهى تصلح بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية ما هذا الجهاز قالت لا أدرى قال أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تجهزوه قالت نعم فنجهزه قال فأين ترينه يريد قالت ما أدرى قال ما هذا زمان غزوة بنى الاصفر فأين يريد قالت لا علم لى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس انه سائر الى مكة وقال اللهمّ خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نسبقها فى بلادها* وفى رواية قال اللهم عمّ عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة فتجهز الناس فكتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا الى أهل مكة وبعثه مع سارة مولاة بنى المطلب* وفى معالم التنزيل والمدارك ان مولاة لابى عمرو بن صيفى بن هاشم بن عبد مناف يقال لها سارة أتت المدينة من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها أمسلمة جئت قالت لا فال أفمهاجرة قالت لا قال فما جاء بك قالت قد ذهبت الموالى وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى وتكسونى وتحملونى فقال لها وأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما طلب منى شئ بعد وقعة بدر فحث عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوة وحملوها* وفى شفاء الغرام حامل كتاب حاطب بن أبى بلتعة أم سارة مولاة لقريش وفيه أيضا أم سارة هى التى أمر النبىّ صلى الله
عليه وسلم بقتلها يوم فتح مكة وانها كانت مولاة لقريش وبين الحافظ مغلطاى اسم المرأة وقال كتب حاطب كتابا وأرسله مع أم سارة كنود المزنية انتهى* ولما علم حاطب بن أبى بلتعة حليف بنى أسد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب اليهم كتابا ودفعه الى سارة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى أهل مكة وكتب فى الكتاب وفى المدارك واستحملها كتابا نسخته* من حاطب بن أبى بلتعة الى أهل مكة اعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم* وفى رواية كتب فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له وعده* وفى رواية كتب فيه ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم الحذر ذكرهما السهيلى فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبى بلتعة الى المشركين أو الى أهل مكة فخذوه منها وخلوا سبيلها فان لم تدفعه اليكم أو قال فان أبت فاضربوا عنقها* قال الواقدى روضة خاخ بقرب ذى الحليفة على بريد من المدينة فانطلقوا تعادى بهم خيلهم حتى أتوا الروضة فأدركوها فى ذلك المكان الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علىّ والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال أخرجى الكتاب والا لا جردنك أو لا ضربن عنقك* وفى المدارك اخرجى الكتاب أو تضعى رأسك* وفى رواية لتخرجن الكتاب أو لتلقنّ الثياب فلما رأت الجد أخرجته من عقيصتها قد خبأته فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرّضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حاطب فأتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله لا تعجل علىّ والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك أو قال نصحتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين الا وله بمكة من يمنع عشيرته* وفى رواية وكان لمن معك من المهاجرين بمكة قرابات يحمون أهلهم وأموالهم وكنت غريبا فيهم* وفى رواية كنت امرأ ملصقا فى قريش بقول حليفا ولم أكن من أنفسها وليس فيهم من يحمى أهلى وكان أهلى بين ظهرانيهم فخشيت على أهلى فأحببت اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتى وقد علمت بأن الله ينزل بهم بأسه وان كتابى لا يغنى عنهم شيئا ولم أفعل ذلك ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فقال أما انه قد صدقكم فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر فأنزل الله عز وجل فى حاطب يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء تلقون اليهم بالمودّة الاية وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى من حوله من الاعراب فجلبهم وهم أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفارى* وفى المنتقى عبد الله بن أم مكتوم وخرج عامدا الى مكة يوم الاربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم وصام الناس حتى اذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج* وعن ابن عباس الكديد الماء الذى بين قديد وعسفان* وفى القاموس الكديد ماء بين الحرمين أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وقدّم أمامه الزبير وقد كان ابن عمته*
وأخوه من رضاع حليمة السعدية أبو سفيان بن
الحارث بن عبد المطلب ومعه ولده جعفر بن أبى سفيان وكان أبو سفيان يألف رسول الله فلما بعث عاداه وهجاه وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة لقياه بنبق العقاب فيما بين مكة والمدينة* وفى المواهب اللدنية كان لقاؤهما له عليه السلام بالابواء وقيل بين السقيا والعرج فالتمسا الدخول عليه فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما لما كان يلقى منهما من شدّة الاذى والهجو وكلمته أم سلمة وهى أخت عبد الله فيهما فقالت يا رسول الله لا يكن ابن عمك وابن عمتك وصهرك أشقى الناس بك قال لا حاجة لى فيهما أما ابن عمى فهتك عرضى وأما ابن عمتى وصهرى فهو الذى قال لى بمكة ما قال فلما خرج الخبر اليهما بذلك قال أبو سفيان ومعه بنى له اسمه جعفر بن أبى سفيان والله ليأذنن لى أو لاخذنّ بيد بنى هذا ثم لنذهبن فى الارض حتى نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لابى سفيان فيما حكاه ابو عمرو وصاحب ذخائر العقبى ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل ما قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* وقد مرّ فى أولاد عبد المطلب فى النسب ويقال ان أبا سفيان ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه قالوا ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل ثم سار حتى نزل مرّ الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين لم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد* وفى القاموس ظهران واد بقرب مكة يضاف اليه مر ومرّ الظهران موضع على مرحلة من مكة وقال بعضهم ومنه الى مكة أربعة فراسخ قال ابن سعد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل وهم مغتمون لما يخافون من غزوه اياهم وقد كان عباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق فخرج فى تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسون الاخبار هل يجدون خبرا وقد قال العباس ليلتئذ واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوا انه لهلاك قريش الى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج الى الاراك لعلى ألقى بعض الخطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة قال فخرجت وانى لا طوف فى الاراك التمس ما خرجت له اذ سمعت صوت أبى سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان فأبو سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال بديل والله هذه نيران خزاعة حشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة والله ألأم وأذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى فقلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين واصباح قريش قال فما الحيلة فداك أبى وأمى قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفنى ورجع صاحباه فحرّكت به بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاه امررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررت بنار عمر
فقال من هذا وقام الىّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة قال أبو سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكننى منك بغير عقد ولا عهد ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله تعالى منه بغير عقد ولا عهد فدعنى أضرب عنقه فقلت يا رسول الله انى قد أجرته ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه قال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم للعباس بعد تنازع وتراجع فى الكلام بينه وبين عمر اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به قال فذهبت به الى رحلى فبات عندى فلما أصبحت غدوت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا اله الا الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما اكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئا قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك أما هذه والله كان فى النفس حتى الان منها شئ قال العباس قلت ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك فشهد شهادة الحق وأسلم وفى رواية عروة لما دخل أبو سفيان مع العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة أسلم* قال أبو سفيان يا محمد انى قد استنصرت الهى واستنصرت الهك فو الله ما لقيتك من مرة الا ظهرت علىّ فلو كان الهى محقا والهك مبطلا لظهرت عليك فشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه بمضيق الوادى عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها قال فخرجت به حتى حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرّت به القبائل على راياتها كلما مرّت قبيلة قال من هؤلاء يا عباس فأقول سليم فيقول مالى ولسليم ثم تمرّ القبيلة قال من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالى ولمزينة حتى نفدت القبائل لا تمرّ قبيلة الا سألنى عنها فاذا أخبرته فيقول مالى ولبنى فلان حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم الا الحدق قال سبحان الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن اخيك عظيما قلت ويحك يا أبا سفيان انها النبوّة قال فنعم اذا قلت الحق بقومك فحذرهم* وفى الاكتفاء التجئ الى قومك فخرج سريعا حتى اذا جاءهم فصرخ باعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فه قال فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت اليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به فقالت اقتلوا الحميت الدسم الاحمس قبح من طليعة قوم قال ويحكم لا تغرّن هذه من أنفسكم فانه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا قاتلك الله وما تغنى دارك عنا شيئا قال فمن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن* وفى رواية نادى أبو سفيان أسلموا تسلموا فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد* وروى ان حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهر ان فأسلما فبايعاه فبعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الى قريش يدعو انهم الى الاسلام ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم
راجعين الى مكة بعث فى أثرهما الزبير بن العوّام وأعطاه الراية وأمره على خيل المهاجرين والانصار وأمره أن يسير من طريق كداء وأن يركز رايته باعلى الحجون
وقال له لا تبرح من حيث أمرتك أن تركز رايتى حتى آتيك* وفى الاكتفاء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذى طوى الزبير بن العوّام أن يدخل فى بعض الناس من كداء وكان على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كدى فذكروا ان سعدا حين وجه داخلا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قيل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا رسول الله أتسمع ما قال سعد ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة وصدمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ بن أبى طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذى تدخل بها ويقال أخذت الراية من سعد ودفعت الى ابنه قيس بن سعد ويقال أمر الزبير بأخذ الراية وجعله مكان سعد على الانصار مع المهاجرين* وفى المواهب اللدنية هذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت اليه الراية التى نزعت من سعد والذى يظهر من الجميع ان عليا أرسل لينزعها من سعد ويدخل بها ثم خشى من تغير خاطر سعد فأمر بدفعها الى ابنه قيس ثم ان سعدا خشى أن يقع من ابنه شئ ينكره النبىّ صلى الله عليه وسلم فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من قيس فحينئذ أخذها الزبير وجعل أبا عبيدة بن الجراح على الحسر والبيادق كذا فى المواهب اللدنية والمنتقى* فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون وغرز هناك راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر خالد بن الوليد وكان على المجنبة اليمنى أن يدخل فيمن أسلم من قضاعة وبنى سليم وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وسائر القبائل فدخل من الليط أسفل مكة وبها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة والاحابيش الذين استنفرتهم واستنصرتهم قريش وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم خالدا أن يركز رايته عند منتهى البيوت وأدناها وكان ذلك أوّل امارة خالد وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلوا الا من قاتلكم ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ذى طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حمراء وانه ليضع رأسه تواضعا لله وشكرا له حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى ان عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل* العثنون بالعين المهملة والثاء المثلثة والنونين بينهما واو اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلا أو هو طولها وشعيرات طوال تحت حنك الابل كذا فى القاموس* ولما وقف صلى الله عليه وسلم هناك قال أبو قحافة وقد كف بصره لابنة له من أصغر ولده وهو على أبى قبيس مشرفا عليه أى بنية ماذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدى ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال أى بنية ذاك الوازع يعنى الذى يأمر الخيل ويتقدّم اليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله اذا دفعت الخيل فأسرعى بى الى بيتى فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل الى بيته وفى عنق الجارية طوق من ورق فتلقاها رجل فقطعه من عنقها قال فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ فى بيته حتى أكون أنا آتيه فيه فقال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشى اليك من ان تمشى أنت اليه قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانّ رأسه ثغامة فقال غيروا هذا من شعره وسيجىء ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال انشد الله والاسلام طوق أختى فلم يجبه أحد فقال أى أخية احتسبى طوقك فو الله ان الامانة اليوم فى الناس قليل ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال وأما خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فلقيه قريش وبنو بكر والاحابيش فقاتلوه فقتل منهم قريبا من عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد وهرب فضيضهم حتى دخلوا الدور
وارتفعت طائفة منهم على الجبال واتبعهم
المسلمون بالسيوف وهربت طائفة منهم الى البحر والى صوب اليمن وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أواخر المهاجرين حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة* وروى مسلم من حديث جابر دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غيرا حرام* وروى ابن ابى شيبة باسناد صحيح عن طاوس لم يدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وقد اختلف العلماء هل يجب على من دخل مكة الاحرام أم لا فالمشهور من مذهب الشافعىّ عدم الوجوب مطلقا وفى قول يجب مطلقا وفيمن يتكرّر دخوله خلاف مرتب فاولى بعدم الوجوب والمشهور عن الائمة الثلاثة الوجوب كذا فى المواهب اللدنية* ولما علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر الى البارقة على الجبل مع فضض المشركين فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقال المهاجرون نظنّ ان خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن بد أن يقاتل من قاتله وما كان يا رسول الله ليعصيك ولا ليخالف أمرك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز على الحجون واندفع الزبير بن العوّام حتى وقف بباب الكعبة* وفى الاكتفاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد الى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا انه قد عهد فى نفر قد سماهم أمر بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة وسيجىء ذكرهم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالحندمة ليقاتلوا فيهم حماس ابن قيس بن خالد اخو بنى بكر وقد كان أعدّ سلاحا وأصلح منها فقالت له امرأته لم تعدّ سلاحك هذا قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه يقوم لمحمد شئ قال والله انى لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال
ان يقتلوا اليوم فما لى علة ... هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة
ثم شهد الحندمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهرى وخنيس بن خالد بن الاشقر كانا فى خيل خالد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقاتلا جميعا وأصيب سلمة بن الميلاء الجهنى من خيل خالد وأصيب من المشركين ناس ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته وقال لامرأته أغلقى علىّ بابى قالت فأين ما كنت تقول فقال
انك لو شهدت يوم الخندمة ... اذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة
واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا تسمع الا غمغمة ... لهم نهيت خلفنا وهمهمة
لم تنطقى فى اللوم أدنى كلمة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد بعد أن اطمأنّ لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال قال هم يدؤنا ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا النبل وقد كففت يدى ما استطعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء الله خير وفرّ يومئذ صفوان بن أمية عامد اللبحر وعكرمة بن أبى جهل عامد الليمن وستجىء قصتهما* وفى المنتقى وكل الجنود لم يلقوا جنودا غير خالد فانه لقى صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو وعكرمة ابن أبى جهل فى جمع من قريش فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموا بالنبل فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم فقتل أربعة وعشرون من قريش وأربعة من هذيل فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم قال لخالد ألم أنه عن القتال فقيل قوتل خالد فقاتل كما مرّ* وفى شفاء الغرام عن عطاء ابن السائب قال حدّثنى طاوس وعامر قالا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم خالد بن الوليد
فانا لهم شيئا من قتل فجاء رجل من قريش فقال يا رسول الله هذا خالد بن الوليد قد أسرع فى القتل فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لرجل من الانصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد قل له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الانصارى فقال يا خالد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا من مكة فجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد لا يلقى أحدا من الناس الا قتله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ادع لى خالدا فلما أتى اليه خالد قال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت الىّ أن أقتل من قدرت عليه قال ادع لى الانصارى فدعاه له فقال ألا آمرك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فكان ما أراد الله فسكت صلى الله عليه وسلم ولم يقل للانصارى شيئا وقال يا خالد قال لبيك يا رسول الله قال لا تقتل أحدا قال لا* وفى المواهب اللدنية والمنتقى روى أحمد ومسلم والنسائى عن أبى هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على احدى المجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الآخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم المهملة وتشديد السين المهملة أى الذين بغير سلاح فقال لى يا أبا هريرة اهتف لى بالانصار فهتفت بهم فجاؤا فأطافوا فقال لهم أترون الى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال باحدى يديه على الآخرى احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله ابحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالت أمّ هانئ بنت أبى طالب وكانت عند هبيرة بن أبى وهب المخزومى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فرّ الىّ رجلان من أحمائى من بنى مخزوم فدخل علىّ أخى على بن أبى طالب فقال والله لاقتلنهما فأغلقت عليهما بيتى ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة كان فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثمان ركعات من الضحى ثم انصرف الىّ فقال مرحبا وأهلا بأمّ هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علىّ فقال قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ وأمّنا من أمّنت فلا يقتلنهما* قال ابن هشام هما الحارث بن هشام وزهير بن أمية بن المغيرة* وفى رواية للبخارى انه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل فى بيت أم هانئ ثم صلى الضحى ثمان ركعات فقالت لم أره صلى صلاة أخف منها غير انه يتم الركوع والسجود وذكره فى المواهب اللدنية* وفى رواية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة حين ارتفعت الشمس على ناقته القصوى بين أبى بكر وأسيد بن حضير وقد أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعا لله وهو يقرأ سورة الفتح* وفى الاكتفاء ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأنّ الناس خرج حتى أتى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن فى يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال لا اله الا الله صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألاكل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمىّ هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء الناس لادم وآدم خلق من تراب ثم تلاهذه الاية فقال يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية ثم قال يا معشر قريش أو يا أهل مكة ماذا ترون أنى فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء
فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فلذلك تسمى اهل مكة الطلقاء أى الذين أطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق هو الاسير اذا أطلق قال ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فقام اليه علىّ بن أبى طالب ومفتاح الكعبة فى يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برّ ووفاء وقال لعلىّ فيما حكى ابن هشام انما أعطيكم ما تزرؤن لا ما ترزؤن* وفى البحر العميق دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى اجمع لى الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيكم ما تزرؤن فيه لا ما ترزؤن منه قال أبو على معناه أنا أعطيكم ما تتموّنون على السقاية التى تحتاج الى مؤن أى فأنتم ترزؤن بضم التاء وسكون الراء المهملة قبل الزاى المعجمة المفتوحة من الرزء بالضم وهو النقص أى يرزؤكم الناس أى ينقصونكم بالاخذ لتموينكم اياهم بتموين السقاية المعدّة لهم وأما السدانة فيرزؤ بها الناس بالبعث اليها أى بعث كسوة البيت أى لا يليق أن ترزؤا بفتح التاء وسكون الراء المهملة قبل المعجمة أى تنقصوا الناس بأخذ أموالهم والتعرّض لذلك لشرفكم وقيل معنى ترزؤن فيه بضم المثناة أى تصيبون فيه الخير بصرف أموالكم فى موّنات زمزم ومعنى ما تزرؤن منه بفتح المثناة أى تستجلبون به الاموال أى تأخذون منه أموال الناس كالحجابة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عضادتى باب الكعبة فقال ألا ان كل دم أو مأثرة كانت فى الجاهلية فهى تحت قدمىّ هاتين الا السقاية وسدانة الكعبة فانى قد أمضيتهما لاهلهما على ما كانت فى الجاهلية فقبضها العباس وكانت فى يده حتى توفى فوليها بعده عبد الله بن عباس فكان يفعل فيها كفعله دون بنى عبد المطلب وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن أولى بها فى الجاهلية والاسلام وقد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة طلحة بن عبيد الله وعامر بن ربيعة وأزهر ابن عبد عوف ومخرمة بن نوفل ان العباس بن عبد المطلب كان يليها فى الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبو طالب فى ابله فى باديته بعرفة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها العباس يوم الفتح دون بنى عبد المطلب فعرف ذلك من حضر وكانت بيد عبد الله بن عباس بتولية رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره لا ينازعه فيها منازع ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفى فكانت فى يد علىّ بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجدّه ويأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبذه حتى توفى فكانت فى يد ولده حتى الان قال الازرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء* وذكر ابن عقبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى طوافه نزل فأخرجت الراحلة فركع ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت منها بيدى تم انصرف الى ناحية المسجد قريبا من مقام ابراهيم وكان المقام لا صقا بالكعبة فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا صلى الله عليه وسلم بسجل من ماء فشرب وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه ويصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون اليهم ويتعجبون ويقولون ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا سمعنا به*